الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو المعارض نافالني في أعين كل من السلطة والشيوعيين

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2021 / 1 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


===========
لماذا تصرفت السلطات الروسية بهذه الطريقة الخرقاء في موقفها من أليكسي نافالني Navalny فقبضت عليه حين عاد من "عرينه" الغربي عبر مطار فنوكوفو الموسكوبي؟ فكأنها عن قصد راحت تصوغ منه صورة المعارض "الرهيب" بالنسبة إليها. ولماذا بثت إذاعة "صدى موسكو" التي مالكها الرئيسي شركة "غازبروم ميديا" ، مباشرة على الإنترنت وقائع "عودة أليكسي نافالني إلى روسيا"؟ هل توجد مثل هذه المعايير العالية للحرية في الإعلام المؤسسي في روسيا بوتين؟

حتى قبل ذلك، كانت جميع أشكال القمع ضده "لطيفة" للغاية وعملت فقط على ترقيته في مصاف الشهرة. ولم تتمكن السلطة حتى من تسميمه طيلة 4 سنوات ... علماً أن قصة التسميم يكتنفها الكثير من الغموض وتعسر على الفهم.

إذا طرحنا جانبا كل المشاعر قلنا إن نافالني مجرد منافس مناسبٍ للسلطات للغاية.

أولاً، لدى نافالني نقطة ضعف هامة جداً هي علاقته بـ"الغرب" الجماعي. وبعد التسعينيات من القرن الماضي، بات للغالبية العظمى من الشعب الروسي موقف ريبة تجاه الغرب ومناهضة له. وهذا لم يكن من عواقب الدعاية، ولا مثابة رُهاب تجاه الأجانب، كرهٍ لهم، بل كان رد فعل طبيعياً على أحداث واقعية، على الوضع الحقيقي للأمور في هذا العالم. فإذا كانت دول الناتو قد حطمت يوغوسلافيا الاشتراكية الديموقراطية والأوروبية الانتماء وقسمتها إلى أجزاء صغيرة، فلن تكون روسيا بالتأكيد موضع شفقة لديها. هذه القناعة ثابتة لدى الجماهير. من وجهة النظر هذه، يتمتع السياسي الموالي للغرب نافالني بسقف من الدعم من غير المرجح أن يكون أكثر من 15-20٪ في أي انتخابات يتوفر فيها أكبر قدر من الحرية. أما بالنسبة لأي معارضة يسارية وطنية فرضاً، فإن هذا السقف قد يكون أعلى بكثير. لذلك، لا ينبغي بأي حال من الأحوال السماح للأخيرة بالتعزز، ومن الضروري الحفاظ على الوضع كما هو على هذا الجناح. وذلك حتى يبقى زوغانوف غير المؤذي والممل حتى الرتابة يجلس لسنوات عديدة قادمة ويشوه سمعة جميع اليساريين جملة وتفصيلاً.

ثانيًا، لا يثير نافالني مسائل كشكل الملكية أو مراجعة نتائج الخصخصة أو التأميمات. وهذه أهم مسألة. فالنخبة تدرك أنه إذا حدث شيء ما غير متوقع هنا، فلا خوف لأنه لن يتم المساس بكل شيء يكسبونه الآن من خلال "كدحهم وعملهم الصادق في سبيل الشعب"!!! كما هو الحال مثلا في أوكرانيا، حيث لم يتغير شيء من مثل هذا جراء التغيير الذي حصل في السلطة.

نعم، قد يكون نافالني خطيرًا على شخص ما من حاشية بوتين. وربما، في أكثر الحالات تطرفاً، يشكل خطراً حتى على بوتين نفسه. لكنه بالنسبة إلى "النخبة" كنخبة، بالنسبة إلى النظام، غير ضار بل ومفيد. فهو موضوعياً، على المدى الطويل، يخدم استقراره وبقاءه.

لذلك، هم يحافظون على السياسي نافالني على الأقل "كاحتياطي"، كعنصر من عناصر النظام.

منذ أسبوع واليوم اجتاحت موجة من الاحتجاجات أنحاء روسيا دعماً لنافالني، منشئ "مؤسسة مكافحة الفساد"، هذا الذي يُطلق عليه في وسائل الإعلام لقب "المعارض الرئيسي في البلاد". ففي 23 كانون الثاني (يناير)، وبحسب تقديرات مختلفة، شارك ما يصل إلى 150 ألف شخص في أعمال الاحتجاج هذه في أكثر من مائة مدينة، ورافقتها اشتباكات مع الشرطة. وتم احتجاز ما بين 3 و5 آلاف شخص، ورفعت عشرات الدعاوى الجنائية. واليوم أيضا تكرر أعمال الاحتجاج فأغلقت السلطات بضع محطات في مترو الأنفاق للحد من الاحتجاجات في العاصمة موسكو، ومن المخطط القيام بالمزيد منها. كيف يجب على المرء أن يتعامل معها؟

ينبغي فهمها انطلاقاً من أن هناك الكثير من الناس في روسيا غاضبون من اللامساواة الصارخة، والرفاهية الوقحة للبرجوازية، وسرقات المسؤولين، ناهيك الضغط النفسي من جراء الإجراءات القمعية بحجة محاربة الكورونا. الناس غاضبون، لكنهم لا يعرفون كيف يغيرون النظام. في المسيرات الماضية، أطلقوا هتافات ضد أرباب السلطة من قبيل شعارنا اللبناني "كلن يعني كلن!" وما معناه "ارحلوا ارحلو،ا أيها المحتالون واللصوص!"، لكنهم لم يفهموا ما يجب فعله لضمان "رحيل" هؤلاء المحتالين النصابين. ويستند نافالني وشركاؤه في أنشطتهم، مثلما عندنا أيضا، على الدعاية لمكافحة الفساد، وهذا يلقى صدًى. حتى لمن يعود القصر في منتجع غلنجيك Gelendzhik الجنوبي، ألبوتين أم لروتنبرغ أم لأي أحد آخر من المنتفعين، فله المرتبة الثانية كعامل تحريض. لا أحد يشك في أن الطفيليين يسمنون بعلم الرئيس ومباركته، وأن إثراءهم غير ممكن بأي حال من دون موافقته. ومن بين هؤلاء الطفيليين - بغض النظر عما يقوله ويشرحه بيسكوف الناطق الصحافي باسم الرئيس، والمدير العام لمؤسسة "روسيا اليوم" كيسيليوف، واليهودي المفتخر بإسرائيليته صولوفيوف مقدم البرامج التلفزيوني المشهور دفاعاً عن رئيسهم - أصدقاء بوتين في المقدمة، وهذا لا يمكن لأحد إنكاره.

لقد وصف زعيم الحزب الشيوعي غينادي زوغانوف نافالني بأنه "صيغة ثانية للقس غابون Gapon" (ذاك الذي قاد تظاهرة العمال الذين ساروا في تظاهرة يترجون القيصر أن ينصفهم عام 1905 في روسيا حاملين الأيقونات والإيمان). غير أن القس غابون دعا بصدق إلى النضال لتحرير الطبقة العاملة من الاستغلال، وإن كان يفعل هذا تحت مراقبة الشرطة. فيما نافالني الذي يصف نفسه بأنه "مؤيد للنزعة القومية المدنية" (ما يشبه مطالبة شيوعيينا المعاصرين بالدولة المدنية!!!)، لا يدعو إلى أي نوع من التحرر من الاستغلال. فتتمثل مطالبه في المزيد من إعفاء رجال الأعمال من الضرائب، وتقليل وجود الدولة في الاقتصاد، وتوزيع الدخل بالتساوي بين المركز والمناطق، وإلغاء التجنيد الإجباري، إلخ. وهذه المطالب لا مانع من طرحها لدى كل من بوتين ورئيس حكومته ميشوستين. مما يدل على أننا نشهد حركة لا تتعدى النظام الرأسمالي، ولدت من رحم البرجوازية إياها. فنافالني عنصر من عناصر النظام وهو كـ"معارض رئيسي" للنظام الحالي، يشبه يلتسين الذي كان في زمانه مقاتلًا "عنيفاً" ضد الامتيازات ويركب حتى الترام في أرجاء موسكو متباهياً بتواضعه، وينتظر في الصف في العيادة لمقابلة الطبيب، إلخ.

لقد أصبح أليكسي نافالني في روسيا اليوم مثابة الزعيم والمتحدث باسم ما يسمى "البرجوازية الليبرالية". أي ذلك الجزء من الطبقة الحاكمة الذي يسعى إلى مزيد من الخصخصة "الفاقعة"، وحين يطرح شعار "روسيا بدون بوتين!"، فإنه يحلم بإزالة أي قيود على رأس المال. السمة المميزة لهذه البرجوازية هي أوثق الروابط مع الغرب ودعمُه المباشر في إطار ما يسميه الشيوعيون "التناقضات بين الإمبرياليين". مساعدته، وصولاً إلى استثارة ثورة برتقالية تشبه "ميدان كييف" ويمكن تسميتها "الميدان الروسي".

إن وجود مثل هذه المعارضة، بشكل عام، على الرغم من أنه ليس فيه إمتاع كبير للكرملين، مفيد للأخير، لأن بوتين ورفاقه يبدون، على خلفيته، كوطنيين حريصين على الشعب الروسي، وعلى القيم التقليدية. هناك أيضًا نقطة أخرى ملخصها: إذا كان هناك احتجاج، فيجب وضعه في "البوتقة" المعدة له مسبقًا. يكفي أن نقول إن إذاعة "صدى موسكو" مع الموقع الإلكتروني العائد لها، هي المركز الروحي الرئيسي والمنظم الجماعي والداعية الأمين لليبراليين، تعود ملكيتها إلى شركة Gazprom، أكثر الشركات تأييداً لبوتين في روسيا.

في الآونة الأخيرة، تفاقمت التناقضات في المجتمع الروسي بشكل موضوعي، لأن هناك، كما سبق، سخطاً متزايداً لدى الناس من انعدام المساواة الاجتماعية ومن الفساد الظاهر للعيان في أوساط الطبقة الحاكمة، ومن التمديد اللامتناهي لبوتين على رأس السلطة. فبدأ أولئك الذين يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية يدعمون نافالني، لكنهم لا يفهمون أنه يريد ببساطة أن ينقل البلاد بمساعدتهم "من الدلفة إلى تحت المزراب"، أنه يريد أخذها من فريق من البرجوازية إلى فريق برجوازي آخر.

إن تنامي هذا الاحتجاج مع غياب الشعارات المناهضة للرأسمالية يدل، من بين أمور أخرى، على الضعف الحالي للحركة الشيوعية في روسيا. وستكون مهمتها، مهمة الشيوعيين الشرفاء، جلب هذا الوعي إلى صفوف المناضلين الحقيقيين وتوجيه نضال العمال نحو الطعن في النظام الرأسمالي نفسه، وليس نحو استبدال بعض الشخصيات في الكرملين بآخرى مماثلة لها. لقد سبق أن مرت روسيا بهذا: استبدال غورباتشوف بيلتسين، ويلتسين ببوتين، وبوتين بميدفيديف ...، والآن ثمة من يريد استبدال بوتين بنافالني؟

ينبغي تغيير النظام بأكمله وليس بعض عناصره. وهذا ما نراه عندنا أيضا، في لبنان. وما تعمل البرجوازية والإقطاع السياسي خادمها على تأبيده. نستبدل 8 بـ14 و14 بـ8 والحال من سيئ إلى أسوأ. أما آن لنا أن نحول نضالنا إلى نضال لا من أجل هذا الزعيم أو ذاك، هذه الطائفة أو تلك، وجميعهم مع بقاء النظام الحر الكومبرادوري الذي ترعاه ذئاب الطغمة المالية، بل من أجل الديمقراطية الشعبية، من أجل الاشتراكية وأرجحية الملكية الاجتماعية ما دمنا نعيش في مجتمع عصري، لا في ظل البداوة؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024