الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 25

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2021 / 1 / 27
الطب , والعلوم


The vast universe and narrow minds 25

لستُ باطراً حينما أتحدّث عن جسيم النّيوترينو ولا أريد أن أقحمَك في دهاليز عميقة وضيّقة المسار! بل حديثي هذا هو بسبب كون الشّمس (التي ينبعث النّيوترينو ومن النّجوم الأخرى، المهمّة التي مازالت الدّراسات مستمرّة حول الكثير من خصائصها) تلتقي مع جهود الكثير من الباحثين عن الكون وتفصيلاته، وبالتالي أستطيع أن أدلي بدلوي حول الزّمن واللازمن كما ذكرتُ في مساحات واسعة من أبحاثي. فنشاط الشّمس نشاط نجميّ مهمّ وكذلك كونها تقترب صفاتها من صفات كثيرة من نجوم ومجرّات أخرى في التّكوين الأساس من عمليّة الإندماج النوويّ أو لا يخفى ما يلعب الإنشطار النوويّ في التّفاعل الذي ينتج الطّاقة العظيمة التي تؤدّي إلى ذلك الإندماج. من تفاعل الإندماج النوويّ في النّجم، يكوّن لنا ناتج ما يمكن أن يكون جسيمات تكون دليلاً لنا على دراسة الكثير من أساس الكون ومكوّناته وكذلك زمن أوّل وزمن قادم إلينا من المستقبل وربّما قادم لنا من الماضي! وكلّ هذه التّكوينات هي موجودات. حتى موتها، موجود جزء من هذا الوجود! ليس بمعناه الفلسفيّ بل بمعناه العامّ الوجوديّ والخَلْقيّ. ومن هذا الموجود، ومنها كذلك بالإضافة إلى موتها، هناك زمنها ولازمنها. لا تستغرب من كلمة كون الموت وجوداً، فموت الأشياء وجودٌ وليس عدماً! ويمكن أن أقرّب المعنى من هذا من خلال هذه الإشارة إلى الوجود والخَلْق (الذي خَلَقَ الموتَ والحياةَ ليبلوَكُم...). نعم في حقيقة الأمر، وعلى لسان الكثير من أهل الفلسفة فإنّ الموت وجود وخَلْق، بمعنى يختلف عن المعنى المتعارف عليه! ولنا علاقة جميلة مع تكوين النّجم وتكوين البشر كما يقول:
Neige Frankel in Lund university-Sweden #
(يمكننا ان نقول دائما أنّنا نحن البشر، قد تلقّينا اللبنات الأساسيّة الخاصّة بنا من غبار النّجوم). ويقصد بذلك عن غبار النجوم غبار الأجرام تلك، المنتشرة في هذا الكون الفسيح. حيث أنّ الغبار مجال نجميّ، وبالتالي سيكون لحديثنا عن النّجوم له معنى خاصّ!

الموت في الفيزياء
هل هناك بالفعل شيء إسمه الموت في الفيزياء؟! ربّما يكون ذلك سؤالاً ضعيفاً عند البعض لكنّني سأحوّر الحديث بصيغة أخرى للتسلية لا أكثر!يستخدم أحيانا مصطلح الموت الفيزيائيّ، في التعبيرات اللغويّة، لتعني الجسديّ أو الماديّ! رغم تحفّظي على هذه الترجمة غير العلميّة، لكن أقول، إنّ من المهمّ الإشارة إلى أنّ إستخدام (الموت الفيزيائيّ ليعنى به الموت في الفيزياء) لا أعني به الموت الجسديّ أو الموت الماديّ، لأنّ الجسد في طبيعته لا يموت، إنّما يحصل له إنتقال من وضع إلى وضع آخر، حيث هناك تشكيل كيميائيّ فيزيائيّ ينتقل من عناصره الأساسيّة إلى الطبيعة فتختلط هذه العناصر بنسبها في الكون الفسيح! فلا إنقضاء لمادّة الجسد! إذن لا موت بهذا المعنى! إنّما أعني بالموت في الفيزياء (أي المدروس في علم الفيزياء العامّ، والذي يمثّل وجوداً لشيء آخر!) حيث فيه ينتقل جسيم من شكل إلى آخر وفق التّفاعلات المعروفة كيميائيّاً أو فيزيائيّاً أو كليهما بالإضافة إلى الإنتقالات الأحيائيّة الخليويّة التي أشرتُ إليها آنفاً. ويمكن أن نطلق على تلك العمليّة بالإنتقال من وضع إلى آخر، بينما للجّسيم الأوّل يكون موتاً بكلّ صفات الموت! وللجّديد حياة بكلّ صفات الحياة! هذا هو التّعامل مع قوانين حفظ الطّاقة والزّخم وحفظ الكتلة. وأنا أضيف لها حفظ الزّمن! ولكن في مكان آخر غير هذا، ليس الحديث عن حفظ الزمن بدعة يا صديقي!
حيث أنّ الزّمن (الدّاخليّ هو المقصود هنا كما لا يخفى!) يُحْفَظ كما حفظناه عندما جمّدنا الإلكترون وجمّدنا الخلايا وذكرنا ذلك في الحلقة 8 من هذه السلسلة. حيث أنّ وجود الخليّة الأوّليّة في التّكوين الأوّل حصل لأنّها حصلت على الحياة ليس من العدم (كما أعتقد فإنّ أهل العدميّة تخلّوا عن هذا الوضع بمناقشة علميّة هادئة بعيدا عن التشنّج! لقد نشأت الخليّة من مجموعة من الذرّات الراكدة، المستقرّة غير المتحرّكة أو الذرّات غير المتفاعلة إلى أن تتحوّل إلى الذرّات المتفاعلة والتي تنتج الجّسيمات عن طريق تفاعل نوويّ، أي داخل نواها، التي أوجدت كلّ هذا الكون من خلال الخليّة الأوّلى، ومن خلال التّكوين الأوّل، إن كان جامداً أو متحرّكاً. وإن أدخلنا الدّراسات الكيميائيّة عن عضويّة ولا عضويّة الجّزيئات نكون قد وصلنا إلى نشوء وإستمرار هذا الكون من خلال نفس المنظومة التي أوجدت الخليّة الأولى أو الشّيء الأوّل أو الوجود الأوّل (النقطة وجود أوّل، ولكنّها وجود رياضيّ في إطاره الضيّق، وهي كأنّها خليّة تكوين أولى أو وضعيّة أولى، فالنقطة لها كلّ صفات الأجسام والأشياء التي نشأت منها إلّا أنّها مازالت غير محفّزة في النشوء الأوّل. لقد تطرّقنا إلى الكثير من الصّفات والمميّزات فيما يتعلّق بالنّشوء الأوّل والتطوّر الذي حدث، وقد أشرتُ إلى ما يتعلّق قليلاً بالموت وغير ذلك.
دعني أطرح السّؤال الذي يثير الكثير من الشّجون من جانب آخر:هل بالضّرورة أن يكون للحياة معنى لو أردنا دراسة النّشوء الكونيّ فحسب؟ أي مامعنى أن يكون للحياة والرّوح معنى، إنْ لم يكن فيها من التدبّر في النّشأة والتّكوين وغير ذلك. هل بالإمكان تعويض التّحول ما بين التّفاعلات الإنسانيّة إلى التّفاعلات ما بين الجّسيمات الأوّلية وغيرها. أم أنّ للحياة معنى بمعان أخرى كالإحساس والتصوّر والذّهن وما إلى ذلك؟ أم يمكن أن يكون البحث ماديّاً بحتا لمعرفة التّكوين مجرّداً عن أيّ معنى لوجود روح أو حياة أو غير ذلك. أريد أن أثير الموضوع بشكل آخر،هل للجّسيمات حالة من الموت الفعليّ، أي الفناء، أم وفق التصوّر الفيزيائيّ الكلاسيكيّ، أنْ لا فناء؟ لستُ متخبّطاً في كتابتي هنا حيث أتطرّق إلى الموت وأسمّيه ثمّ أتساءل بعيداً عنه قليلاً. لا تستغرب فالإثارات هي التي توصِل إلى نتيجة جميلة، ومنها نتيجة مفصّلة بشكل جيّد فيما يتعلّق بالزّمن واللازمن. وأثير التّساؤل بمعنى آخر حول الموت وما يحيط به. إن وجدنا جسيماً من الجّسيمات الأوّلية، هل يمكن لنا أن نقول أنّ الزّمن كان قبله، أم أنّ الزّمن كان معه وسينقضي معه، أو بعده، أو ينتهي قبله؟ كما قلتُ، إنّ الزّمن بذاته خَلْق من الخَلْق، أي أنّ له موتاً كما له حياة فكيف يموت أم كيف ينقضي متفردّاً وحيداً؟
لقد ذكر الكثير من أهل التخصّصات في مجال البحث عن الموت أو المغادرة لفترة قصيرة أو طويلة إلى خارج هذا العالم ولكنّهم لم يصلوا إلى نتيجة مقنعة من خلال مفهوم غير مفهوم التصوّر الدينيّ المعروف.
يمكن لي أن أقول أنّ الموت أمر من الأمور التي تحيّر الكثير منهم (من خلال ما كتبوا حول ما يجول في ذهنهم!) حيث لا يمكن الوصول إلى معنى واضح لما يكون أو يحدث، وقد ذكرتُ في حلقة سابقة بعضاً من هذه الآراء، ولا أريد الخوض في هذا المجال أكثر من البحث الذي أريد إثارته حول الزّمن واللازمن. لكن لا بأس أن نقول ما يهمّنا وأن نكون على وعي تام فيما نقول، أو فيما نحن نعيش من أجله في هذه الحياة. الزّمن الذي نبحث فيه وبه وعنه، له إرتباط بالكيمياء والتّفاعلات الكيميائيّة وبالفيزياء والتّفاعلات الفيزيائيّة وبالأحياء والحياة عموماً ومنها حياة هذا الكون الذي نحن جزء منه. الزّمن يلعب دوراً مهمّا في التعامل مع التّفاعلات الكيميائيّة صحيح لكنّ يكون ذلك أكثر تعقيداً إنْ بحثنا عن زمن التّفاعلات النوويّة بكلّ أشكالها، من إندماج نوويّ وإنشطار نوويّ، حيث نلاحظه (أي الزمن!) في كلّ تفاعل من جهات متعدّدة. منها مثلاً، أنّنا نبحث عما نسمّيه، زمن الحياة والزّمن النصفيّ وزمن التفاعل وزمن نهاية التّفاعل وما إلى ذلك (وهو الزمن المرافق لا الذّاتيّ، لكن فقط لغرض الإشارة لتقريب المعنى للزّمن الذاتيّ ومنه الدّاخليّ أي حينما تقيس واحدة من الجّسيمات زمنها أو زمن زميلها من الجسيمات الأخرى فيكون داخليّاً لا كزماننا الخارجيّ!) ففي تفاعل ينتج لنا النّيوترينو الذي ذكرناه في الحلقة السابقة، له وقت أو زمن محدود للوصول إلى تفسير لهذا الجّسيم الذي ينتج من ثلاثة أنواع أو أربعة أو ستّة تفاعلات نوويّة. وله زمن حياة معيّن، وللكون من خلاله زمن حياة إذا ما كنّا قد حسبنا الكون على أساس هذا الجّسيم فقط. أو من خلال جسيم وجوديّ واضح أو من خلال جسيم إفتراضيّ كمّي. ذلك الأخير الذي نفترض من خلاله أنّ الكون عبارة عن شكل واحد من هذا الجّسيم بكميّات تتناسب مع وجود هذا الكون وإستمراريّته. فلو إفترضنا أنّ الجّسيم الذي يغطّي الكون، عبارة عن جسيم ينتج من تفاعل معيّن لا علاقة لأيّ شيء بهذا التّفاعل إلّا من نشوء الكون، فينبغي لي أن أشير إلى أنّ هذا الكون بما هو مع الجّسيم الإفتراضيّ الذي نتحدّث عنه يكون إمّا عالماً مكتشَفاً معروفاً يرتبط بهذا الجّسيم، أو يكون عالماً مجهولاً، وإن وجد هذا الجّسيم بإعتبار أنّ الكون دائم التوسّع، فليس بالضّرورة أن نعرف ما سينتج عن هذا الوضع. في هذا الوضع يمكن أن نقارن كميّاً مع قطّة شرودنغر في تجربته المعروفة.
إنّ الجّسيم الإفتراضيّ الكمّيّ له علاقة وثيقة بالزّمن واللازمن، كما له من الخواصّ والمميّزات الكثير. منها كميّة الحركة (الزّخم:الذي يساوي كتلة الجّسيم في سرعته) ومنها الطّاقة (التي تشمل الحركيّة والكامنة) وعدم اليقين في وجوده في مكان معيّن في زمن معيّن، أو غير ذلك. وإفتراض الجّسيم أو الحديث عن الجّسيم الإفتراضيّ بحث ممهّد لشيء جديد قد يتحوّل بعد ذلك إلى وضع واقعيّ. فهايزنبرغ وضع عدم اليقين وعدم التأكيد من وحي الإفتراض لا من وحي الواقع وإستند عليه للوصول إلى نتائج إرتبطت بميكانيك الكمّ عموماً بل كانت الأساس لهذا العلم الرائع الذي بدأ يطرق أبوابنا ونطرق أبوابه في كلّ بحث من البحوث! فلو إفترضنا الجّسيم الإفتراضيّ الأوّلي فسيرتبط به بعض المميّزات المهمّة لنخضِعَه إلى بعض معادلاتنا المستنتَجة، وهذا من حقّنا، فقط لإختباره وفق واقع نسير عليه. وإن أثرتَ التساؤل عن، لماذا تطبّق ما موجود على الإفتراض، فلربّما يكون ما موجود غير صحيح، فيكون عندذاك كلّ الحديث خواء، لا أقلّ من ذلك!
من حقّك تسأل، ومن حقّي أقول لك للوصول إلى النتيجة أطرق كلّ الأبواب، ومنها ما في جعبتنا من واقع رياضيّ أو فيزيائيّ! إن أصبنا فيه وإن لم نصِبْ فسنغيّر عملنا إستناداً إلى طرق التّجريب من خلال الصّحيح والخطأ!
لقد إختلف العلماء في الكثير ممّا يتعلّق بنظريّة موحّدة تجمع الصّفات كلّها لجسم ما، بالرّغم من إحرازهم تقدّماً كبيراً في مجال البحث. ومن الطّريف القول أنّ الحياة بمعناها الأحيائيّ، منسوجة من 30 جزيئاً مختلفاً أو نحو ذلك. تكون وفرة بعض هذه العناصر المتضمّنة هذه الجّزيئات، كبيرة مثل الأوكسجين، الهيدروجين، النّتروجين، الكبريت والفوسفور. ومع ذلك لم يستطع واحد من العلماء إنشاء خليّة حيّة أوليّة واحدة! من نفس المكوّنات. وتجاربهم مستمرة كي يعرفوا السرّ الذي يكتنف الخليّة، كي تتكون وتنمو وتتطوّر!
ترتبط طاقة أو كميّة الحركة (الزّخم) بدالّة الموضع والزّمن طبقاً لميكانيك الكمّ. وإذا رأينا جسيماً ما، فلا يمكن وصفه بأنّه جسيم مجازيّ أو إفتراضيّ. لكن إن كان مجازيّاً بالفعل وإفترضناه (رغم أنّ الأجسام المجازيّة لا تُرى كما هو معروف إلّا أنّه إفتراض لا أكثر!) على هذا الأساس فسنتّبع الخطوات التالية وفق القوانين المعروفة مثل قانون حفظ الطّاقة. والجّسيم الإفتراضيّ سيكون عبارة عن كمّ وله مجاله. وهذا الجّسيم الإفتراضيّ له خصائص منها ما متعارف عليه من خلال العلوم ومنها ما نضعها له لغرض البحث بصيغة الإفتراض إيّاها! هذا الكلام بنسبة كبيرة ينطبق على النّيوترينو! لذلك سنسترسل معه الآن:
من المواصفات التي يتمتّع بها النّيوترينو، أنّ بعضها (مثلاً نوع نيوترينو ميو:عبارة عن ليبتون عديم الشّحنة، إفترض وجوده عام 1940 وقد إكتشف بالفعل عام 1962 وقد جاء إكتشافه متأخّراً عن نيوترينو الإلكترون بعقدين من الزّمن تقريباً، وللطّرافة نقول أنّ هذا الجّسيم يسير بسرعة أكبر من سرعة الضّوء كما أكّده جارنا العزيز!مركز أبحاث سيرن عام 2011 وهذا الجّسيم ينتج عن إنحلال النّيوترون إلى بروتون وميون سالب. بالإضافة إلى النّيوترينو الميونيّ المضاد. وكذلك ينتج عن إنحلال البروتون إلى نيوترون وميون موجب ونيوترينو ميونيّ. طبعا بالإضافة إلى وجود النّيوترينو الإلكترونيّ، والذي ينتج عن إنحلال إمّا النيوترون أوالبروتون لينتج في الأولى والثانية جسيم بيتا علاوة على النّيوترينو الإلكتروني في الأولى ومضادّه في الثّانية!)، بمجرّد ظهوره يمكنه أن يدخل بتفاعلات الوصول إلى الأرض. وبذلك يمكننا أن نستفهم ونستنتج من النّيوترينوات النّاتجة عن قلب النّجوم التي تبعث هذه الجّسيمات، المعلومات الكثيرة، حيث تتضمّن تلك النّجوم أيضا الثّقب الأسود الذي ينتج بعد إنهيار النّجم أو خموده. وهناك العديد من الإكتشافات والأبحاث في مجال يمكن أن نطلق عليه بعلم النّيوترينو(!) أو يمكن أن نُحيل هذه الأبحاث ضمن تصنيف علم فلك النّيوترينو. حيث باتت الأبحاث كبيرة وكثيرة عن هذا الجّسيم لما له علاقة بنشأة الكون ومتعلّقات النّشأة!(بل وفي كمون أجسامنا خاصّة إذا ماعلمنا أنّ هناك ترليونات النّيوترينوات تمرّ في كلّ ثانية إلى كلّ جسم من أجسامنا ولا تترك أيّ ضرر يذكر!) حيث بات لدينا من خلال التّفاعلات التي تنتج داخل قلب النّجم أربعة جسيمات نيوترينو، إثنان من النّوع الميونيّ والآخران من النّوع الإلكترونيّ.
قلب الشّمس ونشأة الكون
تقول الباحثة جيسيكا تورنرالتي تدرس ظواهر النّيوترينو في مختبر فيرمي الوطنيّ للمعجّلات التّابع لوزارة الطّاقة الأمريكيّة:نظرًا لضعف تفاعل النّيوترينوات،فإننا لا نعرف الكثير عن النّيوترينوات مثل جسيمات النموذج القياسيّ الأخرى. لكن من دراسة تدفّقات النّيوترينو القادمة من النّجوم يمكن لنا أن نجري دراسة لقلب ذلك النّجم، وبالتالي لنشأة النّجوم. والدّراسات المعروفة تتمّ من خلال دراسة طيف النّيوترينوات القادمة من النّجم (أي الشّمس) لأن النّجم يتمتّع بمواصفات عظيمة لغرض الدّراسة (إنّ من المهمّ التذكير ما لوجود علاقة مهمّة ما بين تكوين النّجوم والزّمن إذا ما ربطنا بين وضع الثّقب الأسود الذي ذكرنا بعض مواصفاته في حلقات سابقة بإعتباره نجماً، ودراسة الزّمن الذاتيّ حينما ندرك معنى النشأة لهذا الكون ومتعلّقات تلك النّشأة كطريق لفهم جديد للزّمن الذاتيّ تعريجاً على الزّمن الداخليّ حين حدوث الحادثة من قلب الكون أو قلب النّجم). ينتج النّيوترينو في الشّمس أو في أيّ نجم وآخر من التتابع في دورة تفاعل الهيدروجين في تفاعلات مهمّة هي تفاعل إندماج بروتونين لينتجا ديوتيريوماً وبوزتروناً، بالإضافة إلى صديقنا العزيز النّيوترينو. ثم يتفاعل بروتون مع الديوتيريوم لينتج هيليوماً ثلاثياً وفوتونات أشعّة غاما. بعد ذلك يتفاعل الهيليوم المذكور مع هيليوم ثلاثيّ آخر لينتج الهيليوم الرباعيّ مع بروتونين. ثم تستمر العمليّة بهذا الشكل من خلال التّفاعلات الثّلاثة. ومن الملاحظ أن النّاتج المقصود، الهيليوم الرباعيّ تصل كثافته إلى 100 غرام لكلّ سنتمتر مكعّب. والمرحلة الأخيرة من التّفاعل تتنافس مع التّفاعل ما بين الهيليوم الثلاثيّ وهيليوم رباعيّ لينتج التّفاعل البيريليوم مع فوتونات أشّعة غاما. ثم ينتج البيريليوم 8 من البيريليوم 7 والبيريليوم 8 يتحلّل إلى نواتين للهيليوم 4 أو بتفاعل آخر ينتج من البيريليوم 7 البيريليوم 8 عبر البورون 8 لينتج مع البوزترون صديقنا العزيز النّيوترينو، وينحلّ البيريليوم 8 إلى نواتي الهيليوم 4.
هناك العديد من التّفاعلات التي تحدث عبر العديد من النّظائر لتنتج لنا النّيوترينو مثل إنحلال الأوكسجين أو غيره. ووردت هذه التّفاعلات في هذه الحلقة كي أقول أنّ العديد من التّفاعلات تحدث داخل قلب الشّمس لينتج النّيوترينو. لكن ليس هذا هو الغرض الأساس من ذكر التّفاعلات إنّما كي أقول أنّ الكثير من هذه التّفاعلات مدروسة ومعلومة ومنها غير ذلك! لكنّ المعروف منها يمكن أن يعيننا على دراسة النّيوترينو الذي يدلّل على تكوين النّجم والذي يُدلّنا على تكوين العديد من المجرّات التي يحدث فيها تفاعل ينتج النّيوترينو كي يكون دليلاً على النّشأة. وهنا نقول يدلّ التّفاعل على التمهيد لزمن ما. حيث يتولّد عن طريق التّفاعل داخل الشّمس طاقة نطلق عليها بطاقة الشّمس. وتمرّ دورة التّفاعلات الأربعة للهيدروجين معتمدة على المساهمة النسبيّة لهذه التّفاعلات على الكثافة ودرجة الحرارة داخل نواة النّجم. وهنا ينبغي أن نشير إلى أنّ الخواص التي تتلاشى داخل الثّقب الأسود يكون منها الزّمن الذي ينتقل من مرحلة تقليديّة في التّعامل معه إلى مرحلة يكون فيها التعامل مع وضع يمكن أن نستنتج منه معنى للزّمن الذاتيّ كما مرّ بنا في حلقات سابقة. وهنا داخل النّجم إن كان على قيد الحياة أو في فترة الخمود تلعب درجة الحرارة والكثافة دوراً مهمّاً للغاية في الكثير مما يتعلّق بالطّاقة. ونضيف لها ما يتعلق بالزّمن كذلك.
حيث أنّ نوى النّجوم الأثقل كثافة، تكون أقلّ كثافة من لبّ الشّمس أو النّجم. أيّ أنّ إحتراق الهيدروجين فيها يكون عند درجة حرارة أعلى قليلاً. وهذا يعني أنّ إحتمالات المرور بحواجز كولوم (الحواجز الكهربائيّة النّاتجة من وجود جسيمات مشحونة) تكون في حالة زيادة فتصبح حينها الدورة الرّابعة للشّمس نجوماً أكثر أهميّة. في هذه الحالة يكون واضحاً لنا إذا أجرينا دراسة لطيف النّيوترينو الصّادر من الشّمس بشكل تجريبيّ في مختبراتنا وحصلنا على أفضل طيف لذلك الجّسيم القادم من الشّمس، حينها يكون من الممكن تحديد الآليّات الأساسيّة التي يتمّ من خلالها إنتاج بروتونات أربعة في الهيليوم. وهناك بعض التّفاصيل حول ذلك، سيكون لها جهد آخر وزمن آخر! لكنّ المهمّ أن أشير إلى أنّ هذه الجّسيمات مهمّة في معرفة الكثير من المعلومات ليس فقط فيما يتعلّق بعالم الجّسيمات الأساسيّة ضمن عالم الفيزياء النوويّة الجّميل والذي أدرّسه وأبحث فيه، أشعر بأنّني أنظر إلى لوحة من لوحات الرّاحل شاكر حسن آل سعيد الصّوفيّة أو أسمع صوت الراحلة ربى الجمّال لصوفيّة رباعيّات عمر الخيّام!
ما بين هيغز والنّيوترينو!
من الأمور المهمّة التي حيّرت العلماء كما تقول جيسيكا روميو هو عدم معرفة السّبب الذي يجعل للنيوترينوات كتلة ولو كانت صغيرة جداً. حيث أنّ كلّ الجّسيمات الأساسيّة الأخرى تحصل على كتلتها بالطّريقة نفسها في النّموذج القياسيّ الذي يعتبر الأطار النّظريّ للتّفاعلات النوويّة التي تحصل ضمن هذا المجال.
تنضمّ النّيوترينوات لمجموعة الجّسيمات الأساسيّة التي تعرف بالفرميونات، والتي يكون منها كذلك اللبتونات والكواركات، وهذه كلها تكتسب كتلها من خلال تفاعلاتها مع بوزون هيغز (تطرّقت لهذا الجّسيم في حلقتين قبل تسع سنوات وهما في العنوانين، وهو جسيم تمّت دراسته من خلال الإستناد الى مفهوم القوى الأربع التي نتجت من الإنفجار الكبير، كما يتصوّر العلماء وكانت قوة الجاذبيّة هي أولى القوى التي نتجت عن هذا الإنفجار، فتكون من هذا قوّة جاذبيّة عظيمة يتمتّع بها هذا الجّسيم. راجع البحثين أدناه مع المحبّة):
مؤيد الحسيني العابد - الجّسيم الجديد والكون - الحلقة الأوّلى (ahewar.org)
مؤيد الحسيني العابد - الجّسيم الجديد والكون الحلقة الثانية (ahewar.org)
لكن يبدو أن النّيوترينوات لا تتّبع هذا الإتّجاه. وقد أشار الفيزيائيّون إلى عشرات، بل إلى مئات النظريّات التي تشير إلى الكيفيّة التي يحصل فيها النّيوترينوعلى كتلته. وكلّ هذه النظريّات مقبولة بنسبة معيّنة (أنا أقول أنّ عدداً منها يفتقر إلى عوامل لم يُشَر إليها! أظنّ أنّ أحد الأسباب التي تجعل بعض التناقض فيها هو عدم وجود إعتبار لهذا العامل أو السّبب! ولا أذكره هنا متقصّداً!). ويمكن أن يكون هناك سبب آخر لم يُشِر إليه أصحاب هذه النظريّات التي نحتاج الكثير منها كي نصل إلى الأسباب التي تجعلنا متيقّنين من مصدر هذه الكتلة! ربّما يكون جسيم هيغز طرفاً فيها أثناء تفاعله مع مصدر جديد للكتلة أو مع جسيم آخر إفتراضيّ لحدّ الآن على الأقل(!) الأبحاث مستمرّة، وعندي يقين أنّ المعجّلات التي تستمر في البناء والتطوير كفيلة في الوصول إلى نتائج رائعة! رغم أنّ بعض من زملائنا الطيّبين لا زالوا غير مقتنعين بوجود كتلة لهذا النّيوترينو الجّميل (لا أقلّ جمالاً من سياسيّي العرب العاملين على أمزجة تتناغم مع الأجنبيّ، لا مع شعوبهم وإحتياجات هذه الشعوب!).
أطلتُ في سَرْد العديد من المعلومات العلميّة، لكنّني مضطر لأوضّح، لا أكثر! دمتَ بسعادة غامرة أيّها العزيز حتى نلتقي ثانية إن شاء الله.
د.مؤيد الحسيني العابد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
# في رسالة الماجستير التي قدمت إلى جامعة لوند عام 2017 لنيل شهادة الماجستير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | مشروع قانون في بريطانيا يثير الجدل.. هل تنجح


.. العالم الليلة | صواريخ طهران فخر الصناعة الإيرانية تعتمد على




.. العالم الليلة | خبراء: الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران ق


.. افتتاح النسخة الثالثة للمعرض الدولي للتعليم الفني والتكنولوج




.. الفيضانات في الخليج… ضحايا في سلطنة عُمان والمياه تغمر المطا