الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«تنظيم الدولة» واستراتجية بناء القوة اللامركزية الجديدة

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 2 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


تتأرجح مواقف المختصين و الباحثين في شؤون الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط و الساحة الإفريقية, بين من يتوقع انهيار معسكر داعش نهائيا بعد انحساره في نقاط ضيقة موزعة على مناطق جغرافية مترامية الأطراف قاريا , و نقيضه الذي يبني تصوره على الحالة التاريخية و المناولة السابقة , التي تبرهن على ديمومة الخطر الإرهابي و انسيابه و قدرته على التكيف مع الأزمات و الحصار و الخطر في الزمان و المكان , دون حاجة إلى وسط تمكين محدد أو بنية تنظيمية قارة و ثابتة .

لقد فقد تنظيم الدولة خارطة تمكين وارفة في العراق و الشام و ما استتبع ذلك من انهيار لقوته التنظيمية و البنيوية و الهيكلية عسكريا و اقتصاديا و حتى إعلاميا , ما أدى إلى تشرذم إداراته و كوادره , و لعل ذلك هو السبب الأبرز الذي أدى إلى قتل العديد من قيادات الصف الأول و على رأسها زعيمه السابق أبو بكر البغدادي , الذي تمت تصفيته من مسافة صفر في محافظة إدلب شمال غربي سوريا , التي كانت تحت سيطرة تركيا و جبهة فتح الشام , و هي العملية التي لم يكن من الممكن تنفيذها , على الأقل بنفس أسلوب العمل و التنفيذ , في ظل الحكومة المركزية لتنظيم الدولة التي كانت سائدة في العراق بعيد إعلان قيام أبو بكر البغدادي قيام الخلافة من على منبر الجامع الكبير بمدينة الموصل العراقية .

إن الجغرافيا عامل حاسم في قوة المجاميع المسلحة , فكلما ساد تنظيم معين على مدينة مأهولة كلما قل احتمال القضاء عليه و زاد بالمقابل زمن تنفيذ مخطط التصفية , لأن هذه التنظيمات تكون على دراية واسعة بالتضاريس , و المألوف أن الأرض تحارب مع صاحبها , كما يتم استغلال السكان كدروع بشرية للإحتماء من القصف المباشر بواسطة الطيران أو المشاة أو تمويه الفرق المتقدمة المغيرة , و تنفيذ عمليات انتحارية ضدها .

بعد انسحاب داعش بنسبة كبيرة من العراق والشام و ما تحمله هاتين الدولتين من مكانة استراتجية في فكر التنظيم , الذي بلور إسمه بناء عليهما , فقد حافظ على حضوره من خلال العمليات التي تنفذها عناصر ولاية العراق و الشام , و بالمقابل مازالت العمليات العسكرية و الإستخباراتية للقوات العراقية مستمرة , ما يعني أن تنظيم الدولة مازال حاضرا في بلاد الشام و بلاد الرافدين . إن مجموع العمليات التي تباشرها عناصر داعش من الذئاب المنفردة و الخلايا النائمة و الجماعات المبايعة , كما تنقلها وسائل الميديا التابعة له , مثل صحيفة النبأ ,مؤسسة الفرقان, مؤسسة أجناد … , ينضاف لذلك حجم التواصل الكثيف الذي يغطي كل وسائل التواصل الإجتماعي و الشبكة العنكبوتية و بلغات عدة , يسعى من خلالها التنظيم إلى التسلل إلى عواطف الأفراد و لاسيما القاصرين منهم , للتأثير عليهم و إيقاعهم في شباكه و شراكه العويصة البداية و النهاية .

الملاحظ أن التنظيم تمكن من التمدد إلى الساحة الإفريقية , لاسيما في الغرب و الوسط منها , و هو بذلك يخلق بيئة جديدة للعمل الجهادي الهدف منها تلافي قوة ضربات التحالف الدولي المركزة و تشتيتها , و الرفع من مستوى الإستقطاب , مستغلا بذلك ضعف الإدارة العسكرية و الإستخباراتية للعديد من الدول الإفريقية .إن العديد من دول القارة السمراء ليست على استعداد لمجابهة الخطر الجهادي , لاسيما دولة إفريقيا الوسطى مثلا , التي لا يتعدى تعداد جيشها حوالي 6000 جندي دون أن تتوفر على أية طائرات حربية , و هي تشهد حربا طائفية بين المسلمين و المسيحيين كما يدل على ذلك حجم العنف الذي قادته ميليشيات « سيليكا » , و هو الضعف العسكري كما النزعة الطائفية و العرقية نفسها تسري على الغابون و مجموعة من الدول الإفريقية الأخرى .

التنظيم حاليا يمارس نشاطه الجهادي بشكل مكثف في نيجيريا و الموزمبيق و هو يهدد الأمن القومي لدولة الزيمبابوي و أنغولا و ناميمبيا . و هو تخوف مشروع لأن قوة التنظيم تظهر جليا من خلال عملياته الجريئة التي تستهدف الثكنات العسكرية و الموانئ و المدن الإستراتجية و اقتحام السجون , وهو بذلك يحقق انتصارات عسكرية كبيرة , مستفيدا من الغنائم و التوسع الجغرافي و الروح المتفائلة المنتشية بالإنتصارات أو الفتوحات و النصر و التمكين بتعبير أدق .إن تنظيم الدولة مازال يحافظ على وجوده في منطقة الشرق الأوسط , حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الخميس الماضي ، مقتل والي تنظيم "داعش" في العراق المكنى أبو ياسر العيساوي .

إلى جانب القوة الميدانية لتنظيم الدولة , فهو يملك إدارة إعلامية جد متطورة , ساهمت في عملية التجنيد و الإستقطاب و الجذب و التأثير على مستوى العالم , بما يمكن وصفه بعولمة الجهاد الشرق أوسطي , حيث أحبطت الوكالات الإستخباراتية الأميركية في الأيام القليلة الماضية , عملية إرهابية تضاهي في حجم الخطر المتوقع أحداث 11 من أيلول 2001 م , حيث استطاع تنظيم داعش غسل دماغ جندي أميركي , هذا الأخير اعتاد تسريب المعلومات بشكل دؤوب لصالح تنظيم الدولة , و التي تهم التحركات و القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط . كما أن أحد قادة التنظيم السابقين المكنى ب ”أبو عمر الشيشاني” كان ضابطا في جهاز مكافحة الإرهاب الروسي , لكنه تأثر بأطروحة الجهاد , و هي تحولات نفسية مفهومة على المستوى العلمي و الطبيعي ,و التي يقع فيها العملاء و الجواسيس و الجنود و حتى الجلاَّديين و السجَّانيين .

خلال العمليات العسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش , استطاع هذا الأخير إسقاط طائرة عسكرية للطيار الأردني معاذ الكساسبة , الذي تعرض لعملية إعدام بالحرق , أراد من خلالها تنظيم داعش نهج سياسة “الصدمة و الترويع “, لتحقيق ردع عام , لعل التحالف يتراجع عن عملياته العسكرية خاصة الجوية. و هي البروفة أو العرض الإعلامي الذي وُصف بالهوليودي , نظرا للكم الهائل من التأثيرات البصرية و السمعية الموجودة في الشريط , و التي تبتغي ثني العرب و المسلمين عن الإنخراط في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن .

إن تنظيم الدولة اَنيا مازال على أرض المعركة يخوض حروبا على عدة جبهات , ولاية خراسان , ولاية سيناء , ولاية العراق , ولاية الشام , ولاية باكستان , ولاية غرب إفريقيا و ولاية وسط إفريقيا , كما أنه لم يتأثر بمقتل قادته البارزين لاسيما زعيمه الأول أبو بكر البغدادي , و إن تعيينه لخليفة جديد و هو ” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” دون أن يقوم الزعيم الجديد بأية عروض إعلامية , لدليل على أن بنية التنظيم الداخلية متراصة و متينة , رغم أنه فقد الجغرافيا المركزية في العراق .

الفرضيات التي تخص عدم الظهور الإعلامي لأبو إبراهيم الهاشمي القرشي يمكن أن نفهمها في الإحتمالات التالية :

– التنظيم مازال يعمل على تصفية صفوفه من العملاء الذين ساهموا في الكشف عن قادة الصف الأول مما أدى إلى مقتلهم ؛
– تنظيم الدولة يخشى اغتيال القائد الجديد في فترة ليست بالبعيدة عن مقتل سالفه , و هو بذلك يمهد الأرضية الأمنية اللازمة لظهور الزعيم الحالي , و هذا يحتاج لأرض تمكين كما كان في العراق . و إذا لم يستطع التنظيم فرض سيادته الكاملة على مساحة كبيرة اَهلة , فإنه سيكون ملزما بتقديم أبو إبراهيم القرشي , الذي سيعرض استراتجية العمل الخاصة به ؛
– قد يعزى غياب الزعيم الحالي عن المشهد الإعلامي إلى إرادة التنظيم في إعادة ترتيب الأوراق و توزيع الأدوار وفق الرؤية التي يحملها أبو إبراهيم القرشي , من خلال تعيين ولاة و قادة جدد أكثر ولاء و ثقة له , عطفا على صياغة منهجية عمل تراعي المستجدات الميدانية , و خاصة أن الساحة الإفريقية و الأسيوية تختلف كثيرا عن العراق و الشام , خاصة في مسألة الإستقطاب .

المعطى الخطير في الجغرافيا الإفريقية هو فرضية تراجع أبو إبراهيم القرشي عن الإنشقاق الذي قاده سلفه عن تنظيم القاعدة , حيث أن أي تحالف بين تنظيم داعش و القاعدة ,هو إيذان لإعلان مرحلة جهادية أكثر خطورة , ستجعل من أسلوب العمل الخاص بالتحالف الدولي هو القيام بحرب مباشرة من مسافة صفر , ما يعني تحقق إرادة الجماعات الجهاية في دفع الدول الغربية إلى إنزال جنودها على أرض المعركة , و هي خطوة تعتبرها بعض الجماعات تحققا لنبوءة نزول الروم في دابق , و هي مرحلة جهاد مستقبلية يسميها اليهود ب ”هرمجدون ” .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث