الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب، من عبد الكريم إلى سعيدة الأجزاء من 13 إلى 15

الطاهر المعز

2021 / 1 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


المغرب، على خُطى عبد الكريم وسعيدة الأجزاء من 13 إلى 15

الحلقة الأخيرة، من "أنفاس" و"اليسار الجديد" إلى احتجات الريف وجرادة، وغيرها


13
مجلة "انفاس"، منتدى المُثقّفين التّقدّميّين 1966 - 1973
ألقى الحسن الثاني خطابًا، في ذروة حملة القمع التي طالت الشباب المنتفض في 23 آذار/مارس 1965، وأعلن أن "ليس من خطر يتهدد الدولة أكبر مما يُنعتون بالمثقفين. من الأفضل لكم أن تكونوا أُمِّيِّين..."
أسست مجموعة من المُثقّفين الشباب، مجلة "أنفاس"، التي كانت مزدوجة اللغة (الفرنسية والعربية)، سنة 1966، وكان من بين المُؤسّسين شُعَراء، مثل عبد اللطيف اللعبي ومصطفى النيسابوري، وكُتّاب، مثل إدريس الشرايبي والطاهر بن جلون، وفنانون تشكيليون، مثل "فريد بلكاهية"، ورسامون مثل محمد المليحي، وغيرهم ممن ساهموا في إثراء مُحتواها، مثل عبد الكبير الخطيبي، ومحمد خير الدّين، والسينمائي "أحمد البوعناني"، وكذلك محمد المليحي ومحمد شبعة، وأدى إشعاع المجلة إلى مُساهمة شُعراء وكتاب من خارج المغرب.
اختار مُؤسّسُو مجلة “أنفاس” طريقًا وَعْرَة، تتمثل في بلورة الوَعْي، عبر نشر الثقافة الوطنية (بالفرنسية؟)، وإحياء الجانب التقدمي من التراث والفنون الشعبية، بحسب تعبيرهم، وتميزت النُّصُوص المنشورة بالجرْأة، ونَقَدت مَظاهر الدكتاتورية وخنق حرية الرأي والتّعبير في المغرب، وأظْهَرت آفات ومساوئ الرأسمالية في "الغرب"، وزادت جرأة المجلة، بداية من سنة 1970، حيث حافظت على طابعها الثقافي، مع الحرص على عدم الفَصْل بين "الثقافي" و "السّياسي"، ومع الإنخراط في النقاش السياسي الدّائر في أوساط المُثَقّفِين التّقدّميين والمناهضين للإسعمار، آنذاك، وتجاوز صيت المجلة وإشعاعها المغرب إلى بقية أقطار المغرب العربي، والطلبة والمُثقّفين العرب المُقيمين بأوروبا، وساهم عدد من مُؤسّسي المجلة في تأسيس التيارات المُناضة للإمبريالية، والمنظمات الماركسية اللينينية بالمغرب، ما عَرّضهم للمحاكمات والسّجن، بتهمة "التآمر لقلب نظام الحكم"، ضمن حملات القمع الشرسة، التي مَيّزت تلك الفترة من حُكْم نظام الحسن الثاني، والتي بلغت حد الإغتيال ودفن ضحايا القمع والتعذيب والإغتيال في مقابر جماعية، وتضمنت الإعتقال والتّعذيب والمُحاكمات الجائرة، قبل أن يتم حَظْرُ صدور المجلة، سنة 1972، واعتقال العديد من المُساهمين والمُحَرِّرِين، وتمت محاكمتهم بتُهم تتعلق ب"جرائم" الرأي والتعبير، وأُدينوا بسبب ذلك، وقضى الشاعر "عبد اللطيف اللعبي"، مُدير المجلّة، وأحد مؤسسيها، ثماني سنوات بالسجن، قبل أن يُهاجر إلى فرنسا، بلد زوجته، وكان ممثل الإدعاء وهيئة القُضاة قد قدّموا بعض أعداد المجلة، بمحكمة "الدار البيضاء" سنة 1973، كدليل إدانة للمُتّهَمِين...
بعد مرور نصف قرن، لا يزال صدى مجلة "أنفاس" يتردّد في أوساط الأجيال اللاحقة، بسبب الرؤية الثقافية للمجلة، ومزجها بين الدفاع عن الثقافة الوطنية والشعبية، والإهتمام بمسائل الحُرّيات (حرية الرأي والتعبير) والعدالة الإجتماعية، والهوية الوطنية، المُناهضة للإستعمار والإمبريالية.
تمكنت هيئة التحرير من جعل "أنفاس" مجلة مناضلة (كان جميع المُحرّرين مُتطوِّعين، بل يُساهمون في تكاليف الطبع والنّشر) بدون هيكلة تنظيمية، وقُطبًا ثقافيا، وتمكنت من نشر محتوى أو مضمون تقدّمي للثقافة الوطنية، في إطار مشروع شامل، أدبي وسياسي، ينطلق من تشخيص وضع الثقافة الوطنية، ليقترح مشروعًا جديدًا للمستقبل، على المستوى السياسي، كما على المستوى الثقافي...
أصبحت مجلة "أنفاس"، بعد نصف قرن، موضوعًا للبحث في جامعات أوروبية وأمريكية، وتم تجميع جميع أعدادها وتخزينها في حواسيب مكتبات بعض الجامعات الأمريكية، ما يضطرّنا، إذا ما أراد أحدنا الإطلاع على أعداد المجلة، أي على تُراثنا الثقافي، التّقدّمي، للمرور عبر بوابة جامعة مدينة نيويورك، أو كلية المجتمع واتكوم في واشنطن !!! قبل أن تُصبح جميع الأعداد مُتاحة، على الموقع الإلكتروني للمكتبة الوطنية المغربية، ولا تزال التجربة الثرية للمجلة، رغم قِصَر مُدّة صُدُورها (سبع سنوات، بالكاد)، موضوع بُحوث ودراسات أكاديمية (أطروحة دكتوراه)، وكتابات عديدة، باللغات العربية والفرنسية والإسبانية والإنغليزية، وغيرها، لأن المجلة تجاوزت الحُدُود التقليدية للمجلات الثقافية، لتُصبح منبرًا أو مِحْوَرًا تحوم حوله حركة فكرية وثقافية جمعت بين الجَوْدَة والإلتزام، وأظهرت البحوث وشهادات المؤسّسين ثَراء النقاش الذي كان يجري بين أعضائها، وطريقة العمل الجماعي، من الإعداد إلى الإخراج ومُراجعة المادّة المكتوبة، وهي ميزات لا يعرفها القارئ أو "المُستهلك"، بالضرورة، ولكنها تُضيف قيمة زائدة لشكل ومحتوى المجلة، التي كانت تجمع المُبدعين التقدميين، ومن ضمنهم مناضلون سياسيون، مثل عبد اللطيف اللعبي وأبراهام السرفاتي، اللّذَيْنِ غادرا الحزب "الشيوعي" (حزب التقدم والإشتراكية) وساهما في تأسيس منظمة "إلى الأمام"، إلى جانب مجموعة أخرى ساهمت في تأسيس منظمة "23 مارس"، ويمكن اعتبار تجربة مجلة "أنفاس"، مُقدّمة، وجِسر، ومنبر لحركات أو لتيارات ما سُمِّيَ باليسار الجديد، أي الخارج عن نهج وأسلوب الأحزاب الشيوعية التقليدية التي تحولت إلى أحزاب إصلاحية، أو ربما كانت إصلاحية، منذ بداياتها، ومع ذلك بقيت منشورات المجلة قَيِّمَة من الناحية الأدبية والفَنِّيّة، أعادت الإعتبار للثقافة الشعبية وللتراث، مع الإنفتاح على التراث العالمي...
تزامَنَ نَشْر مجلة "أنفاس" مع نشأة مجموعات مَسْرَحية وموسيقية وحركة ثقافية وفَنِّيّة تقدّمية، في المغرب، كما في بلدان عربية أخرى، حيث رفض طُلاّب الجامعات هيمنة الأنظمة الحاكمة على اتحادات الطّلاّب، وعلى كافة الفضاءات الإعلامية والثقافية، وتَزامن مع تَوَسُّع حركة الإحتجاجات ضد العدوان الأمريكي على الشعب الفيتنامي، ومع صُمود الشعب الفلسطيني ومنظماته الفدائية، في معركة "الكرامة" (21 آذار/مارس 1968 ) والصمود ضد الجيش الأردني المدعوم من الإمبريالية والرجعية العربية، والإخوان المسلمين، من باكستان إلى مصر، وخرج الطّلاّب والمُثقّفون والمناضلون التقدميون العرب في مظاهرت ضد زيارات ممثلي الإمبريالية الأمريكية ومشاريعها التصفوية، مثل "مشروع روجرز" (على إسم وزير الخارجية الأمريكية) لتصفية القضية الفلسطينية...
في هذا المناخ صَدَرت لائحة عن المؤتمر الخامس عشر للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، سنة 1972، تُقِرُّ (قبل تأسيس منظمة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "بوليساريو") حق تقرير المصير للشعب الصحراواي (الذي كان تحت الإحتلال الإسباني، حتى سنة 1975) وحقه في تأسيس دولته إن رغب في ذلك، ما أدّى إلى اختطاف الأمين العام المُنتَخب للإتحاد (الرفيق عبد العزيز لمنبهي، أخ سعيدة لمنبهي)، وفي هذا المناخ وُلِدَت منظمة "إلى الأمام".

14
الحركة الماركسية اللينينية - منظمة "إلى الأمام"
تأسّست منظمة "إلى الأمام"، في الثلاثين من آب/أغسطس 1970، وأُعْلن عن تأسيسها، في الأول من كانون الثاني/يناير 1972، بعد قرابة ثلاث سنوات من النقاشات والعمل السّرِّي لمجموعات من المناضلين (منذ 1969)، منهم من كان في الحزب الشيوعي المغربي سابقًا (حزب التقدم والإشتراكية)، وأشهرهم "أبراهام السّرفاتي"، ومنهم الشاعر "عبد اللطيف اللعبي"، أحد مؤسِّسِي مجلة "أنفاس"، وساهم المناضلون الذين أسّسُوا أو انتمو إلى منظمة "إلى الأمام"، في النضال ضد الحُكْم المحلي، منذ سنة 1969، وفي التّعريف بنضالات شعب فيتنام وشعب فلسطينن وأقرّ "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب"، تحت تأثير هؤلاء المناضلين، "إن القضية الفلسطينية قضية وطنية (تُقاوم) الثالوث الامبرالي الصهيوني الرجعي"، وكانت منظمة "إلى الأمام"، القُوّة السياسية الوحيدة المَعْرُوفة في الخارج، والتي أعلنت في منشور بتاريخ 19 تشرين الأول/اكتوبر 1975، مُعارَضَة "المسيرة الخضراء" التي جمعت نظام الحُكْم والمُعارضة، بما فيها التي تدّعي الماركسية (مثل منظمة 23 مارس) في حملة شوفينية ضد الشعب الصحرواي وضد النظام والشعب الجَزَئرِيَّيْن، واعتبرت منظمة إلى الأمام مشكل الصحراء سياسي، يتعلق بتصفية الإستعمار (الإسباني) وحقه في تقرير مصيره...
استلهمت المنظمة مواقفها من تاريخ الحركة الوطنية والنضال ضد الإستعمار، ونضالات المُعارضة، منذ 1962، ضد حُكْم الملك الحسن الثاني الذي انتهج سياسة الغَطْرَسَة ورفض الحوار حتى مع أحزاب المُعارضة المُعترَف بها، والإختطاف والإغتيال (المهدي بن بركة) والتعاون مع أجهزة المخابرات الصهيونية والإمبريالية، وتميّزت السنوات الأولى لحكم الحسن الثاني بمجزة 23 آذار/مارس 1965، وبإعلان حالة الطّوارئ والأحكام الإستثنائية، وحَلّ البرلمان (حزيران/يونيو 1965)، وبذلك أغلق نظام الحُكْم أبواب العمل السياسي القانوني، ما جعل الشباب الغاضب يلتحق بالعمل السّرِّي، ويتبنّى شعار "الثّورة الشّعبية ضدّ النّظام" بمجمله، وامتدّ تأثير الفكر الثوري إلى الجامعة، وإلى الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي حَظَرت السلطات نشاطه سنة 1973، بالتزامن مع الحَملات القمعية التي تَوسّع نطاقها، وتزامنت هذه الفترة أيضًا مع انضمام العديد من المناضلين والمناضلات من المغرب (وكذلك من تونس) للمنظمات الفلسطينية، وخاصة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واستشهد العديد منهم، ومن بينهم "يحي الطّنجاوي" (24 تشرين الثاني/نوفمبر 1974)، وعبد الرحمان اليزيد أمزغار (17 حزيران/يونيو 1975، في مستوطنة "كفار يوفال")، وآخرون يحتجز الكيان الصهيوني رفاتهم، أو دُفِنُوا في "مقابر الأرقام"، كما شاركت مناضلات مغربيات في تنفيذ عمليات فدائية، داخل فلسطين، ومنهن "غيثة برادلي" و أُختها "نادية برادلي"، ووقعتا في الأسْر في تل أبيب، سنة 1970، بتعاون بين المخابرات الصهيونية والفرنسية، التي كانت تستهدف المناضل الجزائري محمد بوضياء، الذي استقطَبَ الأُخْتَيْن، قبل اغتياله بباريس سنة 1973، وعانت "نادية" من الأمراض بسبب الإهمال، زمن الإعتقال، إلى أن توفيت سنة 1995، سنة تأسيس "النهج الديمقراطي"، الذي ادّعى مُؤسّسُوه أنهم الوَرَثَة "المُعتدلون" لمنظمة "إلى الأمام"...
شملت حملة الإعتقال، التي بدأت منذ 1972، قيادات المنظّمة، ومنهم عبدالحميد أمين وعلي فقير، ثم امتدت إلى شملت المرحلة الثانية مجموعة أخرى، منها عبد اللطيف زروال، أحد أشْهَر شهداء منظمة "إلى الأمام"، الذي استشهد في معتقل درب مولاي الشريف (الدار البيضاء) في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1974 ، ولم تسترجع عائلته رفاته، ومن شهداء الإختطاف والتعذيب بالمعتقلات السرية "أمين التهاني" بالدارالبيضاء و"محمد قرينة" بأغادير و"عبد الحكيم المسكيني" ببني ملال، و"رحال جبيهة" و"المنتصر البريبري" و"عبد الحق شباضة"، و"بوعبيد حمامة" (توفي بالمنفى، بعد معاناة طويلة من المرض)، وشهداء آخرين استشهدوا في المُعتقلات المنتشرة بالبلاد، ولم يقع توثيق تاريخ اعتقالهم أو اختفائهم وتاريخ استشهادهم، وتعتبر "سعيدة لمنبهي" من الشهيدات التي لا تزال ذكراها حَيّةً في أذهان المناضلين، واستشهدت، يوم 19 كانون الأول/ديسمبر 1977، بعد إضراب عن الطعام، بمُعتقل الدارالبيضاء، تجاوز أربعين يوماً.
تلت الإعتقالات محاكمة 178 مناضلا، بمحكمة الدّار البيضاء، يوم الثالث من كانون الثاني/يناير 1977، بتهم خطيرة، منها تأسيس منظمات غير شرعية والتحريض على الحرب الأهلية بهدف قلب نظام الحكم، وصدرت خمسة أحكام بالسجن المُؤبّد وخمسة وستون حكمًا بالسجن من ثلاثين إلى عشرين سنة، وأكثر من أربعين حكما بعشر سنوات، مع غرامات مالية، وكان أقل حكم بخمس سنوات، وكانت هذه واحدة من محاكمات عديدة، طالت معظم قياديِّي ومناضلي منظمة "إلى الأمام"، وكذلك "منظمة 23 مارس" ومن "الإتحاديِّين"، وغيرهم.
أدّت ظروف السّجن والعَزْل إلى برُوز خلافات بين الأعضاء القياديين التاريخيين، وبعد استشهاد عدد من القيادِيِّينن وتشتيت الأحياء وتوزيعهم على عدّة مُعْتَقَلات، تزعّم عبد الله زعزاع وبلعباس المشتري وعبد الله المنصوري وأبراهام السرفاتي وعبد الفتاح الفاكهاني، تيّارًا "مُراجِعًا" لأُطْرُوحات منظمة إلى الأمام، وإصدار وثائق تقييمية، بين سنَتَي 1977 و 1979، في مقابل تيار آخر، أعلن تمسّكَه بالأطروحات الأصلية، بقيادة فؤاد الهلالي وإدريس بن زكري وأحمد آيت بناصر وإدريس الزايدي وعبدالرحمان النوضة، وبذلك حقّق النظام المغربي أحد أهم أهدافه، فانقسمت المنظمة داخل السّجن وخارجه، وهو أمْرٌ مُعتاد، عانت منه كافة المنظمات الثورية، وكانت تلك الحملة القمعية والإعتقالات والتعذيب حدَّ القَتْل، إيذانًا بالقضاء على منظمة "إلى الأمام" التي انفردت، على الساحة المغربية، بتأييد حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وأصدرت، منذ سنة 1976، وثائق تدعو إلى وحدة شعوب المغرب العربي، ووثيقة صادرة يوم 19 أيار/مايو 1978، بعنوان "عهد الحماية الفرنسية من جديد"، وتتلخص في التّنديد بالتدخل الإمبريالي الفرنسي إلى جانب "قوات الغزو الملكية والموريتانية" ومشاركتهم في "مواجهة عسكرية مباشرة مع الشعب الصحراوي ومقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، قبل أن تُوَقِّعَ سلطات موريتانا اتفاقية سلم مع جبهة البوليساريو، ثم انسحاب قواتها من منطقة "وادي الذهب"، في الخامس من آب/أغسطس 1978...
اعتبرت هذه الوثائق "إن الوحدة الجدلية لنضالات شعوب الغرب العربي، تكمن في إنشاء جبهة النضال... ضد البورجوازيات التي تريد إنشاء مغرب الدول على حساب مغرب الشعوب. إن الثورة في الغرب العربي، هي المرحلة التي تؤدي إلى وحدة شعوب المغرب العربي"، كما ندّدت ب"التواطؤ مع الصهيونية ونظام السادات ضد الشعب الفلسطيني"...
يرتبط تاريخ منظمة "إلى الأمام"، ببعض الرّموز القيادية، وببعض الشُّهداء، منهم عبد اللطيف زروال (15 أيار/مايو 1951- 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1974)، وسعيدة لمنبهي ( 1952 – 11 كانون الأول/ديسمبر 1977)، التي كانت مسؤولة عن خلية بمدينة "الرباط"، وكانت مُعتقلة مع رفيقات أُخْرَيات، منهن فاطمة عكاشة وربيعة الفتوح وبييرا دي ماجيو، والأخيرة هي مناضلة إيطالية اعتُقِلت بالمغرب ضمن حملة القَمع التي استهدفت مناضلي الحركة الماركسية اللينينية، وبقدر ما ناضلت "سعيدة لمنبهي" من أجل الطبقة العاملة المغربية، ناضلت كذلك من أجل تحرر المرأة من "الإستغلال والإضطهاد المُزْدَوَج"، ومن أجل المساواة...

بعض سمات الوضع في المغرب، بعد نصف قرن من تأسيس منظمة "إلى الأمام":
تعدّدت ألْوان الحُكومات التي تداولت على إدارة شؤون البلاد (أما القرار الفعْلِي فيبقى للملك ومستشاريه)، ولكن جميعها كُمْبرادوري (يُمثّل مصالح القُوى الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات)، سواء كان الحزب يُسمّى "الإتحاد الإشتراكي"، أو "الأحرار" (حزب القصر) أو العدالة والتنمية (الإخوان المسلمون)، وفَرَضت أوروبا اتفاقيات جديدة تُكَرِّسُ التبادل غير المتكافئ، ونهب الثروات (الزراعة والفوسفات والثروة البَحْرِيّة...)، وتحويل المغرب (كما الجزائر وتونس وليبيا) إلى مُعتقل للمهاجرين الذين دَمّرت الإمبريالية بلدانهم، فيما أعلنت الإمبريالية الأمريكية إنشاء قاعدة عسكرية ثانية، بعد الإعلان الرّسمي عن تطبيع العلاقات بين نظام المغرب والكيان الصهيوني، وزادت تبعية النظام المغربي للإمبريالية وشركاتها ومصارفها، ولحلف شمال الأطلسي وللكيان الصهيوني، ليصبح المغرب بوابة للعدوان على بلدان إفريقية أخرى، فيما يُعاني سُكّانه من القمع ( في جميع مناطق البلاد) والإستغلال الفاحش وتهريب ثمار عرق الكادحين إلى الخارج، كما يُعاني المواطنون والمواطنات من ارتفاع نِسَب البطالة والفَقْر والأُمِّية (كما في معظم الدول العربية) ومن غياب المسكن اللائق، ويحتل المغرب مراتب مُتأخّرة في مؤشرات التنمية...
شكّلت هذه الظروف المَعِيشِيّة والحياتية السيئة قاعدة موضوعية للإنفجارات والإنتفاضات، منذ أكثر من نصف قَرْن، أو منذ احتجاجات ومجازر 23 آذار/مارس 1965، إلى احتجاجات منطقة "الريف" أو "جرادة"، وغيرها من الإضرابات والإحتجاجات والإعتصامات المتكررة والمُستَمِرّة، لكن لن تتحول هذه الحَركات إلى ثورة تُغَيِّرُ طبيعة النّظام وتقطع مع "نمط التنمية" التّبَعِي، في غياب أداة وقيادة ثورية، وبرنامج ثوري، ولا يُشكل المغرب استثناءً بل إن وضعَهُ شبيه ببلدان المغرب العربي الأخرى، أو الوطن العربي برمّته، ما يجعل من التشاور والتنسيق والنضال المشترك، حتمية وضرورة مُلِحّة...

15
خاتمة
المغرب في ظل حقبة “العَوْلَمة”، وضرورة التكامل الإقتصادي المغاربي والعربي:
سبق أن تَدَخّل صندوق النقد الدّولي، في بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، إثْرَ عَجْزِ الدولة المغربية عن تسديد القيمة المُرتفعة لخدمات الدّيْن الخارجي، للمصارف وللدّول الأجنبية الدّائِنَة، وفَرَضَ صندوق النقد الدولي برنامجًا ل”الإصلاح الهيكلي” لفترة عشر سنوات، من 1983 إلى 1993، وتَضَمّن تطبيق “الإصلاح الهَيْكَلِي” خصخصة القطاع العام والمرافق، وخفض الإنفاق الإجتماعي وتجميد الرّواتب وخفض قيمة دَعْم المواد والخَدمات الأساسية، وكان ذلك سببًا مُباشرًا لانطلاق ثلاث انتفاضات شعبية، خلال عقد واحد، وشمل “برنامج الإصلاح” القطاع الفلاحي (خفض دعم صغار المزارعين، و”تحرير” القطاع) ما أدّى إلى إفلاس العديد من صغار الفلاحين، واستحواذ الشركات الرأسمالية على الأراضي الخصبة والمياه، وتوسيع رقعة زراعة الإنتاج النباتي والحيواني، المُعَدّ للتصدير، بدعم من الدّولة، ثم انضَمّ المغرب، سنة 1995، إلى منظمة التجارة العالمية، وَوَقَّعَ اتفاقيات “التبادل الحر”، دخلت حيز التنفيذ سنة 2000 مع الاتحاد الأوروبي، وسنة 2006 مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي نموذج لعلاقات الهيمنة الإستعمارية، وللتّبادل غير المتكافئ، وتسمح هذه الإتفاقيات للشركات العابرة للقارات بالإستثمار في أي قطاع بالمغرب، مع خُرُوج الأرباح، وهي (الإتفاقيات) إحدى أسباب تهديد أو فقدان الأمن الغذائي، وارتفاع عجز الميزان الغذائي، خلال الفترة 2008 – 2018، وزيادة توريد الحبوب، وتَخَصُّص الفلاحة المغربية في تصدير الطماطم والحمضيات، غير المُصَنَّعَة، مع بقاء القسم الأكبر من قيمة الصادرات بالمصارف الأجنبية…
بعد قرابة عشر سنوات من انتفاضة تونس، ومحاولات الإنتفاض في الجزائر والمغرب، وانهيار نظام ليبيا، لم يتحسن وضع المواطنين في أي بلد مغاربي، من موريتانيا إلى ليبيا، بل ساءت حال الأغلبية من المواطنين والفُقراء، ورغم العوامل الدّاخلية المُساعِدة، واستعداد مواطني المغرب العربي لتطوير العلاقات بين البلدان الخمسة، لم تتطور المبادلات بين البلدان المغاربية، في أي مجال، لا الثقافي ولا الإقتصادي، باستثناء السياحة، حيث يُشكّل المواطنون الجزائريون والليبيون نصف عدد زائري تونس. أما العلاقات التجارية وتبادل الإنتاج المحلي، فإن قيمة التجارة البَيْنِيّة بين البلدان الخمسة، لا تتجاوز نسبة 5% من إجمالي التجارة الخارجية لهذه البلدان.
تكمن المشكلة الرئيسية في نمط النّمو وفي سياسة التّبَعِيّة السياسية والإقتصادية تجاه القوى الإمبريالية، والحواجز السياسية التي تُعرقل التكامل الإقتصادي المغاربي أو العربي أو الإفريقي…
يدعو الإتحاد الأوروبي إلى التكامل الإقتصادي المغاربي، ليس من أجل مصلحة الشعوب أو البلدان في المغرب العربي، ولكن من أجل تخفيض جلسات التفاوض، مع أربعة أو خمسة حكومات إلى طرف واحد، ومن أجل خلق سوق كبيرة، يفوق عدد سُكّانها مائة مليون نسمة، لتُرَوّج أوروبا بضائعها، خصوصًا بعد الإمتيارات الكبيرة التي حصلت عليها أوروبا وشركاتها، من خلال اتفاقيات الشراكة، ولكن جوهر دعوة الإتحاد الأوروبي يختلف عن دعوة المواطنين المغاربيين والعرب لإنشاء سوق مغاربية، كخطوة لتأسيس تكامل اقتصادي شامل، وسوق عربية واحدة، قادرة على تحفيز النمو وخلق وظائف، وخفض حِدّة الفقر ( أما القضاء على الفَقْر فأَمْرٌ آخر)، شرط أن لا تُهيمنَ الشركات الإحتكارية والقوى الإمبريالية على هذه السوق الموحدة، التي يتجاوز عدد سُكانها في المغرب العربي مائة مليون نسمة، ويتجاوز سكان البلدان العربية نحو 340 مليون نسمة، ولكن نسبة التبادل التجاري بين هذه البلدان لا تتجاوز 3% بين بلدان المغرب العربي ونحو 5% بين الدول العربية، من إجمالي حجم مبادلاتها التجارية، وهي أقل منطقة تُمارس التكامل الإقتصادي فيما بينها، بعد تسع سنوات من الإنتفاضات العربية سنة 2011، “رغم التاريخ واللغة والإمتداد الجغرافي” بحسب “كريستين لاغارد”، المديرة التنفيذية السابقة لصندوق النقد الدّولي، منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أثناء تقويم نتائج إقامة طويلة (على حساب المواطنين) لوفد من صندوق النقد الدولي في المغرب والجزائر وتونس، خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2019.
أعلن الإخوان المُسلمون بالمغرب أن قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس قرارا الحكومة (التي يُسيْطر عليها الإخوان، منذ 2012 ) بل قرار الملك (رئيس "لجنة القُدْس") الذي لم يستشر ولم يُخْبِرْ أحدًا، وهو القرار الذي لم يُعْلَنْ عنه من الرباط، بل من واشنطن، بواسطة "دونالد ترامب"، عبر الفضاء الإلكتروني، يوم الخميس، العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2020، وعَلِمَ رئيس الحكومة المغربية بالقرار بواسطة برقية لوكالة الأنباء الرسمية، ولم يشرح الملك (رئيس "لجنة القُدْس") خلفيات وأهداف القرار، لا ل"شعبه" ولا للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية وغيرها، ويبدو أن القرار أمريكي، بدأ التّحضير لإعلانه، قبل سنتَيْن، حيث تعدّدت زيارات رجال الحكم الأمريكيين للمغرب (فضلاً عن الزيارات التي يقومون بها لبلدان المغرب العربي ككل)، خلال سنتَيْ 2019 و 2020، فتكررت رحلات "جاريد كوشنر" والمبعوث الخاص لدونالد ترامب "أوف بيركوفيتش"، و"مايك بومبيو" الذي يفاوض الملك مباشرة، بدون حضور وزير الخارجية المغربي، كما تضمنت بُنُود مُقايضة فلسطين بالصحراء الغربية شُرُوطًا أمريكية، منها تركيز قاعدة عسكرية أمريكية جديدة، قريبة من منطقة الصحراء الكبرى، ومن بلدان غرب إفريقيا، ولَوّح الرئيس "دونالد ترامب" وصهره الصهيوني "جاريد كوشنير" بدعم المغرب ليصبح قُوّة إقليمية في المغرب العربي وإفريقيا.
لا يُمكن التّعويل على الحُكومات والأنظمة، لتحقيق التكامل المغاربي أو العربي، أو الإفريقي، بل يتطلب ذلك نقاشًا وتنسيقًا بين الأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية (المحلّية، ولا نعني بذلك المنظمات المُمَوّلَة أجنبيًّا)، وضَغْطًا شعبيا، عبر استخدام كافة الوسائل المُتاحة...
يُعتَبَرُ المغرب وتونس نُمُوذَجَيْن متشابهَيْن لعلاقات التبعية والهيمنة، التي برزت نتائجها السّلبية بسرعة وبوضوح، وتُبَرِّرُ حُكومتا الإخوان المسلمين، منذ 2012، علاقات التبعية، وتتأقلم معها، وتطلب من المواطنين أن يُطيعوا “أولياء الأمر”، أي الحُكّام، مع إهمال “آيات الإنذار لمن يكنِزون الذّهَبَ والفِضّة”، وأطنَبُوا في ذِكْر الثّري “عثمان بن عفان” (الذي يعتبره إخوان تركيا زعيمهم الرّوحي) وأهمَلُوا ذِكْر “أبو ذَرّ الغَفارِي”، ما يُبَرِّرُ الثورة ضدّهم، وضد أنظمة التّبَعِيّة التي يُجسِّدُونها، وإرساء نظام يُطبّق مبدأ “من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان