الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَنْ أقترف الجريمة في مطار عدن؟ 3/1

منذر علي

2021 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في مثل هذا اليوم؛ وتحديدًا يوم الأربعاء، 30 ديسمبر 2020، اُقترفت جريمة بشعة في مطار عدن، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات المواطنين الأبرياء. وبعد اسبوع على اقتراف تلك الجريمة، تبدو الأمور هادئة للسياسيين كأنَّ ما جرى لم يعد يعنيهم في شيء. كما أنَّ القتلة المباشرون صامتون، ولكن بشكل مؤقت، وينتظرون، بحذر، حتى تنجلي العاصفة ليعاودوا لعبة القتل المُوجهة، والمقتولون صامتون بشكل أبدي، وقد شيعت جنازاتهم، مع قليل من المشيعين، ووريت جثامينهم في التراب. والجرحى يئنون ويعانون من الإهمال وحولهم تُذرف دموع أطفالهم الجوعى.
الأمور لن تقف عند هذا المستوى المأساوي. هناك معركة قائمة وقادمة، ولكن المعركة القائمة والقادمة، وكما كانت في الماضي، ليست بين أنصار القتلة والقتلى، أو بين القتلة وأقارب وأنصار القتلى المنكوبين بالموت الذين لا يقوون على القتال، ولكنها بين القتلة أنفسهم، قتلة الشعب، مهما كانت ألوانهم السياسية. كل فريق يحاول أن يُجرِّم غيره ويبرئ نفسه، ويربح في معركة التنافس على الأفك والبهتان. وفي خضم هذا التشويش، يحق للمواطن الشريف أنْ يتساءل من هو القاتل الحقيقي؟ فهل نستطيع أنْ نتعرف على هوية القاتل ومعاقبته؟
الجريمة مُثْبتة وليس هناك من حاجة لأثبات وقوعها، ولكن علينا أنْ نتعرف على مَنْ أقترفها، بشكل مباشر وغير مباشر؛ أي أنَّ علينا أنْ نتعرف على الجريمة بشكل كامل، بما يعنيه ذلك من معرفة المنفذ والموجه والمستفيد.
لاستقصاء الحقيقة ومعرفة القاتل لا يمكن، بطبيعة الحال، الاستعانة بمن يشتبه بصلتهم بمنفذي القتل، وبموجهي القتل، وبالمستفيدين من القتل. المشبوهون ينبغي أن يكونوا معزولين عن مسرح وملابسات الجريمة حتى اكتمال التحقيق. والمحقق في الجريمة ينبغي أنْ يكون محايدًا؛ أي بعيدًا عن منفذي الجريمة، وعن موجهي الجريمة، وعن المستفيدين من الجريمة، وغاية المحقق ينبغي أن تكون الوصول إلى الحقيقة لا التستر عليها.
***
ثمة خمس مقاربات لمعرفة القاتل بأبعاده المتعددة. إذن، لنناقش المقاربات الخمس، المُشار إليها آنفًا، بموضوعية وشرف بعيدًا عن الخفة، لاستجلاء بعض جوانب الجريمة حتى نعرف من اقترفها، ونعاقبهم، وفقًا للقانون:
المقاربة الأولى: تتصل بالشهود في المطار، سواء كانوا اعلامين أو سياسيين أو رجال أمن أو غيرهم. وفي هذا الصدد يمكن عرض أقوال الشهود على النحو التالي:
الشاهد الأول: الاستاذ ردفان الدبيس، مراسل قناة الحدث، الذي كان حاضرًا في مطار عدن. وكانت المذيعة اللبنانية المتألقة لارا نبهان، على تواصل معه، ودار بينهما الحوار على النحو التالي:
لارا نبهان: صرخت مفجوعة: "أوف ... يا رب، دوي انفجار، دوي انفجار!" ثم أضافت مفجوعة، وقالت بقلق واضح: "ردفان أنتَ بخير؟أنت بخير؟"
تداخل صوت الآنسة لارا مع دوي الانفجارات. أرتبك ردفان، فكان رده: " أنا بخير، ولكن المطار في الصالة"، أراد ردفان أن يقول: الانفجار في الصالة، ولكنه معذور، فقد كان تحت تأثير تلك لحظات استثنائية!
سعدت كثيرًا أن الصحفي اللامع والشجاع ردفان الدبيس بخير، ولكنني حزنت أن الصحفي البارز أديب الجناني أختنق صوته، وأنخفض ثم اختفى بعد أن أصيب بشظية في البطن، فقتل وهو يتحدث إلى الإعلامية المتألقة نضال الشبان في إسطنبول. واضح أن الأخت نضال الشبان انكسرت وشعرت بقلق بالغ كما تجلى ذلك في صوتها المتكرر، عقب انقطاع تواصلها المفاجئ مع أديب الجناني في تلك اللحظات المأساوية الحرجة.
المذيعة لارا نبهان تماسكت بعد أن اطمأنت على ردفان، وأضافت، بشكل توضيحي: "هناك انفجار قرب صالة الاستقبال في مطار عدن لحظة وصول الحكومة، وترتيب خروج الوزراء من الطائرة" ثم اختتمت بقولها: " ننتظر التأكيدات!"
الشاهد الثاني: كان معمر الأرياني، وزير الإعلام، وهو " شاهد ما شافش حاجة" على طريقة عادل إمام في مسرحيته الشهيرة، ومع ذلك أطلق تصريحًا وهو مازال داخل الطائرة بعيدًا عما جرى خارجها في المطار. قال الارياني يوم الأربعاء الدامي:
"نُطمئن أبناء شعبنا العظيم أنَّ جميع أعضاء الحكومة بخير، ونؤكد أن الهجوم الإرهابي الجبان الذي نفذته مليشيا الحوثي المدعومة من إيران لمطار عدن لن يثنينا على القيام بواجبنا الوطني وأن دمائنا وأرواحنا لن تكون أغلى من دم اليمنيين نترحم على أرواح الشهداء ونتمنى للمصابين الشفاء العاجل"
الشاهد الثالث، هو أبو سلطان فهد الجنوبي، وهو ضابط بارز، ومن ضباط أمن مطار عدن، وعضو في المجلس الانتقالي، وقدم تقريرًا صوتيًا تفصيليًا، ستجدونه في صفحته، ويمكن تلخيصه على النحو التالي:
إنَّ القوات السعودية في المطار استفزت الجماهير التي حضرت لاستقبال المناضل اللواء شلال علي شائع، ورفعت العلم الجنوبي، فمنعتهم القوات السعودية من رفع صور شلال والعلم الجنوبي. وبعد وصول الطائرة بدقائق قليلة خرج اللواء شلال بمفرده من الطائرة، وغادر المطار، فتدفقت الجماهير صوب المطار، فأطلقت القوات السعودية النار في الهواء لتخويف الجماهير، وبعد أن غادر شلال المطار بدقائق، بدأت القذائف تسقط على المطار من جهتي الخضراء والصولبان، وليس من ذمار والجند كما قال بعض المعلقين. وهذا يعني أن إطلاق القذائف أو الصواريخ على المطار لم تكن من قبل الحوثين، وأختتم بقوله: " لا تصدقوا السياسيين الذين يخافون قول الحقيقية. ثم أختتم حديثه بالقول: " السعودية هي المسؤولة عما جرى!"
الشاهد الرابع: وكان معين عبد الملك، رئيس الوزراء اليمني، وقد قال في اليوم التالي؛ أي يوم الخميس 31 ديسمبر 2020 ما نصه: “إنَّ "المؤشرات الأولية للتحقيقات في الهجوم الإرهابي. تشير إلى أنَّ مليشيا الحوثي الانقلابية هي من تقف وراء الهجوم" .... إنَّ "معلومات استخباراتية وعسكرية كشفت عن دور لخبراء إيرانيين في تنفيذ هذا الهجوم".
تصريح رئيس الوراء اليمني أغضب الحوثيين، وأسعد خصومهم المحليين والإقليمين، ولكن الناطق باسم الحكومة، راجح بادي أطلق تصريحًا حازمًا، وبدا كأنه يتهم أطراف في عدن، ويؤكد ما سبق أن قاله رجل الأمن في المطار؛ أي الشاهد الثالث: أبو سلطان فهد الجنوبي. والآن ننتقل إلى:
الشاهد الخامس: وهو راجح بادي، الناطق باسم حكومة معين عبد الملك، حيث قال:
"هذا عمل إرهابي كبير ، تقف وراءه جهة تمتلك امكانيات كبيرة وقلب وعقل إجرامي من الدرجة الأولى. إنَّ عدن مازالت بحاجة لجهد أمني كبير ومكثف وتوحيد الأجهزة الأمنية". وأضاف في تصريح آخر: " يجب تطبيق الشق العسكري والأمني، وتمكين الأجهزة الأمنية من عملها بكل حرية بعدن حتى لا تقع مشاكل أمنية مثل أحداث المطار". وتساءل: "ألم يلتزم الانتقالي بتنفيذ الشق العسكري والأمني؟
أثار هذا التصريح حملة شعواء ضد الناطق باسم الحكومة. لقد تم تجاهل القتلى والجرحى، وانشغل السياسيون بتصريحات راجح بادي، حتى بدا كأنه هو من أطلق الصواريخ على مطار عدن، وليسوا الحوثيين أو حزب الإصلاح أو الانتقالي أو غيرهم من القتلة المغامرين.
المهم لا ينبغي أن تقلقوا على حكومتكم الموقرة. لقد خرج وزراء التقاسم بين السعودية والإمارات بسلام من المطار، وتم نقلهم بواسطة الحماية السعودية والسودانية إلى قصر الرئاسة في منطقة معاشيق في عدن. وهم في هذه اللحظة "مُخزنين" في القصر، يبشمون بين وقتٍ وآخر، جراء الوجبة الدسمة التي سبقت المقيل.
كل ما قيل للتو من قبل شهود العيان وممثلي الحكومة ورئيس الوزراء ورجل الأمن في المطار لا يكفي ليكون دليلاً قاطعًا عمن أقترف هذه الجريمة البشعة، ولكن لا يمكن تجاهل ما قيل لمعرفة الجريمة بكل أبعادها.
وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي