الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في النقد الفارغ من النقد

راتب شعبو

2021 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


من دواعي سروري أن يثير مقالي في "نقد النخب السلمية في الثورة السورية" الذي نشرته في العربي الجديد بتاريح (27/01/2021) النقاش، سواء على صفحات الفيسبوك أو في مقالات مستقلة كالتي اتناولها اليوم للكاتب "أيمن أبو هاشم" الذي يرى في مقالي "أحكاماً قيمية" ويعنون مقاله المنشور في موقع "مصير" (30/01/2021) كما يلي: "نقد الأحكام القيمية في نقد النخب السلمية".
في مقالي المذكور تناولت بالنقد النخب السلمية التي انتقلت من التحذير الشديد من العسكرة في بداية الثورة، إلى الحماس للسلاح بعد ذلك، إلى البحث في أسباب فشل المسار العسكري الذي حذرت منه هذه النخب واعتبرته كارثياً منذ بداية الثورة. ورأيت في هذا ضعفاً في مبدئية هذه النخب، وانجرافاً غير نقدي وراء مسار مصنوع من خارجها ورضيت أن تكون تابعة له.
أجاد الأستاذ أيمن في عرض فكرة المقال، ولكنه لم يكن، كما أرى، وكما سأحاول أن أبين، على المستوى نفسه في النقد الذي لم يشتبك مع فكرة المقال بل اكتفى بتقديم ملاحظات لا تمس الفكرة، أي لا تنقدها.
أولاً، يقول الأستاذ أبو هاشم إن النخب السورية المنحازة للثورة لم تكن موجه أساسي إلى خيار السلمية وإن المسار السلمي جاء من غلبة الطابع الشعبي على الثورة، وإن النخب كانت ضعيفة الحضور في قيادة تلك المرحلة. لا أختلف مع هذا الكلام، ولا أفهم أين وجه النقد فيه لفكرة المقال الذي يحاول الناقد نقده. هل يغير هذا الكلام من حقيقة أن النخب كانت تحذر من العسكرة بأشد العبارات، وكانت تعتبرها خيار النظام الذي يريد جر الناس إليه؟ ألا يحق نقد تصور ذهني ما إلا إذا كان هذا التصور في موقع القيادة؟
ثانياً، ينتقل الأستاذ أبو هاشم إلى مدخل ثان في النقد هو موضوع التعريف. فيكتب بلغة تعليمية "كان على شعبو قبل أن يستغرب سؤال النخبة، والذي يكشف تناقضها تجاه خيار العسكرة، أن يضع القارئ أمام تعريف سوسيولوجي دقيق عمّا يصفها بالنخبة المنحازة للثورة". لا أدري ما هو "سؤال النخبة" الذي أستغربه أنا في مقالي المنقود. على العكس، نقدي ينصب على النخبة لأنها لم تسأل. لكن أبو هاشم يجد مشكلتي في أنني لم أعرّف النخبة "تعريفاً سوسيولوجياً دقيقاً". لا أدري أيضاً لماذا يريد تعريفاً "سوسيولوجياً" و"دقيقا" ونحن في سياق نقد نخبة سياسية. على أي حال، سبق أن اكتشف "مثقفو" النظام، باباً "فلسفياً" يريح من مواجهة الأسئلة السياسية الملحة، اسمه "التعريف": قبل أن نتحدث عن الحرية، تعالوا نعرف الحرية. تعالوا نعرف الإرهاب. تعالوا نعرف الثورة ..الخ، وصولاً إلى مقولة "الشيء في ذاته" الكانطية الشهيرة.
عليّ إذن، بحسب أبو هاشم، أن أعرف النخب "تعريفاً سوسيولوجياً دقيقاً" قبل أن أنتقد النخب. ولكي يساعدني ناقدي في التعريف يسأل: "هل هي قيادات وكوادر القوى والأحزاب التقليدية المُعارضة للسلطة قبل الثورة؟ أما أنها كتلة المثقفين وقادة الرأي في المجتمع السوري؟ أم أنها النخب الشبابية والمثقفة الناشطة في عهد الثورة". ورغم أن النخب المذكورة ليست نخباً "سوسيولوجية دقيقة"، إلا أنني، ورغبة في الوصول إلى نتيجة، سأجيب ناقدي بنعم، هذه هي النخب التي قصدتها. ولكن أبو هاشم، بدلاً من أن يقودني إلى نتيجة، يقطع الحبل ويتركني أسقط في خيبة لا ينفع معها التعريف السيوسيولوجي أكان دقيقاً أو عاماً، حين يكمل: "غابت الصورة الأخرى، وهي اعتكاف وعزوف مجموعات كبيرة منها عن الحراك الثوري". ما دخل اعتكاف مجموعات كبيرة أو صغيرة في نقدي لتحولات النخب في الثورة؟ هل الاعتكاف المذكور هو الذي دفع النخب التي لم تعتكف إلى دعم العسكرة مثلاً؟
ثالثاً، يقول ناقدي "أما تعليق الكاتب لأسباب التناقض في مواقف النخبة من السلمية، على مشجب عدم مبدئيتها، لأن معاداة النظام لديها تفوقت على مبدأ السلمية، وأن مشاعرها الغاضبة تفوقت على الفهم والتحليل، فهذا استنتاج قاصر على إدراك الدوافع والمصالح، التي تحكمت بمواقفها واستجاباتها الفردية والجماعية". حين تحذر نخبة معينة من خطر معين ثم تنغمس هي نفسها في الخطر الذي حذرت منه، ألا يحق للمرء القول إن هذه النخبة لا تلتزم بقولها، أو إنها غير مبدئية، وتميل "ما مال الهوا أو الهوى"؟ على أني لا أفهم لماذا يرى أبو هاشم في عدم المبدئية مشجباً.
لنتابع، يرى ناقدي أن استنتاجي "قاصر على" إدراك دوافع ومصالح النخب. لا شك أنه يقصد أن يقول "قاصر عن"، لأن المعنى يختلف إلى النقيض باختلاف حرف الجر. إذن هناك دوافع ومصالح للنخب في تحولها الحربي، لكن المؤسف أن الناقد لا يبين أياً منها. وفي الوقت نفسه لا يقبل تفسيري الذي يقول إن معاداة النظام تفوقت لدى هذه النخب على مبدأها السلمي، وأن الغضب لديها تفوق على الفهم والتحليل. والحق أن تفسيري يكاد يكون وصفياً. اللافت أن أبو هاشم يؤكد تفسيري في معرض نقده، حين يتكلم عن "واقع أشعلت المآسي كل آبار الغضب فيه". وفي المقال المنقود كلام عن أن مستوى رفض النظام الدموي تغلب، لدى النخب السلمية، على "الفهم والتحليل" وجعلها تمضي في مواجهة النظام بكل السبل.
رابعاً، في البحث أكثر عن فكرة مفيدة لدى ناقدي تفسر التحول الحربي لدى النخب السلمية، نعثر على "غياب مشروع وطني لإدارة الصراع". سنفهم المشروع الوطني هنا بمعناه السلمي. من أين يأتي المشروع الوطني؟ أليس من النخب؟ وهل يكون فشل النخب في بلورة مشروع وطني مبرراً لفشلها في التزام مبدأ السلمية؟
وإذا فهمنا المشروع الوطني المذكور بمعنى عسكري، لماذا إذن حذرت النخب السلمية من العسكرة، هل يكون نوعاً من التمويه مثلاً؟
ثم يرى أبو هاشم ضرورة "تجنب المقاربات النخبوية التي تفصل المواقف والاستجابات النظرية، عن تحولات الواقع ومعطياته المتغيرة". ترجمة هذه النصيحة في موضوعنا تقول إن النخب تحولت لأن الواقع تحول. النخب إذن تحولت من السلمية إلى الحربية لأن الواقع تحول من سلمية (خارج إرادة النخب، بسبب الطابع الشعبي) إلى الحربية (خارج إرادة النخب، بسبب إسلاميين وخارج). أذكر أن هناك من نقد المقال نفسه على صفحته على الفيسبوك بالقول إن العسكرة لم تكن "خياراً". على هذا يتبين أن صورة النخب السورية السلمية في تصور ناقدي مجرد تابع فاقد القيمة لمسار مرسوم من خارجها، هل هناك لا مبدئية أكثر؟ لماذا يعترض ناقدي عليّ إذن؟
أخيراً أتساءل أين الاحكام القيمية التي يجعلها ناقد نقدي عنواناً لمقاله؟ في مقالي قدمت وصفاً لتحولات النخب وأعطيت تفسيراً، ولم أطلق أحكاماً قيمية. وتبين أن صورة هذه النخب (وأنا واحد منها وأنقد نفسي كما أنقد غيري) في منطق مقال الناقد ليست أفضل من الصورة التي يريد دفعها عنها.
يوجد فارق بين من ينتقد وهو يدفعه هم معرفي، ومن ينقد بفعل عدم مطاوعة نفسيه تجعل نقده وكأنه محكوم بمبدأ الدفاع عن النفس حيث الغاية المعرفية تأتي متأخرة في سلم الأولويات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل