الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
النهاية في قصيدة -في البعيد البعيد- كميل أبو حنيش
رائد الحواري
2021 / 1 / 27الادب والفن
النهاية في قصيدة
"في البعيد البعيد"
كميل أبو حنيش
هناك.. وعندئذ في البعيد البعيد
سأصبح مثل غبار
بلا أيّ معنى
كما الآخرين بقبلي استحالوا غبارًا
وبعدي الجميع سيغدون مثلي غبارًا.. يطير
فأيّ الحكايات سوف تفوز..
وتنقذ هذا الجمال من الاندثار؟
وأيّ الغبار سيمسي رفيقي..
إلى عالم الانطفاء الثّقيل؟
☆
هناكَ.. ووقتئذ في البعيد البعيد
سأُضحي غيابًا
بلا أيّ ذكرى
تثير اشتياقي إذا ما حَدَست
بأنّي وجدت على رقعة في الوجود
الذي سوف يبقى ينام برحم الفناء الطّويل
فأيّ الإشارات سوف تنير الظّلام
وتغدو الدّليل إلى درب ذاك الحضور البديل
☆
هناك.. وحينئذ في البعيد البعيد
سأغدو ذهابًا
بلا أيّ مثوى
ولا أيّ حلم بأيّ إياب
إلى عالم الأمنيات..
سأَمضي وحيدًا..
كأنّي خيال ولمّا أجيء.. ولمّا أغيب
ولمّا يساور قلبي سؤال عن الأحجيات..
فأيّ المرايا ستُظهر وجه الظّلال.. بُعيد الرّحيل؟
☆
هناك.. وآنئذ في البعيد البعيد
سأمسي خواء
بلا أيّ جدوى..
وليس يؤرقني الامتلاء.. بعيد الفناء
سأقضي شريدًا بلا أيّ مأوى
وسوف أذوب بصمت الفراغ الكفيف
فأيّ الرّياح ستذرو غباري بكلّ الجهات
وأنهي حضوري الغريب العليل
بهذا العماء البهيّ الجميل
القصيدة مكونة من أربع مقاطع، يتحدث فيها الشاعر عن نظرته للنهاية، للخاتمة التي سيجدها بعد انتهاء الحياة، وهو يتحدث عن نفسه مستخدما صيغة الأنا "سأصبح، سأضحي، سأغدو، سأمسي، وكلها سبقها اشارات تدل على الوقت المستقبلي/الوقت القادم: "عندئذ، وقتئذ، حينئذ، انئذ" وهذا بحد ذاته يخدم فكرة القصيدة المتعلقة بزمن بما هو آت.
الشاعر يركز على استخدام ألفاظ تشير إلى (عبث) الحياة وتفاهتها من خلال "غبار (مكررة خمس مرات)، غياب/أغيب، الانطفاء، خواء، فناء" وهذا أيضا يشير إلى أنه قد (شبع) من الحياة وممتلئ منها، فالألفاظ لمجردة تخدم فكرة عدم اكتراث الشاعر بها وما فيها.
إذا كان هناك ذكر للزمن الآت، فأنه الشاعر ايضا يتناول المكان، لكن بطريقة غير معهودة" فهو يكرر في المقاطع الأربعة "البعيد البيعد" وهذا يجعل المكان مبهم، غير معروف، فأين هذا المكان البعيد البعيد، وما هي حدوده/معالمه؟، وهذا (الابهام) يجعل المتلقي يهيم بفكره باحثنا عنه.
كل هذا يجعل المكان مجهولا وغير معروف بشريا، وهذا يتماثل مع فكرة مكان القيامة، الجنة والنار، فمكانهما غير معروف، رغم إيمان البشر بوجودهما، وبما أن الشاعر أحد أفراد هؤلاء البشر، فإنه يتحدث بمنطقهم، وليس بعيدا عن فهمهم للخاتمة/للنهاية التي تنتظر الناس.
والشاعر ينوه إلى أن حالة العالم الآخر، غير عالمنا، فيغلب عليه الظلام ويخلو من الجمال: "الاندثار، الانطفاء، الظلام، الكفيف، العماء" فهو هنا يقترب من وصف "أنكيدو" للعالم السفلي، الذي يفتقر لكل مقومات الحياة التي يعرفوها البشر، كما نجد تماثل آخر حينما قال "فأي الحكايات سوف تفوز، يسمي رفيقي، الانطفاء الثقيل" فقد جاء في ملحمة جلجامش:
"ظهر أمامي رجل معتم الوجه، أمسك بخصل من شعري وتمكن مني وثب غاص بي
قام بتحويل شكلي، فغدت ذراعي مكسوتين بالريش كما الطيور
نظر إلي وقادني إلى بيت الظلام مسكن أرجالا
إلى دار لا يرجع منها داخل إليها
إلى مكان لا يرى أهلة النور
فالتراب طعام لهم، والطين معاش" ملحمة جلجامش فراس السواح، ص166 و167، فلقاء بين الملحمة والقصيدة حاضر، حتى أن الشاعر بدا وكأنه "أنكيدو" الذي يتحدث عما رآه في العالم السفلي، لكن برؤية معاصرة.
ونجد عدم القدرة على المغادرة من "البعيد البعيد":
" ذهابًا
بلا أيّ مثوى
ولا أيّ حلم بأيّ إياب"
ف"البعيد البعيد" يتماثل مع مكان الخلود، لكنه هنا مكان خلود العدم، خلود الفناء: "سأُضحي غيابًا/ سأصبح مثل غبار/ سأمسي خواء"، هكذا يرى الشاعر نهايته.
نستنتج من القصيدة : إلى أن النهاية ستكون عادية/طبيعية، وأنها ستكون أبدية/خالدة، وأن مكانها غير معروف لنا، وأننا لا نستطيع مغادرته، فكما اجبرنا على الوجود في هذه الحياة ورغما عنا، كذلك سيكون وجودنا وخلودنا في عالم الافناء/الموت.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال ابو حنيش.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح