الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع زواج فاشل … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 23
الادب والفن


استدارت الشمس ، وبدأت تنحدر نحو الافق ، انسحبت الطيور ، وهبط المساء بهدوئه الباعث على التأمل ، كان القمر مكتملاً .. والسماء مرصعة بالنجوم المتلألئة .. واصلنا السير متشابكي الايدي ، ونحن نخطوا أولى خطواتنا في أول يوم نخرج فيه لوحدنا بعد خطبة مضى عليها أسابيع ، لسهرة في احد الاندية الاجتماعية ، خططتُ لها بعناية ، كنت اتحدث طوال الطريق حديثاً عاماً دون استجابة من خطيبتي التي تبدو ، وكأنها في عالم آخر …
طالت بيننا لحظات الصمت المملة ، والمحرجة ، وصلنا اخيراً الى وجهتنا ، التفتُ اليها لأحثها على العودة الى اجواء السهرة ، رايتها هائمة في افكارها ، ضغطتُ على يدها لأشعرها بوجودي ، وأن تترك حالة التوهان التي لبستها ، التفتتْ نحوي كمن أُلقي على وجهه بخة ماء بارد ، قابلتها بابتسامة ، وقلت متسائلاً : هل من شئ ، الم يعجبك المكان ، هل تريدين ان نذهب الى مكان آخر ؟
قالت في برود : لا لا المكان حلو ، حاولتْ ان تمنحني ابتسامة صغيرة ، لكنها كانت ابتسامة حزينة وفاترة ، لم ارغب في ان الح اكثر …
جلسنا متقابلين ، بيننا المنضدة ، ولكن ركبتينا كانتا متلامستين اسفلها .. لا ادري ان كان ذلك عفوياً ، لضيق المسافة بيننا ، ام كان مقصوداً منا نحن الاثنين ، وعندما جاء النادل اعتدلنا اكثر في جلستنا .. طلبنا مرطبات كبداية ، اخذتُ احدثها عني ، وعن حياتي في البيت ، والعمل .. كنت عازماً على ان اكون صريحا بالحدود المعقولة دون ان أقع في مشاكل لا ضرورة لها ، وأن أؤسس لعلاقة صحيحة أساسها الثقة المتبادلة ، والتوافق في الرؤى ، والافكار .. كانت صامتة كأنها منومة ، تكتفي بالاصغاء ، وتحريك راسها حركات تنسجم مع تعابير وجهها التي ترسم بها الانفعالات التي يستدعيها المشهد الذي اجسده في مخيلتها …
أخذنا في تناول عشاءنا ، والصمت عاد يفصل بيننا مرة أخرى الى حدود لا تحتمل ، لم نتبادل كلمة واحدة ، صمت لا تمزقه الا اصوات مضغنا للطعام ، وما يحدثه تصادم ملاعقنا العفوي في الصحون ، كنت ارفع رأسي بين وقت وآخر ، وانظر اليها ، اجدها تأكل بصمت ، وهدوء شخصٍ مستغرق في التفكير …
شعور في داخلي يقول أن في الامر شئ غير طبيعي ، قلت ليس هناك افضل من الصراحة لمعرفة ما بداخلها من اسباب جعلتها تتصرف بهذه الطريقة ، أجلت الحديث الى ما بعد العشاء .. بعد الانتهاء من العشاء ، أشرت الى النادل ليأتي ، وينظف المنضدة ، جاء وسحب المواعين الممتلئة الى نصفها بالطعام ، وكدّسها كلها في صينية واحدة .. وغادر ، لحظات من صمت ، استرددتُ فيها انفاسي ، واستجمعت النتف الباقية من رغبتي في فتح حوار معمق للوصول الى الحقيقة قبل اتخاذ اي قرار قد يكون مؤذياً لأي واحد منا ، قلت في صوت غلب عليه التصميم :
انتِ لستِ معي ؟ لم اعتد بعد على مناداتها بحبيبتي ! صمتتْ قليلا كأنها تتحسس طريقها للدخول في الموضوع الذي كان يقلقها طوال الوقت ، هل تريد ان نتكاشف ؟ بدت انفعالية ، ومتأهبة لهجوم أعدت له العدة ! يبدو اننا في طريقنا الى ان نتحول من الصمت الى وخزات ألم الصدام .. قلت بسرعة ، وكأنني استعجلها لتكشف عما في نفسها : طبعا ليس هناك افضل من الصراحة ، والمكاشفة ، انهما من مبادئي في الحياة .. من فضلكِ ابدئي ، فانتِ كما أرى من عنده مشكلة تستدعي المصارحة ، سرحت قليلاً كأنها تستجمع أفكارها ، ثم قالت ، وهي تخرج كل ما في داخلها من انفعالات :
هل عندك علاقة مع إمرأة أخرى ؟!
فاجأني سؤالها ، كأنه قادم من شخص آخر ، كنت تحت وطأة المفاجأة غير قادر على الرد ، تعاود الالحاح بالسؤال ، وكأنها تحت ضغط نفسي معين ، افقت من ذهولي ، همستُ في سري :
هذه هي الفكرة اذن !
تسائلتُ : أهي مكاشفة أم استجواب أم تهمة أم سوء ظن ؟ سمها ما شئت ، قالتها بحدة ، لم تعجبني طريقتها لا في السؤال ، ولا في الرد … أجبتها بهدوء :
كان عندي … نعم ، وهذا شئ تقريباً طبيعي عند معظم الرجال ، أما اليوم فأنا نظيف مثل الكرستال لا تربطني اي علاقة الا معكِ … هكذا كنت أفكر ، عازماً على بداية صحيحة ، وحياة زوجية سليمة ، افهمتها بأن الماضي مجرد ماضي ولى ، وانتهى .. وعلينا بالمستقبل !
قاطعتني وهي تشيح بوجهها ، وكأنها لم تقتنع بجوابي ، ماذا عن … وذكرت اسماً غريباً لم اسمع به في حياتي ، من اين تأتين بهذه الاوهام .. ؟ اوهام … ؟! كررتها بعدي مستنكرةً ، كأنها واثقة مما تقول .. قلت مدافعاً عن نفسي ، وقد بدء صوتي في الاحتقان بعد ان تعرضت لتجني ، وادعاء ليسا صحيحين : انك تتصورين أشياء لا وجود لها ، هل تقبلين ان اذكر اسماً لا على التعيين ، واتهمك بعلاقة مع حامل هذا الاسم … ؟ لا احد في حياتي ، من يقول ؟ أنا .. ، أجابت بتحدي ، ومن يشهد للعروسة .. اجابتني بعصبية : من فضلك ، قلت بشئ من التوتر ، والعصبية أنا الآخر ، كأني بركانٌ يتثائب : اذا كانت البداية هكذا ، فلنضع حداً من الان ، وننهي الموضوع من أساسه ، فنحن لا نزال على البر !
شعرتُ بأني انزلق الى طريق لا اعرف نهايته مع إنسانة قد تكون قد وقعت فريسة لعتمة الشك .. وهكذا عدت بها الى البيت وسط احتجاجها ، ودموعها ، يبدو انها لم تكن تتوقع مني هذا الموقف ، تركتها امام البيت دون أن أدخل ، وانسحبت .. رددتُ مع نفسي : يا لها من بداية ! دخل قلبي يقين شبه مؤكد في تلك اللحظة ان هذه ستكون المرة الاخيرة !
كنت بحاجة الى لحظة أسكن فيها الى نفسي ، وأرتب افكاري بهدوء .. لأن أبعد قراراتنا عن الصواب هي التي نتخذها ، ونحن منفعلون .. فالبداية الخاطئة لا يمكن البناء عليها صرحاً ثابتا ، ومستقراً .. كالزواج ، لانها ببساطة .. وهم سرعان ما يتداعى بسهولة امام أي ريح صفراء تهب عليه ، هذا ما توصلت اليه ، وما شددت العزم على تنفيذه ، غدا ساخبرها ، واهلها بانسحابي !
طوال تلك الليلة .. لازمتني رؤى من المخاوف ، والقلق زادت من عزمي على تصحيح الخطأ قبل ان تقع الفأس في الرأس ، ربما كنت قد تسرعت في اختياري ، ولم ادرس الموضوع جيداً ، وكيف لي ان اعرف عنها اكثر مما عرفت ، وانا لم اتعرف عليها الا منذ بضعة اسابيع في مشروع زواج تقليدي ، وعلى النموذج الشرقي المحافظ ؟
في اليوم التالي .. وفي وقت مبكر ، كنت بين النوم ، واليقظة اهم للتهيؤ للذهاب الى عملي رن الهاتف ، تجاهلت النداء وقلت : من اين ما يكون فلن ارد ، نظرتُ الى اسم المتصل ، وجدته اسمها ، قذفت بالتلفون بعيداً ، وبدأتُ يومي كالعادة .
ثم كل نصف ساعة تقريباً يأتيني نداء منها ، ولا أرد .. حتى استدعاني مديري بشكل مفاجئ ، ذهبتُ .. ولذهولي ، وجدتها جالسة في غرفته يبدو عليها التوتر والحرج ، ومسحة من حزن ، وتعب .. واضحين من وجود هالات سود حول عينيها .. سلمت وجلست ، خرج المدير ليترك لنا مجال تصفية ما بيننا من اشكال .. لم يرق لي حضورها الى مكان عملي ، فطلبتُ الأذن في الانصراف ، ذهبنا الى كازينو قريب ، وتقابلنا في جلستنا .. بادرتُ كأنني استعجل الامور لحسمها : اسمعي يا بنت الناس ، نحن لسنا اطفالاً ، ولا مراهقين ، لقد تخطينا هذه المراحل بسنين ، واليوم أما نبني حياة زوجية صحيحة أو كل واحد يذهب في سبيل حالة .. هكذا ببساطة !
شهقتْ .. وهي تبكي ، بدت مستسلمة ، أدارت وجهها نحوي ، فرأيته مغرورقا في الدموع التي افسدت الكحل في عينيها ، ثم قالت : انه مجرد اتصال كيدي من واحدة حاقدة ، ومريضة لا تريد لها الخير ، ثم اكملت شرح مبررات اعتذارها وسط نشيجها المتقطع .. وقالت : كنتَ على حق ! وكررتْ اعتذارها ، هدئتني كلماتها دون ان تقنعني .. قلت في سري : ما افظع الجرم ، وما أهون الاعتذار .. !
إنتهى الموضوع عند ذاك الحد ، رغم ما تركه من شرخ واضح في علاقتنا ، اتفقنا على تجاوز المحنة ، والبدء من جديد .. التقينا في بيتهم مرات لم اجد منها مشاركة لآرائي ، ولا انا اتفاقاً مع توجهاتها السطحية ، هذا امر ليس غريباً فكل واحد منا قادم من خلفية ثقافية ، واجتماعية مختلفة ، وقد تكون متناقضة ، فكيف يمكن الجمع بين مستحيلين ؟!
تراكمت ألأيام .. وانخفضت وتيرة لقاءاتنا ، وقل الحماس .. وفي يوم اتفقنا تحت الحاح منها ، وبدافع خفي من اهلها أن نذهب الى احد المتنزهات لترطيب الاجواء بيننا بعد فيض من التوترات المتلاحقة ، كان المتنزه مكتظاً بالناس من الجنسين ، ومن كل الاشكال ، والطبقات ، وهذا امر عادي ، وطبيعي .. لاحظت منها سلوكاً غريبا وغبياً ، كأنها عن قصد تتخلف أحياناً عني بخطوة ، ونحن نتمشى .. رغم أن مشيي كان بطيئاً ، وعندما التفت اراها تراقب نظراتي ، وحركاتي ، وسحنة وجهها تكشف عما في داخلها من هواجس من سوء الظن ، وعندما احثها على المشي بجانبي او امامي ترتبك .. أدركت أن هناك شيئاً في داخلها لا يكف عن الاحتراق .. حتى يفنيها تماماً !
خطر ببالي انها ربما تحاول ان تضبط اتجاه عينيي .. هل انظر الى النساء الملئ بهن المتنزه ، ام يفترض بي أن اسير مغمض العينين حتى لا اثير شكها المرضي هذا ، لم ترق لي الحال ، تأكد لي بانها غير واثقة اولاً من نفسها ، ومن ثم بي انا زوج المستقبل ، قلت في نفسي لا يمكن أن يأتي هذا من فراغ ، ربما تكون ضحية لتجربة مريرة نزعت الثقة من الرجال جميعاً ، لم أكن على استعداد لأن اكون فأر اختبار لها أو لغيرها ، ولا أريد ان اكون قرباناً للتضحية من اجل أمل قد لا يتحقق بإصلاحها !
شعرت في اعماقي بالاسف ، والالم عليها ، وعلى امثالها من الفتيات ضحايا امراض اجتماعية معينة ! جلسنا على احد المقاعد ، وشرحت وجهة نظري في الزواج الناجح ، وكأني أُلمح الى فراق بات وشيكاً بيني وبينها ، عزمتُ في داخلي على ان لا ارهن مستقبلي مع امرأة تعاني من عقدة الشك الى درجة مرضية قد تحيل حياتي في المستقبل الى جحيم ، لم أكن أُريد ان أرى منها ، واعرف عنها اكثر من ذلك ، وآن لي ان أكف عن رؤيتها ، وانزعها من ذاكرتي ، وأنهي الموضوع ، ولم يعد هناك مجال للتراجع أو المساومة ، او انصاف الحلول .. !
قلت بهدوء : الثقة المتبادلة ، والتوافق الفكري .. هما المفتاح لنجاح اي زواج ، وتحقيق السعادة للطرفين .. هكذا ببساطة دون زيادة ولا نقصان ، وافقتني الرأي نظرياً بهزةٍ من رأسها ، وكأنها لم تنتبه الى مرمى كلامي ، لأنها اعترضت على كلمة توافق ، وقالت : لا يمكن لأثنين ان يتطابقا مئة بالمئة ، قاطعتها وقلت : انا لم اقل تطابق ، وانما قلت توافق ، وهناك فرق .. عادي ان تكون نسبة التوافق بين أي اثنين أقل من مئة ، لكن يستحسن ان لا تنزل عن الخمسين بالمئة كثيراً .. لمست على ارض الواقع أن علاقتنا قد هبطت الى معدلات لا تبشر بنجاح زواجنا ، قررتُ واصدرتُ الحكم النهائي الذي لا رجعة فيه هذه المرة .. ! وقفتُ لها امام الباب ولم أدخل ، ابتعدتْ ببطء ، وانا اتابعها ببصري ، ثم اختفت في الظلام !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله