الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الخميني ميثاق للوحدة الدنيوية و الوحدانية الدينية

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 1 / 25
السياسة والعلاقات الدولية


كما قرن الإمام روح الله الخميني بين القطب الإيماني و الأمني , فقد وفقه الله لخلق توازنات إستراتجية عريضة لكبح التشبيح الإستراتجي الغربي في المنطقتين الخليجة و الشرق الأوسطية , ما جعل التحالف الغربي يزهد في أطماعه الإمبريالية و يدرك حجمه الحقيقي ؛ أمام السياسة الرشيدة التي مهد لها زعيم الحوزة العلمية و اَية الله العظمى, الذي أسس لمشروع إسلامي حداثي و حضاري مستوعب لكل التوجهات و الإتجهات الدينية و الاقتصادية و العسكرية و السياسية .

إن الجمهورية الإيرانية الإسلامية أكاديمية بحثة فريدة ومهد ثورة جديدة , تمكنت من بسط إرادتها و تصوراتها في ساحة القوى الدولية , و حافظت على أمنها المتعدد الأبعاد , و هي تملك نظرة أفاقة بعيدة الاَماد أجازت لها تحليل الواقع و استشراف المستقبل . إنها مدرسة الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الشيعية , الذي شملت مرجعيته الفقه و الثورة و الدولة , كما ضمَّن ذلك في كتابه الحكومة الإسلامية , التي وجب إقامتها في عصر الغيبة . إن الإمام روح الله الخميني يعزمنا على أن نكون حَسنيين – نسبة إلى الحَسن بن علي بن أبي طالب- عندما ينصب العلم الأبيض و حُسينيين – نسبة إلى الحُسين بن علي بن أبي طالب - عند الثورة و الحرب .

إن أوجه المقارنة بين الجمهورية الخمينية الشيعية الإثني عشرية و نظيراتها من الدول الإسلامية السنية ؛و في مقدمتها السعودية – نسبة إلى اَل سعود - تكاد تكون متوازية في أبعادها الكثيرة, لأن المشروع الإيراني في باكورته التي تلت انهيار نظام عميل الغرب محمد رضا بهلوي ؛ لم يذعن للرؤية الفرنسية الأميركية التي قيَّدت رحلة الخميني من باريس إلى طهران بالنص على ضمان حماية المصالح الغربية لاسيما المرتبطة بتدفق النفط الإيراني إلى الغرب , و عدم تعارضها أو التعرض لها من وجهة المشروع الإسلامي كما أظهرت ذلك وثائق مسربة عن المخابرات الأميركية سنة 2016 م. في المقابل نجد أن الدول و المشيخات الاَنية في الجزيرة و المشرق هي خلاصة المشروع البريطاني الصهيوني الغربي الذي يخوض حربا باردة , مردها إلى الثالوث الذي يتضمن على رأسه حماية الدولة القومية لليهود و ضمان تمددها من البحر إلى النيل , و في الزاويتين أسفل المثلث نجد ديمومة إستغلال المقدرات العربية من نفط و غاز و مواد معدنية و مياه , إضافة إلى الأجْل الثالث و هو الحد من النفوذ الإسلامي العربي و إعادة رسم معالم دين إسلامي جديد وفق الأهواء الغريية , تمهيدا لقيام دول علمانية و لائكية .

إن إيران هي الحصن المنيع و الكفة اللازمة التي تستوجب التوازن الإستراتجي المطلوب في العلاقات الدولية , و هي بذلك تقدم طوق نجاة للدول العربية التي استسلمت للغطرسة الأميركية الغربية . و الأدلة على ذلك كثيرة نتناول القليل منها في الأسطر التالية :

- إبان الحرب العراقية الإيرانية أرادت واشنطن تقديم دعم لنظام صدام حسين , و ردا على هذه الخطوة قامت أذرع طهران في لبنان بإختطاف عشرات الرهائن الغربيين للدخول في تفاوض مع فرنسا خاصة , و تنفيذ عمليات تفجير استهدفت المصالح الأميركية في الكويت و لبنان , مؤدية إلى عشرات القتلى و الجرحى؛ كما حدث في مبنى المارينز الذي خلف 241 جندي أميركي قتيل و 58 جندي فرنسي , و ما استتبع ذلك من انتصارات إيرانية مثل فضيحة إيران كونترا ؛

- ردا على اغتيال الموساد الإسرائلي للأمين العام لحزب الله السابق عباس الموسوي سنة 1992 م , قامت عناصر تحمل الفكر الخميني الثوري الحضاري المتمدن بتفجير السفارة الإسرائلية في الأرجنتين و بعده مركز الرابطة اليهودية؛

- الدعم الكبير الذي تقدمه إيران لحركة حماس في قطاع غزة , ما جعل الحركة تصمد و تطور من نفسها , حتى بلغت حاليا مستوى متقدم عسكريا و استخباراتيا . و قد كان الإمام الخميني مدافعا مغوارا عن القضية الفلسطينية , و دعا إلى جعل اَخر يوم جمعة من شهر رمضان يوما للإحتفاء بالقدس العالمي ؛

- الضربات الموجعة التي تنفذها أذرع إيران اليمن – الحوثيون- و لبنان – حزب الله- و في سوريا , ما سمح بالدفاع عن النظام السوري كحليف رئيس لطهران و موسكو , على الأقل كما يظهر علنا , أما المفاوضات و اللعبة الإستخباراتية الخفية فأمر فيه كثير من الجذب و الرد .

مما لاريب فيه أن إيران تحقق نصرا استراتجيا كبيرا , و من غير المستبعد أن نعيش حقيقة هلال شيعي أو امبراطورية فارسية , إن كان هذا الخيار يخدم مصالح تل أبيب .

الموقف الإيراني تلقاء العملية الأميركية التي استهدفت قاسم السليماني قائد «فيلق القدس» بمعية نعيم قاسم نائب رئيس «حزب الله» و شخصيات هامة أخرى, يعد مؤيدا خطيرا لتطور الأحداث و جعل المعركة عابرة للحدود و ضاربة في الاَفاق . هذه الضربة النوعية و العلوية العويصة العواقب؛ تبرز كنتيجة لنظام حكم أمريكي يماثل حكم الستراتوقراطية التي من تجلياتها هيمنة العقيدة العسكرية أمام تراجع الخيارات السياسية و الدبلوماسية . فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمكنه اللعب بما يريد من أوراق إقتصادية, لكن تحريك قطع الشطرنج العسكرية سيكلف بلاده أكثر مما تتحمله أو تتوقعه على غرار ما خبرته في العراق و أفغانستان و غيرهما , لأن إيران تملك ترسانة حربية و نووية ضخمة و أذرعا عسكرية و عقيدة دينية كفيلة بتغيير معادلة الصراع لصالحها .

الملاحظ أن الإستراتجية الأمريكية لمواجهة إلجمهورية الإسلامية الإيرانية , تتماشى و سابقتها مع اليابان ؛ حيث كان من نتائج رفض رئيس الوزراء الياباني سوزوكي إعلان بوتسدام؛ استهداف بلاد الشمس المشرقة بقنبلتين نوويتين أعدمتا الحياة كلية في هيروشيما و ناغازاكي, و مؤيدا لإنهاء الحرب العالمية الثانية . لكن لوغاريتمات المعارك تختلف حاليا , حيث ستشكل اَية ضربة نووية إيذانا بالحرب العالمية الثالثة و إفناء كل مقومات العيش في العالم أجمع , و سترتد اَثار الحرب سلبا على دول الشمال , حيث إن الإنسان العربي ألِف الحروب و المجاعة و الأمراض و المعتقلات , في حين أن نظيره الغربي يتبجح بنمط حياة رغيد لا يعيشه الفرد الإفريقي حتى في نومه و سباته . إن هذا الإستشراف التشاؤمي هو نتاج رؤية واقعية لسيرورة أحداث باسلة يتقدمها الملف النووي و القضية الفلسطينية , حيث إن اَية مبادرات متهورة أو ردود أفعال أحادية و مجحفة ستكون كفيلة و كافية لفتح باب الحرب على مصراعيه.

رغم أن عملية اغتيال قاسم سليماني مر عليها أزيد من سنة , إلا أن نتائجها مازالت حاضرة , و يبدو أن طهران لن تتنازل عن موقفها المقاوم الذي يرفض المس بمقدساتها و سيادتها , و هي وجهة نظر لن تتغير مع الرئيس الحالي جو بايدن الذي يمكن أن يقدم تنازلات لصالح طهران لدرء أية عمليات ضد المصالح الأميركية .
إن تداعيات هذه القضية فيمكن إجمالها في النقاط التالية :
- ستلملم إيران هذا الجرح بأناة و تنظُّر و ترفق , و سيكوم الرد الأولي محدودا من خلال تنفيذ عمليات بالوكالة, دون أن تصل إلى القواعد في الخليج . حيث يُنتظر أن يتم تحريك عناصر الحشد الشعبي و و أنصار الله و غيرهما لتنفيذ عمليات تتخذ منهج الحرب بالوكالة أو حرب العصابات , فالمواجهة ستكون غير مباشرة , لكن باَثار محدودة فقط ؛
- الحصيلة العسكرية للعملية على المدى البعيد فتتجلى في استهداف القوات الإيرانية النظامية والغير النظامية للقواعد العسكرية الأمريكية القريبة إليها في الخليج , و تبعا لذلك فالمواجهة الحالية ستبقى محصورة في دول الصراع الاَني , على أن تمتد في العشر سنوات المقبلة إلى الخليج .
-يمكن أن يحدث تطور في الملف النووي , حيث سترفع إيران من تخصيب اليورانيوم , و تشديد موقفها من بنود الإتفاق النووي و تخفيض إلتزاماتها منه أو الخروج منه نهائيا , حيث سبق أن صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بقوله أن الإتفاق النووي ليس مقدسا بل مجرد إتفاقية دولية .
لقد كانت الضربة الأمريكية غير محسوبة العواقب , لكونها وضعت إيران أمام خيارات كلها صعبة على المنطقة , فإما الرد العسكري المحدود من خلال أذرعها في المنطقة أو الإستهداف المباشر للقواعد الأمريكية و هذا ما يعتبر إعلانا للحرب العابرة للقارات .
لقد وضع الإمام الخميني رحمه الله منهجية العمل الدينية و الدنيوية المستنيرة , التي يسير عليها اَنيا الإمام خامنئي و الحرس الثوري و كل مكونات الشعب الإيراني . إنها ولاية الفقيه العامة و الخاصة التي تضمن أمن البلد و استقراره و تطوره و سيادته . و هنا يظهر فضل الإمام الحجة الذي حذر و أنذر من مغبة فصل الدين عن الدولة و اعتبره حربة في صدر الإسلام الحق , لا إسلام علماء – عملاء- الأزهر و الجزيرة .

إنها دعوة صريحة و عامة للتقريب بين المذاهب الإسلامية و تحقيق وحدة عربية إسلامية , من الرباط إلى جاكرتا, فهذا هو السبيل الاَمن لمستقبل البشرية على طول خارطة العالم الإسلامي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت