الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية ما بين الجوهر المفقود و الماهية المحدثة

اتريس سعيد

2021 / 1 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن فرض الأفكار التي تدعوا إلى الحرية من وجهة نظر الآخرين هو إستعباد مقنع يحاول الإلتفاف على حرية الإنسان كما تكثر مظاهر الإستعباد هاته التي تجعل من شعارات الحرية الجوفاء أداة سلطوية تسعى إلى إنتاج الجسد الطيع كلما أبقينا على المبررات الكاذبة و لم نسقط الدواعي الشاذة حينما يتعلق الأمر بإقتحام الخصوصيات الذاتية المتعلقة بخيارات الإنسان الشخصية،إن الأحرار لا يستعبدون بني البشر, لطالما كانوا مستعدين من أجل التضحية في سبيل تحرير أولئك اللذين يشعرون بالظلم و الواقعون تحت نير الإستعباد واللذين يعانون من قسوة الإكراه ،أما العبيد الذين ينظرون إلى حالة العبودية على أنها حرية خالصة لطالما كانوا يسعون جاهدين إلى إخضاع الناس إلى سلطة القيود التي لا تعني سوى السعي إلى تكريس المزيد من العبودية في الواقع الإنساني في ظل هيمنة العبيد، طالما كانت الحرية التي تسعى إلى تجريد الإنسان من كرامته عبارة عن حرية زائفة تسعى إلى إغتيال المبادىء و القيم الكونية و الأخلاق الإنسانية العامة بل تسعى إلى قتل الإرادة الخلاقة و الوعي الفطري هذان العنصران اللذين يشكلان جوهر الذات الإنسانية المفعمة بروح الحرية الأصيلة في حدود الطبيعة،إن الحرية في مفهومها الإنساني النبيل تسقط قيمتها الأخلاقية النسبية في حالة السعي من أجل فرضها على الآخرين بالإكراه لأن الحرية في هذه الحالة تفقد جوهرها بمجرد تعارضها مع خيارات الإنسان الفردية و الجماعية حتى الإقناع و الحجاج المنطقي و رواسب التعليم الطبقي و التدوير الإجتماعي الأيديولوجي كلها من أساليب الهيمنة على حرية الإنسان و لا تخرج عن نطاق مظاهر الإستلاب التي تجعل من الإنسان كائنا يحيى في عالم يفتقد إلى مقومات الحرية، يعتبر ما أنتجه الغرب من المفاهيم المتعلقة بالحرية و حقوق الإنسان و الديمقراطية التي لا تعدوا كونها شعارات جوفاء تفتقد إلى المضمون الفعلي و المحتوى العملي على أرض الواقع لأن حقيقة الحرية كما يفهمها الغرب هي الإستمرار في إستعباد الضعفاء و إضعاف المستعبدين حتى لا يتسنى لهم الخلاص و الحفاظ على كل سبل القوة في يد المستعبدين (بكسر الباء) و بيع الأوهام المسمومة إلى الشعوب هذه الأوهام لطالما ظلت تشكل نوعا من اليوتوبيا الزائفة عن الفردوس الغربي المفقود الذي يخفي في أرض الواقع نوعا من ديستروبيا الحالكة التي تعكس حقيقة الجحيم القائم على الأرض، يقول إيمانويل كانت (لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد لأصبح فرحاً وسعيداً، كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له الطريق السليم، شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته).أمام هذا التصور المثالي الكانتي الذي يعكس إهتمام الفلسفة المثالية الألمانية و منظورها الصريح في المجاهرة بالدفاع عن الحرية الفردية في أسمى تجلياتها الإنسانية التي تزخر برفض قوة الإرغام و الإستناد على الحق في الإختيار من منطلق الوعي الذاتي المستقل ثم الإعتراف بحق الآخرين في فعل نفس الشيء ما دام هناك عدم التعارض بين تطلعات الأنا و الآخر، أما نيتشه فيعطي مفهوما أكثر جذرية في تعريف ماهية الحرية قائلا (الحرية هي الرغبة بأن نكون مسؤولين عن أنفسنا) هذا التصور الذي يعكس حالة الوعي بضرورة الإنعتاق الإنساني في أفق التحرر الشامل من الهيمنة الغاشمة و نظم الإستبداد المطلقة و السعي إلى الخروج من حالة الوصايا على الذات الفردية و المجتمعية و تحقيق الإستقلال المطلق الذي يتعارض مع كل مظاهر التدخلات الخارجية الجزافية التي تقحم الإنسان في زاوية الإكراه وباقي الأشكال النمطية السافرة التي تحاول المس بكيان الأنا المجرد عن الآخرين في إطار علاقة يحكمها التوتر و الصراع بين التطلع نحو تحقيق الحرية و جبر هذا الكيان الذاتي على الرضوخ إلى العبودية و الإنصياع إلى إبتزاز حريته من قبل أعداء الحرية أنفسهم، في جميع الأحوال لا يحق لأحد مهما كان إبتزاز حرية الآخرين بذريعة القانون أو الوصايا الطبية التي يتمتع بها المشعوذين و الدجالين اللذين يسمون أنفسهم أطباء نفسانيون لأن الخيارات الذاتية هي خيارات خاصة تعكس خصوصية الأفراد التي يجب أن تبقى مستقلة تماما عن مؤسسات الدولة و المجتمع ما دامت هذه الخيارات الذاتية لا تمس الآخرين و لا تعتدي على خياراتهم الخاصة كما يتوجب
على المجتمعات المريضة المصابة بوباء العنصرية التوقف عن التحدث بإسم الحرية لأن العنصرية نفسها نزعة مرضية مشينة تعكس إنحطاط السلوك الحقير لدى الكثير من البشر الجانحين المجردين من القيم الإنسانية و اللذين يحاولون في نفس الوقت التحدث بإسم الحرية على سبيل خداع الأبرياء و إخضاعهم إلى سلطة الرقابة و ترويض سلوكهم الفردي على الطاعة و القبول بالممارسات اللاإنسانية التي تنتهك حقوقهم و تلغي حرية الإختيار المستقل لديهم و تجهز على تطلعاتهم نحو الحياة الكريمة,لطالما ظلت الطبقية تتعارض مع عقيدة الحرية في بعدها الإجتماعي و السؤال الذي يظل يطرح نفسه بإستمرار هو كيف يمكن أن يتمتع الفرد بالحرية داخل المجتمع الطبقي القائم على التراتبية الإجتماعية و التوزيع الغير عادل للثروة الأمر الذي يحرم العديد من الشرائح من الإمتيازات الإجتماعية و الإقتصادية و السلطوية داخل المجتمع.إن حقيقة المجتمع الطبقي كونه مجتمع قائم على بنية هرمية تراتبية تجعل من هو في الأعلى أكثر حرية و أفضل حالا على ماهو عليه من في الأسفل الأمر الذي يجعل هذا النسيج الإجتماعي الغير متجانس يعاني من التناقضات الطبقية الحادة و الصراع الحاد الدائم داخل بنية المجتمع إلى حين تحقيق حتمية الإنفجار الداخلي. أما هايدجر فيتناول مفهوم الحرية من وجهة نظر أنطولوجية قائلا في تعريفه لها (الحرية الإنسانية هي حرية خالصة وتعبر عن إرادة الانسان في تحقيق الماهية التي إختارها لنفسه وبنفسه) هذه الحرية الخالصة لا يمكن أن تتحقق إلا في شكلها العام لأن الحرية عموما لا تكون على حساب حرية الغير كما أنها تبقى مرتبطة أساسا بالإرادة الإنسانية الذاتية حيث أن الحرية هي غاية يسعى إليها الجميع و يقدمون من أجلها كل التضحيات الجسيمة حتى لو أقتضى الأمر الموت في سبيل هذه الغاية المقدسة و إنتزاع الحرية المنشودة التي لا يمكن إدراكها إلا من خلال قوة حضور الإرادة الإنسانية و تجسيدها في الواقع ، أما الماهية التي يختارها الإنسان لنفسه و بنفسه فهي تضع كل جوانب الحياة الإنسانية أمام الفرد القائم بذاته في حدود المطلق و الذي لا يستسيغ أي إملاءات خارجية و لا يتجاوب مع آليات التدجين الإجتماعي و التلقين التعليمي الذي تحاول الدولة من خلاله طمس شخصية الفرد و الحد من تطلعه نحو الاستقلالية المطلقة بل أن الدولة و المجتمع و الأفراد على حد سواء يسعون جاهدين إلى سحق الشخصية المتفوقة و طمس معالم وجودها.لطالما يعتبر تحرير المستعبدين من العبودية دون أخذ موافقتهم الصريحة إستعبادا آخر إضافي لأنهم رغم كونهم عبيدا إلا أن لهم الحق في الإختيار كما أن اللذين يؤمنون بالحرية لا يستطيعون التجرأ على تلقين العبيد أبجديات الحرية بالقوة و إرغامهم على الخروج من العبودية نحو عبودية أخرى قد تكون أفضع بالنسبة لهم لكنها حتى لو كانت حرية حقيقية إلا أنها تبقى مرفوضة لديهم لأنها تتعارض مع الحق الإنساني في الإنتقاء لأن الإنسان الحر لا يتدخل في شؤون الآخرين مهما كانت الظروف و الدوافع و الأسباب فقط الحقراء و الرعاع من بني البشر اللذين يحملون جينات البربرية و الإنحطاط الطبيعي و الفطري هم من يحاولون دائما إستعباد الشعوب و إستعمار الأمم الضعيفة بهدف إخضاع البشر الأبرياء و سرقة الثروات الطبيعية و صرف فائض الانتاج في أسواق المستعمرات و إقتراف أفضع الجرائم و الإبادات المروعة لذلك من طبيعة الهمج الإعتقاد أن إحتكار القوة هو مقياس الحرية لهذا لن يسود السلام في هذا العالم إلا حينما تتحول حرية القوة إلى قوة الحرية.تشكل الحرية تلك المسافة التي تفصل بين الأنا و الآخر في نطاق السيادة المطلقة على الذات و التي لا تسمح إلى الغير بإقتحام شؤوننا الخاصة و إلزامه على الإعتراف بشرعية الخصوصية القائمة على مبدأ الإستقلالية المطلقة الذي تفرضه الضرورة الإنسانية،يقول أبراهام لينكولن (من ينكر الحرية على الآخرين لا يستحقها لنفسه) أمام هذا الطرح نلمس أن الحرية من حق الجميع دون إستثناء و أن الأحرار الحقيقيون بكل ما تؤتيه العبارة من معنى لا ينكرون هذا الحق على أحد من الناس لأن إحتكار الحرية هو فعل لا أخلاقي يكرس المزيد من العبودية و الإضطهاد في حق الغير من قبل أعداء الحرية اللذين لا يستحقون أن يكونوا أحرارا كما أنهم لا يستحقون أن يكونوا عبيدا في عالم الأحرار الذين لا يسمحون بوجود العبودية بل إنهم لا يستحقون الوجود من الأساس.كما لا يمكن تفسير العنف الثوري إلا من خلال منطلق الضرورة القصوى التي تفرضها الأوضاع الإجتماعية الفاسدة التي تستعبد البشر و تضع الطبقات الاجتماعية المعوزة تحت سيطرة المستبدين في هذه الحالة لا يتبقى أمام المضطهدين سوى اللجوء إلى الخيار الثوري من أجل تصفية العبودية الإجتماعية و تأسيس مجتمع قائم على مباديء الحرية و العدالة و المساواة، يعبر لينين عن الفرق بين العبد و المتمرد و الثوري قائلا أن العبد يبقى مقتنعا بالعبودية دون الشعور بالحاجة إلى التمرد و التضحية من أجل إنتزاع حريته أما المتمرد فهو من يشعر بالظلم و يقدم واجب التضحية من أجل الفداء أما الثوري فإنه الشخص الذي يكون في نفس الوقت المتمرد الذي يمتلك أسس النظرية الثورية التي تفسر الواقع الملموس من خلال التحليل الملموس حسب تعبير لينين، يذهب جيفارا أبعد من ذلك قائلا (من لم يشعر بالظلم لا يستحق الحرية) لأن الحرية لا تأتي من خلال الآخرين كما أنها ليست هبة يقدمها البعض من أجل البعض بل إن الشعور بالحاجة إلى الحرية تفرضه الظروف الإجتماعية و النفسية التي تتحكم في الفرد في سياق الصراع الطبقي و الهيمنة السياسية السائدة من قبل حفنة المتسلطين.أن تحيى كما تريد معناه أن تكون مقتنعا بعدم الإعتراف بالآخر لكن عدم الإعتراف هذا لا ينكر حقوق الآخرين في إختيار ما يتوافق مع رغباتهم الخاصة مادامت هذه التطلعات لا تتضارب مع حرية الإنسان في أبعادها العامة،إنالمجتمعات المادية الفاسدة ستبقى عاجزة إلى الأبد عن تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية و المساواة لأنها مجتمعات تفتقد إلى روح الإنسانية التي تؤسس الأخلاق و ترسي المباديء السامية و تزرع القيم الكونية في صميم الذات الإنسانية، كما أن الذي لا يعرف ماذا يريد لا يستطيع تحديد الإختيار الصحيح كذلك المدجنين اللذين تم إقناعهم أنهم أحرارا وهم في الحقيقة مجرد عبيد،حيث يكون من المضحك أن يعتقد الجاهل أنه شخص حر لأن الحرية التي تشمل الجوانب المادية و الجسدية و تغيب الوعي الذي يشكل جوهر العقلانية عند الإنسان هذه الحرية تعتبر مجرد فوضى عارمة تشمل كل مظاهر الهمجية القاتمة و البربرية الفضيعة و البهيمية المنحطة في هذه الحالة تبقى الحرية نفسها مقيدة في نطاق ما يسمح به الوعي الفطري و الأخلاق الإنسانية المتعالية التي تراكمت ضمن سيرورة مقتضيات الضرورة التي تستدعي حفظ الحياة و الحق في التفكير المستقل و الإختيار الحر والفعل الواعي.إن الحرية السائدة في المجتمعات الغربية تخضع إلى جدلية المفهوم و الممارسة من حيث المضمون الجوهري و المحتوى الإشكالي الذي يعكس التناقض الصارخ من حيث المبدأ الذي يتعارض مع الطبيعة و القانون لأن الحرية في أغلب الأحيان تستعمل كشعار مضلل يخفي النزعة العنصرية الحاقدة ضد الشعوب الأخرى و الضغينة المبطنة التي تحاول تدمير حياة الأبرياء و التدخل في شؤونهم الخاصة بشكل سافر بهدف التحريض على تدمير العلاقات الثنائية و تفكيك الأسر و تحريض الأبناء ضد الوالدين و الأقليات ضد النظام السياسي القائم، مثل هذه الفتن الخبيثة التي تعكس مدى درجة الوقاحة و الإنحطاط الذي وصل إلى التحريض على إلغاء مؤسسة الأسرة و الزواج و التشجيع على الشذوذ والتحول الجنسي و السماح إلى المنحرفين جنسيا بالزواج و تبني الأطفال وصولا إلى تحريض النساء على الدعارة و الفجور تحت شعار الحرية وصولا إلى تشريع حق النساء في الإجهاض حتى لو كان عمر الجنين قد وصل إلى 9 أشهر كاملة(القانون الفرنسي) و إهمال حياة المسنين تحت ذرائع متعددة، هذه الحرية لا تعدوا كونها فوضى شاذة تعبر عن الإجرام الذي ينتهك الفطرة الانسانية و الذي يعني الإنحراف الحضاري و الجنوح المرضي المزمن الذي أصبحت تعيشه مجتمعات الغرب و الذي سيقود حتما إلى الإنهيار و الأفول الوشيك.كما يجب العمل على إستئصال كل المعوقات الإجتماعية التي تواجه خيارات الإنسان الفردية في حدود الفطرة و تحدي إملاءات الآخرين التي تحاول إقحام الفرد في متاهة التبعية التي تلغي حرية الإنسان حيث يجب أن نخضع فقط إلى صوت الضمير الحي الذي ينبثق من أعماق الروح الإنسانية التي ترفض كل أشكال القيود المفروضة من الخارج،الحرية من مفردات العدم تتجسد حيث لا يكون أي شيء أو ربما الحرية مجرد صدى القيود،إن مفهوم الحرية الإستعمارية يجسد حقيقة جدلية النظرية و الممارسة القائمة في الواقع كلما تمعنا في الحقبة الإستعمارية القاتمة و التي لا زالت مستمرة حتى اليوم من خلال آليات السيطرة الجديدة التي تفرض على الشعوب و الأمم الضعيفة الخضوع إلى القوى الإستعمارية الجديدة و البقاء تحت الهيمنة الإمبريالية الغربية و فرض التجاوب مع الغزو الثقافي الإستعماري الذي لا يقدم إلى الشعوب الخاضعة له سوى العبودية المطلقة في أبشع مظاهرها على أنها حرية فعلية مدعية أنها تسعى إلى إنتشال هذه الشعوب من قسوة التخلف و تحريرها من مظاهر الجهل و الإستبداد و إشاعة مظاهر الفوضى في المجتمعات الإنسانية و نشر الإنحلال الجنسي و التنكر إلى القيم الأخلاقية و تكريس العبث و الإلحاد في وجدان الأمم و تفكيك مؤسسة العائلة و نشر الرذيلة و الشذوذ الجنسي و إخراج المرأة إلى الشارع و التدخل في شؤون الآخرين بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان هذه هي الحرية التي تنسف صرح القيم الإنسانية من الأساس و تستبدله بالعبودية المطلقة و البهيمية المنحطة و الهمجية المتطرفة في العنف و الرذيلة و العهارة و الشذوذ إنها حرية الإهانة التي تستصغر الإنسان و تحوله إلى أقصى درجات التقزيم إمعانا في إذلاله,ربما الحرية قد تكون مشاعة في عوالم الجنون و العبقرية في هذه الحالة تكون متاحة فقط إلى ذوي النبوغ العقلي اللذين يرفضون الإتجاه الأحادي الذي يطرح خيارات عدة في سياقات مختلفة كلها تقود إلى نفس الغاية، إنها حتمية عبور جسر العبودية المعلق بين جبرية الولادة و الموت كما أن الأغلبية الساحقة من البشر تميل إلى شهوة العبودية أما القلة القليلة فقط تنجذب إلى الآلام الحرية طالما لم يكن الإنزواء سوى تلك الرغبة الفطرية المتأصلة في الإنسان و التي تظل تحثه على مناشدة الحرية في العزلة و الصمت و الإبداع كما لا يمكن السعي إلى تحقيق الحرية في سجون المادة لأن الأمر يكون بمثابة الخروج من سجن إلى سجن آخر معتقدين أننا سوف نحصل على الحرية في السجن الجديد.
إن إكتشاف الجوهر الروحي في الإنسان هو غاية الحرية كونه مطلبا يعبر عن الحقيقة المطلقة التي وجد من أجلها الإنسان كون الحرية المطلقة تتحقق في أقصى درجات الرقي الروحاني حيث يحدث التجريد التام للذات الإنسانية التي تتجلى في صور و أشكال روحانية مختلفة في عوالم أخرى مجردة لأن الحرية تنتمي إلى عالم الموت كما الأفكار النيرة و الأحلام الواضحة إنها جوهر الغاية الإنسانية المفقود الذي يعبر عن ماهية وجوده التي طالها النسيان في هذا العالم الذي يبدوا غريبا على الروح كلما بدأنا نشعر بالحنين إلى عالم الأصل الذي إنحدرنا منه، يقول هرمس (كل شيء يستعمله إنسان ليرضي جسده هو غريب عن طبيعته الأصلية ليست الممتلكات فقط غريبة و إنما الجسد غريب أيضا عن حقيقتنا نحن أنفسنا) يشير سيد الحكماء إلى أنه لا يمكن تحقيق حرية الجسد و إنما يجب التحرر من الجسد نفسه و البقاء على الأصل الروحي الثابت الذي يشكل جوهر الحقيقة الإنسانية.الخلاصة أن الإنحطاط الفطري جعل طبيعة الإنسان تراوح أدنى درجات الجهل و التعصب و الحقد و الأنانية هذا الإنحطاط نفسه يقود الإنسان إلى البحث عن الحرية على حساب النوع في سعي حثيت نحو تحقيق الذات و إقصاء الجميع،من هنا نكتشف زيف الحرية المزعومة التي تخفي حقيقة الأنانية المستترة التي تحاول القفز على النظم الأخلاقية الواهية من أجل تحقيق الرغبات الحيوانية المكبوتة و الغرائز العدوانية الشاذة و العبث بحياة البشر دون أي إكثرات حتى لو إقتضى الأمر إبادة الجميع و تدمير الكون في سبيل أن تحيى الأنا.

بقلم الماستر الأكبر سعيد اتريس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في