الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضجيج الأشياء

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 1 / 23
الادب والفن


ميلانكوليا
٢ - الغثيان
فتح عينيه عندما سمع صوتا قادما من الداخل، يخبره بأن الباب غير مقفل ولا داعي للبحث عن المفتاح، فدفع الباب بهدوء .. ودخل، يستقبله الدفء والضوء المنتشر في أرجاء المكان، غير أن رائحة المطبخ الخفيفة أثارت إنتباهه على الفور بحيث فقدت حواسه للحظات قصيرة التواصل مع الدفء والضوء، بالاضافة إلى أن رأسه بدأت تدور، تدور بشدة .. وعاود الضوء ظهوره بإصرار، الضوء الذي يجبره على إغماض عينيه، الضوء الذي بدا له يزداد قوة وإلحاحا لحظة بعد اخرى. لاشك ان المجهود الذي بذله لارتقاء درجات السلم هو السبب في تنفسه السريع، وفي الصوت الذي في داخل صدره، مثل صوت الطبول داخل كهف جبلي. قبل أن يتمكن من الوصول إلى حجرة النوم بادره صوت قادم من المطبخ : ماهي الأخبار؟ هل هي جيدة أم كالعادة؟. طوال اليوم كان ينتظر هذا السؤال، أداره في رأسه عشرات ومئات المرات، ووضع في ذهنه عدة إجابات محتملة، غير أنه الآن ليس في ذهنه سوى فراغ رمادي بحجم صحراء كالاهاري، وليس لديه ولو ذرة واحدة من الطاقة تمكنه من الرد مباشرة، فدخل إلى الغرفة مرتطما بالباب، وارتمى على السرير دون أن يخلع ملابسه، وأحس على الفور حين أغمض عينيه بأن السرير قد بدأ يدور ويدور مثل مروحة، محدثا ضجيجا رهيبا في داخله، وشعر بأن السرير سوف يطير فجأة إلى السقف، وحين يفتح عينيه يتوقف الضجيج لحظة، يتوقف السرير عن الدوران، وتبدأ الجدران تتحرك، تقترب .. تقترب منه حتى تلامس انفه، ثم تبتعد، وتقترب ثانية، في حركة متوازنة تشبه أمواج البحر. وتناهى إلى سمعه صوت آخر غريب، بجانب  اذنه بالضبط مختلطا بامواج البحر، وأدار رأسه بحركة بطيئة، فرأى الكرسي القديم بجانبه يتنفس بعمق، شهيق .. وزفير منتظم، وأحس بامعائه تصعد إلى حلقه، لحظة سمع صوتا قادما من المطبخ يدق بعنف، صوتا يشبه دقات مطرقة حديدية على عصب معين في دماغه : هل تستطيع أن تساعد في إعداد المائدة .. العشاء جاهز !! ودون أن ينهض، تمكن بواسطة قدمه اليمنى من دفع الباب وإقفاله، وأحس بموجة من الهدوء الخارجي، للحظة .. للحظة فقط، ذلك أن الموسيقى الداخلية لخلايا دماغه عادت ترتفع .. وترتفع حتى تنفجر في صوت مرعب لحظة انفتح الباب بعنف، واندفعت نسمة هوائية باردة، ودارت عدة دورات محمومة في أرجاء الغرفة المعتمة، تحركت عدة أشياء، الجريدة والأوراق المكدسة بجانب السرير، وسقطت الصورة المعلقة على الجدار المقابل على الأرض، ثم انصفق الباب بصوت مدو .. وعم الصمت .. واستقرت النسمة الهوائية بإعياء على الكرسي العتيق متأملة انعكاس الأشياء في المرآة، وزجاج النافذة .. الألواح الخشبية القديمة، والمعطف المعلق على الجدار.. لن أعود، خيل إليه أن النسمة تخاطبه في صوت خافت يشبه الهمس.. لن أعود ثانية إلى هناك .. وتناهى إلى سمعه شيء يشبه ضحكة هادئة بعيدة .. سأبقى هنا .. هل تعرف، أفضل أن أظل سجينة في هذه المغارة على أن أعود إلى هناك .. أعني إلى تلك الصحراء، ومد يده بإعياء محاولا أن يجذب الكرسي ناحية السرير، غير أن ذراعه سقطت بجانبه بثقل وإعياء، وعاوده الصوت الهوائي: لقد قذفت بي عاصفة رملية حمراء وسط البحر .. ظللت اطفح فوق الماء زمنا طويلا .. تتقاذفني الآمواج، حتى حررتني  فجأة موجة بحرية قادمة من الأعماق، لا أدري بأية صدفة، ولا الاتجاه الذي قذفتني إليه، أنا القادمة من أعماق الصحراء، غسلتني في المياه المالحة، وقذفت بي في هذه الحفرة، وتركتني ملتصقة بصخور الشاطئ. الصوت يبدو وكأنه يزداد انفعالا، وكلما أغمض عينيه كان صوت تنفسها يزداد قوة وعنفا، حتى خيل إليه بأنه فحيح أفعى، لم يكن يقوى على تبادل الحديث معها، وتمنى لو تتركه وحيدا مع أصواته الداخلية التي تشكل هذه الاوركسترا الموسيقية الغريبة. وانفتح الباب فجأة، وسمع صوتا مألوفا يقول له عدة كلمات متقطعة مبهمة لم يتمكن من التقاطها وتجميعها في ذهنه، حيث كان يتابع بعينيه النسمة الهوائية التي نهضت بذعر بتأثير تيار الهواء القوي الذي اندفع من النافذة، وخرجت بسرعة مصدرة صوتا قويا مرعبا يشبه الصفير. وحينما اغمض عينيه رآها تحتضن بشوق الموجة البحرية الملتصقة بصخور الشاطئ، وتعودان معا إلى المياه المالحة، وتغوصان إلى الأعماق مصدرتين صوتا خافتا يشبه حشرجة الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما