الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العلاقة بين المُستعمِر والمُستعمَر، نموذج الجزائر

الطاهر المعز

2021 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


فرنسا، هوامش من تقرير "بنيامين ستورا"
في العلاقة بين المُستَعْمِر والواقع تحت الإستعمار
الطاهر المعز 31 يناير 2021

نشرت الصحافة الفرنسية قبل أيام مقتطفات من تقرير حرّره وقَدّمَهُ المؤرخ بنيامين ستورا بتكليف من السلطات الفرنسية حول العلاقات الجزائرية الفرنسية، ما يُشير إلى تَحوّل بنيامين ستورا من مؤرخ إلى مستشار للأمير.
ينحدر "ستورا" من عائلة جزائرية من منطقة قسنطينة. استفادت عائلته من مرسوم " (24 تشرين الأول/اكتوبر 1870) كريميو" (24 الذي يجعل من مواطني الجزائر اليهود، فرنسيين كاملي الحقوق، وفرز يهود الجزائر عن بقية المواطنين، لتقسيم المجتمع الواقع تحت الإستعمار، وعندما استقلت الجزائر، غادرت هذه العائلات بلادها مع الجنود والمستوطنين الفرنسيين ، وانحازت بشكل نهائي إلى جانب المُستعْمِر والمُستوطِن، بل أصبح بعض هؤلاء "الأقدام السّود"، كما يُنْعَتُون، من قادة اليمين المتطرف في فرنسا، فيما ذهب آخرون لاستعمار أرض ووطن الفلسطينيين ...
أما "بنيامين ستورا" فهو من بين أولئك الذين يزعمون أن أرض الجزائر هي "بلدهم"، لكنهم لم يزعموا أبدًا أنهم "جزائريون"، أي يعتبرونها "موطنهم"، كجزء من الإمبراطورية الإستعمارية الفرنسية.
أما أصحاب البلاد الشّرعيون فقد أكّدوا للعالم، بواسطة المُقاومة والنّضال، أن الجزائر بلدهم ووطنهم، وما فرنسا سوى قوة استعمارية، وما مواطنو فرنسا سوى مُستعمِرُون مُستوطِنُون، غادروها مع جُنُود الإستعمار.
تمثّل مواقف "بنيامين ستورا" وأمثاله من الفرنسيين (ومنهم بعض مُدَّعِي الإشتراكية والشيوعية ) امتدادًا لمواقف الكاتب الشهير "ألبير كامو" (1913 - 1960) وهو من مواليد الجزائر وكثيرًا ما أشاد به بعض الأصدقاء، نتيجة التّسَمُّم الذِّهْنِي، الذي أصاب عُقُولنا، والذي يعكس الهيمنة الأيديولوجية والثقافية للقوى الاستعمارية، رغم اتّسام كتابات "ألبير كامو" باحتقار الجزائريين الذين يُسمِّهم "العرب"، وفيما يلي بعض التوضيحات التي قدمها فرانز فانون وإدوارد سعيد، ولئن كانت الجُمل والتّعابير مُتشابكة (ليس بها فَصْلٌ بين ما يقوله فرنتز فانون أو إدوارد سعيد) فإن الهدف هو تنوير الأصدقاء غَيْر المُلوَّثين، أي ذوي "النوايا الحَسَنَة"، أو الأصدقاء الذي لم يتمكنوا من الإطلاع على حقيقة مواقف "ألبير كامو" بشأن الجزائر كوطن للشعب الجزائري ...
"بغض النظر عن ميل المرء إلى تفهّم مطالب وادّعاءات عرب الجزائر، يجب على المرء مع ذلك أن يدرك أنه فيما يتعلق بالجزائر، فإن الاستقلال الوطني هو صيغة عاطفية بحتة، فلم تكن هناك أمة جزائرية قط ". ألبير كامو ، سجلات جزائرية 1939-1958 ، اكتويل الثالث. (باريس غاليمارد ، 1958).
عند قراءة روايات ألبير كامو ، سواء La Peste أو L Etranger أو القصة القصيرة بعنوان La femme adultère ، فإن "العرب" هم فقط شخصيات بلا اسم وبدون وجه وبدون جنسية، لأن الجزائر بالنسبة لكامو غير موجودة، كبلد أو كدولة أو كأُمّة. "العرب" مجرد شخوص لا وجه لهم ولا يُعبّرون عن أي موقف ولا مكان لهم في الحوارات، ولا تاريخ لهم، ولا ذكر لاستعبادهم خلال مرحلة الإستعمار، وبالتالي لا ذكر لنضالاتهم من أجل التحرّر، فهم لم يرتقوا بعد إلى مستوى يمَكِّنُ من تصنيف "تمرُّدِهِم" كحركة تحرير، ومن خلال التأكيد على الأولوية الفرنسية وترسيخها. لا يناقش ألبير كامو ولا يعبِّرُ عن تأييد أو مُعارضة حملات الإستعمار الفرنسي ضد السكان "المسلمين"، أي أصحاب البلاد الشّرعيين، منذ 1830، لأنهم لا يمثلون شعبًا، بحسب رأيه، بل مجموعات لا روابط بينها...
أظهرت مواقف كتاب مشهورين، مثل ألبير كامو، أن حديثهم عن التنوير والتحرر، مجرد نفاق وكذب، فهم يتبنّون وجهة نظر المستعمِر وينكرون تاريخ وحضارة وثقافة ورواية "الآخر" (كما تفعل الصهيونية في فلسطين) وبذلك يتحول أي حديث عن "الكَوْنِيّة" إلى دعم لرواية ولوجهة نظر المستعمَر، لتكون "الأنوار" و "الكَوْنِيّة" أداةً لاتهام المواطن الأصلي بالتّخلّف وضيق الأفق، بحسب فرانتز فانون.
يعتبر التراث الثقافي الفرنسي أن ألبير كامو شخصية تُمثّل التنوير والكَوْنِيّة، ولكننا نُذَكِّرُ أنه وُلِدَ وعاش فترة من حياته بالجزائر، ومع ذلك لم يرد ذكر للجزائر في أعماله الروائية الرئيسية، ولا سيما تلك التي تدور في الجزائر. إن عالمية وكَوْنِيّة ألبير كامو هي حاجز يحاول أن يكون حجر عثرة يُعَرقل أو يُؤَجّل الإستقلال الحتمي للجزائر...
يشير فرانتز فانون، في معرض نقده لأعمال ألبير كامو، إلى الثقافة الغربية، التي يتم توجيه "موضوعيتها" دائمًا ضد المستعمَرين، حيث تعتبر هذه الثقافة أن المستعمَر يشكل كتلة خاملة وصامتة، وجسّد البروفيسور بورو (طبيب نفساني) ذلك بقوله: "إن أهل شمال أفريقيا محرومون بطريقة ما من القشرة ومن اللّب".
يستنتج فرانتز فانون: يجب علينا استعادة الماضي الذي هاجمه الاستعمار، وأراد مَحْوَ تاريخ وتُراث الشعب المضطهَد ، وتشويهه، واندثارَهُ، لذلك من الضروري، ليس فقط إظهار ما لم يكن مرئيًا، وإعادة الإعتبار له، بل وأيضًا لإسماع من وقع خنق أصواتهم من أولئك الذين أجبروا على العيش في "السّرّيّة"، وهم يناضلون ضد قوى النظام الاستعماري المحكوم عليه تاريخيا بالهزيمة...

بالعودة إلى تقرير "بنيامين ستورا" بشأن مستقبل العلاقات بين فرنسا والجزائر، من الخطأ اعتبار استعمار الجزائر لفترة 132 سنة، مسألة "أخلاقية"، تتطلب "الإعتذار" و"طلب المغفرة"، كما يجري في الكنيسة الكاثوليكية، بل تتطلب نشر الوثائق التي بقيت سرّيّة وتعويض الجزائر (دولةً وشعبًا) عن الأضرار العديدة، من استيلاء على الأراضي الخصبة وسرقة الثّروات وقتل البشر، في بلادهم، وتحويل البلاد المُسْتَعْمَرَة إلى حقل تجارب القنابل النووية والأسلحة الفتاكة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس