الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب، على خطى عبد الكريم وسعيدة

الطاهر المعز

2021 / 1 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ا
الجزء 11 - الإستعمار والمقاومة بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي


11
أحفاد محمد بن عبد الكريم الخطابي 1882 – 1963
جمهورية الرّيف:
قاد محمد بن عبد الكريم الخطابي (عُرف وشُهِرَ باسم عبد الكريم الخطابي، وهو في الواقع إسمُ أبيه) معركة "أنوال"، ضد جيش الإستعمار الإسباني، وألحق به الهزيمة، سنة 1921، ثم أسّس جمهورية مُستقلة في الريف، دامت من 1921 إلى 1926، أي إلى أن تحالف الجيشان الإسباني والفرنسي، واستخدما جيش الطيران، والقنابل الحارقة (نابالم) والمواد الكيمياومة، وغاز الخردل، واضطر جيش التحرير لوقف القتال، "حقنًا لدماء السّكّان"...
تتلخص أبرز محطات حياته كالتالي:
وُلِد سنة 1882 وتوفي سنة 1963
ورث العلم وثقافة المُقاومة عن أبيه
قاد حرب التحرير، بمنطقة "الرِّيف"، شمال المغرب من 1918 إلى 1926، وترأس الجمهورية من 1921 إلى 1926.
نَفاه الإستعمار الفرنسي بجزيرة "لارينيون" (مُستعمرة فرنسية، قريبة من مدغشقر) 1926 – 1947
أقام بالقاهرة 1947 – 1963، وانخرط بحركة مقاومة الإستعمار على صعيد عربي وعالمي، وأسّس وترأس مكتب تحرير المغرب العربي، حتى وفاته.
نُسبت إلى محمد بن عبد الكريم الخطابي مقولة:
"لا أدري بأي منطق يستنكرون استعباد الفرد، ويستسيغون استعباد الشعوب، ليس في قضية الحرية حل وسط"، وقيل أن إرنستو تشي غيفارا طلب من عبد الناصر تدبير موعد معه، وعندما التقاه بالقاهرة سنة 1960، خاطبه قائلاً: "أيها الأمير.. لقد جئت إلى القاهرة خصيصًا لكي أتعلم منك. إن الثورة الكوبية مَدينةٌ لك... لقد غمرتني السعادة وأنا ألتقي بك أيها الرفيق الكبير، فلطالما أعجبنا في كوبا بتجربتكم الثورية في حرب العصابات في كفاحكم ضد الاستعمار، لقد كنتَ ملهما لنا في ثورتنا ضد الاستبداد والدكتاتورية"، وعندما عَلِمَ "غيفارا" أن بعض العرب ينادون محمد بن عبد الكريم ب"غيفارا العرب"، قال: “أنا التلميذ والخطابي المعلم والأستاذ، وأنا من يجب أن ينسب إليه لا العكس”، ومهما كانت الحقيقة، حول صحة أو خطأ هذه المقولة، أو حقيقة نسبتها إلى تشي غيفارا، فإنها تُشير إلى المكانة التي احتلّها "عبد الكريم" في تاريخ الثورات، وفي ذِهْن الثُّوّار، من كافة أرجاء العالم، ومن مُختلف المشارب والعقائد...
استفاد ثوار كوبا وأمريكا الجنوبية من تجربة ثورة الريف التي قادها عبد الكريم، بواسطة حرب العصابات، التي تستمد قوتها من الدعم الجماهيري، ومن أسلوبها الذي يعتمد على الحد الأدنى من السلاح وتطبيق الضربات السريعة ومغادرة المكان إلى غيره، وهي قواعد حرب الغُوار الحديثة، التي اعتُبِرَ عبد الكريم مُصَمِّمُها ومُهندِسُها ومُطَوِّرُها، واستلهم الثّوار الليبيون، بقيادة "عُمر المختار" من هذه المبادئ التي طَوّرَها ثُوّار منطقة "الرّيف" بالمغرب، الذين ابتكروا أيضًا نظام حفر الخنادق والأنفاق الممتدة تحت الأرض، للوصول خُفْيَة إلى مواقع العدو، بحسب الزعيم الفيتنامي "هوشي منه".
أما لقب "الأمير"، وهو ليس بالأمير ولا ابن أُمَراء، فقد سَبَغَهُ عليه مؤتمر مندوبي قبائل شمال المغرب، الذين التقَوْا يوم 18 كانون الثاني/يناير 1923، وهو يوم الإعلان عن استقلال الريف وقيام الجمهورية الريفية وتشكيل مجلس ممثلي القبائل، بعد معركة "أَنْوال"، وبدل صفة "الفَقِيه" التي كان يحملها، أصبح يُلَقّب بالأمير وبالرئيس...
كان المغرب محل منافسة شديدة بين القوى الإستعمارية الأوروبية، خلال القرن التاسع عشر، وأصبحت فرنسا، بعد احتلال الجزائر، ترى في المغرب (وكذلك تونس) امتدادًا جغرافيا واقتصاديا واستراتيجيا لوجودها في الجزائر، واستعمرت تونس سنة 1881، لكن المغرب لا يزال محل نزاع بين القوى الإمبريالية، وبعد احتلال "وجدة" (المُحاذية لحُدود الجزائر) سنة 1907، عملت على تحصين ميناء "الدّار البيضاء"، ثم أعلنت احتلال البلاد، تحت إسم "الحماية"، في الثلاثين من آذار/مارس 1912، وبذلك اكتمل اقتسام المغرب بين الإستعمارَيْن الفرنسي والإسباني، لكن ذلك لم يتم دون مقاومة شعبية، في جميع مناطق البلاد، وتندرج حركة وجمهورية الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي ضمن هذه المقاومة المُسلّحة للهيمنة الإمبريالية المُزْدَوَجَة، الإسبانية والفرنسية، بالإضافة إلى تحويل منطقة وميناء "طنجة" إلى منطقة دَولية، تحت إشراف القوى الإمبريالية...
دامت المقاومة المسلحة في مرحلتها الأولى، في عدد من مناطق البلاد، حتى سنة 1934، وبعد ذلك لم تنقطع نهائيا، ولكنها خَفّت، وبعد قرابة عقدَيْن، انطلقت المقاومة المسلحة من جديد، في مختلف مناطق البلاد، سنة 1953...
ذاع صيت محمد بن عبد الكريم الخطابي، خصوصًا بعد معركة "أنوال" (17 تموز/يوليو 1921) التي سمتها وسائل الإعلام الإسبانية "كارثة أنوال"، ودامت المعركة أكثر من ثلاثة أسابيع (23 يومًا)، قبل أن يُلحِقَ نحو ثلاثة آلاف مُتَطَوّع، بقيادة عبد الكريم، هزيمة نكراء بأكثر من 25 ألف جُنْدِي نظامي من جيش الإحتلال الأسباني، وقع أَسْر سبعمائة منهم، فيما ارتفع عدد القتلى والجرحى إلى نحو 15 ألف، وأحصى عبد الكريم، في مذكراته، الغنائم بمائتي مدفع من عيار 75 أو 65 أو 77، وما يزيد عن عشرين ألف بندقية وكميات كبيرة من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات وشاحنات، وتموينا كثيرا يتجاوز الحاجة، وأدوية، وأجهزة للتخييم، وبالجملة، بين عشية وضحاها وبكل ما كان يعوزنا لنجهز جيشا ونشن حربا كبيرة..."، وأدّت الهزيمة إلى انتحار قائد جيش الإحتلال الأسباني، وقتل مساعده... أما الثُّوّار فقد خسروا ثلُثَ قواتهم، واستشهد منهم حوالي ألف شهيد.
كانت معركة أنوال مُقدّمة لمعارك أخرى عنيفة وانتصارات للمقاومة، وخسر الجيش الإسباني العغديد من المعارك الهامة، إلى أن تدخّل الجيش الفرنسي، خاصة منذ بداية نيسان/ابريل 1925، لنجدة الجيش الإسباني، وللقضاء على المُقاومة المُسلّحة التي رفعت مَعْنوِيّات الشعب المغربي، وأعلنت استقلال جزء من المغرب، وإقامة نظام جمهوري به، وبذلك تحالف الجيشان (ضد قوات جمهورية الرّيف) الفرنسي بقيادة الماريشال "فليب بيتان" الذي تعاون فيما بعدُ مع الجيش النّازي الألماني الذي احتل فرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية، والجيش الإسباني بقيادة الجنرال "فرنسيسكو فرنكو"، الذي دعمته ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، خلال الحرب الأهلية 1936- 1939، للقضاء على الجمهورية، ولإقرار حُكم فاشي، حتى وفاته سنة 1975...
حصل عبد الكريم الخطابي وجمهورية الرّيف على تأييد أحزاب الأممية الثالثة، والرأي العام العالمي، ما دفع الجيش الفرنسي الذي يحتل بقية أراضي المغرب، منذ سنة 1912، إلى التحالف مع الجيش الأسباني، بدعم من الولايات المتحدة، للقضاء على ثورة وجمهورية الريف التي أصبحت تُهدّد المشاريع الإستعمارية، في المغرب، وفي بقية مناطق العالم، لأنها أصبحت رمزًا لانتصار جيش من بعضة آلاف من المتطوعين الفلاحين على عشرات الآلاف من جيش استعماري مُنظّم ومُجهّز ومُدَرّب على القتال.
استخدم التحالف الإستعماري الفرنسي الأسباني الأمريكي، الأسلحة البرية والبحرية والجوية، والأسلحة الكيماوية المُدَمِّرَة، بعد خمس سنوات من القتال، وعجز الجيش الأسباني على إلحاق الهزيمة بجيش المتطوعين، بقيادة عبد الكريم، وأدى استخدام "أسلحة الدمار الشامل"، وإلحاق أضرار فادحة بالسكان والحيوان والنبات، إلى إعلان عبد الكريم وقف القتال، يوم 26 تموز/يوليو 1926، "حفاظً على أرواح الناس من السّكّان"، ونفاه الإستعمار الفرنسي إلى جزيرة “لارينيون”، وهي مُسْتعمَرَة فرنسية في المحيط الهندي، حيث بقي حتى سنة 1947، ولما كانت سفينة فرنسية تنقله إلى فرنسا، نزل بميناء بور سعيد المصري، ووافق الملك على بقائه في مصر، سنة 1947، حيث أعلن عبد الكريم تصميمه على محاربة الإستعمار الفرنسي، ورفض أي حوار، "فإما أن يخرج الفرنسيون وإما أن يفصل بيننا السيف"، وأنشأ خلال نفس السنة، مكتب المغرب العربي ولجنة تحرير شمال إفريقيا، وورد في ميثاق اللجنة: "رفض كل أشكال المفاوضات مع المستعمر ومواصلة الكفاح إلى حين حصول كل أقطار شمال إفريقيا على الاستقلال"، وعارض "علال الفاسي" (حزب الإستقلال بالمغرب) و"الحبيب بورقيبة" (حزب الدستور بتونس) هذا "التّطرّف"، فقد كان الخطابي مقتنعًا بنهج الكفاح المسلح لإنجاز الإستقلال في المغرب العربي وفي غيره من المناطق...
أهملت المناهج المدرسية وكُتُب التاريخ ووسائل الإعلام حياة وإنجازات عبد الكريم الخطابي، لأنه أسَّسَ نظامًا جمهوريا، ولأنه حامل لمشروع تحرّر وطني واجتماعي، يؤمن بضرورة الكفاح المُسلّح، وحاول إنشاء جيش تحرير المغرب العربي، كبديل للمفاوضات التي تُفْضِي إلى "مُناورة تتمثل في الحصول على استقلال منقوص، ومسخ، يُمَدِّدُ من عمر الإستعمار"، لكن الأجيال المتعاقبة ظَلّت تذكُرُه، وترفع صُوَرَهُ وراياته في التظاهرات الثقافية، وفي الساحات والشوارع، خلال المظاهرات الاحتجاجية في كافة مناطق المغرب.
تقع منطقة "الريف" بشمال المغرب، وهي منطقة يسكنها البربر (أو الأمازيغ كما تريد بعض المنظمات أن نُسمِّيهم )، وكان عبد الكريم (وأبوه من قَبْلِهِ) من مُثقّفي وأعيان المنطقة، ولكنه لم ينطلق في ثورته من منطلقات انفصالية أو "أثنية"، بل كان حاملاً لمشروع تحرري، بتجاوز المغرب إلى شمال إفريقيا، وإلى البُلدان الواقعة تحت الإستعمار والهيْمنة، ولذلك لا زلنا نذكُرُهُ بالخَيْر، ونترحم عليه، فقد كان مناضلا ثوريا أمميا، وعمل على تحرير المغرب العربي، ودعم القضية الفلسطينية، وأطلق نداء لتحرير فلسطين، سنة 1948، أعلن ضمنه "إن فلسطين عربية وستبقى عربية"، وأشرف على إيصال المتطوعين من المغرب العربي، إلى ساحة الحرب، في فلسطين، وتلقى عبد الكريم مُساندة "أمين الحُسيني" و"عز الدين القسام"، وخصه عدد من الشعراء (ومنهم بعض شُعراء المهجر) بقصائد وأناشيد تُشيد بنضاله وبخصاله الثورية...
انتقم النظام المغربي من سُكّان منطقة "الرّيف"، التي بقيت منطقة مُهْمَلَة وفقيرة، يضطر شبابها إلى النزوح أو الهجرة، وجابهتهم قوات القمع الحكومية بالإعتقال والأحكام القضائية الثقيلة، كلما احتجوا على الأوضاع، رافعين صُور الرمز المَحلِّي للثورة "عبد الكريم الخطابي"، بعد عُقُود من وفاته (يوم السادس من شباط/فبراير 1963)، ولما أرادوا إحياء ذكرى وفاته، يوم الخامس من شباط/فبراير 2017، بمدينة "الحُسَيْمَة" (المدينة الرئيسية بمنطقة "الريف"، شمال البلاد )، منعتهم السّلطة السياسية، فتحول إحياء الذّكرى إلى احتجاجات قمعتها قوات الأمن بعنف شديد...
تذكر الوثائق التاريخية، أن عبد الكريم الخطّابي تَمَيّز بالثقافة الواسعة، وبالهدوء في مُعالجة القضايا وفي الحديث مع الناس، ويتميز بالخصوص بقًوّة العزيمة، وبالوضوح السياسي، وبحرصه على تقديم البديل للوضع القائم، حيث اقترنت قيادته لمقاومة الإستعمار، ببرنامج سياسي تمثل في إعلان الجمهورية التي يقع تسييرها وفق ميثاق ودستور ومبادئ وقوانين، ومؤسسات، بدل تأسيس حُكْمٍ مبني على الوراثة أو البَيْعة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الله الغانم .. كيف تحول حلم بسيط الى حقيقة؟


.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز




.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود


.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991




.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع