الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- حلاوة في الإيمان - فيلم يغوص في مواضيع ختان الإناث ، السياسة والدين

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2021 / 2 / 1
الادب والفن


Sweetness in the Belly

تُعدُّ السينما الإثيوبية ظاهرة حديثة نسبيًا في إثيوبيا. وتشهد صناعة السينما الإثيوبية في ألاونة الاخيرة نموًا ، لكنها تواجه العديد من المشكلات التي حالت دون ازدهارها بالكامل . ورغم تطور السينما الاثيوبية الا انها مازالت قليلة الانتشار خارجيا وذلك بسبب انحصارها على اللغات المحلية مثل الامهرية والاورومية، وكذالك قلة الدعم الحكومي لها واعتماده على القطاع الخاص ، وفي الفترات الأخيرة تطورت السينما الإثيوبية لتتناول قضايا مثل الاغتصاب والفساد الإداري للمسؤولين واستغلال السلطة والنفوذ ، وتعّرض عدد آخر من الأفلام لقضايا الهجرة والصراعات الطبقية في المجتمع الإثيوبي والسلطة والثروة . ومن هذه الافلام التي نقلت صورة من التاريخ السياسي لأثيوبيا وتثير موضوع مهم وحساس ألا وهو" ختان ألإناث" تلك العملية التي تسبب أضرارا جسدية ونفسية تؤثر على حياة المرأة. وعلى الرغم من أن عملية ختان الإناث غير قانونية في العديد من الدول، إلا أنها تمُارس بانتظام في مناطق في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط . فيلم " حلاوة في الروح "، وهو فيلم درامي أنتج عام 2019 من إخراج المخرج الاثيوبي "زيريسيناي ميهاري" ، مقتبس بشكل رائع من رواية كاميلا جيب الحائزة على الجوائز لعام 2005 والتي تحمل نفس الاسم ، وهي كاتبة كندية أنكليزية المولد وتقيم في تورنتو. ولدت في لندن (20 فبراير 1968)، ونشأت في تورنتو، أونتاريو.التحقت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة قبل حصولها على بكالوريوس الآداب في الأنثروبولوجيا ودراسات الشرق الأوسط من جامعة تورنتو ودكتوراه الفلسفة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة أكسفورد. نُشرت روايتها الثانية "التفاصيل الصغيرة لحياة متعددة " في عام 2002 ، وفي روايتها الثالثة "حلاوة في الإيمان" التي صدرت في عام 2005 ، فازت بجائزة دبلن ، وأدرجت في القائمة الطويلة لأفضل كتاب في أونتاريو عام 2006 ، وهي رواية عميقة ، تستكشف مواضيع عديدة منها، ختان الإناث ، السياسة ، الحرب والقبلية، لكنها أيضًا تعطي صورة رائعة للإسلام ، تم تحويلها الى فيلم من أخراج المخرج الإثيوبي "زيرينسياي بريهاني ميهاري" ، سيناريو"لورا فيليبس" بطولة "داكوتافانينغ " ، والممثل "يحيى عبدالمتين الثاني" وكذالك "كونال نيار" . عرض الإنتاج الأيرلندي - الكندي – البريطاني ، في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي .
أثار الفيلم عند عرضه ضجة ، وتصدرعناوين الصحف بسبب بطولة الممثلة" داكوتا فانينغ " كامرأة إثيوبية اسمها ليلي تركها اهلها في مزار صوفي في المغرب ومن ثم يتولى شيخ صوفي الشيخ عبد العظيم"عبدال" الذي عاملها على أنها إبنة محبوبة ومدللة ، علمها ممارسة الصوفية وقام برعايتها وتعليمها وتربيتها كمسلمة ملتزمة ، بعدها تسافر الى إثيوبيا برا، وتعيش في قرية نائية ، قبل أن تجبر على المغادرة واللجوء الى بريطانيا بعد الاطاحة بنظام الامبراطور"هيلا سيلاسي" في عام 1974 . تروي ليلي حكاياتها من خلال زمنين يتداخلان معها باستخدام طريقة الفلاش باك للرجوع الى تجربة حياتها في مدينة هارار في سبعينات القرن واحداث زمن الحاضر بعد عقد من الزمن وفي لندن . فيلم "حلاوة في الروح "هو قصة تضفي طابعًا إنسانيًا على الأوقات الصعبة في بلد غالبًا ما يتم تجاهله . يفتتح الفيلم بأشارة الى الاطاحة بالامبراطور"هيلاسي لاسي" أمبراطور أثيوبيا ، بعد أربعة عقود من الحكم الامبريالي ومن قبل جيشه ، عمت الاحتفالات في عموم البلاد لكن الامل ينقلب الى رعب حين أضطر الملايين الى الهرب من بطش الحكم العسكري وإعتقالاته ، يفتتح الفيلم مع ليلي (داكوتا فانينغ) ، وهي امرأة مسلمة بيضاء ، تسافر إلى بريطانيا كلاجئة بعد الثورة الإثيوبية في أيلول من عام 1974 على الامبراطور هيلا سيلاسي ، نشاهد وصول مجموعة من النساء الإثيوبيات الهاربات من العنف الى مطار(ستانسيد) في لندن ، وفي مركز استقبال اللاجئين في المطار، يخرج الموظف ينادي على احدى اللاجئات وهي الانسة (عبدال) ويفاجئ بانها شابة بيضاء وبعيون زرقاء ، وترتدي حجاب أزرق يغطي شعرها الاشقر ، وترفع يدها لتؤكد انها " ليلي عبدال"، ويطلب منها ان تتبعه، ويخرج لها صورة جواز سفر والدها ويسألها : هل هذه صورة والدك " وترد بالايجاب ، وهي قادمة من أثيوبيا ، ويسالها اين كانت قبل ذاك ؟ ، ترد "في المغرب "، والتي أمتد بقاءها فيها اثنى عشر عاماً، وعند خروج الموظف من الغرفة لاستكمال طلبها ، تعود ليلي وبطريقة الفلاش باك الى المغرب ، وبالتحديد في عام 1962 طفلة صغيرة في سيارة يقودها أبيها، وهي تغنى مع والديها أغنية مرحة ، وتروي لنا ليلي حكايتها: "عندما كان عمري سبع سنوات أخذني والداي الى مزار صوفي في المغرب ، لنرى "أبدال العظيم"، أخذاني الى هناك كي يباركني معلم صوفي موقر، على الاقل هذا مأاخبراني به "، تلهو ليلي باللعب مع الاطفال في الباحة المقابة للمزار، حين انتبهت الى غياب والديها ـ وعندما لحقت الام ، اخبرتها بانهم سيذهبون بجولة وسيعودون ، وطلبت منها الرجوع واللعب مع الاطفال لحين عودتهم، وهذه كانت أخر مرة ترى والديها ، تم التخلي عنها وهي طفلة في مزار صوفي مغربي من قبل الوالدين الهبيين البريطانيين"فيليب" و"أليس ميشيل" (صوفي كينيدي كلارك ، جافين دريا) حتى يتمكنوا من الخروج والحصول على المزيد من المخدرات دون عائق قضايا رعاية الأطفال . ثم تبناها الشيخ الصوفي عبد العظيم "استاد توفيق يوسف محمد" بعد أختفاءهما من دون أن تعرف السبب وماالذي جرى لهم (عرفت في الاخير إنهم قتلوا) ، ثم تسترجع نفسها في مركز اللجوء في المطار وهي تمتم بقراءة" أية الكرسي" من القرآن ، ومع عودة الموظف المسؤول ليخبرها بانهم تمكنوا من العثورعلى سجل لابنة ولدت ل(فيليب) و(أليس ميشيل) ، وأسمها ليلي ويبدو إنهم قدموا لطلب جواز سفر لها في القنصلية الانكليزية في اسطنبول ، ولكنهم لم يعودوا الى إستلامه ، ويمنحها البطاقة التي تحدد انها بريطانية وتسمح لها بالعودة الى بريطانيا مع كل الحقوق والامتيازات ، وعند نقلها بالباص لمحل التوطين مع مجموعة من اللاجئات الإثيوبيات ، تسترجع "ليلي" حكايتها وبطريقة الفلاش باك ، بعد أن تبناها عبدال أو (عبد العظيم) علمها اللغة العربية وقراءة القران وإرتدت الحجاب ، وكذالك قام عبد العظيم (إستاد توفيق يوسف محمد) بتعليمها علم الرياضيات وعلم الفلك وأضافة الشعر الفارسي، وبعد ان اصبحت شابة ارسلها عبدال للدراسة في مزار بلال الحبشي المبارك في اثيوبيا . وفي اثيوبيا تلتقي ب( غتشا) وتقوم بدورها الممثلة " ميسيل إيدلوركس تاسو" وهي الزوجة الرابعة للشيخ جامي وقريبتها نوريا وتقوم بدورها الممثلة " زيريتو كيبيدي" في بيت الشيخ الحكيم التي تقيم عنده ، وتتبرع ليلي لتعليم ابنتهم القرآن ، وكانت نوريا قريبة من طفلتها التي يبدو عليها المرض ، وتعتذر نوريا عن ضيافة ليلي بحجة شحة الطعام الذي لايكفي ، لكن ليلي تخبرها أن عبدال أعطاها بعض المال ، فتعود من الاستذكارالى مركز أيواء اللاجئين ومجموعة من النساء يتجمعن على قوائم الاسماء التي ظهرت للسكن خارج المركز ، بالنظر إلى المعاملة التفضيلية على ما يبدو بسبب لون بشرتها، يتم إرسال ليلي الى شقة سكنية ، تعيش ليلي في شقة فارغة إلا من اثات بسيط ، وفي هذه الشقة التي منحها لها المجلس البلدي ترجع ليلي بذاكرتها الى أثيوبيا، وهي تركض تسحب مع نوريه ابنتها المحملة بعربة والطفلة تنزف نتيجة لعملية "ختان"ـ هذه الظاهرة التي تنتشر في عدة دول بشمال وغرب ووسط إفريقيا، فضلاً عن بعض الدول الإسلامية كاليمن ومصر وأندونيسيا ، وتستند الظاهرة التي تشكل انتهاكا حقيقيا لحقوق المرأة إلى خلفيات ثقافية ودينية تزعم أن الختان يبعد المرأة عن الذروة الجنسية المفرطة ، تنقل الطفلة الى المستوصف الصحي القريب منهم مخترقين مظاهرة للعاملين والعاملات في المجال الصحي، وفي المركز الصحي تلتقي بالطبيب الوسيم عزيزعبد الناصر"يحيى عبد المتين الثاني"، ويسألها"من أنت ؟ ومالذي تفعلينه في هارار؟ "، تجيبه ليلي"وهل هذه المعلومات ضرورية لأدارة المستشفى؟"، ويرد" لا ، ولكنها فضول من قبلي "، وتحصل حالة من الاستلطاف بينهما سرعان ماتتحول الى حالة حب ، ليلي تساعد غيتشا ونورية في اعمال البيت وبنفس الوقت تبدأ حالة الطفلة بالتحسن التي كانت على مشارف الموت بسبب تلك الممارسة المتخلفة وهي ختان الإناث ، وعند تكرار زيارة الدكتورعزيز لعلاج الطفلة تزداد أواصر العلاقة بين الطبيب وليلي ، وفي أحدى الزيارات يدعوها الطبيب الى حضور احدى الاجتماعات مع مجموعة من الشباب والشابات المناهضين لحكم ألامبراطور"هيلا سيلاسي ". تلبي الدعوة ليلي وتحضرفي وقت كان التلفزيون الإثيوبي ينقل إحتفالات الامبراطور"هيلا سيلاسي" بسنته الاربعين كحاكم لإثيوبيا وفي إحتفال فاخر أخرج المدينة كلها، ويخبرها عزيز " هنا نحن نشاهد مايفرضه علينا الامبراطور، نحن نتذمر وننتقد ونتخيل إننا نقاوم" ، الطبيب عزيز وهو الثوري الذي يحلم بالتغير وأزاحة هذا النظام وبشكل ثورة شعبية وليس بإنقلاب عسكري .
في يوم 12 ايلول من عام 1974 نجح الانقلاب على حكم الامبراطور هيلا سيلاسي ، وتم أزاحة الامبراطورمن السلطة وبدأ عهدً جديداً ، وأستلم الجيش الحكم لحين كتابة الدستوروقيام الانتخابات . وفي احدى المرات ، تخاطر ليلي بالخروج مع الطبيب عزيز و لكن ينتابها إحساس بالذنب لانها ارتكبت فعلا معيبا، وفي مشهد لأول قبلة مع الطبيب الثوري(عزيز) تشعر بالعارلانها تظن إنها فعلت خطيئة وفي نفس الوقت تشعر بالسعادة . وعند الأجابة على سؤال الدكتور(عزيز ) : " أنت روح حرة ؟" ، ترد " لا ، الارواح الحرة لاتخشى الاحكام "، يعود ويسأل الدكتورعزيز"من تكونين أنت ؟" تجيب ليلي " شخص يخاطر بفرصته بالفردوس في الحياة الآخرة كي يكون معك في هذه الحياة " ، بخبرها الطبيب عزيز بانه سوف يستمر بالنضال هو ورفاقه ضد الحكم العسكري ، نيابة عن الناس الفقراء الذين لايستطعيون القتال ولذا سيغادر هارار ، لانه في الاسبوع الماضي قتلت الطغمة العسكرية 60 سجيناً سياسياً في أديس أبابا ، وان الناس الذين ساهموا بزاحة الامبراطور معرضون للاعتقال ويتم سجنهم من دون تهم وتعذيبهم وقتلهم ، وكذالك الحزب العسكري الحاكم قد اغلق البلاد وعزلها عن العالم الخارجي من أجل السيطرة على السلطة ، اصبح خطرا عليه ، يخبرها الطبيب الثوري عزيز بانها في خطر لانهم شاهدوها في اجتماعاتهم ، لذا واجب عليه تسفيرها بحافلة الى جيبوتي حيث يتدفق اللاجئين الهاربين لوجود قنصلية بريطانية هناك ، ولكون لون بشرتها البيضاء سوف يمنحها الاولوية وسوف لن تتاخر هناك سوى اسابيع ، يريد عزيز ان يطمئن على سلامة ليلي ويمحنها بطاقته الشخصية للاحتفاظ بها كي لاتنسيه، ويعد بأنه سوف يبحث عنها وسيلتقي بها ، وينجح عزيز في اللحاق بالحافلة ويدفع بليلي ويختفى بين الجموع الغاضبة من المحتجين على الحكم العسكري، وكان أخر لقاء مع حبيبها الطبيب . ثم يعود بنا المخرج الى لندن وسعي ليلي في البحث عن عمل ، فتقدم اوراقها الى المستشفى للعمل كممرضة مساعدة ، لكونها تملك مؤهلات وخبرات إكستبها من تجربتها وكذالك أجادتها الى عدة لغات ، لقد تم تعيينها أخيرًا عندما أقنعت المسؤول الذي أجرى مقابلة معها أنه قد يكون من المفيد أن يكون لديه موظف يتحدث العربية والأمهرية والأورومو للترجمة ، نظرًا لتدفق اللاجئين الإثيوبيين ، وتباشر عملها ( مساعد ممرض) ، وفي أحد المشاهد ، وعند عودتها من العمل في المستشفى ، وعند درج شقتها تصادف أمراة "أمينة " وتقوم بدورها (ونمي موساكو) ، وإبنها أحمد (رافائيل غونسالفيس). في حالة ولادة وتطلب مساعدتها ، يتم نقل (أمينة) الى شقة ليلي التي تتنازل عنها الى امينة وبروح طيبة ونبيلة . ليلي تكرس جهدها في البحث عن حبيبها الطبيب عزيز والتي مازالت على أمل اللقاء به ثانية، لذا تضع في لوحة المفقودين إسم حبيبها الطبيب عزيز المفقود في إثيوبيا، في المستشفى يحاول طبيب لطيف يدعى روبن كسب ودها ، الطبيب روبن ساتي ويقوم بدوره الممثل (كونال نايار)، هو شخصية غريبة الأطوار يختبئ في الغرفة الطبية لقراءة الكتب فهو يحب قراءة الكتب والمطالعة ، ثم يبدأ في محاولة لجذب ليلي، ولانها مخلصة الى حبيبها عزيز تجد الطبيب مزعجاً بالنسبة لها ، و في الوقت الذي يزداد اهتمام الطبيب "روبن" بها ، تستمر ليلي في مقاومة اهتمامه العاطفي لأنها تأمل في لمّ شملها بعزيز ألذي ظل شبحة يطاردها، وفي أحدى المرات تراءى لها انها لمحته في احدى ردهات المستشفى اللندني . تعمقت علاقتها برفيقة السكن "أمينة" التي سردت لها حكايتها من طفولتها في المغرب وغياب والديها المفاجئ وهي طفلة ذات السبع سنوات ثم هجرتها الى مدينة هارار في إثيوبيأ، أما "أمينة" ذات الشخصية القوية ، هي الاخرى مفجوعة وأصابتها نيران المخاض السياسي في إثيوبيا ، حيث كان الحياة لهم جيدة وكل شئ على مايرام ، زوجها كان مهندس زراعي ، حتى بدأ زوجها يوسف (بيتر بانكولي) يشارك في الاحتجاجات وألاضرابات ضد حكم الامبراطور هيلا سيلاسي ، وبدأ زوجها يوسف يحضر الاجتماعات السياسية مع اليساريين الذين يريدون تغير النظام ، وكم من مرة حاولت "أمينة " منعه من الاستمرار في هذه النشاط ، ولكن دون جدوى، وفي احدى الليالي ، جاء جنود هيلا سيلاسي وقاموا بضربه ونزف كثيرا وكان ملقى تحت قدمي زوجته وأبنه . في أحد المشاهد ، فزعت ليلي في رؤية صديقتها" امينة" في الحمام وثيابها مغطاة بالدماء ، تحاول ليلي إسعافها لكن أمينة تخبرها "إني اعرف وجعي " ، كنت في مخيم أللاجئين ، وكان على أن أفعل كل مافي وسعي ، في أن أحمي إبني (أحمد )، وعندما رأوني الحرس بأني لست مختونة ربطوني وقلبوني وقاموا بذالك بشكل معاكس ، أحياناً ثمة الم ، واحياناً ثمة دماء"، وحين ترد عليها ليلي"، أنتهى الامر ألان " تضيف أمينة" لن ينتهي أبداً "، ولأن الجنود تنابوا على إغتصابي ، وهذه الطلفة هي واحدة من أثار تلك الجريمة ، العنف الذي واجهته أمينة في مخيمات اللجوء قبل الوصول الى بريطانيا ، والعار في أن يوسف ليس والدها، وهو لايعرف ماذا فعلوا بزوجته وهو المفقود. ولنسيان تلك المأساة واثارها المدمرة على روح امينة الحرة ، راحت تنغمس في العمل لنسيان ذالك، ولهذا أسست ليلي وأمينة مؤسسة من أجل لم شمل العائلة الاثيوبية، وهي جمعية لمساعدة زملائها المهاجرين واللاجئين في لمّ شمل عائلاتهم المشتتة ، وهي فرصة الى ليلي أيضاً، لربما تعرف شيئاً عن حبيبها المفقود الطبيب عزيز .
في أحد ألايام تصل رسالة الى الجمعية من يوسف يسأل فيها عن مصير زوجته أمينة وإبنه احمد (رفائيل جونكالفيس)، ولكن أمينه تخفي الرسالة عن ليلي لشعورها بالعار الذي لحق بها في مخيم اللاجئين ، وربما تُجابه بالرفض من قبل يوسف لها وللطفلة( سيتا) التي أنجبتها بعد تعرضها للاغتصاب ، لكن ليلي لها رأي مخالف ،"عندما سيعرف يوسف ماحدث ل( أمينة ) سيتفهم الامر ، وسيتقبلك انت والطفلة سيتا ، لإنك اجبرت على هذا الفعل أو القيام بهذا الشئ "أمنحية فرصة ياأمينة"، هذه هي نصيحة ليلي الى صديقتها أمينة ، وتأخذ أمينة بنصحية ليلي ، وبعد مدة يصل رجل متعبا ويمشي بعكازته ، ويركض اليه أحمد (رفائيل جونكالفيس) وهو يصرخ أبي، انه يوسف ويقوم بدوره "بيتر بانكول" ، وتهرع اليه زوجته أمينه وتحضنه في لقاء مؤثر جدا وهي تصرخ " ماذا فعلوا بك" ، ويأخذ الطفلة سيتا بين ذراعيه . يتم لمّ شمل أمينة وطفليها بزوجها ، الذي كان في سجن إثيوبي ، وانتقلوا إلى مدينة ألبرتا في كندا . أثبتت أمينة إنها شخصية قوية ومتسلطة وسريعة الذكاء ، وبرأي الشخصي أنها شخصية أكثر إثارة للأهتمام من ليلي ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن كاريزما موساكو تبدو فائقة الشحن وفعالة مقارنة ببردود أفعال الممثلة فايننغ الساكنة والباردة ، وكذالك أمينة لديها قصة مؤثرة ربما أكثر إثارة للاهتمام، حيث تصبح قصتها وحضورها حجر الأساس للفيلم واكثراللحظات عاطفية في الفيلم . وكان من الممكن أن تتطور إلى حبكة فرعية تضيف في النهاية بعض الدراما المطلوبة فقط لو اراد السيناريو لورا فيليبس عدم التوقف في متابعة رحلة أمينة مع هجرتها الثانية الى مدينة ألبرتا في كندا ، والتي أكتفى المخرج برسالة منها ختم الفيلم فيهأ. يترك رحيل "أمينة" فراغاً كبيرا ووحشة في حياة ليلي بعد فراق صديقتها " أمينة" ، بعدها بأيام يزور جمعية لمّ شمل الاسر الاثيوبية رجلا الذي جاء يسأل عن ليلي عبدال ، ويقدم نفسه " أنا اسمي (طارق) ويقوم بدوره " سليمان دازي" ، كنت سجينا في سجن قرب حدود الصومال، لم ابق طويلا هناك قبل أن يضربني حارس وبطريقة وحشية ، لم استطيع أن أرى بعده شيئاً ، ثم اتى طبيب كان جزءا من المقاومة لأستيلاء الجيش على السلطة، وهو أيضاً كان سجيناُ وتعرض هو الآخر للتعذيب لكن رغم ذالك كان يهتم بنا جميعاً ، وعدني بان العمى عندي لن يدوم ، وما ترين لم يكذب ، كان أفضل رجل ، خفف عن آلالام الكثيرين منا ، الى أن أتى يوم عندما أخذ الحارس العديد منا الى الباحة واخبرونا بأننا سنحظي بعرض جميل، وفي الباحة أخرجوه للطبيب، رفض الموت راكعاً"، واخرج طارق شهادة إعدام الطبيب عزيز عبد الناصر ، أصيبت " ليلي " بالصدمة وانهارت ، خرجت راكضة الى الشارع وزخات المطر تخفي دموعها بين جموع الناس ، سقطت امام بناية شقتها، حين علمت بإعدام حبيبها الطبيب عزيز أصبحت ليلي محطمة ، وصار الدكتور ذو الاصول الأسيوية الدكتور روبن ساتي يعتني بها ، يساعدها روبن على التعافي ويشاركها رحلة الحداد والشفاء الداخلية . الدكتور روبن ساتي (كونال نايار) . وفي المشهد الاخيرمن الفيلم ، تصل رسالة من صديقتها "امينة " ومن مدينة ألبرتا الكندية كتبت بها :" ليلي ، كم هناك أشياء جميلة لأخبرك عنها بشأن ألبرتا ، التقيت اليوم بأمرأة في السوق ، مددنا يدينا سوية لنأخذ الشمامة نفسها ، جاءت الى هنا وحدها من (شيلي) بعد أن قتلت عائلتها في الانقلاب العسكري ، قالت أنها وضعت جذوراً هنا ، وفي تلك اللحظة ، عرفت إني أستطيع أن أفعل هذا أيضا ، ليس فقط لانني أخذت الشمامة ، نحن أغصان من شجرة واحدة ياأختي ، ويجب أن نزرع أنفسنا حيث نحن ، ونعرف في قلوبنا أننا في الوطن "، بهذه الرسالة المعبرة بكلماتها ينتهي الفيلم . قال المخرج( زيريسيناي برهان مهاري) ،"أنا إثيوبي وكانت إثيوبيا في قلب القصة. تم إحضار النص ليكون أحد المشاريع لي بينما كنت أعرض ديفريت (الفيلم الأول لمهاري) في برلين في عام 2014" . قام المخرج مهاري وكاتبة السيناريو لورا فيليبس بترجمة رواية جيب الشاملة برشاقة ، وهي تجربة سينمائية غنية بالأحداث والموضوعات على المستوى الانساني والاخلاقي . على الرغم من أحداثها في الماضي ، إلا ألفيلم يتحدث بوضوح عن أزمة اللاجئين الحالية. ولكن على الرغم من صدى صورتها الكبيرة ، فهي أيضًا صورة حميمة لامرأة مصممة على تأكيد هويتها الفريدة وهي هوية مزورة في الظروف ومدعومة ب" حلاوة في الإيمان" ، والايمان الساكن في الروح لذا يمكن أن يكون الفيلم "حلاوة في الروح". إنه فيلم دقيق عن مجتمعات المهاجرين والنضال من أجل التغلب على صدمات الماضي ، ويُروى بإحساس وتعاطف . لكن مع أي شيء بهذه الهشاشة ، لن يستغرق الأمر الكثير حتى ينكسر. ليست القضية هي تمثيل الشخصية المركزية ، بل بالأحرى صراع الممثلة الجميلة " فانينغ "لجعل ليلي شخصية مقبولة يمكن تصديقها. إنه دور صعب في دفاع فانينغ . هي أمريكية تلعب دور بريطانية نشأت في ضريح صوفي في إثيوبيا ، مما يعني أنها يجب أن تتحدث باللغة العربية . تتميز داكوتا فانينغ ببراعة في أدائها، وهي تسمح للممثلين الداعمين الماهرين بإضافة بصمتهم السينمائية وإبراز قدراتهم الفنية ، بحيث تبدوشخصية ليلي ليلي محجوبة لدرجة الاختفاء تقريبًا ، ولا تريد أبدًا لفت الانتباه إلى نفسها، باستثناء لحظاتها التي نراها مع حبيبها عزيز ورعايتها لأمينة ، التي تعرضت لمعاملة وحشية في مخيمات اللاجئين ، وهي ممثلة قديرة وهذه تحسب لها وبدلاً من الإدانة يجب الثناء على صانعي الأفلام والممثلة لتجرؤهم على بذل المزيد من الجهد ، ليلي أكثر إنجازًا وأخلاقية ورحمة من جميع الإثيوبيين من حولها . في أحد المشاهد ، حين يضبطها الدكتور (ساتي) في المستشفى وهي تقوم بأخذ حليب الاطفال وحفاضاتالاطفال والتي تقدمها الى إبنة شريكتها في السكن والحديثة الولادة، وتوضح له انها تقوم بعمل الخير الى عائلة محتاجة ، يعجب الدتور ساتي بروح ليلي الانسانية ويضيف اليها دهون للحفاضات و أدوية الاطفال .
"ليلي " متدينة بشدة عندما تصل إلى إثيوبيا ، تستخدم الايات القرآنية والاحاديث النبوية ، على سبيل المثال قراءتها الى (أية الكرسي) في مركز اللجوء وباللغة العربية، او حديثها مع صديقتها "امينة "عند تقديم مساعدة لها، ليلي تذكر لها الحديث النبوي" من فرج عن كربة من كرب الدنيا ، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" ، وأيضاُ باللغة العربية ، لكنها تتخلى عن هذا ألألتزام الديني دون أي صراع داخلي ، بمجرد أن يقترح صديقها (الطبيب عزيز)، أن الدين هو مجموعة من المبادئ التوجيهية. لذلك تشرب الخمر وتخلع حجابها أمامه ، وبينما تستيقظ لصلاة الفجر تفقد عذريتها أمامه على أصوات الأذان ، "ليلي" مسلمة متدينة أكثر بكثير من عزيز - فهي قلقة من حرمانها من دخول الجنة للنوم معه ، أو حتى تقبيله عندما لا يكونا متزوجين . عزيز أقل ألتزاما دينياً منها بكثير . ينسج الفيلم بإبداع بين خيطين سرديين متميزين ، لا يميزان فقط بالأحداث ولكن أيضًا من خلال لوحات المشاهد المتناقضة ، أولاً ، نتتبع مسار ليلي الوعر للاندماج والقبول في المجتمع الأنكليزي والاجواء الكئيبة ، ونراقبها باعتزازوهي تكافح بجدية للتغلب على تلك العقبات التي تواجهها في لندن . ثانيًا ، ننتقل من تربية ليلي المغربية الملونة على يد سيد صوفي (استاد توفيق يوسف محمد) بعد أن هجرها والديها الهبيون (جافين دريا وصوفي كينيدي كلارك) ، إلى مرحلة البلوغ في هرار بإثيوبيا القديمة ، وإلى هروبها في نهاية المطاف من أهوال الاضطرابات السياسية في البلاد . تجد في هذا الشريط السينمائي الذي يستند الى الرواية تشابك في الموضوعات الدين ، والسياسة ، والرومانسية ، حين نشعر بالتأكيد بمعاناة ليلي وهي تتوق إلى حب حياتها عزيز (يحيى عبد المتين الثاني) ، المعذبة بينما تتساءل عن مصير الطبيب المثالي في إثيوبيا التي مزقتها الحرب. ومع ذلك تجد تلك الحلاوة في روح ليلي تتجسد في مشهد مؤثرا مختلطا بالدموع في لحظة وداعًا "ليلي "لزميلتها اللاجئة ورفيقتها في السكن أمينة (ونمي موساكو النابضة بالحياة) ، يبدو أن حياة ليلي عبارة عن سلسلة من الفقدان و الاوجاع منذ أن هجرها والداها. يبدو أن الفيلم لا يعرف تمامًا مكان تركيز انتباهه ، وتقسيمه بين عدد لا يحصى من الموضوعات المعقدة والتاريخ السياسي ، بالإضافة إلى قصة ليلي ورحلتها. بسبب هذا الافتقار إلى التركيز .وعلى الرغم من أفضل جهود للممثلة الرائعة "داكوتا فاننينغ" في الاداء الصادق لكن الفيلم يأخذ الكثير من الاسترجاع والتذكير بقصة حبها التي ينفق الفيلم الكثير من الوقت. وبما أن الفيلم يقضي الكثير من الوقت في قصة الحب هذه، لكن الفيلم يثير جدلًا صحيحًا وتساؤلاً فيما إذا كانت قصة تؤرخ للإطاحة بالإمبراطورية الإثيوبية عام 1974 وتداعياتها وتظهر بشكل أفضل من خلال عيون فتاة بيضاء ، أم هي قصة حب ليلي ، أم تجربتها كونها مسلمة ملتزمة. على الرغم من أفضل الجهود التي بذلتها فانينغ في أداءها الرائع وتقديمها لشخصية " ليلي " المسلمة الملتزمة ، لكن ألكثيرون أنتقدوا إختيار داكوتا للعب دور إمرأة مسلمة إثيوبية في فيلم يعبرعن قضايا اللاجئين والحرب الأهلية فكيف تكون بطلة الرواية إثبيوبية بيضاء؟ ! ـ ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك إلى حد المطالبة باستبدال داكوتا بممثلة أخرى إثيوبية من ذوي البشرة السمراء وقال البعض أن هناك الكثيرين من الممثلين المسلمين من أصحاب الموهبة وأن اختيار داكوتا فانينج لتجسيد الدور مجرد هراء ، وقال آخرون إن المشكلة لا تتعلق بداكوتا فانينج بل بقصة الفيلم التي تعبر عن اللاجئين وقضاياهم الشائكة المؤلمة وحلاوة الاسلام ولا ترتبط هذه السمات سوى بامرأة بيضاء لدى هوليوود. ومع ذلك ، يدافع المخرج الإثيوبي زيريسيناي برهان ميهاري ("ديفريت") عن الدراما الرومانسية باعتبارها موطنه في قلبها ، واصفًا الوصف المذكور أعلاه للبطلة بأنه سوء فهم ويشير إلى أن طبيعة القصة الحقيقية قد أسيء فهمها . في الختام : وعلى الرغم من أن السرد في فيلم (حلاوة في ألإيمان) يُنقل بصوت ليلي ، إلا أنها لم تظهر أبدًا بما يكفي من الشخصية للتعبير عن حالة التغريب و التهجين التي مرت بها ، رغم أن الفيلم يعتمد بالأساس على رواية عميقة تستكشف مواضيع مختلفة منها "ختان الإناث" والسياسة والحرب والقبلية ، ولكنها أيضًا تكريم رائع للإسلام . تكشف لنا بعض المشاهد عن الإيمان وحلاوته في روح الشخصية الرئيسية " ليلي ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق




.. شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا