الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغلاسنوست والبيروسترويكا

ضيا اسكندر

2021 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في مطلع عام 1987 وفي عزّ "تألّق" غورباتشوف، ذهبتُ ضمن وفدٍ من منظمة اللاذقية للحزب الشيوعي السوري إلى مدينة حلب لزيارة القنصلية السوفيتية، لنسمع منها شروحات عمّا يجري في الاتحاد السوفييتي من أحداث ووقائع متسارعة كانت مثار دهشتنا جميعاً جعلتنا حَيرى، مصدومين، قلقين.. فقد تمزّقت الهالة المقدّسة التي كانت تحيط بسمعة الاتحاد السوفييتي وشقيقاته. إذ لم يكن يصل إلى مسامعنا وأبصارنا آنذاك إلّا ما يُبهج النفس ويسرّ الفؤاد. وأيّ نقد، وبغضّ النظر عن قائله، حتى لو كان بمنتهى الصدق مع ذاته بحكم معايشته للتجربة الاشتراكية، كان ينعته الرفاق فوراً بـ«العميل، والخائن، والمأجور.. الذي يعمل لصالح السي آي أيه الأمريكي والموساد الإسرائيلي».
ولدى لقائنا مع القنصل السيد «أندريه» الذي يجيد التحدث باللغة العربية جيداً، استفاض بالشرح عن "الثورة" التي تشهدها بلادهم وعلى كافة الصعد. وتحدّث مطوّلاً عن المصطلحات الجديدة التي انتشرت بسرعة الريح في كافة وسائل الإعلام وفي مقدمتها «البيروسترويكا – إعادة الهيكلة والبناء» و «الغلاسنوست – الشفافية والعلنية». واسترسل بالحديث عن الأخطاء الجسيمة التي ارتُكِبت في العهد السوفييتي، وأنها سوف تتم معالجتها لتغدو البلاد قبلة الثوار في العالم والأنموذج الذي يُحتذى به. وأذكر يومها أنني سألته:
- رفيق أندريه، ألم تتأخّروا بمعالجة المشاكل والأزمات التي كانت بادية للقاصي والداني؟ وهل يُعقل أن الحزب بقياداته المختلفة والتي استمرأت الحال لسنين طويلة، واغتنت وتمتّعت بامتيازات ومكاسب جمّة، هي نفسها سوف تباشر بالإصلاح؟
وأذكر أنه أجابني قائلاً:
- لديكم مثل معروف تذكرونه دائماً في أحاديثكم وهو "وصولك متأخراً خير من أن لا تصل أبداً". نعم لقد تأخرنا كثيراً بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية وغيرها.. ولكن ها نحن قد بدأنا، ولا أخفيكم سرّاً أنه على الرغم من حالة الاستياء العام وعدم التفاؤل التي تجتاح شرائح واسعة من مجتمعنا، نتيجة التراكمات الهائلة من الأخطاء التي بقيت دون معالجة، إلى أن وصلنا إلى حالة السخط والغضب المكتوم الذي تحدثت عنه منذ لحظات.. إلّا أن غالبية الشعب تؤيّد خطواتنا.
لدى عودتنا بالقطار بذات اليوم إلى اللاذقية، تناقشتُ طويلاً مع رفاقنا في الوفد، وأبديتُ تفاؤلي الحذر مما سمعناه. ونقلتُ بعض العبارات التي كنت قد سمعتها من الراحل الكبير «الطيب تيزيني» في محاضرة له عن البيروسترويكا في المركز الثقافي باللاذقية حيث قال: «أشبّه غورباتشوف بذلك الحاوي الذي فتح غطاء طنجرة تعجّ بالأفاعي، والتي سرعان ما اشرأبّت بأعناقها للدغه، واحتار الحاوي كيف سيسيطر عليها؛ فلا هو قادر على قتلها، ولا هو قادر على إرجاعها إلى الطنجرة وإغلاقها». بمعنى أن غورباتشوف حتى لوكان صادقاً في مساعيه، فقد سبق السيف العذل. وأذكر أن أحد الرفاق المعروف بتعصّبه، ردَّ سريعاً من أن غورباتشوف عميل أمريكي ينفّذ مخطّطاً حاكته الدوائر الإمبريالية، وأن هذه المؤامرة لن تمرّ، وسوف ينتفض عليها الحزب الشيوعي السوفييتي العظيم لوأدها في مهدها.
ومرّت السنوات القليلة وانهار الاتحاد السوفييتي وأغلب البلدان الاشتراكية. وسط ذهول ودهشة العالم بشرقه وغربه وفي مقدمتهم، أولئك الحالمين أمثالنا الذين بحثوا وما زالوا يبحثون عن أسباب ما جرى وكيفية معالجة الأخطاء قبل استفحالها. وما يثلج الصدر نسبياً، أن الكثير من الرفاق اقتنعوا بأن التجربة الاشتراكية على عظمتها في الإنجازات الضخمة التي قدّمتها لشعوبها وعلى كافة الصعد، إلّا أن أخطاءها كانت فادحة، بل قاتلة؛ بسبب غياب الديمقراطية السياسية والحريات، والجمود العقائدي، واستبداد الحزب الواحد، والاعتقال السياسي، وغياب المنافسة الشريفة في مختلف الميادين، وانتشار ظاهرة عبادة الحزب والزعيم وتقديسه وغيرها كثيرٌ كثير..
الإنسان كائن متحرك يبغي التطور والتغيير بما يحقق سعادته. وهذا الفهم مفهوم ماركسي أصيل. والتجربة الإنسانية في تقصّيها عمّا هو أفضل لم ولن تتوقّف. فهل نتّعظ ونستفيد من إيجابيات وسلبيات أصدقائنا وخصومنا في تجاربنا المقبلة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير