الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب الغزو من منظور ذرائعي

عبير خالد يحيي

2021 / 1 / 31
الادب والفن


دراسة ذرائعية مستقطعة على رواية (اللحية الأمريكية)
للكاتب العراقي عبد الكريم العبيدي
بقلم الناقدة السورية د.عبير خالد يحيي

مقدمة وإغناء:
لم يكن سقوط بغداد في العام 2003 سقوطًا لنظام وحلول نظام مكانه بقوة الغزو فقط, بل كان حتمية داخلية محكومة بمؤامرة خارجية كان ضحيتها الشعب العراقي بكل فئاته وأطيافه, والدليل على ذلك أن المؤامرة ما زالت مستمرة, وما كان الغزو الأمريكي إلّا بدعة من ضلال سنّتها أمريكا وقلّدتها بعدها العديد من الدول الكبرى بعد أن فتحت شهيتها للغزو والطغيان, رغم سقوط النظام, بقي حال الشعب العراقي يتردى من سيء إلى أسوء, ما زالت أذرع أخطبوط الشر تتراقص على أنغام ذلك السقوط, وكأنها معزوفة لا تنتهي, وما زالت الرؤوس الشيطانية تتمايل منتشية من مشاهد التفجيرات المعربدة في الساحات, وما زال الفقر والجهل والفساد يأكل الأجساد والعقول والنفوس, ومازالت الحرية وأصوات الحق ملجومة, ومازال الموت يعسكر في المدن والأصقاع, بل زاد الطين بلة تقسيم العراق إلى مثلّث طائفي, سني وشيعي وكردي, يُجدَول القتل بموجبه على الهوية...
بأكذوبة مفضوحة, تلخصت بتهمة ( امتلاك أسلحة دمار شامل) غزت أمريكا العراق, واستُؤنفت معزوفة السقوط التي بدأها بوش الأب بعاصفة الصحراء في العام 1991, وتابعها بيل كلنتون بالحصار والتجويع, ثم أكملها بوش الإبن في العام 2003بغزوه السافر للعراق, وعنونة المعزوفة ب ( معزوفة سقوط بغداد).
ولم يستطع الأدب إلا أن تهتز حروفه على إيقاعها البشع المرعب, فكانت الروايات تُكتب بحروف محترقة بنار المعاناة, وكانت القصائد مرثيات تبلّل اللحى وتلطم الوجوه...
وأرى أن هذا النوع من أدب الحروب ثيمته الرئيسية هي (الغزو ), وما يترتّب عليه من مآسي وأهوال إنسانية, ودمار عمراني وأخلاقي, كما سمعنا وقرأنا عن أهواله في الأوروبا في القرون الوسطى, والغزو العثماني ثم الأوروبي للبلدان العربية في مطلع القرن العشرين, وإلى الآن ماتزال البلدان التي تعرضت للغزو ترزح تحت تبعاته, رغم اندحاره منذ زمن, لذا سأطلق عليه مسمى ( أدب الغزو), وهو مصطلح جديد تبنته الذرائعية طبقًا لتوسّع القاعدة بالاعتداءات المتكررة التي حدثت في الشرق الأوسط, وتقاسم الغزو فيها أمريكا وتركيا وإيران وروسيا, وكانت ضحية الغزو العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا, وهذه استعادة جديدة لاستعمار جديد في عصر التكنولوجية والتقدّم العلمي الذي يرجو فيه الإنسان التخلص من الظلم والطغيان نهائيًّا, والارتقاء لحياة رغيدة يفرش فيها العلم بساطه الأخضر الذي حوّله الغزو إلى بساط أحمر , وأنطلق من مفترض ومبدأ الذرائعية( الأدب عرّاب للمجتمع والنقد عرّاب للأدب), وبصفتي ناقدة ذرائعية,ألاحق خيوط الظلم في كل نسيج خشن لأنسجه من جديد ليكون ناعمًا لا يجرح أقدام الحفاة والفقراء.
أما الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين فهو النكبة التي مازالت جاثمة على صدر الأمة العربية, وكل ما يكتب فيها هو (أدب النكبة).
"كُتبت في ( أدب الغزو) العديد من الروايات, منها رواية ( حليب المارينز) للروائي العراقي عواد علي التي كتبها في العام 2006, ورواية ( حارس التبغ) لعلي بدر التي انتهج فيها البحث الصحفي, وهو الأسلوب الذي يميز هذا النوع تحديدًا من أدب الحرب, حيث تكثر فيه الخطابات التسجيلية والإخبارية التقريرية, وتعتبر رواية "الحفيدة الأمريكية" (2008 ) للروائية العراقية إنعام كجه جي ( وصلت هذه الرواية إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية ) من أكثر الروايات العراقية التي تصوّر الواقع المؤلم للعراق بعد سقوط صدام, وكذلك الأمر مع رواية " ساعة بغداد" (2016) لشهد الراوي, و"خاتون بغداد" ( 2017) لشاكر نوري, و"مشرحة بغداد" (2012 ) لبرهان شاوي, كلها روايات تعكس أدب الحروب, وتحاول توضيح المعاناة المستمرة للمواطن العراقي, وتداعيات انهيار دولة النظام إبان دخول القوات الأمريكية" , وكلها تكشف الغطاء عن عراق ما بعد صدام, وتركّز على سقوط بغداد, وتعتبره الحدث الفاصل, وتؤرّخ به, فالعراق ما قبل سقوط بغداد غير العراق ما بعد سقوط بغداد, رغم أن العراق شهد قبل السقوط اثنتي عشر سنة عجاف من الحصار, وقبلها غزو أمريكي سابق في حرب الخليج في العام 1991, إلا أن سقوط بغداد في العام 2003 على يد الغازي الأمريكي كان كارثيًا بكل ما تعنيه الكلمة,حال من الفوضى العارمة والدمار والقتل والتشريد والتهجير الطائفي, لم يكن لها مثيل, أريق فيها الدم العراقي من عروق الناس الأبرياء والإرهابيين على حد سواء.
إلى هذه الثيمة تنتمي الرواية التي بين أيدينا والمعنونةب ( اللحية الأمريكية) للروائي العراقي عبد الكريم العبيدي وهي الرواية الفائزة بجائزة كتارا للعام 2018,
موجز السيرة الذاتية
الاسم: عبدالكريم العبيدي.. من جمهورية العراق - بغداد
المهنة: روائي وإعلامي
المنجزات الأدبية:
1- الفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2018 عن رواية "اللحية الأمريكية – معزوفة سقوط بغداد". والتي صدرت عن مؤسسة كتارا في منتصف شهر أكتوبر 2019 باللغات: الإنكليزية والفرنسية والعربية، وكذلك بنسخة صوتية.
2- رواية "ضياع في حفر الباطن". وهي أول رواية للكاتب, وأول رواية عراقية تتحول الى مسلسل درامي في العراق. وقد احتلت فصلًا موسعًا في كتاب: War and occupation in Iraqi fiction "الحرب والاحتلال في الخيال العراقي" الصادر باللغة الانكليزية عن جامعة أدنبرة في بريطانيا للبروفيسورة إكرام مصمودي.
3- رواية "الذباب والزمرد"
4- رواية "كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي" عن دار "قناديل للنشر والتوزيع " في بغداد.
5 مسرحية "تحويلة مؤقتة" وعرضت على قاعة المسرح الوطني في بغداد - تمثيل الفنانة الكبيرة سناء عبدالرحمن والفنان الكبير عزيز خيون وإخراج المخرج المبدع أحمد حسن موسى.. وتنتظر الطبع.
7- مجموعة قصصية جديدة بعنوان "ثمانية أعوام في باصورا" عن قصص هروب الجنود العراقيين في ثمانينيات القرن الماضي.
8- الأفلام الوثائقية: "فيلم دار دور - إعدام شعب - عرس الدجيل - ثورة المكوار - أمراء الدم - الضحيتان والإرهاب - نساء على الأرصفة - عشاق الجبل".
السيرة المهنية
1- مراسل إذاعة البي بي سي في بغداد لمدة ثلاث سنوات ونيف/ بث من خلالها أكثر من 350 تقريرًا إذاعيا.
2- رئيس ومحرر قسم التحقيقات والصفحة الأخيرة في صحف ومجلات: المدى، النهضة، الصباح، الساعة، العالم، مجلة الجيل، مجلة الشبكة.
3- مشرف على البرامج في قناة العراقية، ومعد للكثير من البرامج، والأفلام الوثائقية، وسكرتير تحرير الأخبار.
4- رئيس القسم الثقافي في صحيفة "طريق الشعب" البغدادية.
5- نشر في جريدة القبس الكويتية – قسم التحقيقات عشرات الربورتاجات على مدة عام ونصف.
6- إعداد خمسين تقرير بعنوان العراق بين الأمس واليوم لبرنامج ضوء3 عرضت حلقاته على قناة الحرة والحرة عراق لمدة عام ونصف, وإعداد خمسين تقرير عن محاكمة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لبرنامج ضوء 3 ومسجلة بصوته – تم عرضها من على شاشة قناة الحرة والحرة عراق.
9- إعداد عدد كبير من البرامج في الفضائيات، العراقية، دجلة، السومرية والديار
10- تم كريمه بدرع الجواهري لمرتين من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في جلستي احتفاء خاصة به بمناسبة صدور روايته كم أكره القرن العشرين - معلقة بلوشي وفوزه بجائزة كتارا وصدور رواية "الذباب والزمرد".
إيميل: [email protected]
البؤرة الفكرية الثابتة:
يبدو أن الحرب إن انطلقت شرارتها, أول فتيل يتلقاها هو قلم الكاتب, يجعل وقودها حبره, فإن نفذ فتح وريدًا دافقًا متخفّفًا من دمه, ليزكي أوار شعلة التهمت الحشا, لا يريد للذاكرة أن تموت, يريدها حية تكتب الماضي والحاضر , وكل ما أخفاه الماضي عن الحاضر, وادخره للمستقبل, ليهديَه لذّة الاكتشاف...
وإلّا كيف نفسّر اختيار الكاتب وصف ( ذاكرة ) في استهلاله في إعلان "مؤسسة ذاكرة إيريقا للدراسات والبحوث الإعلامية " متبوعة بأحرف انكليزية تمثّل اختصارًا لاسم المؤسسة؟! وإذا انتقلنا إلى هدف المؤسسة الذاكرة نجده "مشروعًا لدراسة المتغيرات السياسية والاجتماعية والمعيشية والنفسية وما آلت إليه أحوال البلدان التي تعرّضت إلى ثورات وانقلابات وتدخلات دولية مباشرة أو غير مباشرة, وأدت إلى تغيير أنظمتها السياسية في صراعات إثنية وعرقية وصنعت أزمات حادة مصاحبة لأعمال عنف وتهجير وعمليات قتل جماعي وتشريد وتفجيرات استهدفت أشخاصًا وتجمعات سكنية أو مدنية عامة بهدف الانتقام أو التصفية الطائفية بناء على أيديولوجيات ونزعات متعصبة"
هذه الفقرة التي أوردها الكاتب في الاستهلال تلخّص بدقة البؤرة الفكرية لهذا العمل, ومن خلال اطلاعي على الأعمال الأخرى للأديب وجدت أنه كاتب غارق في بركان المآسي الذي ثار في بلده جارفًا بحممه ومقذوفاته الملتهبة نحيب الثكالى, ودموع الشيوخ, وأرواح الأطفال المزهوقة بالجوع والقتل, وطُهْر الفتيات المدنّس بالاغتصاب, و رقاب الشباب المذبوحة بالطائفية, كاتب يلعب بالنار, ليحمي بها ذاكرته, يريدها ذاكرة حية لا تنسى ولا تفصيلة من تفاصيل الغزو الغاشم, لا يخرج منها أبدّا, بحيث إنه إنْ فكّر مجرد تفكير أن يمدّ مساحة حركته برفاهية النسيان, ستلسعه ألسنتها, لتعيده إلى ذاكرته, التي ستقذف تلقائيًا مشاهدات كثيرة كثيرة لسارد شهد كل مشاهد الغزو الأمريكي للعراق, كما شهد كل ويلاته. ويلات طالت الوطن والشعب بكل طوائفه, وأخرجت أسوء ما في نفوس أشرارهم, حتى التقت دماء الخائن والإرهابي والبريء والمخلص في ساحات الجريمة على حدّ سواء.
من هذه البؤرة الستاتيكية التي علّقها الكاتب في مستهل عمله أنطلق إلى المستويات الديناميكية عبر انتهاجي المنهج النقدي الذرائعي.
أولًا – المستوى البصري والجمالي: ونبدأ ب :
 المدخل البصري:
الغلاف: من تصميم جائزة كتارا التي طبعت العمل, عبارة عن صورة لجندي أمريكي مسح يدير ظهره للكاميرا ويحمل على كتفه علم أمريكا,وخريطة للعراق مرسومة بعلم العراق تغطي جزءًا كبيرًا من علم أمريكا, تحت صورة الجندي عبارة : كلنا – العراق , الكلمة الأولى ( كلنا) باللون الأخضر, وهو لون الحب, والثانية ( العراق) باللون الأحمر , وهو لون الخطر , وكأن العبارة تقول: (بالحب نبني العراق, وعراقنا خط أحمر), أعلى اللوحة اسم الكاتب عبد الكريم العبيدي تحته عنوان الرواية ( اللحية الأمريكية) بالبنط العريض , ثم ببنط أصغر ( معزوفة سقوط بغداد) تحته تجنيس العمل ( رواية) وفي اعلى الغلاف شريط أحمر ضمنه تعريف بفوز الرواية بجائزة كتارا للعام 2018, وفي أسفل الغلاف شعار كتارا.
العتبات البصرية الأخرى:
العنوان: مكوّن نصي من جزئين : -اللحية الأمريكية - معزوفة سقوط بغداد
لماذا جعله الكاتب على جزئين؟ هي حالة كنت قد وجدتها سابقًا أثناء دراستي لرواية ( قيامة البتول – الأناشيد السرية ) للروائي السوري زياد كمال حمامي, وكانت أيضًا رواية أدب حرب, ما لفتني أثناء المقارنة بين عنواني الروايتين أن الجزء الثاني أو العنوان الثاني في كلا الروايتين يشتمل على مفهوم موسيقي ( الأناشيد السرية- معزوفة سقوط بغداد), وعند اطلاعي على العديد من روايات الحرب وجدت في معظمها مفهوم الإيقاع الموسيقي, حاولت أن أتتبع هذا الأمر , فوجدت بالتحليل أن مفهوم الحرب مقترن بمفهوم الإيقاع, الإيقاع بكل أنواعه, ولهذا الاقتران أصول قديمة, مستقاة من طقوس الحضارات القديمة, ولعل قرع (طبول الحرب )أول ذريعة يمكن أن أنسب إليها هذا الإقتران, ليبدو أن العنوان الثاني تبيان لنوع العمل الروائي ( أدب حرب), سيما وأن العنوان الأول ( اللحية الأمريكية ) عنوان ملتبس, دلالة لا تعطي مدلولاتها إلّا في متن النص, لذلك كان العنوان بجزئيه ذريعتي لأجنس العمل(رواية) وأحدّد نوع الأدب ( أدب حرب), وأخصّصه ب ( أدب الغزو), وهو أدب معاصر.
العنوان الأول : اللحية الأمريكية
اللحية : قاموسيًّا شعر الخدَّين والذَّقن.
وهي سمة من سمات الجمال والزينة, وأحد دلائل البلوغ عند الرجال, ولها دلالات دينية ومعتقدية تدلّل عليها اختلاف أشكالها في الكثير من المجتمعات, وإطلاقها واجب أجمع عليه الأئمة الأربعة في الإسلام دون الشارب, وهو من علامات الوسامة عند الكثير من شباب هذا العصر .
وللوقوف على مدلولات اللحية الأمريكية كما أرادها الكاتب, أول ذكر لهذه الجملة الاسمية ( اللحية الأمريكية) جاء في الصفحة 26, لكنه أورد لفظ ( الإيقاع ) قبلًا , وربطهما معًا بمفهوم التقويم, يقول في الصفحة 26 :
"سأباشر بتقطيعٍ إيقاعي حر لترتيلة " السرطنة", تقطيع منتظم مباشر وصريح, يصاحبه ضربٌ مواظب للأزمنة, ويتبنى الشهادة العيانية كدليل شفوي اختياري مصفّى من التدليس والخداع, ويكشف عن أول جناية أمريكية عاينتها بحاسبة من حواسي في منطقة " تويثة" محل السرطنة بعينه.....
.... لو تتبّع الشلو صياغة السقوط السادس عشر واعتمد اللحية الأمريكية في الحساب لوجب أن يعزف " السرطنة " هكذا ...
فهنا اللحية الأمريكية آلة حاسبة, لكن الكاتب عاد ثانية وقدّم لها تعريفًا أدق على لسان راوٍ مشارك فقال:
"اهتدت حواسهم المذعورة إلى ابتكار هذه "الرُزنامة " وتركوها تستخدم نفسها بنفسها في الحساب والتدوين, ثمّ اتخذوها تقويمًا رسميًّا لتوثيق درجات فزعهم, واختاروا لأيامها وحدات مقدّرة, جعلت أول شعرة في اللحية الأمريكية مرجعًا لأول عام فيها..... "
فاللحية الأمريكية هي رُزنامة أو تقويم تُحسب وتُدوّن وتُوثّق به إيقاعات معزوفة سقوط بغداد حسب درجة فزع وقيمة الرعب المبذول في الصدور خلال وقت دورة الانفجارات التي تنجزها الطائرات والصواريخ الأمريكية. ويُعتبر العام 2003 عام سقوط بغداد السادس عشر مرجع هذا التقويم, وهو أول شعرة في اللحية الأمريكية, أي أول ورقة في هذه الرزنامة. بهذا التحليل الذرائعي أوجدنا الرابط بين الجزئين, وقدتداخلت المدلولات وتقاطعت ضمن إطار المفهوم, وهو التقويم.
إذا ولجنا إلى العتبة الداخلية نجد ما يشبه الإهداء, إلى حبيبة اسمها هناء شبيب:
الحبيبة هناء شبيب ..
أمريكا كتبتْ نوتة هذه المعزوفة الفاجرة
ووحدكِ يا سويداء القلب
مَنْ هطلتْ بهيجان غضوب
ملوحة بقيثارة شبعاد
وهي تقطر نغمتنا الطوفانية المشنوقة
على شرفات النواح.
إهداء يحمل دلالات ومدلولات كثيرة, المعزوفة ستكون موجودة في كل أرجاء هذاالعمل, في العتبات وفي المتن, ومعزوفة الإهداء تبدأُها أمريكا معزوفةً حداثية فاجرة وقاتلة, لكن الغضبَ طاهرٌ مطهّرٌ من رجس الطغيان, يعزف ألحان الأصالة والحضارة المنسابة ألحانًا كالطوفان, معزوفة من قيثارة شبعاد, تطرد المعزوفة الفاجرة, و كل نساء العراق هنَّ شبعاد, وإن غلبهنّ النواح.
المتن :العمل كما وردني بالملف يقع على مساحة 111 صفحة + 2 صفحة حواش, فهي رواية قصيرة نسبيًّا,مقسّمة على فقرات نصيّة متباينة في عدد الصفحات على النحو التالي :
إعلان : وهو إعلان صحفي جاء على صفحتين
الخراب الأول : مقسّم بأرقام 1-2-3 حوالي 3 صفحات
الخراب الثاني: أيضًا مقسم على أرقام : 1-2-3 حوالي 7 صفحات
الخراب الثالث: مقسّم على 1-2- 3 حوالي 10 صفحات
الفراشة البيضاء حوالي 37 صفحة
الفراشة الخضراء ( مدونة عبد الله اللاشيء ) حوالي 16 صفحة, موزعة على تدوينات :
التدوينة الأولى ك حوالي 4 صفحات – التدوينة الثانية : 5 صفحات- التدوينة الثالثة : 6 صفحات
الفراشة الشبيهة بذيل الطاووس : حوالي 25 صفحة , جاءت على شكل مرافعات أو خطابات :
الخطاب الأول : صفحة واحدة
الخطاب الثاني : 3 صفحات
الخطاب الثالث: 2 صفحة
الخطاب الرابع: 13 صفحة
الخطاب الخامس : 5 صفحات
الفراشة البومة : حوالي 5 صفحات
المقطوعة الناقصة : حوالي 4 صفحات
التنسيق المطبعي لهذا العمل جيد, شكل الفقرات, الهوامش, والحواشي, واستخدام أدوات التنقيط جيد أيضًا, الأخطاء النحوية قليلة وهناك بعض الأخطاء الإملائية.
تجنيس العمل: عمل سردي روائي نوعه العام ( أدب حرب) والخاص ( أدب الغزو), كُتب بأسلوب مختلط, أدبي واقعي بمسحة رمزية, وتقريري إخباري, يتبع مدرسة الفن للمجتمع.

 المدخل اللساني:
سأدرس الوحدات اللسانية أو البنيات التالية :
1- البنية الثقافية:
ثقافة الأديبة العامة, ومدى نجاحه في توظيفها في عمله, عبر استخدامه لألفاظ وجمل وتراكيب تنبئ بها, فمثلًا عرض ثقافته في الميثولوجية بإيراده أسماء بعض الآلهة الأسطورية, وثقافته في علم التنجيم والأبراج الفلكية وقد أرفق حواش إغنائية معلوماتية موسعة عنها في صفحة الحواشي :
• لم أرد لأحد من شرائح العوام أن يخسر من إبائه أو أفسد عليه متعة الإجماع على حتمية المنقذ العالمي ونزول الإله " July".
• تذكرنا " أفروديت", ولمسنا ضيافة " الحمل" للشمس, لكن "آبرو" لم ينتهي في برج الثور
• " إبريل " يعشق الحروب على أنغام " الجيتار الدولي" من ينسى ولادة هتلر والحرب الكونية الثانية والمجزرة الأرمنية ووو...؟
• لن ينفع حجر الماس مع " نيسانْك"
• فقد جذبتني أساطير مدينة "شبعاد"
• "إنليل" يدعو العاصفة والشعب ينوح, ويعهد بها إلى " كنكالود"راعي العواصف والشعب ينوح
• يعترض مسيرها " هابور" نهر العالم الاسفل, و" هامو طابال" ملاح النهر ذو الأربع رؤوس الشبيهة برأس الطير
استعرض ثقافة فنية موسيقية غربية عصرية, وعليه أسجل نقطة اعتراض أنه لم يضعها ضمن قوسين تمييزًا لها وإشارة إلى غرابتها :
• نقرت على أوتار البانجو ليوقظ صوتها الرنان موسيقى البلوز.
• لدع ضيوفنا المارينز يحتسون الشمبانيا ويتأرجحون طربًا على إيقاعات موسيقى الجاز في رقصة السوينغ
• الغول الأمريكي ما زال يعزف سوناتا الحرب على سلم: F major , بينما ثمة عازف ما من مجموعة الكمان بدا يعزف القطعة نفسها ولكن على سلم : E bemolle major
وأيضًا ثقافة معرفية بآلات موسيقية عربية محلية, وقديمة :
• على إيقاع نغمات " الكيش والكي والكوش والأرودو والزبار" آلات وترية , وىلات نفخ ونقر , يصدح من بينها نواح الناي والمزمار , ذلك هو الهرب الباحث عن الخلود, المتدفق من ترنيمة " الدِلِلّول" .
• ساحت تنويعات من التدرج الهارموني والانسيابات النغمية , ثم تعالت أنغام وألحان جنائزية حزينة تنبعث من آلات " بالاك والأنابيب القصبية والقيثارات الرنانة" .

أظهر ثقافة معلوماتية في المجال النووي :
• توجهوا نحو الموقع "ج" وسرقوا مئات الحاويات والبراميل والصناديق الحاوية على " اليورانيوم والأميريكيوم- بيريليوم والكوبالت واليورانيوم منخفض التخصيب والسترونتيوم العالي الإشعاع والسيزيوم وحوالي 1000قطعة من المواد المشعة ,, النوع المسمى الكعكة الصفراء والعديد من المواد الكيميائية والغازات السامة والبكتيريا والجراثيم والنظائر المشعة"
• نهبوا حاوية كبيرة خاصة بتجارب أولية على نوع من الحشرات تسمى الدودة الحلزونية لم يتم تعريضها بعد إلى الأشعة المؤينة" أشعة جاما" لتحويلها إلى حشرات عقيمة لذلك ستتسبب بكارثة كبرى للثروة الحيوانية.
• .... جهازهم المشؤوم "Centrax" لقياس قيمة النشاط الإشعاعي عن القيمة المسموح بها وهي 0,02

ثقافة معرفية بأنواع الأسلحة:
• مدفع هاون, بنادق كلاشنكوف وقاذفات وذخائر وأحاديات وصواريخ الهاون وقنابل يدوية وأسلاك وبطاريات تفجير وقذائف " آر بي جي" .
استخدم مصطلحات محلية مثل :
"اليلك" وهو أشبه بالصدرية, " مسحاة" وهي أداة زراعية, "انعالي " تعني حذائي, " الجرادق" تعني السرادق, أسماك " الكطان والبني والصْبور " وهي أنواع سمك نهرية معروفة بالعراق, شراب" البوزة" العرق, "مركوب " يعني حذاء, "البسطال " وهو الحذاء العسكري. " الصكاك والعلّاس والسيّاف"
استخدم الكثير من المفردات والجمل الأجنبية ومن لغات عدة, منها الإنكليزية وحشرها بين الألفاظ العربية, وهي ظاهرة مرئية ومسموعة بواقعنا سواء عند من لا يجيدون التحدث باللغة الإنكليزية, أو عند من اتخذوا ذلك أسلوبًا عصريًا في حواراتهم:
• No problem , Smoothie,
• .... تسقط أركانه هكذا كقطع الدومينو في حرب ال " playstation "
• I tell you بكل جرأة . أترى هؤلاء Men ؟ لن تنالوا مرادكم من Their wives إلا بعد All killed.
• We are sorry
• في الصفحة 45 استعمل جملة قول على شكل فقرة كاملة باللغة الانكليزية .

كما استخدم أمثالًا باللغة الألمانية :
• Das Ietzte Hemd hat keine Taschen"" أنا ميت وليس للكفن جيوب
• Der We gist das Ziel" " العبرة لمن يصبر
أورد أيضًا مثلًا يهوديًّا لكن بترجمته عربية:
• " لا تكن حكيمًا في الكلمات.. كن حكيمًا في الأفعال"
• ربما تبدو كل بداية صعبة, ولكن إذا كانت البداية جيدة , لا بد ان تكون النهاية جيدة ايضَا"
أورد جملة لتشيخوف باللغة الروسية " Ich sterbe" أنا أموت
أورد حوارات باللهجة العراقية الريفية " مسكربة" :
" إجليبتكم كاعدَه ابيتْ الزاير, إخْرِبْ بيتي المليونيرة إكليبهَه يلعب, اتكول مِن أسمع حِسَّه يَلّه أوَرّق الدولارات, هسّه إتسولِّف إوياهَه.... ص 94
هناك ألفاظ غير لائقة, لكنه استخدمها على لسان جاسوس ليطلعنا على المستوى الأخلاقي المنحط وحس الكراهية التي تعتمل الشخصية :
• " تفو... على هذا الوطن"
• " طز في هذا الوطن"
بعض الأغاني الشعبية :
" أي طرطرا تطرطري..."
فالكاتب لديه مخزون لغوي من الألفاظ القاموسية كبير جدًّا.
2- البنية الدلالية الذرائعية :
اللافت أن الكاتب وظّف الكثير من الدلالات الشكلية البصرية, إما بتكرار الأحرف, أو بحذفها,أو بتقطيع الكلمة, أو وضع نقاط, كل هذه الدلالات البصرية تشير إلى مدلولات صوتية يريد الكاتب أن يضعنا في جو هذه المؤثرات الصوتية, وهي إمّا نبرة خوف:
• ممم.... مَن أنتِ؟
أو سخرية:
• " محافظااااا....!
كاد يرددها, كسائر البغداديين حين يرون شخصًا قادمًا من إحدى المحافظات, لكنه لم يكمل نطق حروفها, فقد هز صوت انفجار رهيب أرجاء المكان.
أو تورية:
وصل إليه رسول الخليفة يطلب منه مغنيات وراقصات, فقال بدر الدين: انظروا إلى المطلوبين وابكوا على ...
أو حتى طريقة في الكلام, لعثمة أو تقطّع في الكلام, منها أقوال المتشرد السكير المتسكع في شارع الرشيد:
• تكهناتي تز...خر بأحكام ال...نجوم وطوالع السعد والن...حس. ستكون وبالا على ب...وش وتخلق خللًا في نظ...ام الكون... صفحة 39
أو سكوت متعمد لإضفاء إثارة وتشويق:
• أنا؟ .... أنا ظلّ صاحبك القتيل ... أنا روحه!
هناك دلالات لونية, استخدمها الكاتب كقرائن أمام أعمدة رمزية أراد التدليل عليها, مثل :
اللحية الأمريكية الزرقاء: اللون الأزرق أحد الألوان الأساسية في الطبيعة والكون الذي يندرج ضمن الأضواء الثلاثة المشكلة للضوء المرئي والتي يطلق عليها علميًا مصطلح " الألوان الأولية " وهي الأزرق والأحمر والأخضر , ومن المعاني المشهورة للون الأزرق في علم النفس : هو كون اللون الفاتح منه محفّز على البوح والتكلّم, لذلك استخدمته وسائل التواصل الاجتماعي في خلفياتها وشعاراتها, لذلك يُعتبر هذا اللون شعار رمزي لتعبير الإنسان عن نفسه, وهو لون مريح ومهدئ للنفس وللأعصاب, وله أيضًا اعتبار في الوعي الجمعي لبعض الشعوب, فهو لون الحسد, لذلك صنعوا تمائم زرقاء اللون على مبدأ " رد قوة اللون باللون نفسه", وعند بعض الشعوب ارتبط اللون الأزرق بالخوارق والقوة التجاوزية, حيث أضافوا صفة اللون الأزرق على العديد من المسميات الماورائية مثل ( الجن الأزرق – زرقاء اليمامة – الحوت الأزرق...), إلى كل هذه المدلولات يشير الكاتب عندما أضاف إلى اللحية الأمريكية صفة الزرقاء, فالتقويم الأمريكي يبوح بالكثير, دؤوب في البحث عن الحقيقة وعن مسببي الشر, يتواصل بهدوء يملك قدرات خارقة, والحقيقة الدامغة أن أمريكا تحاول أن تقنع كل العالم بهذه المعاني.
وقوف الفراشات على أعضاء معينة من جسد أوس دلالة ذرائعية أيضًا, أراد الكاتب الإيحاء إلى عقلية كل فراشة ومَن تمثّله, لفتني مكان وقوف الفراشة البومة, والتي تمثّل روح المتطرف الإسلامي الإرهابي, اتخذت العانة مكانًا لوقوفها, يقول الكاتب:
الفراشة البومة التي كانت أصغر حجمًا من جميع الفراشات, لكنها كانت شديدة الحيلة, بارعة في التخفي, تفتح أجنحتها بطريقة ماكرة تقلّد فيها الكواسر, ....طوت أجنحتها بخبث, وطابت لها حموضة المكان, فلاذت بالصمت, واكتفت بامتصاص حبات العرق العفنة بين الشعر ومراقبة الحركة الجماعية الجديدة للفراشات الثلاث.
كل المدلولات التي ذكرها الكاتب عن الفراشة البومة تصف أبعادها الجسدية والنفسية والسلوكية والأخلاقية, وقوفها على العانة وامتصاصها لحموضة المكان تدلّل على تركيز مدركاتها العقلية والشعورية في مكان لذّتها الجنسية, موهومة وموعودة بالحور العين, لذلك هي مختلة عقليًّا, متقزمة أخلاقيًّا, ماكرة وخبيثة, تجيد التخفي بصمت بين الجماعات الحيوية, مقتنصة الفرصة المناسبة لتنفيذ جريمتها.
أخذ الكاتب عمله باتجاه ملحمي, عندما استحضر الكاتب أحداث التاريخ في فترة الغزو المغولي لبغداد,كدلالات لمحاكاة واقع الغزو الأمريكي الحاضر, ومقارنة مواقف الزعماء في كل فترة:
-أقبلت عواصف إبريل, فسئم العطب المُذِل بقاءه معلّقًا في ما بين بين, تخلّى عن تشرّد الذات, وخلع أشكال خساراته, ثم لاذ بحلم التوقيت الأمريكي لشن الغزوات الكبرى.
في التوقيت المغولي أرسل هولاكو إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل, يطلب منه منجنيقات لتجهيز جيشه القادم لاحتلال بغداد, ولكن في ذات الوقت وصل إليه رسول الخليفة يطلب منه مغنيات وراقصات.
-دقت طبول الهلاك, لكن موعد الشروع ظل مضبّبًا,..... وفُتح عهد الحرائق والنهب, فوضى خلاقة متفق عليها, لم تنفع التظاهرات والاحتجاجات والتنديد. حتى دستور الأمم المتحدة بدا عاجزًا عن سد شهية بوش وهوس " ائتلاف الراغبين"
طبول الهلاك المغولي لم تراوح في نقطة شروعها, صدحت بجيش جرار كالنمل والجراد متوعدًا بحرق الخليفة وأرضه وشخصه.
-غدا العراق ضلعًا في مثلث الشر فلوّح الحوذي المريكي بسوطه من دون الحاجة إلى تفويض, ومنح رأس النظام وحاشيته مهلة ثمان وأربعين ساعة للرحيل قبيل إشعال الحرب.
المهلة المغولية تلخصت بهدم حصون بغداد, وطمر الخنادق حولها, وحضور الخليفة شخصيًا لمقابلته, حتى ينظر في إمكانية العفو عنه, وإذا لم يوافق الخليفة فليعبئ جيشه للقتال.
3- البنية اللغوية :
التراكيب عنده منظومة بإيقاعها النحوي السحري ( فعل – فاعل), ( مبتدأ – خبر),...., بجمل مترابطة متوسطة الطول.
4- البنية البلاغية الجمالية:
في الرواية الكثير من الصور الجمالية البلاغية, معظمها استعارات وتشابيه وكنايات, نقف على بعضها :

• "طواحين الرب تطحن ببطء" كناية عن التدرج في فعل الشيء
• "سقوط قطرات الماء المستمر تجوف الصخر" كناية عن المثابرة والإصرار
• "أراني مجبرًا على ترتيب أحزاني الماضية" استعارة , جعل الأحزان أشياء محسوسة تخضع لفعل الترتيب
• " تسرّحتُ من حصانة الكتمان" استعارة, جعل الكتمان حصنًا تحرّر منه.
• " نغمة شاردة تتصاعد كدخان التنور" تشبيه
• " المرأة المتبرجة كالقمر تتلألأ بضوء مستعار" تشبيه
• غلبتني تلك الليلة الأمريكية الشائكة, رسم دخان دقائقها وجهًا منحوسًا جعلني أتفقد وطنًا عليلًا على فراش الخراب. استعارة .. الوطن إنسان مريض, والخراب فراش .
• أدرك الليل أنه لن ينجو من تلك الصحوة, فقرّر الهرب, هرب هو وأشباحه ورعبه. استعارة
• كراهيتي له ليست موجة أو حال عابرة, هي أرصفة عطوفة يتشمّس فيها الحقد, هي وجودي المبغِض لشعبه. استعارة.
هناك صور جمالية رسمها قلم الكاتب بريشة رسام, مقتربًا من علم الجمال :
• ثمة حياة إذن ما زالت تحتفظ بأوهن ألفة يتيمة مع الشوارع, ها هي تلوّح لها, وتطالب بإدراج نبضها الحي على لائحة اللعبة.
• دعته الرائحة العطرية الفواحة إلى وجبة أنفاس لاهثة, لوّحت له ألوانها.
• غدت اللحظات طرية عطرة, فبات لزامًا عليه ضيافتها, والبحث عن إمكانية قياسية للتوحّد معها للخروج من ضنك الوقت.
• تكرمش وجه ثالوثنا أخيرًا, انضمت ملامحه بعضها إلى بعض, ظل يفور ويغلي من الداخل, يعصف به انتظار ملغوم.
• جدّي منعزل وصامت, يعيش حكايات عالمه السفلي ويحترق.
• في ليلة عاصفة تلاطمت أمواج دجلة في عينيه, واهتز سعف النخيل في ذاكرته, لأول مرة يخرج عن صمته الوديع ويبدو بلا ابتسامته.
• ثقبت الرصاصة مهد الحب, لم يبق مني غير " خثرة مهزوم" تجري في استسلام لذيذ, ابتدأ في موضع الإبادة وتلاشى في اللاحياة ..., في اللاموت..., في اللاواقع..., ثم غرق في حلم.
• سيتدفّق مني المكبوت, لن يفلت مني أمرٌ من صنارتي الليلة, لن أبحث عن نقطة توقف, وسألتذّ بهذا التضعضع.
• لابد من تغوير منبع تعاستي.. أخيرًا توقف الوقت في شرايين كراهيتي.
• عدت إلى العراق معتمرًا بالشر ....
استخدم علم البديع ليوشي عباراته بجمالياته:
طباق:
من الشرق إلى الغرب
من الملوك إلى الشحّاذين
من الشيوخ إلى الشباب
تحوّل الجمهور إلى مرضى# وحولني بموجبه إلى طبيب
كنت مثالًّا حالمًا # وواقعيًا جدًّا
إلى يمين العربة الملكية وشمالها
هربٌ شهي من الفانية # إلى الباقية
الرجال# والنساء
تقترب # وتبتعد
المفتوح# المغلق
له مداخل # ومخارج
الشراسة # الرهافة
السمع # والأبصار
ترادف:
لم يكن يفرّق بين القود والسوق
بين من يقود الدابة, وبين من يسوقها
المغنون والمنشدون
الناي والمزمار
الزهو والأبهة
شطب جرح شجّة
الدموع و النُشُج
استهزاء وتحقير
جوفاء فارغة
قلقة ومرعوبة
5- المعرفة الأكاديمية بالأجناس الأدبية:
في البداية أدهشني خلط الكاتب بين الأسلوب التقريري والأسلوب الأدبي, أدهشتني براعته في كلا الأسلوبين, وبالعودة إلى سيرته المهنية وجدت ذريعة تبرر براعته في الكتابة التقريرية, فهو الإعلامي والصحفي ورئيس قسم التحقيقات في عدد من الجرائد, ومشرف على البرامج في قناة العراقية، ومعد للكثير من البرامج، والأفلام الوثائقية، وسكرتير تحرير الأخبار,نشر مئات المقالات والأعمدة والتحقيقات الصحفية و(القصص الخبرية) في صحف ومجلات عراقية وعربية ومواقع الكترونية. فله خبرة مهنية واسعة في الكتابة بهذا الأسلوب, وهو مدرك أين يوظّف هذا الأسلوب في أعماله الأدبية, فهو يدعم البناء الفني, من غير إسراف, ومن غير أن يخل بالبناء الجمالي.
أما عن أسلوبه الأدبي, أيضًا له باع وتجربة مائزة فيه, ساعده مخزونه الكبير من علمي البلاغة والجمال على تكوين لغة رديفة شديدة الثراء, تزوّده بالوحدات اللفظية واللغوية للتضمين والتضمير والانزياح الرمزي والخيالي والجمالي, وهو يدرك أن المتلقي سيحتاج إلى إثراء معرفي, فلا يبخل عليه, بل يزوّده به في الحواشي.
ثانيًا- المستوى المتحرك
سأدرس في هذا المستوى : التشابك السردي وعناصره ابتداء من العنوان وكنت تعرّضت له في المدخل البصري, لأنتقل للاستهلال: الذي جاء بصيغة إعلان في صحيفة لمؤسسة تدعى ذاكرة إيريقا للدراسات والبحوث الإعلامية, عن مشروع بحثي حول دراسة المتغيرات السياسية والاجتماعية والمعيشية والنفسية, لفتح مكاتب لها في عواصم ومدن الدول التي تعرضت لحروب وغزو وثورات أدت إلى إسقاط وتغيير أنظمة الحكم فيها, و فتح باب التعاقد لوظيفة محقق صحفي في العاصمة بغداد, من شروط معينة, لينتهي الإعلان بعنوان وتاريخ يعيّن زمكانية الرواية, بغداد – كرادة داخل- قرب ساحة كهرمانة 2007/7/21, أما زمن الأحداث فكان منذ ليلة سقوط بغداد في نيسان من العام 2003 حتى العام 2007والأماكن متعددة : بغداد _ الثوينة _ أربيل_ ألمانيا.
أماالموضوع: فقد ركز على كشف الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية إبان الغزو الغاشم على العراق بالحجة الواهية التي قدّمها بوش الإبن للمجتمع الدولي وهي امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل, وكيف عمل الاحتلال على تدمير العراق وتخريبه, وتوريطه في حروب طائفية, سالت فيها دماء العراقيين من كل طوئفهم على أرض عراقية, رواية تحكي كيف تم تفخيخ العراق, وتفجيره, وكيف تم القضاء على المركز النووي فيها, وكيف تم نهبه وسرقة محتوياته من المواد المشعة الخطرة من قِبل العراقيين أنفسهم بمباركة من الأمريكان الذين وجدوا في ذلك مشروع إبادة جماعية آنية نتيجة للأمراض السرطانية الخطيرة التي ستحصل نتيجة لتعرضهم لكميات مهولة من المواد المشعة, وتشويه وأذيات جينية عراقية تمتد لعقود إن لم نقل دهور, الرواية فيها شهادات عينية عن السياسة التي نجحت فيها أمريكا بالسيطرة الفعلية على العراق لتضمن مصالحها في الشرق الأوسط, سياسة الفوضى الخلاقة كما سمّتها, وكانت بالحقيقة سياسة الفوضى الهدّامة, السياسة التي حوّلت العراق إلى مغارة علي بابا والأربعين حرامي, أوكار لعصابات من الشباب العراقي الذي اكتوى بنار ديكتاتورها, تنهب مؤسسات وتخرّب المنشآت الحكومية على مرأى من الأمريكان الذي كانت لهم غزواتهم الماجنة على البيوت المغلقة, يغتصبون الناس ويضرمون النار في البيوت, وسجن أبو غريب مكان يشهد ويقسم على فواحشهم, قوات المارينز تقصف المناطق الأثرية, مدينة أور الأثرية عاصمة السومريين, واجهة الزقورة, موقع كيش الأثري, متحف الناصرية, كلها تحول لثكنات عسكرية, رواية توثق لنشأة الميليشيات التي قتلت وهجّرت وقسّمت العراق والعراقيين على أساس طائفي, على مرأى وبمباركة من المنقذ الأمريكي, وعلى هذا المنوال تسير الآن العديد من الدول الكبرى الغازية, مثل إيران التي أطلقت يدها في لبنان واليمن وسورية والعراق, لنيل حصتها من الكعكة في كل بلد من تلك البلدان التي أصابتها لعنة الغزو, فأضحت سورية نُهبةمُقتَسمة بالاتفاق الروسي والتركي والإيراني والأمريكي, وشهدنا غزوًا أمريكيًا ثم تركيًّا على ليبيا, والله أعلم بما ستأتي به قادمات الأيام.
هذه الرواية تروي كيف يغتال الحب والعلم, وكيف تمزّق أواصر الأمان والانتماء بين الوطن وأبنائه, وكيف ينبت فيه الجواسيس, كيف يصبحون مشاريع منجزة في أجندة دول عدوّة, كيف يعيش الإرهاب ويتقوّت على القتل والحرق والتفجير, صور قاتمة موحشة تبعث اليأس في القلوب, لكن العدالة أن الجزاء من نوع العمل, من قتل يُقتل, لذلك مات في نفس التفجير القاتل الإرهابي والجاسوس الخائن والمحب والعالم.
الحبكة: وحده ( أوس الشاهر) الشخصية البطلة في الرواية, وحده من نجا من الانفجار الذي حدث أمام مقر مؤسسة ذاكرة ( إيريقا) بتاريخ تقديم الطلبات, ويعود إلى بيته, معزله الذي يعتكف فيه بمفرده بعد مقتل شريكه في السكن, قميصه الملطخ بدماء من قضوا بالتفجير يخلعه ويرميه على مشجب, من هنا تتحرك الأحداث بقالب غرائبي, تتعضّى أربع بقع من الدم, تتشرنق منها يعاسيب, تُفتح الشرانق لتخرج منها أربع فراشات, البيضاء والخضراء, والشبيهة بذيل الطاووس, والفراشة البومة, قامت الفراشات الأربعة بتكرار عملية غرائبية تمثّلت بأداء تقسيمة موسيقية بقيادة كل واحدة منهنّ على التوالي, أخبرنه أنهنّ ظلال وأرواح لأربعة ماتوا في التفجير, وأنهنّ موكلات بتقديم تفاصيل الشهادات والإفادات والحوادث :
"دعنا نهذي لنتواصل. لنبقى مجرد أحياء في ذاكرتك, لا نريد أن نموت, سنقترب من عزلتك بتحفظ."
وأوس الشاهر موكل بتدوين كل القصص والتقارير التي سيقصصنها عليه بعزف منفرد لكل واحدة منهن, كل فراشة منهن تمثّل رمزًا من رموز صراع درامي عام, انتهى بهم في عقدة ونهاية واحدة, الفراشة البيضاء كانت روح العلم, والفراشة الخضراء كانت روح الحب, والفراشة الشبيهة بذيل الطاووس كانت روح الكراهية والغدر, والفراشة البومة كانت روح الإرهاب.
أربع معزوفات, أربع قصص قصيرة, أربع حبك مسرودة على لسان روح بطلها الرمز, كلّها تصبّ في المجرى العام للحبكة, وهي الغزو الأمريكي, لأن صراعاتها كانت بسبب هذا الغزو, التقت في العقدة التي أفضت مباشرة إلى النهاية, القصة الأولى أو المعزوفة الأولى عادت بالذاكرة إلى الماضي( الغزو المغولي لبغداد) لتحاكي به الحاضر ( الغزو الأمريكي للعراق), عبر ثلاث خرابات سرد لنا وقائع الغزو الكارثي, ( الأمريكي والمغولي) واختص كارثة -التويثة- بالنواح, باب المركز النووي مفتوح على مصراعيه والناس تنهب محتوياته, على مرأى ومسمع من الأمريكان, رغم أن المركز بعهدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة, استطاع البطل بمغامرة خطرة أن يصل إلى وكالات الإعلام العالمية وتبليغهم بالأمر , ثم القيام بروبورتاجات عديدة وقياس نسبة الإشعاع العالية في بيوت المنطقة, لكن الكذبة الإعلامية الأمريكية جاهزة لتبرير حدوث تلك الكارثة تلخصت بظهور ثعلب أحمر دنيء ( مسؤول أمريكي) يقول:
"...... مجرد غوغاء تسببوا عن جهل في تلويث مساحات واسعة من عاصمتهم بمواد مشعة خلّفها النظام . الأمر خرج عن سيطرتنا , إنها أخطاء جمهور ناقم على نظامه السابق".
بطل القصة الأولى, انتهى مصابًا بسرطان الرئة لتعرضه لنسبة إشعاع عالية, ويدندن معزوفة " سرطنة وطن".
القصة الثانية, أو المعزوفة الثانية, كانت للفراشة الخضراء, من مدونة عبد الله اللاشيء,يدوّن معزوفة " الضياع"
ويحكي قصة موت حبيبته (ليلى) على يد جندي أمريكي مهووس فتح النار من دبابته على جميع المركبات السائرة على الطريق, وكانت ليلى إحدى شهيدات تلك المجزرة, في التدوينة الثانية, استأنف معزوفة الضياع, وسرد كيف هاجم الأمريكان بيته بعد انفجار شحنة تفجيرية, وكيف أوثقوه هو وجدّه, وكيف ركلوا جدّه, وكان جدّه قبلها يعيد على مسمع عبد الله سرد قصة قديمة عن جدّه الذي أجبر الجنرال الإنكليري على الركوع أمام نعاله, جد عبد الله مات من فرط القوة التي استخدمها الجندي الأمريكي في ركله.
التدوينة الثالثة سرد فيها عبد الله قصة تحوّله من عبد الله الناصح إلى عبد الله اللاشيء, وذهاب عقله....
اللاشيء تحدث عن زهرة الثالوث – رمز الحب والعمر القصير- ممثلة فيه وبليلى وجدّه وضياع بتلاتها الثلاث (الشباب والحب والجذور), وحاكاه بتثليث العراق( شيعة وسنة وكرد), وانهمر في عزف معزوفة التثليث, التهجير والقتل والطائفية, وانتهي مجنونًا يبكي ليلاه وجدّه , مصرًّا أن ليلى موجودة في الموسيقى وجدّه كذلك.
القصة الثالثة, أو المعزوفة الثالثة هي معزوفة ( البيع): يعزفها لقيط طرحته عاهرة, وتلقّته عاقر كردية غنية, لم تستطع أن تنزع عنه ندبته التي وشمته بها أمه الحقيقية, ولم تستطع أن تنزع منه بذور الكراهية والغلو بالنفس, كما لم تستطع أن تزرع فيه بذور االانتماء, فانتهى جاسوسًا محترفًا وصنيعة استخباراتية أجنبية تم تجنيده في ألمانيا, وحالما أصبح جاهزًا أُرسل إلى العراق لتأسيس مؤسسة بحثية تطلق مشروعها البحثي " أوطان جريحة", اسم المؤسسة ذاكرة إيريقا للدراسات والبحوث الإعلامية ! فرحته برؤية عشرات الصحفيين والإعلاميين والأدباء قبالة المكتب لتجنيدهم في معزوفة ( بيع الوطن) لم تكتمل, لأن الانفجار أنهى حياته.
القصة الرابعة, أو المعزوفة الرابعة نعبت بها الفراشة البومة, الإرهاب والتطرف الديني, روح شخص يعاني من اضطراب في مدركاته العقلية, ما جعله صيدًا سهلًا عند الجماعة المتطرفة, تم تجنيده وتدريبه وجاءته البشرى ليكون شهيدًا, تناديه الحور العين, يتوجه متمنطقًا بحزامه الناسف ليصل إلى باب" إيريقا" إلى الحشود الثقافية والإعلامية التي تنادي بالديمقراطية عدوة الدين, والتي تقرر تصفيتها بحزام ناسف وحقيبة مفخخة.
العقدة: التقاء أبطال القصص الأربعة في حادث التفجير الذي أنهى تأزّماتهم بالموت! لكن الموت ليس نهاية في التشابك السردي, ولا ينبغي أن يكون نهاية, والكاتب عبد الكريم العبيدي يدرك جيّدًّا هذه الحيثية الفنية السردية, لذلك النهاية وضعها البطل الرئيسي( أوس الشاهر) الذي ابتدأت به الرواية, الصحفي الذي يعاني من العزلة, والذي أدرك أن المعزوفة الأساسية – الحبكة الأساسية- هي معزوفة ( السقوط) وكل المعزوفات الفرعية التي عزفتها الفراشات أيضًا تنتمي إلى معزوفة السقوط.
الانفراج: محاكمة عقلية قام بها أوس الساهر, أعرضها كما جاءت بالرواية :
الحل الذي قدّمه أوس هو أن يجعل عار الاحتلال أشد قبحًا, والوقود اللازم لدفع عجلة خطوته القادمة لا بد أن يُصرف على الفضح والمواجهة, فأمريكا الفظّة تجبره على التفكك والتقسيم والتخلي عن هويته, و"ذاكرة إيريقا" لا تبتغي تدوين الذاكرة الجمعية بل الإمعان في الإبادة والتقتيل....."
" سأكتب رواية عن اللحية الأمريكية _ معزوفة سقوط بغداد, وسأنشرها حتمًا"
النهاية:
حتى النهاية لم تخلُ من معزوفة تصب في معزوفة السقوط, معزوفة ملثمة, ترفع رتم معزوفة السقوط, مع زعقة المسلحين الملثمين على الحواجز الأمنية التي اختفى منها الأمن واكتفى بسيطرة وهمية, بطاقة الهوية, خانة الديانة والطائفة تستوجب الاعتقال من قبل الملثمين, طائفة دينية مخالفة, وأوراق " فولسكاب" لم يقرأ منها الملثم سوى هذه السطور الثلاث:
" أنا جاسوس محترف, عميل سري وصنيعة استخباراتية أجنبية"
عُهد إلي بجمع المعلومات السرية لحساب مخابرات بلد أجنبي.
منذ ما يناهز العام وأنا أمارس التجسس في العراق"!
مَن يستطيع أن يقنع ذاك الملثم أنها رواية؟! نهاية مفتوحة على أسوء الاحتمالات ! وما زالت المعزوفة مستمرة! وآخذة بالانتشار في الجوار العربي ....
استخدم الكاتب الطريقة الحديثة في بناء الحدث, من قبل العقدة بقليل ثم عودة إلى الماضي Flashback, واستخدم تقنية تيار الوعي. بإضافة إلى الذكريات.
أما سردية الحدث : فقد استخدم ثلاث طرق:
السرد المباشر : بضمير الغائب, السرد على لسان السارد العليم الذي تولّى مهمة إطلاعنا على أحوال أوس الشاهر وانفعالاته الخارجية والداخلية,
طريقة الترجمة الذاتية: على لسان رواة مشاركين أربعة, روَوا بضمير المتكلم,
وطريقة الوثائق والتقارير : وجدناها بالإعلان الصحفي, وموجزات الأخبار العاجلة, والمقالات الصحفية, بالإضافة إلى المعلومات التاريخية.
ثالثًا- المستوى النفسي :
أتناول فيه المداخل التالية :
 المدخل السلوكي:
في العمل تساؤلات نفسية, تبرر السلوكيات الشاذة اتجاه مفهوم الوطن والانتماء عند جاسوس, كيف ينظر الجاسوس لوطنه, وكيف يبرر حقده على هذا الوطن؟ تقول الفراشة التي تشبه ذيل الطاووس والتي هي روح الجاسوس:
• هل ينتظر مني هذاالقبو الملعون( العراق) غير الاستهانة والاحتقار؟
لقد مارستُ الحقد المباشر سرًّا, حملتُ طاقة بغض عمياء وكراهية عقلانية لهذا البلد الشرير, ولعدوانية شعبه وبشاعة أفعاله الظالمة, وهذا ما منحني أسبابًا منطقية لكراهيتي, فالشعب الذي ينشأ على النسف والبغضاء والشك ستبقى شرائحه في جاهلية العصر ويغدو وطنه من أوهن البلدان.....ليس عجبًا إذن أن تتفجّر كراهيتي بهيئة أعمال عقابية عادلة, لقد جرى هدم وإلغاء وتنقيص جماعي من أناي, كما أن الهزائم التي مضت باتجاه النسيان تركتْ كل أسئلتها في رأسي, فارتفع معدل الكراهية اتجاه هذا وفقدتُ كل خيوط انتمائي الواهية ....
تساؤلات وجودية:
سؤال يطرحه الجاسوس عن ماهية " إلاه نيتشه" ولماذا أماته نيتشه, ولماذا يسعى إلى تطهير العالم من ظلاله؟! ويحاول هو بذاته أن يجيب عن هذه التساؤلات:
لكنني شغوف بموت " إلاه نيتشه", حسنًا, لكن أي إلاه أماته؟ ولماذا يسعى إلى تطهير العالم من ظلاله؟
هي فكرة مرعبة ومبهجة, وستفتح الوجود إلى ما لانهاية, بعد تحرير فكر الإنسان من قداسة القيم والثوابت والثنائيات والغايات, وصولًا إلى وجود بلا وهم يتجاوز الحواس, ومن ثم التبشير بواجب حضاري يصنع إنسانًا أعلى ""Superman مؤمن بإرادة القوة ومتعالٍ على أي رواسب أخلاقية أو قانونية. إله جديد مغرٍ في حالة تغير وصيرورة متجددة ومستمرة, نصّبه نيتشه " المرهف" الباحث عن الحقيقة بشجاعة.
ألا تشبه صفات هذا الإله ما ذكرته سابقًا عن مدلولات اللون الأزرق كصفة لونية للحية الأمريكية ؟!
تساؤل فلسفي حول مفهوم الواقع والمتخيّل :
في قتامة الاحتلال تلاقى الموت والحياة فضاق الواقع, لماذا لا أراهن على هبة متخيلات الرؤيا؟
وكان الجواب معلّقًا بحيرة على حائط الاندثار والموت والأحلام وحيرة التفسير:
يُقال أن الحلم هبة الآلهة لحل عقدة الملفات المستعصية وفك ألغازها, هكذا كانت تعتقد بعض الشعوب القديمة وتحتفي بخيالات الرؤيا, لكنْ معتقداتها اندثرت, وماتت آلهتهم, وظلّتْ الأحلام حائرة في أحكام التفاسير.
 المدخل الاستنباطي:
بالإضافة إلى الأمثال التي تحيل إلى عمق التجربة الحياتية التي أفضت إلى حكمة منظومة بقول مأثور يمثّل وعي وإدراك جمعي لمجتمع معين, وقد أشرتُ إلى ذلك عند دراسة المدخل اللساني, رصدتُ أيضًا بعض المواعظ والحكم المتكسبة من التجربة الحياتية الخاصة :
- من يعاني من خلاء أخلاقي لابد أن يضع حدًّا لترنحه المكسو بالغموض.
- أقسى آيات الحزن أن تبكي وتكفكف الدموع لوحدك.
- إذا كنت لاتطمح إلى الأشياء العظيمة,فإنك لن تحقق حتى الأشياء الصغيرة.
- الذي لا يستطيع تحمل الفصول السيئة لن يعيش لرؤية حياة أجمل.
- الشيء لا يُظهِر ذاته بل هو ما نراه نحن.
- العبد لا يظهر شخصيته الحقيقية في الوقت الذي كان فيه عبدًا وكن عندما يصبح سيّدًا .
- لا تفتح محلًا إلّا إذا كنت تعرف كيف تبتسم, فالرجل الذي يعطي قليلًا بابتسامة يعطي أكثر من الرجل الذي يعطي الكثير مع التجهم.
- لن أجعل السياج أكثر كلفة مما يسيَّج حوله.
- لا أحد أصم مثل الرجل الذي لا يستمع.

 المدخل التوليدي العقلاني:
تنظر الذرائعية إلى حيثية التناص كعلاقة ثلاثية : تجارب الكاتب- تجارب الحياة- تجارب غيره من الكتّاب على أنها مفتَرض ذرائعي, فالكاتب لا بدأن يتناص مع تجاربه الشخصية, ونلمح ذلك جليًّا من خلال اختيار الكاتب للبطل من نفس حقله المهني ( صحفي) قرّر كتابة ( رواية), وقد بدا ذلك واضحًا أيضًا من خلال استخدامه الأسلوبين التقريري والأدبي, ولا شك أن الكاتب من خلال عمله كمعد كصحفي ومعد برامج توثيقية قد تناص مع الكثير من تجارب الناس الذين عاشوا تجربة الغزو وقدّموا فيها مشاهدات عينية واعترافات وتقارير, أما عن تناصّه مع نصوص الكتّاب الآخرين, فقد تناص مع كل من كتب قبله ب ( أدب الغزو), على سبيل المثال لا الحصر : مع إنعام كجه جي في رواية ( الحفيدة الأمريكية).
رابعًا- الخلفية الأخلاقية:
هو عمل يشجب ويستنكر ويستقبح كل المظاهر العدوانية والطائفية والعنصرية, يعرّي حقيقة الغزو والاحتلال الأمريكي والدولي, ويكشف سوأة أمريكا بصقورها وحمائمها, كما يكشف ادعاءاتها الكاذبة بقدراتها الخارقة على الإتياء بالرخاء لشعب أنهكته النظم الدكتاتورية, فلم يكن المنقذ بأرحم من الديكتاتور, بل أكثر وحشية وطغيانًا وإرهابًا, لديه أكذوبات معلّبة ومعدّة مسبقة لكل شيء, ولم يكتفِ العمل بتعرية الغازي الخارجي, بل نزع الستر عن عدوانية وكراهية أعداء الداخل, الفاسدين الحاقدين الذين أعمتهم ذواتهم المريضة عن إدراك جذورهم وانتماءاتهم لوطنهم الذي غدَوا يكيلون لهم التهم والشتائم, يفيضون بكراهيتهم حتى على أبناء جلدتهم ذبحًا وتفجيرًا وبيعًا في أسواق الخيانة, لا يجمعهم إلا الإرهاب, والحقد والكراهية, في هذا العمل دعوة مبطنة إلى تنظيف دمامل الوطن وتفريغها من قيحها والنتانة, وتعقيمها بدراية, وتنضيرها بمهارة وإخلاص حتى يكون التندّب سليمًا ليعود للوطن الخصب والتربة الصالحة للنماء, هذا العمل ينبغي أن يكون مرجعًا لكل الشعوب المقهورة بحتمية الثورات للتخلص من الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمها, والتي تتعرّض أوطانها للغزو الاستعماري الجديد, المتمنطق بحجج واهية, أوّلها أنه الفادي والمخلّص,لتكون أكثر وعي وإدراك وحكمة, فلا تنجرف بالرغبة العارمة بالخلاص قبل أن تعدّ له العدّة, وهي الرسالة المضمرة التي دسّها الكاتب الرائع عبد الكريم العبيدي في هذا العمل الراقي المتعوب عليه كثيرًا, رسالة تحمل دعوة وجدانية تعكس إنسانية الكاتب ونبل أخلاقه وإخلاصه لوطنه وأبناء قومه على اختلاف طوائفهم, ورغم كثرة اختلافاتهم وخلافاتهم.

خامسًا- التجربة الإبداعية للكاتب:
استخدم الكاتب العديد من التقنيات السردية, والتقنية ثابتة سرديًّا, أي عنصر من عناصر السردالثابتة, أما الوسيلة فهي الإضافة السردية الخاصة التي يأتي بها الكاتب إبداعيًا وفق حاجات السرد, موضعيًّا في مكانية السرد وزمانيته, وفق المحاور السردية المستمرة من بداية الروي حتى نهايته, ويكون ذلك إما عبر استخدامه المدارس الأدبية والخلط بينها بمهارة, أو عبر استخدامه تقنية الشخصنة, والشخصنة كتقنية تطال الأشياء الثابتة التي تُستخدم بالكتابة أو بالسرد ك ( القلم, الضمير, النفس, اليد, ...) أي الوسائل أو التقنيات الثابتة التي تتولى السرد, أما الأشياء الأخرى فهي التي تساهم بالكتابة, وليس لها علاقة بالسرد, وهي العقل ومحتوياته( الأفكار والمعلومات) وما خرج من الوسائل (كالحبر من القلم والورقة التي يكتب عليها القلم...) , فهناك شخصنة للأشياء التي تتعلق بالسرد وهي التقنيات, أي شخصنة التقنيات وهذا إبداع أصبح مألوفًا واعتياديًا, أما الإبداع فوق المألوف فهو الشخصنة التي تطال الأشياء غير المتعلقة بالسرد( محتويات العقل من أفكار وغيرها) والخارجة من التقنيات السردية الثابتة ( كالحبر من القلم, والحكمة من الضمير....), وقد حقّق الكاتب هذا الإبداع غير المألوف عندما شخصن الروح ( كتقنية سردية) بفراشة حية ( وسيلة), وأنسن تلك الوسيلة عبر إعطائها مهمة سرد (الأفكار والأحداث )نيابة عن الشخص الذي تتشخصن به.
بالإضافة إلى ما ذكرته عن استخدام الكاتب عبد الكريم العبيدي للأسلوب التقريري و الواقعي والتخييلي الرمزي الغرائبي, أي تداخل المدارس الأدبية, وبراعته في كل واحدة منها على حدى.

السمة الجديدة في الدراسة :
والجديد الذي لم أرصده في دراسات سابقة عن أدب الحرب هو استخدامي للمصطلح الجديد ( أدب الغزو), وهذا المصطلح فرضه عليّ الواقع بضغط من قسرية الدم الذي يراق في كل خبر من قناة تلفزيونية بكل بيت من هذا العالم المنهار حتى أصبح ( أدب الغزو) سمة حمراء لهذا العصر الذي أصبح قرية صغيرة تنوء تحت حراب الظلم والجشع, فكل جار يلهث جشعًا لاختطاف لقمة الجار الآخر من فمه وفم أطفاله, حتى صارت الحياة جحيم أرضي يفوق جحيم السماء وكأن الله بدأ بحسابه ونحن أحياء في الدنيا لتجاوز غضبه علينا الخطوط الحمراء, فنحن نغضب الله بتخريب عوالمه, تركيا تغزو العراق وسوريا وليبيا لتستعيد الهيمنة العثمانية المريضة, وإيران لتعيد الهيمنة الفارسية, وأمريكا تناور الصين لتثبت يدها العليا في هذا العالم المنهار, فهذا التخريب المتعمد جاء عقابه من الله أرضيًّا قبل أن يكون سماويًّا......
وهل ندرك؟!.
ختامًا: أتوجه بالشكر إلى الأديب المبدع عبد الكريم العبيدي على إنجاز هذا العمل السردي الأدبي, وأبارك له الفوز بجائزة كتارا للعام 2018 فهو منجز أدبي يستحق الفوز بجدارة, وأعتذر إن قصّرت في إنجاز دراستي الذرائعية هذه على الوجه الذي ينبغي, فمؤكد أن التقصير مني لا من المنهج, أشكر أستاذي منظر الذرائعية عبد الرزاق عوده الغالبي, وأتمنى أن ينال نقدي هذا استحسانه واستحسان الأديب عبد الكريم العبيدي وكل من يقرأه.
#دعبيرخالديحيي
الإسكندرية2021/1/28








المصادر والمراجع
1- مقالة ل د. عبد الودود النزيلي بعنوان: إلمامة من بعيد لبعض الروايات العراقية لعراق ما بعد صدام حسين في مجلة راي اليوم 23 إبريل 2020
2- دلالات الألوان الرمزية –21 إبريل2016 htts://forsan.ahlamontada.com >
3- الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي تأليف / عبد الرزاق عودة الغالبي – تطبيق/ د. عبير خالد
4- الذرائعية في التطبيق طبعة مزيدة منقحة تأليف / عبد الرزاق عودة الغالبي – تطبيق/ د. عبير خالد- دار النابغة للنشر والتوزيع -2019 – طنطا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا