الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية نظاما (2 – 3)

سلام ابراهيم عطوف كبة

2021 / 1 / 24
الارشيف الماركسي


الرأسمالية نظاما (2 – 3)
CAPITALISM AS A SYSTEM
ترجمة : ابراهيم كبة

القسم الثاني
مقدمة المؤلف كوكس
بالنسبة لعالم الاجتماع ليس هناك ما هو اكثر اهمية من فهم طبيعة الرأسمالية.
ان جميع التغيرات الكبرى المعاصرة تتضمن جوهريا عمليات تصير للنظام الرأسمالي – هذا النظام الذي بلغ من الشمول في بداية القرن العشرين،ان اصبح عمليا يلف حياة كل فرد على وجه الكرة الارضية.ان الانسانية لم تعرف ثقافة مماثلة.والاهم،انه ليس بالامكان اظهار ان النظام نشأ واكتسب القدرة على الحياة كنتيجة"طبيعية"للتطور التاريخي.انه لم يكن وليد الاقطاع.
ولأن الرأسمالية تركزت في المدن،فقد ارتبط توسعها مباشرة بالحركة الشاملة لنمو المدن.انها تتجول في الخارج بحثا وراء الفرص التجارية،وفي ذلك،تخضع الاقاليم المتأخرة،وتجمع ثروات اسطورية،ولم يضاهها اي نظام اجتماعي سابق في قدراتها على دفع الافراد للقيام بالانجازات الطموحة في شمولية واستمرار(كما حاولت ان اظهر في كتابي اسس الرأسمالية).والواقع انه بدون الحصول على صورة واضحة عن جذور النظام،قد لا يستطيع المرء تجنب الوقوع في المزلق التي تنتظره عندما يريد تفسير مشاكل الانتقال الاجتماعي الحديث.
اني احاول ان اظهر في هذا الكتاب ان الرأسمالية،كنظام للمجتمعات،تتميز بقوام وهيكل محددين،لا يميزانها عن النظم الاجتماعية الاخرى فحسب،بل يقرران ويحددان العلاقات المتبادلة بين الاشخاص الداخلين ضمنها.ومن الوهم الاعتقاد بأن الرأسمالية تمنح رجال الاعمال حرية غير محدودة للتخطيط وللتصرف بالموارد كما تشاء.وسوف نرى في المحل المناسب،انه فقط،استنادا الى فرضية نمط معين من التنظيم المجتمعي،يمكن تصور المصلحة الخاصة للافراد كمصلحة للمجتمع ككل.اما في المجتمعات غير الرأسمالية،فليس هناك شبيه برجل الاعمال كما نعرفه اليوم.ان هذا النمط لا يمكن ان يظهر الا ضمن هيكل الرأسمالية الاقتصادي والسياسي والاجتماعي(ان فيرنر سومبارت،الذي يحاجج انطلاقا من فرضية الخصائص الفطرية للشخصية،لا يوافق على هذا الرأي.وكذلك يفعل آخرون كما سنرى).
لقد وجدت ان المفيد التمييز بين المجتعات الرأسمالية والنظام العالمي الذي تؤلفه هذه المجتمعات.وصحيح ان تعبير(النظام) قد يشير الى اي ترتيب وظيفي لاجزاء مترابطة،وبالتالي يشير الى التنظيم الاجتماعي الداخلي لأي امة او اقليم رأسمالي.والواقع ان هذا المعنى كان الاكثر استعمالا.ولكن بما انني احاول التأكيد على اهمية مجموعة الامم والاقاليم التي غدت تعمل كوحدة تحت تأثير الرأسمالية،فأنا استعمل تعبير النظام بصورة رئيسية للاشارة الى النظام العالمي،وتعبير(المجتمع) للاشارة الى التنظيم الداخلي للوحدات القومية.ويجب ان يكون واضحا انه ليس من الممكن ان تجد امة رأسمالية خارج النظام الرأسمالي،وان سلسلة الحركة كانت تنتقل بصورة اساسية من النظام الى المجتمع:اي ان التنظيم الداخلي للمجتمعات يبدو متوقفا على الحاجات والمستلزمات الناشئة بصورة رئيسية عن فعل الظروف الخاصة بالنظام،وبالاضافة الى ذلك فان النظام اجمالا قد سبق تاريخيا المجتمعات التي يتألف منها،والتي كانت تنضم اليه تدريجيا مع عملية توسعه.
ان الوحدات القومية للنظام تميل الى تفاوت في الاهمية والوزن الاقتصاديين،وحتى تلك الوحدات التي تبلغ من القوة الدرجة التي تمكنها من السيطرة على الاقاليم الصغرى كملحقات،تميل الى التجمع بدورها حول امة مهيمنة،تحدد النمط العام للجميع.وهكذا يضم النظام الرأسمالي،من الناحية الوظيفية،سلسلة متدرجة من الامم والاقاليم،مع امة قائدة معترف بها في القمة.ومع ذلك،وفي جميع الاوقات،يميل التنظيم الداخلي للامة القائدة الى التأثر،بصورة متقابلة،بظروف التوابع.
ومن النتائج الواضحة والحيوية التي يمكن استخلاصها من هذه العلاقة،هي ان الرأسمالية لا تعني ولا يمكن ان تعني نفس الشيء بالنسبة لجميع الامم والاقاليم الداخلة في النظام. ففي الطرف الاقصى الاول يمكن ان تعني لشعوب كاملة مستوى معيشة اعلى،وحرية اوسع،وجود اكثر امتلاء من اي مستوى تمتعت به الانسانية سابقا،ولكن في الطرف الاقصى الآخر يمكن ان تعني للجماهير الواسعة من البشر،الفقر الطاحن،والعمل الاجباري،والاذلال العنصري،والضرب بالسياط.ولذالك يمكن توجيه البحث حول هيكل الرأسمالية منذ البداية،اما الى خصائص النظام،او الى خصائص المجتمعات التي تكون اجزاءه.وليس هناك من شك في ان ايا من هذين الوجهين للرأسمالية،لا يمكن ان يفهم بمعزل عن الآخر،ولكن يبدو لي ان النظر الى الرأسمالية،في دراستنا اياها،كنظام قومي مغلق،كما جرى العمل بصورة عامة في الاقتصاديات الكلاسيكية وفي الصيغ المشتقة عنها،معناها تمهيد الطريق لاستنتاجات خاطئة.
لقد ناقشت في(اسس الرأسمالية)الوضع الاجتماعي الفريد في البندقية الذي احتضن المجتمع الرأسمالي الاول.ومع استقامة عود هذا المجتمع،ادخل في مساره مساحات متزايدة في العالم.وقد اشرت الى ان النظام كان له اصل واحد.ان المجتمعات غير الرأسمالية سابقا،تحولت الى رأسمالية مع تشابك تنظيماتها الداخلية،وخاصة هياكلها الاقتصادية،بصورة خطيرة،بوظائف النظام الملزمة.ذلك لان احدى سمات النظام البارزة هي قوته الموحدة.وكما لاحظنا في اعلاه،نجح النظام،على الاقل الى عام 1914 في ادماج جميع شعوب الارض من الناحية العملية.وبالرغم من ان القوة العسكرية كانت ولا تزال احد العوامل في هذة الانجاز،الا ان الروابط الدائمة صيغت جوهريا من قبل الاقتصاد- والعلاقات السوقية،والدبلوماسية،والدين.ان بعض سمات الرأاسمالية خاصة بالنظام تمييزا له عن وحداته القومية.مثال ذالك ان القيادة،تاريخيا،انتقلت من الناحية الوظيفية من امة لاخرى – من البندقية وعصبة الهانسا الى هولندا وانكترا ومنها الى الولايات المتحدة.كذلك يمكن تمييز العمليات السوقية بين الوحدات عن تلك العمليات داخل الوحدات.كذلك يمكن ملاحظة ان الدورات الاقتصادية ظاهرة تميز النظام،ولكن هناك اخلاقية دولية وخلافية داخلية في نفس الوقت.وبصورة عامة لا توثر التغيرات الاقتصادية او السياسية التي تحصل في الاقاليم المتأخرة – على افتراض ان الاقليم يبقى في اطار النظام – بصورة محسوسة في عمليات النظام الدولي،بل يمكن حتى ان تدخل البلدان المتخلفة في الحرب دون ان تثير ردود فعل مهمة في النظام،ولكن من الجهة الاخرى يمكن ان يؤدي اي تغير في الامة القائدة،حتى لو كان صغيرا،الى نتائج خطيرة،بدرجة او بأخرى،في جميع اجزاء النظام.
وتقوم الرأسمالية – ربما اكثر من اي نظام سابق – على العلاقات الاقتصادية،وتميل جميع العلاقات الاخرى الى التوقف على ملابسات النظام الاقتصادي.ويمكن تشبيه النظام الرأسمالي نفسه بمؤسسة شاملة أنشئت لانتاج البضائع وتوزيعها،ولذلك فتتمثل علامة القيادة داخل النظام في السيطرة على التجارة والانتاج الدوليين.وبما ان هذا المركز يعود على القائد بمزايا اقتصادية مهمة،فانه يضطر بصورة طبيعية للمحافظة على النظام الذي يمكن له من القيادة.وقد قبل القائد،تقليديا،هذه المسؤولية.
ومع انتشار نفوذ الرأسمالية في العالم،انحسرت جميع الاشكال الاخرى للتنظيم الاجتماعي،ولم يستطع اي منها ان يصمد امام النظام هذا،كما لم يستطع اي منها ان يستعيد قوته بعد الاندحار.وسأحاول ان اظهر في المكان المناسب بانه لم يحدث اطلاقا احياء مجتمعي بالمعنى الدقيق في اوربا.ان الحضارات التقدمية لم يتم انبعاثها،ولم يعان النظام الرأسمالي،منذ اصوله في القرن الخامس عشر،اية"عصور مظلمة"،ومع ذلك فان الرأسمالية تتضمن منطقها الاجتماعي الخاص وتطورها الذي كان،بشكل ينطوي على بعض المفارقة،يتجه نحو التحول الاساسي للنظام نفسه.
وبالرغم من ان موضوع طبيعة التحول الرأسمالي يقع خارج نطاق هذا الكتاب،فانني مع ذلك سأبدى رأيي في طبيعة القوى التي يتضمنها.ان اقتصاديات الامم الرأسمالية القائدة لا تستطيع التطور والازدهار الا بقدر توسع النظام الرأسمالي نفسه،لأن(الرأسمالية السكونية) – ستاتيكية – كما يلاحظ جوزيف . آ. شومبيتر بحق،مستحيلة.وكلما زادت هذه الامم من امكانياتها،زادت الضغوط عليها نحو(المجال الحيوي)الذي يجب ان يوجد بصورة رئيسية في المناطق المتخلفة من العالم.وبسبب اعاقتها التجديدات التنظيمية والتكنولوجية،تتركز القوى الحركية (ديناميات) للرأسمالية،في الاقطار المتأخرة التي تشكل لهذا السبب النهاية المفتوحة للنظام.ولكن هذه المنطقة الحساسة بدأت بالانحسار فعليا منذ 1917،عندما اخرجت الثورة الروسية مناطق واسعة من العالم من نطاق عمليات الرأسمالية.وبالاضافة الى ذلك فان الاقطار المتأخرة ابدت مقاومة متزايدة للتوسع الرأسمالي الاعتيادي.وقد ادت هاتان الحركتان المضادتان الى تفاقم الركود الاقتصادي داخل النظام.
وتميل الثقافة الرئيسية للرأسمالية الى اعلى اشكال التطور،بصورة نموذجية في الامة القائدة،مما يجعل هذه الامة نموذج الكمال للتنظيم الرأسمالي،كما يجعلها تتفوق – خلال فترة صعودها – على جميع الامم الاخرى،ليس في حجم تجارتها وصناعتها فحسب،بل في التكييف الموفق لمؤسسساتها السياسية والدينية ايضا.وهناك اسباب تفسر ايضا تفوق العلوم والتكنولوجيا في الامة القائدة.وسينصرف غرضي الى ربط هذه الاوجه الحيوية للمجتمع الرأسمالي بالظاهرة المسيطرة للنظام كمجموع.
ولا حاجة للقول بان دراسة الرأسمالية كانت لمدة طويلة الشاغل الاساسي لعلماء الاجتماع ورجال الاعمال العمليين على السواء.لقد افترض ميكافلي وجود الرأسمالية عندما اشتق مذاهبه المثيرة في الحكم.وتشبث الفيزيوقراط والتجاريون،بالدرجة الاولى،بحجج وتفسيرات تتعلق بعمليات الرأسمالية.وتصور آدم سمث انه فهم هذه العمليات افضل من التجاريين.والواقع ان جميع النظريات الاجتماعية بشأن المجتمع المعاصر غير الاشتراكي،تفترض على الاقل،وجود الرأسمالية كمسلمة.وفي القسم الثاني من هذا الكتاب سأحاول استعراض المساهمات المهمة بهذا الصدد لبعض الدارسين البارزين.
ان تحليل هذه الاستنتاجات سوف يساعد،دون ريب،في تحديد وجهة نظري بصورة اوضح،وهكذا سوف يكون اهتمامي الاول في هذه الصفحات منصبا على تحليل وتحديد خصائص الظواهر الاقتصادية والاجتماعية المهمة للنظام الرأسمالي،كما تتبدى في هيكله الاقتصادي ورحمه الاجتماعي وقواه المحركة.
ان استعداد الانسان للكمال غير محدود اطلاقا.... وبالتالي فان نمو هذا الاستعداد،الذي لا تستطيع أية قوة ان تعيقه بعد الآن،لا يمكن ان يحد بغير مدى الكرة الارضية التي وضعتنا الطبيعة فوقها.ولاشك ان مجرى هذا التقدم قد يتفاوت في سرعته،ولكنه لن يرجع ابداً الى الوراء،على الاقل ما دامت الارض محتفظة بوضعها الحالي في نظام الكون.
* * *
أية عادة قبيحة يمكن ذكرها،واية ممارسة مخالفة لحسن النية،بل واية جريمة،لا يمكن ارجاع اصلها وسببها الاول،الى التشريعات والمؤسسات والاحكام المتحيزة في البلد الذي تسوده تلك العادة او الممارسة او الجريمة المقترفة؟
ماري جان دي كوندورسيه "خلاصات لنظرة تاريخية في تقدم العقل الانساني"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد


.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض




.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس


.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس




.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين