الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار صبري يوسف مع الكاتبة والرّوائيّة السُّوريّة سهام يوسف حول السَّلام العالمي

صبري يوسف

2021 / 1 / 27
الادب والفن


أتابع الكاتبة الرّوائيّة والمترجمة السُّوريّة سهام يوسف، حيث تعمل في السّويد كمترجمة في اللُّغة العربيّة والسّويديّة والسّريانيّة، كما تعمل مدرِّسة لمادّة اللُّغة العربيّة، وهي عضو اتّحاد الكتّاب العرب، وعضو في نادي سفراء الإنسانيّة والسَّلام لما لها من نشاط وتوق في إرساء السَّلام في رحابِ الشّرق وفي العالم، وقد صدر لها روايتان عن الهيئة العامَّة السُّوريّة للكتاب. الرّواية الأولى بعنوان: "التَّوأمان: أمِّي وسورية"، وتمَّ ترجمتها إلى اللّغة الانكليزيّة في السُّويد، والرِّواية الثّانية بعنوان: "بحر الدّموع وأرض الشُّموع".
اقترحتُ عليها إجراء حوار حول السَّلام العالمي، فواققت برحابة صدر، وَوُلِدَ هذا الحوار:

1. ما هي برأيكِ أهم أسباب تراجع السّلام العالمي بين البشر؟
بداية أشكرك وأشكر جميع أعضاء أسرة مجلّة السَّلام الدَّوليّة، على ما تبذلونه من جهد صادق لنشر ثقافة السّلام بين البشر وكأنّكم تستكملون بذلك ما دعت إليه رسالات السَّماء وتعاليم الأنبياء.
من وجهة نظري أن نبحث عن أسباب فقدان السَّلام داخل الأسرة الواحدة الأسرة الصَّغيرة، حيث نجد كيف أنَّ الخلافات الصَّغيرة قد تتفاقم وتصل إلى درجة العداء والقطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة، بحسب تعارض المصالح واختلافها وأولويَّاتها وتأثيرها وحجمها. وهذا الأمر يمكن إسقاطه على العلاقات بين الشُّعوب والدُّول والشّركات .. فقد كان لتضارب المصالح وحسابات الرّبح والخسارة عبر التّاريخ الأثر والسَّبب المباشر في نشوب النّزاعات والحروب سواء منها الدّاخلية أو الاقليميّة أو الدَّوليّة، هذه المصالح فرَّقت تاريخيّاً العائلة والقبيلة والعشيرة والدُّول وحتّى أنّها عصفت بالمكوّنات الدِّينيّة ضمن الدِّين الواحد. وربّما يمكننا القول إنّ غياب التَّربية السَّليمة داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع، هو من أهم أسباب فقدان ثقافة المحبّة والسَّلام وحين يصبح مفهوم الرّبح والسَّيطرة مقدَّماً بالأولويّة على المبادئ الأخلاقيّة، ستكون المحصِّلة فقدان مفهوم السّلام.

2. لماذا ابتعد الإنسان عن السَّلام والوئام بين بني جنسه، سائراً نحو حقول الألغام الَّتي تنسف حيثيَّات السَّلام من جذوره؟
وأما عن أسباب التَّحوُّل الَّذي طرأ على العلاقات بين بني البشر واتّجاههم، بعيداً عن الاتّجاه الصَّحيح لبوصلة العلاقات الإنسانيّة من محبّة وتسامح ووئام، فهذه ضريبة الابتعاد عن القيم الأخلاقيّة في التَّربية على اختلاف مستوياتها والفشل في التّمسك بقيم متوارثة، وغياب مفهوم العيب من قاموس العلاقات والقيم واستبداله بمفهوم "حلال على الشَّاطر"، بحيث أصبح الكذب والاحتيال والنّصب في العلاقات عُرْف وشطارة، إضافة إلى تفسير القيم الدِّينيّة عند من يدِّعيها على هواه وبحسب مصلحته. لذلك وصلت بنا سفينة الحياة إلى ما وصلت بنا إليه لشاطئٍ رماله متحرِّكة، غابت فيها المشاعر الإنسانيّة وأخشى أن يبتلعها بحر المصالح والأنانيّة والحقد والكراهيّة، ومن هنا يبدأ دوركم ودورنا في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الغرق وإنعاش مبادئ الفضيلة بين البشر.

3. ما هي أسباب إنكفاء الحسّ الأخلاقي والمعايير الرَّاقية عند الكثير من البشر في الوقت الرَّاهن؟
هذه قضايا إشكاليّة تثير اختلافات بين البشر من وجهة تقييمها وزاوية النَّظر إليها ولربّما كنتَ تؤمن بأمرٍ ما أو قيمة ما، وبأنّ مقاربتها ممنوعة ومحرّمة، قد يراها غيرك أنّها مباحة ومحلّلة .. وفي جميع الأحوال فإنّ الأنانيّة والفرديّة في طريقة التّفكير والتَّعرُّض للمسائل الكبرى، تجعلك تعتقد أنّك الوحيد في هذا العالم الّذي يتّخذ الصّواب طريقاً في معالجتها، لتتبيّن لاحقاً أنّك كنتَ على خطأ.. ثمّ تتّجه إلى لوم غيرك وكأنّه المسؤول عن أنانيّتك .. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ غياب المشاريع المجتمعيّة والمناهج التَّوجيهيّة والمؤسّسات التّشاركيّة، كل ذلك عزَّز أسلوب ونهج اللّصوص القائم على مفهوم "دع ضميرك جانباً وحقِّق مصلحتك أولاً"، فأصبحت المعايير الّتي أشرتَ في سؤالك إليها بالمعايير الأخلاقيّة، أصبحت في "عصر الحداثة" عند الكثيرين معايير تجاريّة تخضع للربح والخسارة وكما تعلم "التّجارة شطارة"، لذلك ترى ما تراه اليوم من انزياح في القيم النّبيلة عند البعض لصالح قيم المصالح.

4. يركّز الإنسان على العلاقات المادّيّة، وغالباً ما تكون على حساب إنسانيّة الإنسان، لماذا يتراجع الإنسان نحو الأسوأ في علاقاته مع بني جنسه: البشر؟!
‎ هذا السُّؤال يرتبط بشكلٍ ما بسابقه .. الأمر الطَّبيعي أن يسعى الإنسان لتحسين واقعه المعيشي ووضعه المادِّي ويبذل جهده لتأمين حياة كريمة لنفسه وعائلته وهذا حقّه وواجبه .. ولكن في عصرنا الّذي نعيشه وما يشهده من ثورة تطوّر تكنولوجي صناعي زراعي رقمي، أدَّى إلى كم هائل من العاطلين عن العمل، فقد احتلَّت الآلة مكان الإنسان .. وفي غياب سياسة الاستيعاب لهؤلاء في مختلف دول العالم .. فقد دفعت بهم الحاجة للهجرة والبحث عن الدّخل بمختلف السُّبل .. حتّى وإن كان ذلك أحياناً على حساب معايير الأخلاق والكرامة، حيث أدَّى ذلك إلى خلخلة في بنية المجتمعات، واختلفت أسس العلاقات نتيجة الاختلاف في تصنيف ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي وبين ما هو واجب وما هو حق، وأصبحنا نجد أنَّ المعيار المادّى قد طغى على المعيار الإنساني في تأطير العلاقات الإنسانيّة وأصبح التَّقييم قائم على مقدار ما تملكه في وليس على ما تختزنه في عقلك.

5. هناك تطوُّر كبير في تقنيات وتكنولوجيا العصر، يسير عصرنا نحو فتوحات كبرى في عالم التّقانة والتَّحديث، لكنَّه فقد الكثير من الحميميّات، كيف ممكن إعادة العلاقات الحميمة الرَّاقية بين البشر؟!
‎بالنّسبة لما ذكرته في سؤالك عن ما يشهده العصر من تطور تقني وتكنولوجي وتأثيره على اضمحلال العلاقات الحميميّة بين البشر، وبحثك عن كيفية عودتها. هنا يمكن القول أنَّ ما شهده العالم وما قد يشهده مستقبلاً في هذا المجال من تقدُّم وتطوُّر، يعتبر قفزة حضاريّة كبيرة في تاريخ البشريّة ويصعب علينا تخيّل المدى الّذي قد تبلغه .. وبالقدر الّذي حقّقته من تقارب تقني تكنولوجي بين البشر بقدر ما تركت تباعد روحي بينهم .. وأدَّت إلى جفاف المشاعر العائليّة وروابط القربى .. حتّى أنَّنا أصبحنا نؤدِّي واجباتنا الاجتماعيّة عبر صفحات التّواصل الاجتماعي. والمضحك المبكي أنّنا نضيف رموز ورسوم تعبيريّة للتعبير عن مشاعرنا تجاه من نعزِّيهم أو نبارك لهم. أليس هذا ضرب من السّخرية واستخفاف بالواجبات الاجتماعيّة الّتي تربَّينا على أنّها واجبات مقدّسة وهي كانت في العرف الاجتماعي كالدّين يجب الوفاء به .. فمن شاركك أفراحك أو أتراحك يجب أن تردَّ له هذه المشاركة في أفراحه أو أتراحه .. لذلك ومن وجهة نظر شخصيّة يمكن لنا وكما يقال أن نركب الموجة .. بمعنى أن نستغل تقنيات التّطور والتَّقدُّم ونلجأ لتضمين هذه التّقنيات برامج ذات بعد إنساني وتربوي تشجع على تقوية الرَّوابط العائليّة داخل الأسرة وبين الفرد والمجتمع، وأن نعمل على تنفيذ نشاطات ذات طابع اجتماعي وتنشيط برامج الرّحلات والمنافسات والمحاضرات والأبحاث الّتي تهدف إلى تكريس قدسيّة الرَّوابط الأسريّة وقدسيّة مفهوم العائلة والتَّربية المنزليّة وأهمّيتها في استقرار العائلة والمجتمع، واذا ما نجحنا في الإبقاء على حميميّة العلاقة ضمن الأسرة الواحدة، سيكون ذلك بداية طيّبة للنجاح في مشروع نشر هذه الحميميّة بين بني البشر أو كما قلت في استعادتها.

6. لا يتمُّ تأسيس الكثير من الدُّول الشَّرقيّة/ العربيّة وما يجاورها على أسسٍ ديمقراطيّة، غالباً ما تجنح نحو الحروب والدَّمار، متى ستتعلَّمُ هذه الدُّول أنَّ بناء الدَّولة يقوم على بناء المؤسَّسات الدِّيمقراطيّة وتطبِّق هكذا مؤسَّسات؟
بسؤالك هذا أدخلتنا في عالم السِّياسة وبخاصّة أنّك تشير إلى غياب الدِّيمقراطيّة في ما سميّتهم بدول المشرق والدُّول العربيّة وميلهم إلى نشوب الحروب فيما بينهم. وهذا موضوع هام جداً في حياة البشريّة بشكل عام.
حضرتك تعلم أنَّ الدُّول الَّتي أشرت إليها كانت بغالبيّتها ترزح تحتَ الاستعمار والاحتلال ومن ثمّ الانتداب ومن ثمَّ التّبعية شبه القسريّة لمظلّة أحد المعسكرين الشَّرقي أو الغربي، بحسب ما تقتضيه حاجة تلك الدُّول للحماية والدَّعم الاقتصادي والتّنمية بشكل عام. هذه الدّول عانت ما عانته من ظلم وسرقة ثرواتها وزرع بذور الفتنة والتّفرقة بين مكوّناتها من قبل الدُّول الّتي استعمرتها، لذلك كان مفهوم الدِّيمقراطيّة السَّائد هو ما تتطلَّبه مصالح المستعمر ومن بعده مصلحة أنظمة الحكم الَّتي تولَّت زمام الحكم بعد الاستقلال ولذلك كانت مهمّة هذه الانظمة مهمّة صعبة جداً في تنظيم وترتيب أولويّاتها في إدارة الدَّولة وإدارة التَّنوًّع داخل هذه الدَّولة وهنا جاءت تجربة تطبيق الدِّيمقراطيّة تجربة معقّدة، ورغم ذلك نجد أنَّ الكثير من تلك الدًّول نجحت بشكل ما في إقامة مؤسّسات وإدارات وهيئات ونقابات بطريقة ديمقراطيّة رغم الصُّعوبات الّتي واجهتها.
عموماً ما زال موضوع تطبيق الدِّيمقراطيّة حتّى في الدُّول المتقدِّمة موضوع محكوم بعامل الاستقرار والأمن والنّمو والتَّربية والتَّدريب على السُّلوك الدِّيمقراطي بدءاً من العائلة إلى المؤسّسات .. وأمَّا الحروب الَّتي تعاني منها بعض تلك الدُّول فهذه نتيجة المشاريع والألغام السِّياسيّة والدِّيموغرافيّة والجغرافيّة والدِّينيّة الّتي تركها المستعمر بين تلك الدُّول وحتّى بين مكوُّنات شعب الدَّولة الواحدة.
أعود للقول الدِّيمقراطية تحتاج لبيئة مستقرّة وفي غياب هذه البيئة ستبقى الدِّيمقراطيّة غائبة.

7. جاءت الأديان كلّ الأديان، لتقويم سلوك وأخلاق البشر، ولإرساء أسس العدالة والمساواة بين البشر، لكن واقع الحال نجدُ انشراخاً عميقاً بين المذاهب عبر الدِّين الواحد، وصراعات مميتة بين الأديان، إلى متى سيبقى هذا الصِّراع والتَّناحر مفتوحاً بين المذاهب والأديان؟
وكما تفضَّلت فيما عرضته بسؤالك بأنَّ الأديان جاءت لتقويم سلوك البشر وإرساء أسس العدالة والمساواة بينهم. هذا صحيح، فجميع الأديان السَّماويَّة أجمعت على تحقيق العدالة والمساواة ودعت إلى مكارم الأخلاق ولم تفرِّق بين بني البشر واعتبرت التَّفاضل بينهم بحسب أعمالهم وانسجامها مع مبادئ الفضيلة والأخلاق. وإنَّ ما شهدته البشريّة لاحقاً من تناحر وخلافات، تبدو في ظاهرها أنّها نشأت لأسباب دينيّة، بينما هي في العمق والحقيقة كانت لدواعي سياسيّة واقتصاديّة لتحقيق نزعة السَّيطرة والتَّملُّك وتحقيق المصالح الشَّخصيّة أو المصالح الاستعماريّة وهذا ما كان حين تسلَّل بعض تجّار الدِّين ووصلوا إلى مواقع القرار في المؤسّسات الدِّينيّة فطوّعوها لخدمة الملوك والحكام وذوي النّفوذ، ثمَّ وجدنا في حقبة لاحقة اندلاع الصّراع بين أتباع الدِّين الواحد، هذه الصِّراعات الّتي شرذمت تعاليمه بين عدّة تيّارات أو طرق أو مذاهب وأصبح كلّ طرف يطعن بالطَّرف الآخر، حتّى وصل الأمر أنّهم باتوا يكفِّرون بعضهم، وهذا كان حين تبوَّأ الجهلة وأصحاب الأطماع في السّلطة كرسي الافتاء أو مواقع القرار الدِّيني فعمدوا إلى تسخير سلطاتهم الدِّينيّة، لتحقيق أحلامهم في الثَّراء والسّلطة على حدٍّ سواء .. وبصراحة سيبقى هذا الاحتدام في الخلافات والصِّراعات ذات الطّابع الدِّيني بين الأديان، أو الطّائفي بين أتباع الدّين الواحد قائماً، ويهدِّد مستقبل الأجيال ما لم يتم فصل الدِّين عن الدَّولة، بمعنى حصر مهمّة رجال الدّين بمهامهم الدِّينيّة وطقوسهم وشعائرهم وعدم السّماح لهم الخوض في القضايا السِّياسيّة والدّستوريّة.

8. سمِّي القرن التّاسع عشر بعصر القوميّات، نحن في بداية القرن الحادي والعشرين، ومانزال نتخبّطُ بالحقوق القوميّة وحقوق الأقلِّيات، إلى متى سنظلُّ نتصارع كأنَّنا في غابة متوحِّشة، لماذا لا نركَّزُ على بناء الإنسان وتأمين حقوق المواطن القوميّة والمذهبيّة والدِّينيّة بعيداً عن لغةِ العنف والعنف المضادّ؟!
لفتني سؤالك حول موضوع القوميّات والأقلِّيات وضرورة التَّركيز على بناء الإنسان وتأمين حقوقه بمختلف جوانبها وتسمياتها، لنخلص من الصّراعات القائمة على أسس قوميّة أو عرقيّة أو دينيّة ..
يا صديقي وكأنّك تريد الخوض في بحث تشكيل وتنظيم المجتمعات ومسؤولية الدَّولة كراعية للنظام العام في صياغة الدَّساتير أو العقد الاجتماعي الّذي ينظّم علاقات مكوّنات الدَّولة فيما بينها وفيما بينها وبين الدَّولة وتحديد الحقوق والواجبات واحترامها.
باعتقادي من أولى الأوليات الَّتي يجب أن تتضمّنها دساتير الدُّول وتحميها، هي حقوق المواطنة وبنفس الوقت يجب العمل على وضع مناهج لتكريس مفهوم المواطنة في النّفوس وتحديد مسؤوليّة المواطن تجاه مجتمعه وبلده ومنحه حقوقه بغض النّظر عن تسميتها كي يستطيع القيام بواجباته .. أي أن يتمتّع المواطن بكامل حقوق المواطنة الّتي تحميها وتصونها القوانيين بما لا يتعارض والنّظام العام للمجتع وبمعنى آخر: حين يتمُّ بموجب الدّستور والقانون تحديد مسؤوليّة الدَّولة تجاه مواطنيها وتحديد مسؤوليّة المواطنين تجاه دولتهم وبوجود سلطات تحترم تنفيذ ما تسنُّه وتشرِّعه بعدالة وعدم تحيُّز، سنصل إلى مجتمعات تنعدم فيها الصّراعات والنّزاعات الّتي تنشأ على أسس مذهبيّة أو دينيّة أو عرقيّة.

9. تحاول الدُّول العظمى أن تنشبَ حروباً في الدُّول النَّامية كي تصنعَ حروباً، فتعيشُ الدُّول المتقدِّمة على حساب المزيد من التّعاسة في الدُّول النَّامية، إلى متى ستبقى هذه المعادلة المخرومة قائمة في أبجديات سياسات بعض الدُّول الكبرى؟
‎وسؤالك عن استمرار الدُّول العظمى اشعال حروب وفتن في الدُّول الفقيرة .. هذا السُّؤال يحمل في طيَّاته الجوَّاب .. فكما ذكرت في صيغة السُّؤال، لتعيش على تعاسة شعوب الدُّول المستهدفة، وما يلحق ذلك من سرقة لخيراتها وثرواتها وتهجير الكفاءات منها، وحتّى تبقى سوق لتصريف منتجات الدُّول العظمى، من سلاح وسيارات ومواد أخرى للزراعة والصناعات الخفيفة وغيرها من مستلزمات الحياة لشعوب الدُّول الفقيرة .. وإن صحَّ لنا التّعبير، يمكن القول إنَّ هذا الموضوع ينطبق عليه وصف " سياسة الغابة "، فالقوي فيها يأكل الضّعيف وبرأيي أنّنا سنبقى نجد هذا النّوع الجديد من الاستعمار في المستقبل ويمكن أنّه نصفه بالاستعمار الاقتصادي من قبل الدُّول العظمى والدُّول الغنيّة للدول الفقيرة الّتي ستبقى في حالة التّبعيّة، وربَّما تدخل في صراعات تغذّيها الدُّول الكبرى المستفيدة من هذا الواقع لتبقي على هيمنتها عليها. وما لم تلتفت الدُّول الفقيرة لواقعها هذا وتعمل من خلال تحسين وتطوير البرامج العلميّة فيها وتفسح المجال للكفاءات في إدارة شؤونها وتعمل على دعم الصناعات لتحقيق الاكتفاء الذّاتي وتسنُّ تشريعات تواكب حداثة التّقدم والتَّطور الَّذي يشهده العالم وتعمل على تحصين بنية مجتمعاتها، ستبقى تحت وطأة الحاجة وستبقى ناقصة السّيادة وستبقى الدُّول العظمى تنفِّذ سياسة الاستغلال والهيمنة عليها.

10. الإنسان هو المهم، هو جوهر الحياة، وهو العقل المدبّر لقيادة الكون، مع هذا لا أراه مهمَّاً في برامج الكثير من دول العالم، لماذا لا يتمُّ التَّركيز على بناء إنسان خيِّر وحكيم ومحب للسلام والعدالة وبناء الأوطان؟
‎وصفت الYنسان في سؤالك العاشر بأن½ه جوهر الحياة، ثمّ تساءَلت، لماذا لا يتمُّ بناء الإنسان وتربيّته على قيم الخير والسّلام؟
‎بكلِّ تأكيد أوافقك الرَّأي أنَّ الإنسان هو الكائن العاقل الّذي تقع على عاتقه مسؤوليّة المحافظة على الاستقرار والحياة الهادئة والمستقبل الآمن للأجيال .. ومسألة بناء هذا الإنسان تتحمّلها المجتمعات والدُّول والحكومات والمؤسَّسات، بدءاً من الأسرة الَّتي يولد في كنفها وانتهاءً بالحكومات كمؤسّسات راعية لمجتمعاتها، وليس من المستحيل على هذه المؤسَّسات أن تحقِّق النّجاح في اتباع سياسات وتنفيذ برامج تربويّة من شأنها بناء، لنقل شخصيّة الإنسان المعنويّة والنَّفسيّة .. بحيث تساهم هذه البرامج في تنمية فطرة الخير والمحبّة والسَّلام الّتي وُلد عليها.. وبنفس الوقت تحارب غرائز التَّوحش والميل إلى العنف والشّر.. وبما يساهم في تعميم ثقافة السّلام والمحبّة . فربّما بذلك ننجح في الوصول إلى الهدف الّذي ترغب في تحقيقه .. إلى إنسان خيّر وحكيم ومحب للسلام والعدالة وبناء الأوطان.

11. عجباً أرى، كيف لا يفهم المتصارعون والمتحاربون أنَّ لا منتصر في الحروب، حتَّى المنتصر هو منتصر على حساب جماجم الآخرين؟ نحن بحاجة إلى أن ننصر قيم الخير والعدالة ونحقِّق الدِّيمقراطيّة والمساواة للجميع من دون هدر الدِّماء!
‎ إنَّ تعجُّبك من عدم فهم المتصارعون والمتحاربون، أن لا منتصر بنتيجة الحروب هو تعجُّب مبرّر من النّاحية الإنسانية نتيجة ما تخلّفه الصِّراعات والحروب من مآسٍ وويلاتٍ وخسائر بشريّة واقتصاديّة. ولكن لمهندسي الحروب ومخطّطيها وجهات نظر مختلفة، لأنّهم يرون فيها ومن خلالها إمكانية تحقيق مصالحهم وتوسيع إطار نفوذهم وسيطرتهم وتأمين مصادر دخل وأسواق لصناعاتهم وازدهارها، ولا تعنيهم المسألة الأخلاقيّة والحالة الإنسانيّة بشيء، فهل شعرت الحكومة الأمريكيّة بالحزن على ضحايا قنبلتيها الذّرّيَّتَين في اليابان، أم أنّها من خلالهما أعلنت أنّها القوَّة القادمة الَّتي ستتحكَّم وتسيطر وتهدِّد والأمثلة على ذلك كثيرة جدَّاً. لذلك نحن بحاجة لجهد كبير كي نصل من خلاله لنشر ثقافة السَّلام والحوار والتَّعايش والمحبّة.. نحتاج إلى برامج كبيرة ترعاها مؤسّسات كبرى، من شأنها صياغة دستور عالمي في الأمم المتحدة لتسوية النّزاعات الدّوليّة عبر التَّفاهم والاتفاقيّات وليس عبر المدفع والدّبابة.. طرحك لهذا السُّؤال يرشِّحك لتكون أحد تلاميذ مدارس الأنبياء الَّذين يريدون بناء العالم برسالة السَّلام وتكليله بأغصان.

12. أبحثُ عن إنسان حكيم، عاقل، جانح نحو السَّلام، خيّر يقود البلاد إلى دفءِ الوئامِ، متى سنرى قائداً بهذه الحيثيّات، يقود البلاد إلى أبهى واحاتِ الأمان والسَّلام؟!
‎وأرى في بحثك عن حكيم عاقل جانح للسلام يقود البلاد إلى واحات الخير والسَّلام، مضيعة للوقت .. وتعال معي لنبحث عن قائد شجاع يبحث عن حكيمٍ عاقلٍ ذو فطنة حاضرة ورأي سديد وقولٍ رشيد ينصح القائد الّذي يتولّى قيادة البلاد، بغضِّ النَّظر عن أي بلدٍ تكون فإذا عثرنا على هذا القائد الّذي يعطي الحكماء والعقلاء اهتماماً، ويقرِّبهم ويستشيرهم فيما يعترضه من مشاكل ومصاعب في إدارة شؤون بلده، ويأخذ بآرائهم ونصائحهم بما يوفّر عليه حروب وخسائر وفوضى، وبما يؤمِّن له الاستقرار والازدهار والرّخاء والتَّطوُّر في بلده، عند ذلك يمكنك القول أنّكَ وجدتَ قائداً حكيماً عاقلاً، يحبُّ السَّلام ويعمل من أجله .. لقد ذكَّرني هذا الموضوع بدور الحكيم " أحيقار " مع سنحريب الملك وبدور " أرسطو " مع الاسكندر. ومثل هكذا رؤساء وقادة يخلِّدهم التَّاريخ وتذكرهم الأجيال طويلاً.

13. الحيوان المفترس يفترس الكائنات والحيوانات الضَّعيفة من بني غير جنسه، من أجل البقاء، بينما الإنسان، هذا الكائن (السَّامي)، يفترس بني جنسه ليس من أجل البقاء، بل بسبب البطر والنُّزوع الحيواني، كأنّه ينافس الحيوان المفترس افتراساً، إلى متى سيفترس الإنسان بني جنسه؟!
‎أيُّها الصَّديق المحترم، لقد أتيت في مقاربتك ومقارنتك بين بهائم الأرض الّتي وصفتها بالحيوانات المفترسة الَّتي تفترس ضعاف الحيوانات الأخرى من غير جنسها وبين الانسان المفترس لبني جنسه وتساءلت إلى متى سيتمُّ ذلك؟
‎أتيتَ على قضية لطيفة وظريفة وبنفس الوقت عميقة وخطيرة وقد شغلت تفكير علماء النّفس والسُّلوك عبر التَّاريخ الَّذين جهدوا في وضع تفاسير ومعايير لهذه القضيّة وأعني قضيّة العدوانيّة الكامنة في النّفس البشريّة وحالات ظهورها وخروجها عن سيطرة قوى الفضيلة عند الانسان، وانتهاجها سلوكاً عدوانيّاً غرائزيَّاً تجاه الغير من بني البشر حتّى أنّك شبَّهت الإنسان في هذه الحالة بالحيوان المفترس وارجعت السّبب للبطر والسّلوك الحيواني وهنا أخالفك الرأي، فالمسألة ليست مسألة بطر وحبّ العنف والميل له حبَّاً في ممارسته، وإنَّما كما أرى هو بسبب تعارض المصالح وفرض السَّيطرة والنُّفوذ وغالباً ما تكون الخلافات الّتي تنشأ بين النّاس قائمة على هذه القضايا وقد تتّسع مساحة الخلاف بين الأفراد والجماعات لتتَّخذ شكل حروب بين الدُّول كما هو الحال في الخلافات الَّتي تحصل لأسباب عرقيّة وعنصريّة ودينيّة أو لأسباب اقتصاديّة وأطماع في ثروات وما يملكه الغير والتَّاريخ يحدِّثنا كثيراً عن هذا النّوع من تسلّط قبيلة على أخرى ودولة على دولة ثانية وحتّى على المستوى الفردي لدينا أمثلة كثيرة منها ما يعرف ب " المافيات " الَّتي تتصارع وتصفي وتقتل منافسيها ومن يلاحقها من رجال القانون.
‎وأمّا إلى متى سيبقى هذا الأمر قائماً. ؟
‎اعتقد أنه من الصعب التخلص منه بسهولة لأنه يجب أن نبحث عن الأسباب الَّتي تؤدي إليه وأي أمر أو مشكلة أو خلاف نعرف سببه سنتمكَّن من احتوائه من خلال إزالة أسبابه.

14. الإنسان حيوان اجتماعي بالطَّبع، أنا لا أرى فيه هذه الرّوح الاجتماعيّة، بل أرى فيه جنوحاً نحو البوهيميّة والغرائزيّة، كيف ممكن أن ننقِّي هذا النُّزوع البوهيمي وننمِّي فيه إنسانيّة الإنسان؟!
‎تصف الانسان انه حيوان اجتماعي بالطبع ثمَّ تتعجَّب من ميوله الغرائزيّة وتفتِّش عن الحلول لتنمية الإنسانيّة داخله ..
‎حقيقة تستحقُّ الشُّكر والتَّقدير على ما تبذله من جهد وتحرص فيه على المثاليّة والكمال عند الإنسان، وهذا مطلب عسير من وجهة نظري وبخاصّة في عصرنا هذا، حيث نشهد هذا التَّطور المادِّي والتّقني وكما قدّمت تقنيات العصر جوانب ايجابية، كان لها جوانب سلبيّة، فقد خلقت حالة ملفتة من الميل لحياة الوحدة والانفراديّة وقدَّمت برامج وتطبيقات تعتبر التّربة الخصبة لتكون الغريزة نمط سلوك وانتقلت من الحالة الفرديّة لتصبح لها جماعات لهم شعاراتهم وطريقة حياتهم وطبيعة سلوكهم.
‎وهذا الموضوع يحتاج كما قلت فيما ذكرته سابقاً لتعاون أهلي ومجتمعي ومؤسّساتي وابتداع برامج واتباع دورات من أهدافها تنمية الحسّ الأخلاقي والفضيلة عند الفرد، وأن تبدأ منذ نعومة الأظفار ومن المدرسة في مراحلها الأولى وداخل العائلة .. فربّما ذلك يساعد في بناء شخصيّة إنسانيّة تفضل السَّلام على العنف وتقدِّم سلوك الخير على سلوك الشّر.

15. كيف تنسجينَ خيوط بحوثكِ ونصوصكِ، وتترجمينَ أفكاركِ الإبداعيّة وأنتِ غائصة في لجَّة الأحزان المتفاقمة في هذا الزَّمن المفخَّخ بالتَّوهان عن الهدف، أم أنّكِ تزدادينَ ألقاً وعمقاً في صياغة أفكاركَ رغم انشراخات هذا الزّمان؟!
‎سؤالك عن كيفية نسج ما نخطُّه ونفكِّر به، فهذا أمر مهم .. وربّما اختلف عن غيري وربّما كنت منتمية لمدرسة الواقعيّة في الكتابة من دون انتساب مبرمج، وإنّما من خلال انتماء الأسلوب، فأنا أحاول جاهدةً أن أبتعد عن الخيال فيما أكتبه وأبتعد عن الوهم فيما أفكِّر به، فأتعامل مع الواقع وأصيغ ما أودُّ التَّعبير عنه كما هو، حتّى أنَّني أسمِّي الأشياء والأشخاص كما أعرفهم وأتنحَّى عن الرّمزيّات، وذلك من أجل أن أنجح بالوصول ومعي القارئ إلى استنتاج سليم وصحيح، يمكن أن نصل من خلاله إلى اقتراح حلول ونحرِّض الذّهن للتفكير عن مخارج سليمة، لما نصوِّره بالكلمات، حول أي واقع نريد له أن يكون أفضل، لمستقبل مشرق يضيء للأجيال سبل الارتقاء بالسّلوك الإنساني نحو الخير والسّلام.

16. لا أرى أهدافاً عظيمة ممَّا يهدف إليها إنسان اليوم، غالباً ما تكون أهدافاً عقيمة من حيث فائدتها للمجتمع البشري، إلى متى سيغوصُ في ترّهات الحياة، تاركاً أسمى الأهداف بعيدة عن نصبِ عينيه؟!
‎إن كنتَ تعني أن انسان عصرنا الحالي لا يتجه بأفكاره لنشر قيم السَّلام والخير والتّآخي وأنَّ أفكاره كما وصفته عقيمة في هذا الاتجاه، فهذه وجهة نظر نجد من يناصرها وبالمقابل هناك من يعارضها وقد يقول لك قائل، إنّ إنسان هذا العصر استثمر الأفكار الخلّاقة ونفَّذها على أرض الواقع، فأصبحنا نستخدم التّكنولوجيا بأحدث تطبيقاتها وقدمت أنظمة الاتّصال خدمة جليلة للبشريّة حتّى أنّنا أصبحنا نواجه موضوع مطروح وفحواه يتلخّص بسؤال .. هل أصبح الإنسان عبداً للتكنولوجيا؟ أم أنّها تحت سيطرته وهي مطيّته لتحقيق قفزات علميّة أكبر وأوسع ممَّا حقَّقه حتّى الآن .. كما أنّ أجهزة الكشف والتَّصوير قدَّمت خدمات أشبه بالمعجزات في اكتشاف الامراض، وحتى تحديد جنس الجنين في بطن أمّه، فاستغنى الإنسان عن اللّجوء إلى التّنجيم والعرّافين والسّحرة والكهانة والدّجالين ليخبروه عن جنس الجنين .. والقائمة تطول إذا أردنا تسليط الضَّوء على مختلف جوانب الاكتشافات العلميّة الخلّاقة .
‎أمّا الأمر المهم في ما أثرته حضرتك فهو كيف لنا أن نعمل لوضع هذا التّقدم الهائل الّذي وصل إليه إنسان عصرنا في خدمة أهدافنا الّتي نسعى إليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، نشر مبادئ العدالة والسّلام والخير والمحبّة، لتكون رسالة الإنسان الّتي يتمثَّلها سلوكاً وتفكيراً ومشاركةً.

17. ما هو دوركِ مبدعةً، مثقفةً، مفكّرةً عندما تَرينَ الإنسانَ يقتل بني جنسه بقلب بارد، من دون أن يرمشَ له جفن؟
‎بشكل عام أي انسان طبيعي أي ملكاته العقليّة والنّفسيّة سليمة لا يقبل أن يرى إنساناً يقتلُ أخيه الإنسان تحت أي ظرف، وأنا شخصياً أكره حتّى استخدام تعابير القتل والذّبح ومصطلحات العنف والقسوة في كتاباتي وإن ذكرت أي شيء من هذا القبيل، فيكون من أجل بيان بشاعة هذه الافعال وواجب تجنُّبها نظراً لما تشكِّله من تهديد خطير يمسُّ استقرار ورتابة حياة الانسان أينما كان، وبسؤالك هذا يا صديقي أيقظت أحزاني فأنا عشتُ هذه الحالة الَّتي سألتني عنها، عشتها بحزن وألم ما زال يعتصر قلبي على أخي واسمه نبيل الّذي قُتل غدراً طمعاً في سرقة ما كان يحمله من مبلغ زهيد، حيث غدر به أشخاص كانوا برفقته وداخل سيارة في ألمانيا. فما بالك أي شعور هذا الَّذي ينتاب المرء حين يرى أو يسمع أنّ إنساناً قتلَ آخر لمجرد القتل والغدر، لذلك نحن أحوج ما نكون أن نكون فيما نكتبه رسل سلام ودعاة خير ومحبّة كي نصل إلى مجتمع بشري تغيب عنه مظاهر الكراهيّة والعنف، مجتمع تسوده ثقافة المحبّة والسَّلام.

18. كيف ممكن أن ننقذ فقراء وأطفال هذا العالم من الخراب والفقر والقحط الَّذي بدأ يستفحل في الكثير من دول العالم؟!
مسؤولية إنقاذ فقراء العالم وأطفاله من الفقر والقحط والخراب المنتشر هي مسؤوليّة دوليّة، مسؤوليّة مشتركة بين الحكومات والمؤسّسات والشّركات الاقتصادية الكبيرة ومسؤوليّة مجتمعيّة وتربوية، فنحن في هذا المضمار نحتاج لبرامج تنمويّة ولا ضير من تضمين المناهج التّعليميّة طرق وأساليب الانتاج في مختلف القطاعات وأساليب ترشيد الانفاق والاستهلاك وتأمين فرص العمل وتخفيض الرّبح ونشر ثقافة العمل واستثمار الوقت في العمل التّعاوني المنتج. وتطوير البحث العلمي في الدُّول الفقيرة إضافة لتعميم مفاهيم الخير والسّلام ومحاربة مفاهيم الجشع والاحتكار والتّخلص من برامج سباق التَّسلح وتحويل ما ينفق على هذه البرامج لتحسين ظروف حياة البلدان والمجتمعات الفقيرة ومساعدتهم بصناعات ومشاريع انتاجيّة تقضي على البطالة وتؤمن فرص عمل وبالتّالي حياة كريمة للفقراء وفرص تعليميّة لأطفالهم أسوة بأطفال الدّول المتطورة.

19. ما هي أفضل الطُّرق والأسس الَّتي تقودنا إلى تحقيق السَّلام العالمي بين البشر كلَّ البشر؟
‎لا شك إنَّ من يبحث حول هذه القضايا ويجتهد لإيجاد حلول وأسس لإشاعة السَّلام ودروب الخير ووشائج المحبّة والتَّآخي الإنساني بين البشر يحمل في حناياه قيم وفضائل وروح وصايا الانبياء والرُّسل وهذا كما أراه حضرتك من هذا النوع، فأسئلتك وحرصك على نشر ثقافة السَّلام ينم عن ذلك .. وباعتقادي ليس الأمر بالأمر الصّعب أو المستحيل على إقامةِ مؤسّسات دوليّة، فإن لم تكُنْ موجودة يمكن الدَّعوة لتأسيسها لتكون ذات طابع إنساني، شعارها الإنسان أخو الإنسان أينما كان، وأكرِّرها نحتاج إلى مؤسّسات ترعى برامج ومناهج تربوية تعليميّة لأجيال المستقبل تكرِّس ثقافة السَّلام وبنفس الوقت مؤسّسات تعمل على تنقية صفحات التّاريخ ممّا اعتراها من تزوير وتزييف وشطب كل ما تحتويه من نصوص تتحدّث عن التَّفرقة والطَّائفيّة والعنصريّة والكراهيّة، بحيث يفسح المجال لكتابة تاريخ بحبر المحبّة وقلم السّلام وليس بقلمٍ حبره من دماءِ الإنسان.

20. لو قام كلُّ إنسان بأعمال الخير والسَّلام والمحبّة لتحقَّق السَّلام كتحصيل حاصل، ما هو دوركِ في تحقيق هذه الفكرة؟
‎ولو قام كل إنسان بأعمال الخير والمحبّة والسَّلام لتحقيق السلام وتكريسه بين بني البشر .. فكن على ثقة بأنّني أكرِّس كل ما أفكّر به وأكتبه لخدمة هذا الهدف وأنا بفطرتي من دعاة هذا الهدف .. فهل من عاقلٍ يفضِّل الشّر على الخير والحرب على السّلام.

21. كيف ممكن أن نسخّر أقلام مفكِّري ومبدعي ومبدعات هذا العالم من أجل تحقيق السَّلام والكرامة الإنسانيّة؟
‎اسمح لي القول كيف لنا أن نستثمر أقلامهم وانتاجهم الفكري في خدمة السّلام؟
‎بالطبع هذا من أهم ما يمكن أن يصبو المرء إليه ومن أقدس الأعمال وأشرف الأهداف وأنبل النَّوايا وهذا يمكن الوصول إليه من خلال توحيد الجهود لخدمة هذا الهدف بالتّشجيع على إقامة المنتديات الأدبيّة والمشاركة في المهرجانات والمعارض الثّقافية، وتأسيس روابط واتحادات ذات هويّة وطابع عالمي وإنساني وإقامة وإحياء مناسبات لتكريم رموز الثّقافة ومنحهم ميّزات وتسهيلات على المستوى الدَّولي وإطلاق أسمائهم على ساحات وشوارع هامة وتشكيل منصّة دولية لهم ترعاها الأمم المتّحدة، بحيث يتمُّ التَّعامل معهم على أنّهم سفراء الإنسانيّة ورسل السَّلام.

22. ما رأيكِ بتأسيس تيَّار وفكر إنساني على مستوى العالم، لإرساء قواعد السَّلام وتحقيق إنسانيّة الإنسان، بإشراف هيئات ومنظَّمات دوليّة تمثِّل كل دول العالم، كي يكون لكلِّ دولة من دول العالم دورٌ في تحقيق السَّلام؟
‎أتمنى أن أرى يوماً هكذا تيار وقد نال على مباركة الهيئات الدَّوليّة المعنيّة وحظي بدعم دولي وأن يُخصَّص لدعاة السّلام مدارس وأكاديميّات على مستوى العالم، يخضع للدراسة فيها أصحاب ومدراء شركات السّلاح وجنرالات الحرب والسّاسة كي تُغرس في نفوسهم ثقافة السّلام.
‎وأحب أن ألفت بأنَّ نواة هذا التِّيار موجودة بمختلف بلدان العالم ونحتاج حقيقة إلى أن نعلِّي الصّوت، صوت الخير والسّلام ليفوق صوت الرّصاص والمدافع قوّة وتأثيراً وليتحوّل التِّيَّار الفكري إلى جيوش في كلِّ البلدان سلاحها القلم والحكمة ورايتها المحبّة والسَّلام.

23. ما هي أفضل الطُّرق لخلق رؤى تنويريّة، ديمقراطيّة، تقدميّة في العالم العربي والدُّول النَّامية في العالم لتحقيق السَّلام والاستقرار بعيداً عن لغة الحروب المميتة الَّتي دمَّرتْ وتدمِّر كلَّ الأطراف المتصارعة؟
‎وفيما يتعلق بخلق رؤى تنويريّة تقدميّة ديمقراطيّة في بعض الدُّول النَّامية والعربيّة منها لتحقيق السَّلام والاستقرار وانهاء مشكلاتها الّتي تسبِّب الحروب والخراب والتّخلف عن ركب الحضارة الإنسانيّة.
‎يمكنني القول أنَّ هذا الهدف يحتاج لتأهيل البنية الاجتماعيّة والحياة السِّياسيّة في تلك البلدان وإلى إعادة دراسة للواقع فيها ومن أهم ما يمكن العمل عليه هو فصل الدِّين عن الدَّولة ولسنا هنا في معرض التَّنظير وإنّما من باب المطالبة بأن تكون مهمّة المؤسّسات الدِّينيّة مهمّة تنويريّة تعتمد مناهج نشر التّآخي والسّلام والمحبّة بين النّاس وتقتصر على خدمة النّاس بالنّسبة للطقوس الاجتماعيّة المتعارف عليها بعيداً عن المواقف السِّياسيّة وبالوقت ذاته تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص واختيار الأفضل وتعميم العدالة وتنشيط الحياة الثقافيّة وتحقيق الاكتفاء الذّاتي لمواطني تلك الدُّول وتأمين الرّعاية وتكريس الهويّة الوطنية بدلاً من الهويّة الطّائفية. بمعنى نحتاج لبرامج ذات بُعد إنساني حضاري تنموي لخلق جو ديمقراطي يوفِّر مساحة للإبداع والتَّطوّر والارتقاء لاعتناق مبدأ السَّلام بدلاً من الحروب.

24. ما رأيكِ بإلغاء وإغلاق معامل السِّلاح في العالم، والوقوف ضد صنَّاع الحروب والفكر القائم على الصِّراعات، ومعاقبة كل مَنْ يقف ضدَّ السَّلام، لتحقيق السَّلام بقوّة القانون العالمي، وذلك بمحاسبة الجانحين نحو الحروب ودمار الأوطان؟!
‎معك كامل الحق أن تفكِّر بأغلاق معامل ومصانع السِّلاح ويمكن لك أن تسمّيها معامل الموت ومصانع الفناء .. ومعك الحق أن تطالب بمعاقبة أعداء السّلام الّذين ينشرون الموت والخراب .. ولو يرجع الأمر لي سأعمل على معاقبتهم ومعهم تجّار الموت، تجّار السِّلاح ومعهم الّذين يشترون آلة الموت والدّمار.
‎فكم هو موقف صائب أن تهمتمَّ الدُّول ببناء الجامعات بدلاً من إنشاء مصانع السّلاح وأن تصرف الميزانيّات المرصودة للتسلح على البحث العلمي لاكتشاف الأفضل من الدَّواء وكل ما من شأنه الارتقاء بالإنسان نحو الأفضل.
وبالمجمل أضمُّ صوتي الى صوتك وكلِّي أمل أن نصل إلى عالم نظيف من السّلاح يسوده السّلام.

25. ألا تَري أنّه آن الأوان لتأسيس جبهة سلام عالميّة من خلال تواصل المبدعين والمفكِّرين من شتّى الاختصاصات، والدَّعوة لتأسيس دستور عالمي عبر مؤسَّسات وهيئات عالميّة جديدة، لتطبيق السَّلام عبر هذه التَّطلُّعات على أرض الواقع؟
‎ختاماً ومع آخر ما أبديتموه من أفكار خلّاقة جاءت بصيغة أسئلة مدروسة بعناية وبشأن تأسيس جبهة سلام عالميّة يتقاطر إلى التّحشد فيها جحافل المثقَّفين والكتاب والمبدعين .. بالطبع ستكون جبهة قويّة طالما هؤلاء جنودها والفكر الخلّاق رايتهم وشعارهم، وسلاحهم فيها يراعهم وكما أظن فإن النّجاح في تأسيس جبهة السّلام هذه ستجذب إليها الهيئات الدَّوليّة ومنابر المؤسَّسات الإنسانيّة بدلاً من ذهابنا إليهم، وسيكون النَّجاح أكبر وأكبر في صياغة دستور للسلام الإنساني بين البشر وقد أتيت في معرض إجاباتي على ذكر هذه المقترح.
‎أخيراً أحييك على ما تبذله من جهد في مضمار وعر المسالك رافعاً راية السَّلام .. آملةً أن نصل معاً نهاية المضمار بسلام وأن نحقِّق النَّجاح في إرساء قواعد السّلام للبشريّة في هذا العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا