الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بلادنا أزمات متراكمة تدفع ثمنها الطبقة الوسطى

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2021 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


تتعرض مجتمعاتنا العالمثالثية -اليمن احداها - لمخاطر مركبة ومعقدة وفق الجائحة كورونا التي لايزال غالبية الناس تجهل سببها ومصدرها الحقيقي ناهيك عن جهلهم بكيفية حصولهم على اللقاح ومتى سيكون ذلك .. وعليه فان الاحتياطات الصحية من التباعد واحيانا الاغلاق لبعض الوقت
تقلل من فرص الاعمال الصغيرة والمتوسطة وتحول التعليم الى المنصات الالكترونية الامر الذي تضاعفت معه الازمات مرات عدة ، ضف الى ذلك الصراعات السياسية وما نجم عنها من فوضى وعبث سياسي انهارت معه الدولة احيانا او غاب دورها وحضورها أحيانا كثيرة ..
من هنا تراكمت المعاناة اقتصاديا وانسانيا لتضم في اطارها جموع غفيرة من السكان الامر الذي حطم مرتكزات الطبقة الوسطى لتنزل غالبية مكوناتها الى طبقة محدودي الدخل والمخاوف هنا ان تختفي هذه الطبقة ليسود في المجتمع طبقتان كما كان الحال في العصر الاقطاعي من يملك ومن لا يملك وفق هيمنة الطرف الاول ليمسك بيده مقاليد السلطة الاقتصادية -الثروة- والسلطة السياسية .وهذا نهج رئيسي للطبقة الرأسمالية المعولمة التي ما فتئت تراكم الارباح بطرق شرعية وغير شرعية وتتوسع في مختلف ارجاء المعمورة ..
ومن يتأمل حال المجتمعات الاوربية وامريكا ومثلها تجارب ناجحة في اسيا يكتشف ما نذهب اليه من انكماش كبير في حضور الطبقة الوسطى وهبوط قسم كبير منها نحو طلب الاعانات الاجتماعية لتزداد معها معدلا البطالة والفقر .. ومع استمرار الجائحة كورونا تتراكم الازمات الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى الازمات النفسية ومنها الصحة العقلية ..
وبلادنا اليمن تتراكم فيها ازمات عدة سياسية تتمثل في اختطاف الدولة وفشل ما تبقى من مؤسساتها مع ازمات اقتصادية لا حدود لها تزامن معها ضعف مؤسسات الصحة العامة وغياب بدائل في المعالجات تخفف الازمات او تتجاوزها الى بر الامان ..ومن ثم فاليمن ومعها دول أخرى في المنطقة منها سوريا وليبيا والعراق ولبنان والسودان وغيرها من دول الربيع تعاني الطبقة المتوسطة فيها من مركب ازمات تهدد وجودها الاجتماعي والاقتصادي دون قدرة واضحة للدولة او مؤسسات الامر الواقع بمعالجات تمكن المواطن من تسيير معيشته وفتح افاق لأمل قادم بالتجديد والنهوض ..
انه زمن العولمة والاحتكارات الرأسمالية التي اكملت سيطرتها على الفضاء الجغرافي العالمي ، وتفننت في صناعة الازمات وبؤر النزاع في اكثر من منطقة خارج المركز الاوربي والغربي عموما ..
في هذا السياق تبرز الازدواجية الكبيرة بين تراكم الارباح للكثير من الشركات والمصارف العالمية وبين انتشار الجائحة بأرقام مخيفة داخل امريكا واوربا ذاتها والاتجاه البطيء في الانتاج الصناعي للقاحات اعلن انها مفيدة لكن انتشارها ووصولها للعامة لايزال محدودا في المجتمع الرأسمالي ذاته وغائبة خارجه خاصة الدول التي تعاني ازمات سياسية كبيرة ..
خلال عقود خمسة منذ منتصف القرن الماضي تصاعد حضور الطبقة الوسطى كما وكيفا في بلادنا العربية واصبح لها ادوار مميزة في الادارة والخدمات والمهن العلمية ومعها ادوار للمرأة ونشاطها الحداثي مع حضور ناشئ للمجتمع المدني وتنظيماته الجمعوية ..وفي اليمن تبلورت طبقة وسطى منذ خمسينات القرن العشرين وفق متغيرات التعليم والمهن الحديثة في مدينة عدن -المستعمرة البريطانية آنذاك- ثم جاءت الدولة الحديثة بنظامها الجمهوري وتبنت برامج تنموية استفاد منها غالبية سكان المجتمع ومعها تعزز حضور الطبقة الوسطى كما لعبت الهجرة دورا كبيرا في ذلك .. واليوم تدخل البلد نفق ازمات متراكمة مع انهيار الدولة وفوضى امنية ومالية افرزت معاناة لامحدودة تكسرت معها مرتكزات الطبقة الوسطى اقتصاديا ومؤسسيا وتهتز مرتكزاتها الاجتماعية والثقافية وساد فيها اهتزاز قيمي واخلاقي ..
مع العلم ان كل ادبيات التنمية كانت ولاتزال تنظر لحضور الطبقة الوسطى دليل نجاح للدولة وبرامجها التنموية ..وغياب هذا الأخيرة يؤذن بغياب الطبقة الوسطى الامر الذي مكن اطراف الصراع من تعويم الازمات والفوضى ليكون اللانظام هو النظام مع اختلال اجتماعي وطبقي لا حدود له ..
واليمن مثل كل دول العالم الثالث تعيش في طرف النظام العولمي ورأسماليته المتوحشة ولهذا الأخير ترجع احد واهم اسباب الازمات العالمية نظرا لتوحش ادواته الطبقية والمؤسسية مع التأكيد على اسباب اخرى محلية متعددة لا تخفى على المتابع والراصد للأحداث . في هذا السياق تغيب النخب السياسية الوطنية في بلادنا ومعها البدائل اللازمة للخروج من الازمات وإعادة بناء الدولة وهو المشروع الوحيد القادر على تعميم الاستقرار وتعزيز تنمية المجتمع حتى تستعيد الطبقة الوسطى ومعها كل افراد المجتمع عافيتهم ونشاطاتهم الإبداعية والإنتاجية ومعها يستعيد المجتمع حضوره الإنساني وتعزيز ممكناته الحضارية في سياق إقليمي ودلي سريع التغير والتحول .
كل مؤسسات التعليم والمهن الصغيرة والمتوسطة والهجرة تعزز من إعادة تشكل الطبقة الوسطى ومعها طموحها في بناء الدولة والممارسة الديمقراطية مستفيدة من متغيرات عالمية كثيرة لكنها تصطدم بجماعات محلية تقليدية الثقافة لا تستوعب مسارات التغير بسرعة كافية الامر الذي يولد معه توجهان اثنان ومعهما اصطفاف طبقي نحو الدولة بصورتها المدنية ونحو الدولة بقاعدتها القبلية والمذهبية . الأول ينزع نحو المستقبل والأخر ماضوي يعزز من دورات العنف والصراع في المجتمع .
المستقبل كله مرتكز على متغيرات الثقافة والتعليم والإنتاج ومعه تأسيس حداثة سياسية تتمظهر في دولة مدنية ذات مشروع وطني وهنا يكون الاصطفاف المجتمعي افقيا وعموديا لتعزيز مشروع إعادة بناء الوطن بنظامه الجمهوري ودولة المواطنة و هنا فقط نخرج من نفق الازمات ليكون للبلد والشعب مكان في فضاء واسع من كوكبنا ومكتسباته الحضارية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات