الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قسم المحامي بين الماضي والحاضر والمستقبل

خالد خالص

2021 / 2 / 1
دراسات وابحاث قانونية


حينما يستكمل المترشح لمهنة المحاماة، سواء كان مترشحا للتمرين أو مترشحا للتسجيل في الجدول، جميع الإجراءات التي تنص عليها القوانين والأعراف والتقاليد، فإن النقيب يبعث بنسخة من مقرر المجلس بالقبول إلى الوكيل العام، الذي يقوم يفتح ملف للمعني بالأمر، وتبرمج جلسة خاصة بمحكمة الاستئناف، لأداء القسم أو اليمين. ويقوم النقيب بتقديم المترشح وهو مرتديا لأول مرة البذلة المهنية إلى هيئة محكمة الاستئناف.
وفي هذا الاتجاه تنص المادة 12 من القانون المنظم لمهنة المحاماة: «لا يقيد المترشح المقبول في لائحة التمرين ولا يشرع في ممارسته إلا بعد أن يؤدي القسم".
والقسم أو اليمين في اللغة هي القوة والقدرة، وأصلها اليد اليمنى التي هي أقوى من اليد اليسرى حيث أطلقت على الحلف للتوكيد وتقوية أمر معين. واليمين في القاموس (– مؤنث -) هو القسم لأن الناس كانوا في عصر الجاهلية يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون أو إذا تحالفوا أخد كل واحد باليد اليمنى لصاحبه. واليمين في الشرع عقد يقوي به الحالف ما عزم عليه من فعل شيء أو تركه .
وتأتي اليمين بحروف ثلاثة هي الواو والباء والتاء ويكون المقسم به هو الله عز وجل أو أسماؤه الحسنى أو صفاته أو المخلوقات ويكون الحالف هو المخلوق. وإدخال الخالق أو بعض المخلوقات في الحلف هو في الواقع تعبير على إشراك الله عز وجل أو أقرب المخلوقات (الآباء أو الأبناء) كشهداء على قول الحالف. أما المقسم عليه فهو إما واقعة أو حقيقة أو وعد بفعل شيء أو بتركه.
وقد نهى القرآن عن الإكثار من اليمين بقوله تعالى "لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" كما نهى عن اليمين الكاذبة أو اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم. قال سبحانه وتعالى "ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم" . وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس" .
واليمين إما قضائية أو غير قضائية. واليمين القضائية هي طريقة من طرق الإثبات في القضاء تؤدى في بعض الحالات شريطة وجود دعوى جارية وهي إما حاسمة ، يوجهها أحد الأطراف لخصمه وإما متممة يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لعدم كفاية ما قدمه الخصم من حجج والكل بهدف إتمام الحجج باليمين. أما الثانية وهي اليمين غير قضائية أو القانونية فهي لتأكيد القيام بما يعد به الحالف من عمل أو بسلوك معين أو بالامتناع عن القيام به وهي ما تعرف باليمين المنعقدة وتسمى أيضا اليمين المعقودة والمؤكدة. يقول الله سبحانه وتعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم به الإيمان". كما يقول عز من قائل "ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها". ولا يمكن تصور النقض إلا في المستقبل.
وبالرجوع إلى القانون المنظم لمهنة المحاماة ولا سيما المادة 12 منه نجد بأن قسم أو يمين المحامي هي يمين منعقدة إذ تنص المادة المذكورة على صيغة القسم كالتالي:
"أقسم بالله العظيم أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية، وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي انتمي إليها وأن أحافظ على السر المهني وأن لا أبوح أو انشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة، وأمن الدولة والسلم العمومي"
وبتحليل هذا القسم بصفة أولية وسطحية نجد بان الحالف هو المحامي والمقسم به هو الله عز وجل والمقسم عليه هو القيام بممارسة مهنة المحاماة بكيفية معينة وعدم القيام بأفعال يعتبرها المشرع منافية للمهنة.
"يؤدى هذا القسم أمام محكمة الاستئناف في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الأول ويحضرها الوكيل العام وكذا نقيب الهيئة الذي يتولى تقديم المترشحين المقبولين".
ويؤدي نفس القسم وبنفس الكيفية المترشح المعفى من شهادة الأهلية ومن التمرين إذ تنص المادة 21 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة على ما يلي "يؤدي القسم من طرف المترشح المعفى من شهادة الأهلية ومن التمرين، والذي تقرر تسجيله في الجدول وذلك حسب الكيفية المقررة في المادة الثانية عشر أعلاه".
وبالرجوع الى ظهير 12 غشت 1913 بخصوص المسطرة المدنية فان الفصل 38 ينص على ما يلي "يقوم المحامون بأداء اليمين فور قبولهم لاجتياز التمرين أو إثر تقييدهم في الجدول إذا كانوا غير خاضعين للتمرين." واستنادا إلى الفصل الرابع من ظهير 18 نونبر 1916 والذي أعطى لمحكمة الاستئناف صلاحية تحديد نظام لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخذه بجمعيتها العمومية وبعد الاستماع إلى الوكيل العام، حددت محكمة الاستئناف بالرباط نظاما لهيئة المحامين لدى المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء بتاريخ 9 يناير 1917 نصت في فصله الرابع على ما يلي " يقع ترتيب المحامين بالجدول أو بلائحة التمرين ابتداء من يوم قبولهم أو من اليوم الذي أدوا فيه اليمين عند الاقتضاء".
ونلاحظ بأن التقييد في الجدول كان يتم قبل أداء اليمين عكس ما يقع اليوم إذ يسجل المحامون المعفيون من الأهلية ومن التمرين في الجدول اعتبارا من تاريخ أداء القسم حسب الفصل 22 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
وقد نص ظهير 12 غشت 1913 على صيغة اليمين الواجب أداؤها في الفصل 381 وهي كالتالي: "أقسم بالله العظيم على أن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الأنظمة أو الأخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية".
وعلى اعتبار أن ظهير 12 غشت 1913 المشار إليه أعلاه لا يسمح بمزاولة مهنة المحاماة لدى "المحاكم الفرنسية" (بآليتنا الشريفة حسب الفصل 32 ) إلا للفرنسيين المقيدين بجدول المحامين لدى إحدى المحاكم الفرنسية ، أو للأجانب المجازين في الحقوق، الذي يكونوا قد مارسوا فعليا مهنة المحاماة طيلة ثلاث سنوات على الأقل أو للفرنسيين والأجانب الحاملين للإجازة الفرنسية في الحقوق والذين يكونوا قد قضوا ثلاث سنوات من التمرين وهم يمارسون مهامهم لدى المحاكم الفرنسية بالمغرب فإن صيغة القسم لم تكن لتختلف على القسم المؤدى في فرنسا.
وقد كانت صيغة القسم في فرنسا هي الأخرى على الشكل التالي: " أقسم بالإنجيل على ألا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الأنظمة أو الأخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى ألا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية" .
ويكمن الاختلاف في اليمين "المغربية" مع اليمين "الفرنسية" آنذاك في المقسم به إذ يتم الحلف في فرنسا على الإنجيل بينما يتم الحلف بالمغرب بالله سبحانه وتعالى.
وكان الطابع الديني يغلب على اليمين في عهد الرومان إذ كان المحامي يقسم على الإنجيل بأنه لن يتفانى في الدفاع عن موكله وألا يكلف بقضية سيئة.
أما في فرنسا فان قسم المحامي مر من عدة مراحل منها ما هو ديني في البداية بالطبع ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو مهني محض.
ويمكن القول بان التعديلات المتعددة التي عرفها القسم في فرنسا تبرز في الواقع مدى تعقيد العلاقات بين المحامين والسلطة السياسية.
وعلى اعتبار أن مهنة المحاماة في فرنسا ترجع إلى القرن الثالث عشر فإننا نجد أن نظام فيليب الثالث (Philippe le Hardi ) المتعلق بالمحاماة المؤرخ في 23 أكتوبر 1274 ينص على أن المحامين يقسمون على الإنجيل وباللاتينية على أن لا يتكلفوا إلا بالقضايا العادلة وأن يدافعوا عنها بعناية وبإخلاص وأنهم سيتخلون عنها إذا ما تبين لهم بأنها غير عادلة وإذا رفض المحامون أداء هذا القسم فإنهم سيمنعون من مزاولة المهنة إلى أن يؤدوا هذه اليمين. كما كان هذا القسم يتضمن جانبا بخصوص أتعاب المحامي الذي حددها النظام في مبلغ أقصاه 30 جنيه حيث كان المحامي يقسم ألا يأخذ مبلغا أكثر من الحد الأقصى. وإذا ما حنث الحالف بيمينه يشطب عليه من مهنة المحاماة إلا إذا ارتأى القضاة تأديبه بغير ذلك حسب خطورة الأفعال.
وحينما كان القاضي يسأل المحامي بعد أداء اليمين كان هذا الأخير يعد بان يكون حاضرا في الصباح الباكر وان لا يزعج الجلسات وان لا تكون مرافعاته طويلة .
وكان نظام فيليب الثالث عشر يقرأ مرة في السنة بغرفة الجنايات.
وفي سنة 1344 أدخل البرلمان تعديلات على قسم المحامي، حيث أصبح يتضمن إضافة إلى المبادئ العامة المشار إليها سابقا التزام المحامي بعدم استعمال وسائل التسويف أو التصريحات غير المضبوطة أو التي لا علاقة لها بالموضوع. كما يقسم على أخذ أقل من 30 جنيه في حالة ما إذا كانت القضايا بسيطة .
وكان القسم في بعض المدن كميدز (Metz) مثلا أكثر شرحا وأكثر استفاضة وأكثر قيودا بالنسبة للمحامي .
وبعد ذلك أصبحت صيغة القسم ولمدة قصيرة بسيطة للغاية وأصبح المحامي يقسم أمام القضاة على احترام أوامر وقرارات وأنظمة المحكمة. ولم يكن الجميع يحترم إعادة أداء القسم سنويا . وكان النقيب فيما بعد والقدامى المتواجدين معه هم الذين يعيدون أداء اليمين أصالة عن نفسهم ونيابة عن باقي المحامين .
وبقي الطابع الديني يغلب على اليمين خلال القرن السابع عشر والثامن عشر الى غاية الثورة الفرنسية حيث ألغى نابليون بونابارت مهنة المحاماة وحل النقابات بمرسومين مؤرخين في 2 و11 شتنبر 1780.
بتاريخ 14 دجنبر 1804 أصدر نابليون بونابارت مرسوما يتضمن نظاما لممارسة مهنة المحاماة. وكان هذا النظام أقسى وأسوء نظام عرفته مهنة المحاماة في فرنسا لأنه أفقد المهنة كل استقلاليتها. وأصبح لليمين طابعا سياسيا بامتياز إذ نص المرسوم على صيغة القسم كالتالي: "أقسم بطاعة دساتير الإمبراطورية وبإخلاص الإمبراطور وألا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الأنظمة أو الأخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى ألا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وألا أرشد أو أدافع عن آية قضية أعرف من خلال ضميري ووجداني أنها غير عادلة" .
والملاحظ من خلال هذا القسم هو تغييب الطابع الديني على القسم وذلك بإبعاد القسم على الإنجيل وإدخال الطابع السياسي بالقسم على الإخلاص للإمبراطور.
وفي سنة 1830 (قرار 22 أكتوبر) اقتصر لوي فيليب على التعديل الشكلي إذ أصبح المحامي يقسم على الوفاء لملك فرنسا (أو ملك الفرنسيين) والخضوع للدستور والقوانين الفرنسية.
وفي سنة 1954 أصدرت فرنسا مرسوما يلغي القسم في جانبه المتعلق بالإخلاص لرئيس الدولة ويحتفظ بالباقي. وبتاريخ 9 يونيو 1972 أضيفت بعض العبارات للقسم الذي أصبح كالتالي: "أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وألا أحيد عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وقواعد مجلس الهيئة التي أنتمي إليه وأن لا أفوه أو أنشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة وأمن الدولة والسلم العمومي"
وفي 15 يونيو 1982 صدر القانون المعروف بقانون بادنتر الذي عدل قسم المحامي وجعله يقتصر على الصيغة التالية: " أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية"
وبقي القسم على صيغته إلى ان جاء قانون 31 دجنبر 1990 الذي عدل قانون 15 يونيو 1982 حيث أضيفت كلمة الاستقامة (Probité) إلى القسم: "أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال واستقامة وإنسانية".
أما في المغرب وبالرجوع إلى جميع القوانين التي نظمت مهنة المحاماة منذ سنة 1913 فإن صيغة القسم لم تتغير من 1913 إلى 1979 حيث بقي المحامون يقسمون على الشكل التالي: " أقسم بالله العظيم على ألا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الأنظمة أو الأخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى ألا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية".
وبتاريخ 8 نونبر 1979 صدر قانون تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة نص في الفصل 13 على اليمين التالية: "أقسم بالله العظيم أن أزاول مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وألا أحيد عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وقواعد مجلس الهيئة التي انتمى إليه وألا أقول أو أنشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة وأمن الدولة والسلم العمومي"
وقد أشار بعض الباحثين إلى أن التزام المحامي باحترام "قواعد مجلس الهيئة الذي ينتمي إليه" - وهي بدعة أتى بها قانون 1979 المشار إليه أعلاه - «لا مبرر لها وإلا فان على المحامي الذي استقال من نقابته ليسجل في نقابة أخرى أن يؤدي اليمين حتى يكون في وضعية من لا يحيد عن قواعد مجلس هيئته الجديدة" في حين أن جميع القوانين والتقاليد والأعراف لا تلزم المحامي (ولا المحامي المتمرن) بإعادة أداء القسم إذا استقال من هيئته والتحق بهيئة أخرى.
ولم يأت الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون والصادر في 10 شتنبر 1993 بتنظيم مهنة المحاماة بأي تغيير إذ نص على نفس الصيغة بالنسبة للقسم.
وقد أثار بعض الباحثين انتباه الحقوقيين والمهنيين إلى الصبغة السياسية للقسم الذي يدجن شخصية المحامي ويلزمه باحترام السلطات العمومية وعدم التفوه أو نشر ما يخالف القوانين والأنظمة وأمن الدولة والسلم العمومي ويضرب كذلك في الصميم جميع المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.
فالرغبة في إسكات المحامي بواسطة القسم هي في حد ذاتها مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصادق عليه من قبل المغرب وخرقا سافرا لحرية التعبير.
فلا يجب أن يتضمن القسم في الواقع إلا على ما له ارتباط بمهنة المحاماة كالكرامة والضمير والاستقلال والنزاهة والإنسانية.
وكان المحامون ينتظرون أن يتم تغيير صيغة القسم بمناسبة تعديل قانون المهنة سنة 2008 ليصبح قسما مهنيا صرفا. إلا أن القانون المؤرخ في 20 أكتوبر 2008 وإن كان قد أضاف للقسم الحفاظ على السر المهني وبدل السلطات العمومية بالسلطات القضائية فإنه أبقي على طابعه السياسي وطابعه القمعي الذي يتنافى مع ابسط مبادئ حقوق الإنسان ألا وهو الحق في التعبير.
وكنا سنتفهم الأمر لو كان مصدر القانون المنظم لمهنة المحاماة لسنة 2008 هو السلطة التنفيذية التي تتوفر على أغلبية برلمانية ، إلا أن الواقع كان خلاف ذلك إذ كانت المبادرة من فريق برلماني يساري تقدمي بناء على رغبة وطلب وتنسيق مع المهنيين .
وقد حاول فريق برلماني تدارك الأمر أمام غرفة المستشارين ونظم بها يوما دراسيا حول مقترح القانون الذي تمت المصادقة عليه بالغرفة الأولى. وقامت بعد ذلك بعض الفرق البرلمانية بتقديم مقترحات لتعديل المقترح ومنها مقترح تغيير القسم بحذف كل ما يمس بحقوق الإنسان وباستقلال المحامي إلا أن مجلس المستشارين وبضغوط من المهنيين كان مجبرا على المصادقة حرفيا على النسخة التي توصل بها من الغرفة الأولى.
وقد ضيع المحامون في الواقع فرصة ثمينة لملائمة قانون المحاماة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالقسم الذي يبقى في صيغته الحالية قسما يتنافى ليس فقط مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولكن أيضا مع الدستور المغربي الذي ينص على أن المملكة المغربية وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، تلتزم بما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا .
ولابد من الإشارة إلى كون القسم على شكله السابق أو الحالي يتعارض مع مبادئ الاستقلال والكرامة التي يقسم عليها المحامي أو تلك المنصوص عليها بالمادة 3 من القانون المنظم للمهنة.
ولن نعيد ما شرحناه أعلاه عن الكرامة الذي سبق أن قدم كعرض بمناسبة مؤتمر طنجة لسنة 2008 ولكن بالإمكان التركيز على أن المس بحرية التعبير – المستنتج من القسم - هو مس بالكرامة وأن التعريف بالكرامة يكمن في كل ما لا يمكن للإنسان التخلي عنه.
ومن اللازم الإشارة كذلك إلى استقلال المحامي الذي هو واجب على هذا الأخير اتجاه الجميع سواء كانوا زملاء أم موكلين أم قضاة أم من باقي مساعدي القضاء أو غيرهم وأن القسم على حالته يمس بهذا الاستقلال.
وكيفما كانت صيغة القسم فإنه لا بد من التأكيد على أن القسم واحد بالنسبة للمترشحين للتسجيل في لائحة التمرين أو بالنسبة للمترشحين المعفيين من شهادة الأهلية ومن التمرين للتقييد في الجدول. ومن تم فإن المتمرن الذي أنهى فترة التمرين لا يعيد أداء القسم الذي سبق له أن أداه.
ويؤدى القسم أمام محكمة الاستئناف التي توجد بها هيئة المحامين" في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الأول ويحضرها الوكيل العام وكذا نقيب الهيئة الذي يتولى تقديم المترشحين المقبولين" . إلا أن القوانين السابقة وكذا الأعراف والتقاليد كانت تفرض بأن يؤدى القسم في جلسة علنية يرأسها الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وتكون فيها جميع الغرف مجتمعة.
وكان هذا العرف نابع من رغبة القضاة في تكريم المحامين الجدد، إلا أنه بإمكان القسم أن يؤدى في بداية أية جلسة وأمام أية غرفة. كما جرى العرف أن يحضر جلسة اليمين المحامي الممرن.
وتسجل المحكمة سماعها لليمين التي أداها المحامي بمحضر غير قابل للطعن بالنقض. وقد كان أداء اليمين في السابق "شرطا لممارسة المهنة وليس شرطا لقبول تقييده في جدول المحامين" ، كما أن مقرر قبول المرشح في لائحة التمرين لم يكن يسبقه أداء اليمين القانوني في حين أن ممارسة التمرين هي التي كانت تقتضي أداء هذه اليمين .
أما اليوم فان الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمترشح للتمرين إذ تنص المادة 12 على انه "لا يقيد المترشح المقبول في التمرين، ولا يشرع في ممارسته، إلا بعد أن يؤدي القسم ". أما المعفيون من شهادة الأهلية ومن التمرين فان تاريخ أداء القسم هو الذي ينطلق فيه كذلك تقييدهم بالجدول حسب المادة 22 من القانون المنظم للمهنة.
وتكون طريقة تقديم النقيب للمترشح حسب الأعراف والتقاليد على الشكل التالي " السيد الرئيس، السادة المستشارين، بناء على المادة 12 من القانون المنظم للمهنة أتشرف بان أقدم لكم الآتية أسماؤهم ... وهم مترشحون للتسجيل في لائحة التمرين (أو في الجدول) قصد أداء القسم. أطلب منكم بكل تقدير قبول أدائهم القسم القانوني والأمر بتسجيل ذلك في محضر رسمي للرجوع إليه عند الحاجة.
وبعد ذلك يطلب الرئيس من كاتب الضبط أن يعمل على قراءة القسم بالصيغة المنصوص عليها في القانون المنظم لمهنة المحاماة. وعند نهاية القراءة يرفع المترشح يده اليمنى ويقول أقسم بالله على ذلك.
والهدف من تقديم النقيب للمترشح إلى المحكمة لأداء القسم هو دليل على أن مجلس الهيئة قد تدارس ملفه وأجرى بحثا حوله وهو من تم ضامن له ولشواهده ولأخلاقه.
أما إذا رفض مجلس الهيئة قبول طلب المترشح لسبب من الأسباب فإن للطرف المتضرر أن يطعن في مقرر المجلس بمقتضى مقال يودع بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ أو من اليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاذ المقرر الضمني .
وتبت محكمة الاستئناف بغرفة المشورة بعد استدعاء النقيب وباقي الأطراف لسماع ملاحظاتهم وتلقي الملتمسات الكتابية للوكيل العام وتبث غرفة المشورة برئاسة الرئيس الأول وأربعة مستشارين وتجري المناقشات في جلسة سرية وينطق بالمقرر في جلسة علنية .
وبغض النظر عن قابلية القرارات الصادرة عن غرفة المشورة للطعن بالتعرض والنقض فان السؤال المطروح هو من سيقدم المترشح - الذي رفض المجلس ملفه وحسم القضاء في قبوله - إلى محكمة الاستئناف لأداء القسم ؟.
وبالرجوع إلى تقاليد وأعراف هيئة المحامين بالرباط فان الملاحظ هو أن رفض النقيب تقديم المترشح لم يقع ربما في تاريخ الهيئة إلا مرتين نظرا لكون المترشحين كانت لهما سمعة وسوابق لن تشرف المهنة ومن شأنها المساس بها. أما في غالب الأحيان فان النقيب يصاحب المترشح الذي عليه أداء واجب الانخراط والتسجيل أو واجب التسجيل في الهيئة قبل أداء القسم. وهو أمر منطقي لان النقيب ملزم باحترام الأحكام والقرارات القضائية كغيره من المواطنين سيما وأن رفض بعض الملفات من الممكن أن تتدخل فيه بعض المعطيات الغير المهنية خصوصا وأن النقيب يخضع لمقررات مجلس الهيئة التي تتخذ بالأغلبية.
وقد اقترح بعض الباحثين أن يتم أداء اليمين أمام مجلس الهيئة "ليجسم الاستقلال الكامل الذي تتمتع به مهنة المحاماة". وقد استلهم الباحث اقتراحه من قانون المحاماة بمصر الذي تنص المادة 20 منه على أنه : " لا يجوز للمحامي الذي يقيد اسمه بجدول المحاماة أن يزاول المهنة إلا بعد حلف اليمين التالية : (أقسم بالله العظيم أن أمارس أعمال المحاماة بالشرف والأمانة والاستقلال وأن أحافظ على سر مهنة المحاماة وتقاليدها وأن احترم الدستور والقانون), ويكون حلف اليمين أمام لجنة قبول المحامين بحضور ثلاثة من أعضائها على الأقل وتثبت إجراءات حلف اليمين في محاضر اجتماعات اللجنة". كما يمكن الرجوع إلى بعض التشريعات الأجنبية الأخرى كالبرازيل والبيرو والتي تنص على أن اليمين تؤدى أمام مجلس النقابة أو تلك التي تنص على أن اليمين تؤدى أمام مجلس مشترك يضم المحكمة ومجلس النقابة .
أما في فرنسا أو في سورية أو في تونس أو في لبنان مثلا فإن القسم يؤدى أمام محكمة الاستئناف كما هو الحال بالمغرب.
وبالرجوع إلى قسم الطبيب أو الصيدلي مثلا فإننا نجد بان القسم في المغرب يؤدى أمام اللجنة التي ناقش أمامها الطبيب أو الصيدلي أطروحته. أما قسم المهندس المعماري فانه يؤدى أمام المجلس الوطني للمهندسين المعماريين.
ونعتقد بان أداء القسم أمام نقيب ومجلس الهيئة الذين زكوا المترشح لممارسة مهنة المحاماة سواء كمتمرن أو كمحام رسمي هو الأقرب إلى الصواب لان المجلس هو من يقوم بدراسة وثائق الملف وهو من يقوم ببحث حول أخلاق المترشح (- مع إمكانية الاستعانة بالنيابة العامة -) وهو من يقرر قبوله وهو من سيرافقه طوال حياته المهنية سواء في مجال التأطير أو التكوين أو المراقبة أو التأديب إن اقتضى الأمر ذلك.
وخلاصة الأمر هو أن قسم المحامي بالمغرب الذي تنطلق منه الممارسة المهنية والذي يغل يد ولسان المحامي هو ضد دولة القانون وهو من تم بحاجة إلى وقفة تأمل وبحاجة إلى تعديل يحرر المحامي من القيود التي يفرضها عليه ويصون حقوقه وكرامته. ونتمنى أن ينتبه المشرع وقبله المهنيون إلى هاته الجزئيات حتى نكون في تلاؤم تام مع المواثيق الدولية ومع أحكام الدستور المغربي الأخير.
بل أبعد من ذلك فإنه بإمكان المشرع وقبله الحقوقيون والمهنيون والمهتمون بالشأن المهني التفكير في حذف القسم باعتبار أن اليمين كانت تتم في غياب القوانين التي تضبط رسالة المحاماة وكانت هي في حد ذاتها بمثابة عقد يبرمه مؤدي اليمين مع من تم القسم أمامهم ويلتزم من خلاله بالقيام بعمل أو بالابتعاد عن القيام به ويشهد الله على ذلك.
أما اليوم فنحن لسنا أمام فراغ تشريعي حتى نسده بالقسم بل نحن أمام العديد من القوانين التي تتداخل فيما بينها لتنظيم المهنة. ويكفي الرجوع للمادة الثالثة من قانون المحاماة التي تنص على أن المحامي يتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة أو المادة السابعة التي تتكلم عن حالات التنافي أو المادة 35 و36 حول الوقار والسر المهني أو غيرها من المواد التشريعية أو التنظيمية المتعددة لمعرفة أن القسم أصبح متجاوزا – إلا إذا كنا نريد الاحتفاظ به لطابعه الديني أو لطابعه الاحتفالي الرسمي أو هما معا - باعتبار أن الوافد على المهنة والممارس لها ملزم باحترام ترسانة من الضوابط المكتوبة وغير المكتوبة تحت طائلة التأديب الذي قد يصل إلى حد التشطيب عليه من لائحة التمرين أو من الجدول.
( نص العرض المقدم من قبل الأستاذ خالد خالص بمناسبة المؤتمر الثامن والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد بالسعيدية أيام 6 و 7 و 8 يونيو 2013)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. French authorities must respect and protect the right to fre


.. تحقيق مستقل: إسرائيل لم تقدم إلى الآن أدلة على انتماء موظفين




.. البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل يتيح ترحيل المهاجر


.. كاريس بشار: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى البعض..




.. مشاهد لاعتقال العشرات من اعتصام تضامني مع غزة بجامعة نيويورك