الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان: مسألة الحرب والاقتصاد لدى أرجوزات المجلس السيادي

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2021 / 1 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


والاراجوز وجه لا يتحدث بصوته بل بصوت شخص آخر؛ وإذا ضحكت او عبست في وجهه فالأمر سيان، فالاراجور دمية بلا مشاعر وتعبيرات.

محمد الفكي سليمان والحديث عن الحرب والوطنية
عقد عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان مؤتمرا صحفيا في 15 ديسمبر 2020 ليتحدث للناس حول عمليات الجيش للسيطرة على منطقة "الفشقة بشرق السودان بعد مضى أكثر من اسبوعيين على الحدث. ذكر سليمان ان عمليات الجيش بشرق السودان هي عباره عن انتشاره في أرضي تابعة للسودان وان قرار الانتشار قرار سياسي، وهذا صحيح ولكن صاحب القرار هو المكون العسكري بمجلس السيادة الذي يهيمن على السلطة وينحكم في القرارات المفصلية للدولة بالصورة التي قلبت الادعاء القديم وبان مجلس السيادة كيان تشريفي ومجلس الوزراء يمثل الجسم التنفيذي.

وحول "انتشار الجيش"، لم يكن عضو مجلس السيادة واضحا لماذا لم يتقدم الجيش بانتشاره لإكمال مهمته بالتقدم لتحرير منطقتين متبقيتين على الحدود هما " قطران وخور حمر " بل اكتفى السودان بمطالبة اثيوبيا من الانسحاب منهما؛ وكان تبريره بأنهم لا يرغبون في الحرب!!

ثم شرح بإسهاب ملكية السودان للمنطقة، ولكن هذا معروف للعالم فالخرائط المرفقة مع اتفاقية الحدود بين السودان واثيوبيا (1902) تؤكد على أن منطقة الفشقة أرضاً سودانية؛ ولكن رغم ان اثيوبيا تعترف قانونياً باتفاقية الحدود لعام 1902 وان منطقة الفشقة أرضاً سودانية، الا انها ظلت، عبر السنوات، تراوغ وأحيانا تتمادى في نسج الادعاء بان منطقة الفشقة تابعة لها كما حدث في الستينات عندما أخذت مجموعات كبيرة من المزارعين الاثيوبيين يدخلون المنطقة ويمارسون الزراعة بدون اذن من السلطات السودانية.

واصل عضو مجلس السيادة بالحديث حول استعدادهم لخوض الحرب مع اثيوبيا إذا ما اضطروا لذلك وتبع هذا بحديث مطول حول الوطن والوطنية والكرامة وضرورة الوقوف مع الجيش... لكنه لم يكن موفقا في تبرير موقف الجيش بعدم التقدم لضم المنطقتين واختيار التفاوض مع اثيوبيا مع العلم ان السودان لم يلجا لهذا الأسلوب ابتداء عندما قرر "الانتشار"؛ لكن الأهم هو أن حديثه حول "انتشار" الجيش خلا من أي تحرز للسودان لرد الفعل الأثيوبي وهو اشعال الحرب على السودان. فمن الخطأ التقليل من رد الفعل الأثيوبي واعتبار أن المواجهة تقتصر على تنظيف المنطقة من حفنة من عصابات "الشفته" الاثيوبية كما هو سأئد لدى الكثير من المواطنين السودانيين. ان أراضي الفشقة يوجد بها مستثمرون من قبيلة الأمهرا الاثيوبية يمتلكون مشاريعا زراعية كبيرة. وظل هؤلاء المستثمرون يقيمون بالمنطقة على مدى 27 عاما تحت دعم حكومة إقليم الامهرا الإقليمية من عاصمتها مدينة "بحر دار". وتحت اشراف حكومة إقليم الامهرا أنشأ المزارعون مستوطنات اثيوبية بها بنى تحتية وإنشاءات معمارية بالإضافة لامتلاكهم لآليات زراعية متطورة. والمليشيات التي توجد بالمنطقة هي قوات تابعة لقوات إقليم الامهرا وبالتالي جزء لا يتجزأ من الجيش الأثيوبي. وتستعين هذه القوات أحيانا ب الشفته وهم من مناطق أخرى ولا ينتمون للامهرا.

وكتعليق عام حول تأييد الجيش وحديث الوطنية، أولا، ليس لدى أي سوداني مشكلة مع الرأي القائل بعمالة وخزى وخيانة أي سوداني لا يعترف بسودانية الفشقة وتركها لقمة سائغة لأثيوبيا، ولكن طرح اسئلة مشروعة حول العمليات العسكرية مؤخرا في الفشقة ومدى التحضير الجاد لها ليس فقط مسالة مشروعة بل ضرورية، وإذا كانت هناك ممارسة ديمقراطية فان هذه الأسئلة كان من شانها ان تكون سابقة لمثل هذه العملية الكبيرة التي تقترب من درجة الحرب الشاملة مع اثيوبيا وبالتالي تداعياتها على البلاد.. فالموضوع، كما ذكرنا أعلاه، أكثر تعقيد من أن الفشقة تقع تحت قبضة جماعات من الشفته وكل ما هناك اجلاؤهم والسلام. ان الامهرا ظلوا يعملون بكل الطرق لحيازة منطقة الفشقة بشكل مستدام ومن غير المستبعد أن يلجأوا لحمل الحكومة الاثيوبية على عدم التخلي عن الفشقة واستعادتها كاملة مستفيدين من سيطرة ( كيانهم القبلي) على السلطة السياسية في اديس ابابا بعد ابعاد " الجبهة الشعبية لتحرير التقراي" من حكم اثيوبيا في 2018.

ثانيا، ان شعار "الجيش خط احمر" السائد الآن تشدق المقصود منه تحسين صورنه (theatre). فقرار الانتشار سياسي وفقط الذين اتخذوه تصادف أن يكونوا من يلبسون الكاكي. ولا ننسى ان لا نخلط بين سيطرة الجيش على السلطة السياسية (كون القرار السياسي بيد حكم عسكري) وبين دوره كقوة قتالية تحمى الوطن؛ الجيش السوداني ظل يحكم السودان لعقود طويلة هتكت فيها سيادة البلاد واهدرت حقوق المواطنين بشكل سافر. وقيادة الجيش الحالية تقع عليها مسؤولية الإبادة الجماعية في دارفور بالاشتراك مع مليشيات الجنجويد ومواقفها المخزية من فض اعتصام المتظاهرين امام القيادة العامة للجيش.

ثالثا، ان التردى الاقتصادي والنزاعات المحلية المسلحة الدامية التي تنتاب السودان، تثير التساؤل حول صواب توقيت العمليات العسكرية في منطقة الفشقة؛ فمثلا، هل تمت مراعاة مصير البلاد المنهكة في حال تطور النزاع مع اثيوبيا لحرب شاملة أو نزاع مسلح ممتد. وهذا يذكر بمقولة رجل الدولة السياسي الفرنسي الشهير، جورج كليمنصو (1841-1929): " الحرب شيء أخطر من يعهد قرارها لجنرالات الجيش". وهي مقولة صحيحة طالما اعتبرنا أن الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى. وهكذا فان الحرب ليست خطط قتالية وتسليح ومدافع فقط بل قرار سيأسى في المقام الأول وهو قرار يتناول موضوع الحرب بدراسة كل الجوانب التي يجب تناولها كأي قرار سيأسى.

ورابعا، وعطفا على النقطة السابقة فان توقيت العمليات العسكرية لم يتبعه أي تنوير جاد للشعب حول الدوافع لانتشار الجيش المفاجئ بالفشقة، وهنالك كثير من الأسئلة بلا إجابة عليها مثل الموقف المصري من الحدث وتحركات مسؤولين إماراتيين شملت اتصالات مكثفة مع أطراف النزاع..

وخامسا وأخيرا، فان محمد الفكي سليمان ومجلس السيادة آخر من يتحدث عن الوطنية، فهم قد أقدموا على فعل يضعهم امام المساءلة القانونية. ان مجلس السيادة امتهن موقعه السيادي بانتهاك سيادة السودان عندما تجاهل قانون مقاطعة إسرائيل لسنة 1958 الساري المفعول واستقبل وفدا إسرائيليا في الخرطوم وهيأ له في29 نوفمبر 2020 الطواف على منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للقوات المسلحة.

محمد حسن التعايشي والاقتصاد
لدى مخاطبته لجماهير النيل الأبيض خلال زيارة له للإقليم مؤخرا، استعرض عضو مجلس السيادة محمد حسن التعايشي" اتفاق جوبا لسلام السودان، بين حكومة السودان الانتقالية وأطراف العملية السلمية " موضحا ان مشاكل السودان تكمن في سوء إدارة التنوع وسوء ادارة الموارد وغياب منهج يُقسم الموارد بالتساوي والعدل؛ وعليه فان الحل النهائي يكون بقيام مؤتمر للحكم والإدارة كما حددت الاتفاقية. ثم واصل التعايشي مشيرا بشكل خاص ل"الصندوق القومي للعائدات" معتبرا ان الصندوق سيكون أساسي في حل المشاكل الإدارية المذكورة.
وطبعا ارجاع التخلف الاقتصادي واهمال الأقاليم الريفية لرداءة المسالة الإدارية يقع في خطا سحب الأولوية من التوجه السياسي المتمحور حول التغيير الجذري لعلاقات الإنتاج القديمة التي ظلت تخنق أي تقدم للسودان للأمام، وعلى أي حال هذا موضوع آخر. ونعود للصندوق القومي للعائدات ورهان التعايشي عليه.

جاء في " اتفاق جوبا لسلام السودان، بين حكومة السودان الانتقالية وأطرف العملية السلمية " ما يلى: "ينشأ صندوق قومي للعائدات تودع فيه كافة الإيرادات والعائدات المالية القومية وينظم بالقانون ويكون هو المؤسسة الوحيدة لإيداع العائدات." - الفصل الأول -المادة 13.

بعكس ما يعتقد التعايشي، فان الصندوق القومي للعائدات يمكن نقده كأجراء إداري؛ فما هو الجديد من وراء تحويل وظيفة جمع الإيرادات والعائدات المالية من وزارة المالية للصندوق؛ فالمطلوب هو الارتقاء بوظيفة وزارة المالية في هذا المضمار وليس شطبها واسناد مهامها لكيان ادارى آخر. لكن الأهم هو ان الصندوق ليس أكثر من اجراء أو تدبير مالي لا أكثر؛ فالصندوق ومن بعده انشاء مفوضية لقسمة وتخصيص الإيرادات كما ورد في اتفاق السلام لا ينطوي على رؤية او فكرة اقتصادية في المجال التنموي، ولا حتى اعتباره سياسة اقتصادية (economic policy).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة