الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة عرش العراق / للروائي عبد الكريم العبيدي : الروائي مؤرخا بمخيال

مقداد مسعود

2021 / 1 / 26
الادب والفن


قصة عرش العراق: للروائي عبد الكريم العبيدي
1- 2

كل كتابة تحمل تاريخا معينا لأمكنة معينة، حتى لو لم يذكر التاريخ رقما أو حادثة في الرواية سنعرف تاريخها من ملابس الشخوص ومن توصيف الأمكنة، ومن المفردات المتبادلة بين الشخوص، مع الألفية الثالثة أنشغلت الرواية عالميا بتاريخ لحظة ما أو شخصية سياسية أو أدبية
وأنشغلت الرواية العراقية بلحظتها الدامية، المتشظية من حروب نيابة عن الأمة،إلى تخريب العراق من الدخل، بعد سقوط الطاغية، الروائي عبد الكريم العبيدي، انشغل بحربيّ إيران والكويت،في (ضياع في حفر الباطن) و(الذباب والزمرد) و(معلقة بلوشي) وفي هذه الثلاثية كان الزمان والزمان يتنفسان مدينة البصرة، وقد أنصفت الثلاثية سرديا، معاناة المدينة، كمدينة عالمية، تتصف بالتعايش السلمي بين الديانات والقوميات: وكانت تلك ضمن هموم روايات العبيدي: حيث الولاء للوطن وللبصرة تجسده الشخصيات اليهودية والبلوشية، حيث استقرت وتصاهرت مع العرب عوائل قادمة من سيستان وكرمان، وبندر عباس، وطهران ، عوائل من الأثرياء وعوائل من الكادحين، وأرى أن عبد الكريم العبيدي هو أول روائي يتناول الشخصية البلوشية في الرواية البصرية والعراقية والعربية..
في رواياته (الذباب والزمرد) (ضياع في حفر الباطن)(معلقة بلوشي) كانت مدينة البصرة، هي الفضاء الروائي وزمن الروايات هي حروب الطاغية، والنسيج الروائي منقوعا بدخان الحروب والشظايا وكانت الموسيقى هي وقع بساطيل أزلام الطاغية في ملاحقة رافضي الحرب.
(*)
ثمة مشترك اتصالي،في الصفحة الأولى مع رواياته الأربع،قد يتخفى في اليومي،لكنه يندلع أمام فطنة القارىء،وحتى أكون من الصادقين،أثبّت ُ عينات ٍ منها :
*في روايته (ضياع في حفر الباطن) مع الكلمة الأولى،يخبرنا السارد عن نهاية الحرب، وصار الرصاصات فرحانة تحلق في الأعالي، والناس كذلك تطبل وتزمر وترقص في الشوارع،ثم في الوحدات السردية التي تليها، ينقلنا مونتاج السرد،إلى النصف الثاني من القمر، حيث نهاية الحرب أيقظت وجع الامهات والأرامل والأشقاء والأطفال فسعوا هؤلاء أجمعين، فالحرب التي قررت النوم،بأمر إداري، نومة الحرب (أيقظت ميتات موقوتات في القلوب،لم يحتمل الآباء والأمهات تلك النهاية بغياب أحبابهم،فهرعوا إلى إيقاظ أرواحهم جميعا ليحتفلوا بها من هناك،من قبورهم) وبعد فارزة،في السطر نفسه، ينقلنا مونتاج السرد إلى الفرحيين(في حين صدحت في ساحة الأحتفالات موجة عارمة من صياح الديكة التي كانت تقف وسط أكوام من الخراء من دون أن تدري)
ثم ينتقل السرد من الواقعي إلى غرائبي الأكثر صدقا من الحقيقي(بكينا كثيرا تلك الليلة.كانت الأهازيج والأغاني تقذف بعينات من عيون آلاف القتلى التي تناسلت فجأة من النسيان7) هذه الغرائبي ستكون مفتتح رواية( قصة عرش العراق)
*في(الذباب والزمرد) مع الكلمة الأولى نكون مع الوعي السلطوي المتوارث: لاتوجد سوى ثنائية السلطة الشريفة والمواطن المجرم، وهي ثنائية تمتلك وحدة قياسية بدائية،ولا تخلو هذه الثنائية من أعتباطية وحدة القياس (باعد صبي بين أنامل كفه اليمنى وهو يركع قبالة أكثر من عشرة أطفال،لمس بخنصره أولاً أصابع قدمه اليسرى،ثم شرع بقياس طول قامته بأشبار متعاقبة من أسفل قدمه المعاقة حتى قمة رأسه، كان يردد،مع كل شبر وبصوت مسموع: شرطي/ حرامي،شرطي/ حرامي، وحين وصل إلى قمة رأسه هتف بأعلى صوته: حرااااامي. فرح الصبية المعصوبو الرؤوس والمسلحون بمسدسات وبنادق بعضها كان أطول من قاماتهم وراح كل منهم يمارس الطقس ذاته تباعا، يركع أمام أنظار الصبية لقياس طول قامته،ثم يهتف بإحدى المفردتين حال ملامسة إبهامه لقمة رأسه/7) ثم تسفر نتائج وحدة القياس عن ( أحد عشر لصا مقابل شرطيين أحدهما صبيا بدينا حافي القدمين، بينما كان الآخر أعور!) في النتيجة ومضة مفاجأة، جسدها السرد في أستعمال ظرف زمان يدل على المفاجأة : (بينما)
*في روايته الثالثة (كم أكره القرن العشرين ) وبشهادة السارد الأول ومع السطر الأول بعد العنونة الفرعية (موجز أتفاقية هاولير).. نكون مع فزع يجتاح السارد(في ربيع عام 2004 أجتاحني رنين ُ أعظم مكالمة لاتُنسى من هاتفي المحمول/ 7)
وفي رواية (عرش العراق) نكون مع فزع من طراز خاص يبدأ بغرفة السارد وينتهي لا في شوارع البصرة، كما عودنا الروائي عبد الكريم العبيدي،بل في شوارع بغداد( في الواحدة ظهرا بتوقيت،غرينيش....)..
(*)
في (عرش العراق) يصغي المؤلف ويحرث، عشرات المصادر والمراجع والوثائق،ثم يحذف ويوجز ويختزل، ليحوّل جفاف التاريخ ورعبه، ومطولاته، إلى ثمرة روائية، لذيذة المذاق،أو إلى تحفة خفيفة الوزن، غالية المعنى، إذا كان المؤلف قد صرخ في روايته الثالثة، وجعلت صرخته ثريا النص( كم أكره القرن العشرين) فهو في روايته الرابعة (عرش العراق) ترجمت كراهيته سردا روائيا رشيقا لقرن ونيّفا عراقيا..
وهنا سنكون مع سرديات الدول الكبرى، وكيفية تكوين هذه السرديات، وسنعرف أن أصولها منهوبة من سرديات عريقة، همشتها حملات الاجتياح الكونيالي، فالمطبخ البريطاني ليس بريطاني المنشأ،بل نهبته بريطانيا (جلّ مكونات أكلاته من ميزات مطابخ إيرلندا والطعام المقلي على الطريقة الصينية) وكذا الحال مع الولايات المتحدة،فأكلات مطبخها مسروقة من (كاري الخضار التايلاندي، وسباغيتي بولونيز الأيطالي، والشبيس الفرنسي،هو مطبخ أمريكي مستحدث وهجين،مطبخ مهاجرين من كل أصقاع العالم) مثلما صار الاوربيون والأمريكان، يخططون وجههم/ وجوههن بالأصباغ،أثناء مشاهدة مبارابات كرة القدم، وهذا التخطيط، سرقوه من تلك الشعوب التي اتهموها بالتخلف، فهم أيضا سرقوا الأكلات من الهنود الحمر،الذين تعرضوا لحملات إبادات أمريكية، إذن فالمطبخ الأمريكي(سرق كل مكونات أكلاته من ميزات مطابخ الهنود الحمر والانكليز والطليان والمكسيكيين وأوطان المهاجرين...) وهذا يعني إن أمريكا(موسيقى بِلا أسلوب)
(*)
نقلات الزمن السردي، لا تعلن قطعا تاريخيا، بل تفضح التواصل السردي كولونياليا تجاه العراق : أرضا وسماءً وشعبا، لافرق بين مأدبة الأربعين حرامي في أوائل القرن العشرين، في تقسيم(بلاد العُرب ِ أوطاني)
وبين قالب الماربل بين يديّ بول بريمر في أوائل القرن الواحد والعشرين، ثم يتداخل المشهدان، لافرق بين ألوائل القرنين(داخل مغارة النيل، تعهد تشرشل بطلاء صينية سيمورات بالزبد، فالكل مساهم في (كعكة طعام الشياطين) : مس سبيل وكونداليسا رايس، بول بريمر وتشرشل، هناك كان رجل أوربا المريض، هناك عراق الحضارات والطغاة والضحايا والأنقلابات .، ولا قطع سرد بين عصر مس سبيل وبين بول برايمر: كلاهما
فالسارد العليم ينتنقل من جيرترود بيل صانعة الملوك، إلى مايداعب حواس بريمر، مسس بيل، انتجت سرديتها الكولونيالي المتعالية بحق العراقيين ، فهم التقوا الأعيان ورؤساء العشائر، ورجالات السياسية المصنعيين بسردية كولونيالية مطلقة، هذه النماذج هشة لا كيان لها، وسؤالها الدائم إلى الغزاة (أين رواتبنا ومستحقاتنا) هذا سؤال العين وهي ترى عراقا يشحن على طائرات الأمريكية، والعين السائلة هي عين ذليلة لاتفكر بسواها
(*)
التاريخ العراقي المعاصر، يتسيد في فضاء رواية قوانه، بنسبة عالية وهناك شذرات تكميلة من تاريخ العراق القديم، سميراميس، تاريخية الأمكنة /19قصر الزهور
المكان في مرحلة التأسيس : يشمل بغداد – القاهرة - سويسرا
يحاول السرد الروائي أن يخلّص الفضاء النصي من رتابة الأرخنة، فيتقافز السرد بين الأزمة، من بغداد أوائل القرن العشرين، إلى القاهرة..(تمعنت مس بيل طويلا في أنقاض الأمبراطورية العثمانية،قبل أن ترسم حدود الدولة العراقية بالمسطرة والقلم،ثم كفلت بكل ما أوتيت من حصافة في استقرار أوضاعها وهندسة مستقبلها، ومن ثم تنصيبك ملكا بإرادة التاج البريطاني،فازت سيدة القصر،لم تسع فرحتها قاعة الاجتماعات،فأستدرات بجذعها في نصف دورة وفتحت النافذة المطلة على النيل..) ويقفز السرد من خاتون بغداد مس سبيل في بداية القرن العشرين،إلى بول برايمر في القرن الحادي والعشرين: ولا مسافة بينهما، كلاهما غزاة، وبسرعة الومضة يجمعهما السارد العليم، فمن كلاهما تتشكل التاريخ الكونيالي للفكرة، وفي أجندة واحدة، ويستعمل السارد المشارك. ومونتاج السرد، يحذف المسافة الجغرافية، بين بيت الباشا نوري السعيد،على نهر دجلة وبين قصر الزهور/38
وظيفة السارد العليم ويوجه كلامه ليس للقارىء، بل للملك فيصل الأول، والزمن الروائي ليس كالزمن الطبيعي، الزمن الروائي، يتحرك دائريا القصف في منطقة الخضراء يسمعه ويراه ملك فيصل الأول،
(*)
في بداية ص48 من مخطوطة رواية (عرش العراق) تحدث نقلة في جهوية السرد،من خلال تدشين شخوص آخرين يطلق عليهم السارد (رباعي البرازيلية) : : مدرس الفيزياء العجوز، آخر الأحياء من مواليد العشرينات، والطالب الجامعي سلام مزهر، وكذلك أرشد ابن التاجر الحاج توفيق.والمدرس عبد الوهاب، وهذا الرباعي : عينة من تناحر العراقي آنذاك، تجيد الأصطراع والأحتراب الوطني، عينة تملك هوسا لاوعيا سياسيا في الشارع العراقي،
(*)
المسرود روائيا، معروف عراقيا بالنسبة لنا نحن الذي اكتوينا بشباط الأسود في 1963 صعودا إلى ما يجري الآن، وتدوير سرد الوثيقة إلى فنية المعمار الروائي، ضرورية لنا وللأجيال الجديدة،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا