الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعدد اشكال التقديم في مجموعة عصافير المساء تأتي سّراً محمد عارف مشّه

رائد الحواري

2021 / 1 / 29
الادب والفن


مجموعة عصافير المساء تأتي سّراً
محمد عارف مشّه
مجموعة قصصية مكونة من أربع عشر قصة، تناول اكثر من موضوع، وقدمت بأكثر من شكل، القص العادي، الفنتازيا، الرمز ورغم تعدد أشكال تقديم المجموعة‘ إلا أن هناك وحدة تجمعها، تتمثل بسرعة الأفعال وتتابعها، فهذه الطريقة تعد أحدى علامة قصص "محمد عارف مشّه، فمن خلال تتابع الأفعال السريعة، يشعر المتلقي أن القاص يريد أن يخبرنا بأحداث مهمة، لهذا جاءت أحداث/الأفعال سريعة ومتتابعة، لكن هذا لم يكن حائلا أمام توحد القاص مع طبيعة القصة التي يسردها، فأحيانا كان موضوع القصة، طبيعة من يقص القصة تفرض اسلوبا معينا في القص.
ونجد أن طريقة القص جاءت من خلال القاص الخارجي وأنا القاص، كما تم تحدد مكان الأحداث "سيل الزرقاء، عمان": "...صامدين أمام أطفال حي الضباط وجناعة والجبل الأبيض" ص14، فالمكان الذي يهتم به القاص مكان شعبي، وليس للنخب المترفة، ونلاحظ تركيزه على اسماء محددة في المجموعة "أحمد، خالد" وغالبية الشخصيات التي تناولها كانت من العامة، وهذا يقربها من القارئ، ويجعله يشعر بأنها من طينته، وتتماثل معه في همومها ومشاكلها.
يفتتح المجموعة بقصة "ذاكرة المخيم" والتي يتناول فيها التغييرات الاجتماعية التي حدثت في "المجتمع"، من خلال المعلم الذي يدخل غرفة الصف ويسأل أحد الطلاب:
*"لم أتيت إلى هنا؟
ــ أبي يريد أن أتي إلى هنا"
*ماذا تعني لك كلمة مخيم؟،...
*من يعرف خيمة الفلسطيني؟
ــ خيمة زرقاء
ــ برتقالية
ــ لونها بنفسجي
*من احتل فلسطين و شرد شعبها ؟
ــ الفلسطينيون يحتلون أرض إسرائيل وقد شردوا الشعب اليهودي وقاموا يقتل الأطفال والنساء.
*تقصد اليهود قاموا بقتل أطفال فلسطين؟
ــ لا أقصد الفلسطينيون هم من فعلوا القتل والدمار" ( ص7و 8) ، فعندما جعل القاص الخلل في فهم الأطفال ، أراد به التأكيد على خطورة ما يجري من بث افكار ومعلومات تهدم البنى الفكرية للمجتمع وتقلب الحقائق، كما أنه عندما تناول فئة الطلاب تحديدا، أراد التأكيد على الخلل في النظام التعليمي السائد في المنطقة العربية بعد عمليات (السلام).
في الأدب لا تقتصر الأهمية على الأفكار بقدر طريقة تقديمها، فنهاية القصة جاءت بهذا الشكل: "أين تقع فلسطين؟...في العراق...في الصين... من أخبرك أجب من أخبرك ؟... وضاع صراخ المعلم واختفى بين ضجيج الطلبة.
تقول جدتي أنهم وجدوا المعلم ميتا بين مقاعد الطلبية والغرفة خالية إلا من غبار الأتربة العالقة بالهواء المنبعث من الشباك الخشبي الوحيد في الغرفة الترابية المنعزلة" ص8، فشكل تقديم القصة يجتمع فيها الفانتازيا (طريقة اجابة الطلبية على اسئلة المعلم)، والرمز الذي جاء في نهاية القصة، فكان موت المعلم بمثابة احتجاج على الواقع التعليمي، وعلى طريقة تعليم/فهم الطلاب لما يجري.
أما القصة الأهم في المجموعة فهي قصة "عذرا أيها السادة فأنا أكذب" فالقاص أوصلنا إلى ذروة الفانتازيا بحيث جعل الأحداث تجري بين مكانين، مكان عادي/طبيعي الغرفة، ومكان غير منطقي "التلفاز" وبين شخصيات (حقيقية)/القاص، وشخصيات غير موجودة ـ حالا ـ شخصيات يشاهدها القاص على الشاشة، جاءت في فاتحة القصة: "بث حي ومباشر لكرة القدم، أجلس أمام الشاشة مترقبا فوز الفريق، ...الكرة تصل المرمى، ترتطم بالعامود، تنحرف، تخرج من الشاشة، تتجه نحوي، ترتطم برأسي، أصرخ متألما.
لست متيقنا مما حدث إن كان حقيقة أم خيال كاتب! فقد سار الممثل باتجاه هاوية الجبل...فصرخت على الممثل مذعورا أن أنتبه، نظر لي الممثل بلا مبالاة ثم قال:
أصمت ولا تتدخل في أحداث المسلسل، خرج المخرج من وراء الحاجز وأشهر سلاحه في وجهي، أمرني أن أخرس ولا أتدخل في سير أحداث المسلسل " ص9، أعتقد أن هذا ذروة (الجنون) والتي جاءت كتعبير على الأثر الذي تركته الشاشة على المشاهدين، وعلى تعلقهم بما يشاهدونه، فقد أصبحت الشاشة (الصديق/الأخ/القريب) للناس، ولم يعد يهتمون ببعضهم، لقد سرقتهم الشاشة وأخذتهم بعيدا عن الواقع، فأمسوا يعيشون في الخيال والوهم، فكان لابد من الرد عليهم بطريقة (مجنونة) بعين الأسلوب الذي يفهمونه/يعرفونه.
ولم تتوقف الفانتازيا عند القاص وما يحدث في الشاشة، بل تعداه إلى أشراك القارئ: "...وذاك الشاب الذي يدخن سيجارته وهو يقرأ القصة يقول لي: تبا لك!
أنا لا أكذب أيها السادة. اقسم لكم، أسألوا المخرج عما حدث، سوف يكملان لكم القصة عني، لقد تعب من القول: الشمس تشرق غربا." ص11، لهذا تعد هذه القصة هي الأبرز في المجموعة، حيث وصل فيها (الجنون) الذروة، وطال ما هو حقيقي/القاص، والوهمي/الشاشة، والواقعي/القارئ.
واعتقد أن هذا التنوع والتعدد في مداخل الفانتازيا، وتناولها لأكثر من حالة/شخص/حدث/فكرة، يمكن أن تكون نموذج لأدب قصة الفانتازيا، ليس لأنها تناولت أكثر من حالة فحسب، بل لسلاستها وطريقة تقديمها، فالحبكة وترابط الأحداث (ومنطقية) الجنون فيها، تجعلها قصة متميزة يُستمع بها.
وأحيانا نجد لقاص يدهش المتلقي في طريقة تقديم القصة، ففي قصة "سيل الزرقاء" يحدثنا الطفل/القاص عن مغامرته في صيد السمك من "سيل الزرقاء"، فقد بدت الأحداث شيقة ومنطقية ومتسلسلة: "كنا أطفالا ثلاثة ...لنثبت للجميع قدرتنا على الفوز أمام أقوى الخصوم في صيد السمك" ص14، لكن نهاية القصة كانت مدهشة، فبعد عودة القاص/الصياد والاحتفاظ بصيده، يتفاجأ أن صيده كان ضفدع وليس سمكة.
واللافت في هذه القصة أن طريقة قصها تتماثل وعقلية/منطق الطفل الذي كان متلهفا لتحقيق (تفوقه) على الآخرين: "نمت تلك الليلية وأنا أحتضن المرطبان في فراشي،...وبأني سأدخل ساحة مدرسة المخيم مرفوع الرأس يلقي علي الطلبة تحية الصباح وسيقدم مدير المدرسة تهنئته لي من خلال الإذاعة المدرسية ولن يضربني معلما الحساب والانجليزي على تقصيري" ص16 نلاحظ أن هناك تركز على التفاصيل تبعات الحدث بدقة، وهذا يأخذنا إلى ذهنية الطفل، وطريقة التي يفكر بها، فهي عقلية طفل وليس القاص الراشد، كما أن اللغة المستخدمة كانت لغة طفل، من هنا، كانت قصة مقنعة ومتميزة بتحررها من (سلطة) القاص، فلم نجد له اثر في القصة، حتى أننا نجد فاتحة القصة تتباين مع فواتح القصص التي يكتبها "محمد عارف مشّه" وبعيدا عن سرعة وتدفق الأفعال، حيث جاءت الفاتحة بسرد (عادي) يركز على التفاصيل، وهذا ما جعل سرد القصة (هادئ).
ونلاحظ عدم جود قصية العنوان "عصافير المساء تأتي سرا" في المجموعة، لكننا نجده في قصة "وجع" والتي جاء في فاتحتها: "عصافير المساء تأتي متأخرة" ص26، وفي خاتمتها: "فتأتي عصافير المساء سرا كل مساء" ص29، وهذا الأمر يستوقف القارئ، فالقصة تبدو عادية، تتحدث عن شخصيات من العامة "أم صقر، أبو صقر، سعيد، صقر خديجة، المختار، أبو خالد، الحلاق، شهاب الدين" والمكان قرية: "...ويبدأ في حرث الأرض اليابسة" ص26، اعتقد أن ذكر (العنوان) مرتين في هذه القصة اراد به الاشارة إلى أن المجموعة تتناول شيء أعمق مما يبدو على السطح، فالاجتماعات التي تمت في منزل أبو صقر لمناقشة وضع الحلاق الجديد الذي: "لا يترك نساءنا بحالهن، تعليق وكلام سخيف لكل امرأة تسير في الشارع" ص28، تجعلنا نتوقف عند ماهية هذا الحلاق، هل هو حلاق عادي، أم أنه حلاق من نوع آخر، وما صفة حلاق إلا (تمويه) لما هو أكبر واكثر واعمق من مجرد مزين/حلاق؟.
اعتقد أن نهاية القصة التي جاءت بهذا الشكل: "يسحب أبو صقر نفسا من نارجيلته... ثم ينهض ليحضر النار وهو يمسح عينيه حزنا وقهرا ليسير في خطوات مثقلة متعبة إلى أن يغيبه ظلام الليل وتتشابك الأشجار، فتأتي عصافير المسار كل مساء" تحمل بعدا رمزيا، فتعبير "سرا" يأخذنا إلى المعارضة الممنوعة والعمل السري، كما أن الوقت "المساء" بعيدا عن الانظار والعيون، ووصف السير إلى الاجتماع "يغيبه ظلام الليل والأشجار" يعطي القصة بعدا رمزيا، وهذا ما يجعل القصة اكبر وأبعد من قصة متعلقة بحلاق.
وما يؤكد على رمزية القصة أن الحلاق كان: "لا يترك نساءنا بحالهن" فالحديث لا يدور عن نساء الآخرين، بل نساء المتكلم، وهذا ـ ولأن الحديث متعلق بقرية/ريفية محافظة ـ كان يفترض أن يكون هناك رد فعل مباشر وحاسم، لكن، لأن الحلاق لم يكن حلاقا عاديا، بل حلاقا من نوع أخر، استوجب ان يكون الرد عليه بطريقة جماعية وسرية، وبعيدا عن أنظار وعيون (الحلاق).
من هنا يمكننا القول أننا أمام مجموعة قصصية متنوعة الأشكال، تناولت أكثر من موضوع، وقدمته بأكثر من شكل/طريقة أدبية، وهذا ما يلبي ذوق ورغبات العديد من القراء، فمن يريد الواقعية سيجدها، ومن يبحث عن الفانتازيا سيكون منتشا بالمجوعة، من يميل إلى الرمزية ويرغبها سيلبي حاجته.
المجموعة من منشورات الآن ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2018.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع