الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بايدن رئيس ولايات متعددة الجنسيات

طارق الهوا

2021 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن ممكناً واقعياً فوز دونالد ترامب بالانتخابات، لأنه تجرأ ووقف أمام الدولة العميقة واتهمها علانية بتدهور أميركا التقليدية، وسفّه أولوية صناعة أسواق المال على الصناعات الانتاجية، ولم يساير سماسرة الحروب ولا الجنرالات المستفيدين منها، وقاوم بضراوة مروجي إيديولوجية "التغيير"، وحارب تجّار البشر بمنع الهجرة غير الشرعية، وحوّل مسار الصراع الاسلامي/اليهودي إلى "الإزدهار مقابل السلام" أو الاسم السينمائي "صفقة القرن" الذي ألفه العرب، وقال عن الاعلام أنه كاذب ومزِّور.
دونالد ترامب كان على الأرجح يعلم خسارته، فدّق جرس الانذار بقوة وفوضوية أحياناً وخرج من مواجهاته برفض حضور حفل تنصيب خلفه، لأنه يعتبر نفسه داعياً لتجديد عظمة أميركا التي بناها الأباء المؤسسون، وليس عضواً في مجموعة إيديولوجية "تغييرها".
خُتم حكم الرئيس دونالد ترامب بظهور أسئلة عميقة عن مصير الولايات المتحدة نفسها خلال العقود القادمة، وهل يمكن أن تظل بالشكل السياسي نفسه الذي صاغه الأباء المؤسسون أم ستتغيّر إلى شكل آخر، لأن الظاهر للعيان هو فشل الدولة في خلق الشعور الوطني بالانتماء عند كثيرين، وتحوّل الولايات المتحدة إلى أعظم فندق لإقامة دائمة في العالم بعد سنوات طويلة من سياسات الهجرة غير النوعية التي تبنتها وغير الشرعية التي أغمضت العين عنها، بدلا من تشجيع مواطنيها على التوالد والارتقاء بهم.
يبدو من التوجه العام في أميركا أن المواطنة الكاملة تتآكل وتتحول إلى شعور بالإقامة الدائمة، ومعايير المجتع تُستبدل منذ جيل، وتزداد طبيعة الاستبدال والنظرة إلى "المحافظة" شراسة، لدرجة أن أصحاب الافكار المحافظة قد يواجهون مصيرا يشبه إنتهاء عمادة لورانس سامرز لجامعة هارفرد، عقب تصويت حجب الثقة عنه من هيئة التدريس.
واقعياً لم يفز جوزيف بادين بالانتخابات بل فاز بها أصحاب إيديولوجية "التغيير" الذي أُختير وأُريد لحسين أوباما منذ ترشحه لرئاسة أميركا أن يتبناه لكي يفوز بالانتخابات، ووحّد به "الأطياف" التي لا تؤمن بقيم "الأباء المؤسسون"، وزرع بسلطته ودهائه كرئيس شتول وكوادر التغييرات العميقة التي تحدث للولايات المتحدة اليوم، ولم تظهر للعامة وغير الاميركيين سوى بعد مقتل جورج فلويد، بسلسلة الأحداث المنُسقة الموجَهة المتتالية التي أعقبت موته ولم تزل، واستغل مخططوها شخصية الرئيس ترامب الانفعالية أفضل استغلال، حتى في حشر أنفسهم في حصار الكونغرس مع أنصاره للإعتراض الذي كان مفترضاً أن يكون ديمقراطياً سلمياً على عملية الانتخاب. أخطأ دونالد ترامب خطأ عمره حين لم يقل لأنصاره "حاصروا الكونغرس ولا تقتحموه".
سأذكر بعض العوامل القاتلة التي يمكن مجتمعة أو منفردة أن تكون كفيلة بتغيير الامبراطورية الاميركية بشكلها السياسي الحالي. وهذه العوامل فيها الجديد الذي لم يتناوله الباحثون، لأن مرجعيتي التغيرات التي حدثت في الشارع الاميركي خلال الأربعين عاما التي قضيتها بعد منحي الجنسية.
كان الرئيس ترامب مؤمناً بحماية الولايات المتحدة من الهجرة غير الشرعية والعشوائية التي لم ينص عليها الدستور وسببت مشاكل كثيرة، أهمها تآكل مكونات الولايات المتحدة التي تراكمت منذ مائتي وخمسين سنة، وأقلها اختفاء المهاجر غير الشرعي بعد دخوله أميركا داخل "مجتمعه" الذي يؤّمن له العمل بسيولة نقدية لا تخضع للضريبة لأنها غير مرئية للحكومة، والسكن حتى يحصل على الجنسية بعفو رئاسي يقوم به عادة معظم الرؤساء، واستفادة أولاده بالفوائد الاجتماعية والتعليمية والصحية للمواطن والمتجنس الذي هاجر بشكل شرعي ودفع ألوف الدولارات وانتظر في المحاكم سنين طويلة ليحصل على الجنسية الاميركية، وربما رفضته المحاكم بسبب إجراء شكلي تافه في أوراق ملف هجرته.
لكن هذه النظرة الوطنية العادلة الدستورية وقف ضدها الحزب الديمقراطي وبعض أعضاء الحزب الجمهوري، ما جعل الرئيس ترامب يصدر قرارات تنفيذية للحد من الهجرة غير الشرعية، ويبدأ في إنشاء جدار حدودي مع المكسيك التي يأتي من خلالها معظم مهاجري أميركا الجنوبية غير الشرعيين، ويفعِّل عمل شرطة الهجرة التي لم تكن لها أي فاعلية ولا حق اعتراض أي مهاجر غير شرعي وترحيله حتى لو كان مجرما قبل رئاسة دونالد ترامب، لأنه في ملاذ آمن!
بغض النظر عن شخصية دونالد ترامب غير المحبوبة التي أتت من خارج سياق العمل السياسي، ولم تشأ تعلّم السياسة بمفهومها التقليدي، تُظهر المعارضة له والاتهامات التي وُجهت إليه وملاحقة النساء بتهمة التحرش بهن (أغربها من ممثلة إباحية) منذ بدء حملته الانتخابية حتى فوزه بالرئاسة إلى لحظة خروجه أمرين هما محاربة شعاره "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، واعتباره ترويجا لمبدأ تفوق العنصر الأبيضwhite premises. وكان الثاني تدشين أسلوب عدم التفاف الجميع حول المركز الفيديرالي الذي يحكم الولايات المتحدة، حتى بالنسبة لبعض جنرالات ترامب العسكريين وحكام الولايات، وهذا الامر لم يحدث في عهد أي رئيس بالضراوة والاستمرارية اليومية وقبل أي قرار وبعد إصداره، حتى بالنسبة للرؤساء الذين خضعوا لمسائلة مثل كلينتون ونيكسون، والرؤساء الذين خاضوا حروبا أرهقت الاقتصاد الاميركي وورطوا البلد في هزائم مخجلة من شعوب العالم الثالث مثل فيتنام والعراق.
اسلوب ضعضعة المركزية الفيديرالية الذي مارسه محترفو السياسة الكبار ودولتهم العميقة لمدة أربع سنوات، كان ارهاصاً لمطالبة 18 ولاية أميركية بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتنازع على نتائجها، ولن يغلق رفض محاكم الولايات نظر الطعون المقدمة من محاميي ترامب ملف المعارضين، بل سيدفع بعض الولايات إلى الطعن في شرعية المركز الفيديرالي نفسه وعدم الالتفاف حوله، ورفض الإذعان للحكم الفيديرالي المركزي بإدارة بايدن.
مثل نظرية الدومنيو يمكن تحوّل الولايات المؤمنة بضرورة عودة عظمة أميركا التقليدية، إلى دول مستقلة ذات سيادة على المدى الطويل، بسبب الاحساس بالتهميش وعدم إيمانها حتى بشرعية وعدالة المحاكم التي رفضت النظر في طعون نتائج انتخابات ترامب/مجموعة التغيير ولم تصدر كلمة فصل فيها، توضح هل نشر دونالد ترامب معلومات مضللة وأخبارا كاذبة واشاعات لا أساس لها من الصحة، أو ما قاله كان حقيقة؟
قال حسين أوباما لبايدن مهنئا عقب اداء القسم الدستوري مباشرة: "لقد جاء وقتك". ما قاله حسين أوباما ونزوله في الشوارع لتأييد حملة بايدن الانتخابية وقوله حرفياً في ميشيغان "من ينتخب بايدن فقد انتخبني"، أمر لم يحدث في تاريخ رؤساء أميركا، وهو يوضح وجود إيديولوجيتين تتصارعان في الولايات المتحدة وليس حزبين أو شخصين يتنافسان على منصب الرئاسة.
هل جاء وقت بايدن لتنفيذ إيديولوجية تغيير الولايات المتحدة التي نعرفها؟ يبدو كذلك فالرجل بعد دقائق من جلوسه على كرسي الرئاسة وقع 17 قرارا تنفيذياً كانت جاهزة للتوقيع مسبقاً يلغي معظمها قرارات ترامب التنفيذية، بل ويعيد إعادة هيكلة الاقتصاد الاميركي التقليدي، وكان واضحاً أن بايدن لا يعرف كل ما يوّقع عليه لتلعثمه وتدقيقه في السطور وهو يقول محتوى بعضه.
كان سيناريو أحداث ما بعد مقتل جورج فلويد ورفض تدخل الجيش الاميركي والحرس القومي لمنع الشغب والقتل وحرق المؤسسات وهدم رموز الدولة ومحاولات حرق بعض بناياتها، ينبىء بشكل واضح سحب البساط بالقوة من تحت الإيديولوجية التي يمثلها ترامب، لأن الحرس الوطني نزل لحماية الكونغرس بعد احتجاجات أنصار ترامب، رغم أن الدولة العميقة قالت بإسم ناطقتها نانسي بيلوسي حرفيا: أنا لا أبالي بهذ التماثيل والمباني. ووصفت الأحداث الدامية التدميرية في بعض الولايات انها مظاهرات سلمية. هكذا كان ردها الإعلامي الموثق على أعمال الشغب وتكسير تماثيل رموز أميركا والهجوم على بنايات الحكومة والمطالبة بتغيير أسماء قواعد عسكرية وأماكن تذكارية بعد مقتل جورج فلويد.
الأمر المريب هنا قاتل جورج فلويد الذي أُفرج عنه بكفالة مليون دولار يستحيل أن يملكها لأنه ضابط شرطة، واختفاء أخباره تماماً. لم نعد نعلم شيئاً عن "بوعزيزي" أميركا الذي أشعل فتيل ربيع تغييرها بقتل فلويد، وأطاح برئيسها ترامب بسبب سلسلة الاحداث المُخطط لها بعد فعلته.
كان الرئيس ترامب على قناعة تامة بأنه سيحكم لفترتين رئاسيتيّن بواسطة التيار المحافظ الذي يدعمه ونسبة العنصر الأبيض الذي لم يزل الأكثرية، وبدأ وضع بذور إعادة أميركا العظيمة إلى ما كانت عليه، لكن أيديولوجية التغيير لم تتركه مع مساعديه يوما واحدا لينفذوا برنامجه، وعبارته "لقد سرقوا الانتخابات" تعني لي شخصيا "لقد سرقوا البلد الذي بنيناه"، فانهيار هيمنة إيديولوجية أميركا التقليدية تعني تغيّر أمريكا التي نعرفها إلى جمهورية أخرى أو جمهوريات سنتعرف عليها في العقديّن القادمين أو أقل.
في السنوات العشرة القادمة، لن يكون الجنس الأبيض أغلبية في الولايات المتاخمة للمكسيك وعدد من الولايات الأخرى، وتخبط النخبة في التعامل مع التغيرات السكانية الحادة التي ستُشكل "ولايات مغلقة" وليس "مدن مغلقة" مثل أوروبا، سيجعل الجنس البيض في العشرين سنة القادمة بعيدا عن مفاصل الحكم وسينقله إلى أقليات مُهمشة تتبرأ من ماضيها وتعتذر عنه كصك غفران من فئة تريد العيش فقط، وبعد تجنيس 11 مليون مهاجر غير شرعي على الاراضي الاميركية وفتح الباب على مصراعيه للهجرة كما تريد إيديولوجية "التغيير"، يقف أي محايد أمام سؤال مهم: إذا كانت مبادىء الولايات المتحدة التي قامت عليها خلقت أعظم امبراطورية في المائتي وخمسين سنة الماضية، فماذا سيفعل مهاجرون جاءوا من بلاد متخلفة حاملين همومها ومشاكلها وتعقيداتها وظلاميتها، بعدما أصبحوا ورثة أميركا كمواطنين يريدون "تغييرها"؟
شعار أوباما "التغيير" ظل غامضاً بالنسبة لعامة الناس، إلى أن أفصحت عنه عضو الكونغرس إلهان عمر ، وهي عضو في الطيف الاسلامي المتشدد في مجموعة "أطياف التغيير": "هذا النظام فيه الكثير من العفن" "نريد هدم أميركا التي بناها لينكولن وواشنطون وسنبني أميركا جديدة".
هل أطياف شعار "التغيير" سيدفعون بالولايات المتحدة إلى مراحل أفضل مما فعله مؤسسوها، أم سيعيدوها إلى الوراء بسبب الشعار الذي يجمعهم مؤقتاً، والخلاف المؤكد الذي سيوقعون سكان أميركا كلهم في مأزقه لأنهم من مشارب مختلفة ولهم أطماع متباينة؟
جسّد دونالد ترامب، رغبة الذين يدركون غايات "تغيير" الولايات المتحدة فلم يُسمح له بالعمل كما يريد، وأظهر النظام السياسي الأميركي و"الدولة العميقة" ومعهم جزء كبير من الشعب، صاحب فلسفة very interesting في مواجهة ما يحدث وقد يصدّع بلدهم، عدم الرغبة في إنقاذ الامبراطورية الاميركية الحالية، فالمؤسسات والأسواق المالية يهمها أرباحها أولا، وأطياف "التغيير" يريدون كسر هيمنة العنصر الأبيض أولا، واللاجئون من أميركا الجنوبية يريدون زيادة عددهم كرقم صعب في الانتخابات أولا، والاخوان المسلمون يطمحون إلى "أستاذية" الجميع أولا، والمؤسسات السيبرانية يهمها السيطرة وجمع بيانات الجميع أولا، ونانسي بيلوسي مزقت أوراق الخطاب الإتحادي أمام الكاميرات لأنها تريد خلع وإهانة ترامب أولا، فما هو الشكل الجديد لأميركا الذي يريده السيبرانيون وأصحاب التغيير والدولة العميقة والهيسبانيك و"الأساتذة"؟ هل هو شكل واحد أم أشكال متعددة؟ وهل سيقبل الآخرون بسهولة بالمصير الهلامي الذي يواجههم؟
تولى أوباما الرئاسة والدين الأمريكي يبلغ 10.6 تريليون دولار، وانتهت فترتي رئاسته والدين الأمريكي 19.9 تريليون دولار، والزيادة توازي تقريبا ديون الولايات المتحدة خلال تاريخها كله.
عبء الديون على الولايات المتحدة أخذ في الارتفاع إلى مستويات يعدها الخبراء خطيرة، لو وصل إلى الحد الذي يتجاوز فيه الدين الوطني 100% الناتج المحلي الإجمالي. ويبدو أن الأمر قد حدث فعلا، لأن الأقوال متضاربة.
كان لدى الرئيس ترامب استراتيجيتين لتقليل الدين الأميركي، الأولى تعتمد على تحقيق نمو اقتصادي يبلغ 6% سنويا، وزيادة الإيرادات الضريبية بما يمّكن البلد من التوقف عن الاستدانة وسداد ديونه، لكن نسبة هذا النمو لم تتحقق. الاستراتيجية الثانية ارتكزت على القضاء على الهدر في الإنفاق الفيديرالي، لكن ذلك لم يتحقق، لأن هذا الهدر يرتبط بصفقات سياسية داخل الدولة العميقة، وانتهت فترة رئاسة ترامب وديون أميركا تبلغ 22.8 تريليون دولار في نهاية السنة المالية 2019.
تأثير هذه الديون على الولايات المتحدة مُختلف عليه حتى بالنسبة للمحللين الاقتصاديين، لكن الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة منذ أربعين سنة يتذكرون أن عربة الشراء في السوبر ماركت كانت تُملأ تماماً بحوالي خمسين دولار، بينما اليوم تُملأ بأكثر من ثلاثمائة. ونسبة الزيادة حدثت لكل شيء وكانت أكبر بكثير في ثمن العقارات والبيوت، الامر يعني داخلياً تدهور القيمة الشرائية للعملة، ويعني خارجيا طرح الدول الأخرى لسؤال قد يكون قريباً: لماذا نربط قيمة عملاتنا بعملة تفقد قيمتها؟
انهيار هيمنة الدولار كعملة دولية وتخبط النخبة التي تدير العالم من في التعامل مع ديون أميركا وازدياد التضخم المفرط بسبب طبع دولارات غير مغطاة، سيؤدي إلى انتقال أميركا لمستوى أسوأ .
دولياً، الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأميركي من حيث القوة الشرائية والقيمة السوقية، وفي خلال هذا العقد سيصبح أكبر من الاقتصاد الأمريكي من حيث القيمة الاسمية، وعند الوصول إلى هذه المرحلة سيحل اليوان محل الدولار كعملة عالمية حسب قوانين السوق، وسيكون لذلك عواقب مالية واقتصادية وحياتية وخيمة ليس على سكان الولايات المتحدة، بل على كل سكان الدول التي تعتمد الدولار كعملة عالمية، ولن تفكر بايجاد حل لنجوميته كعملة دولية سوى بعد حدوث الطوفان المالي العالمي.
استخدام أميركا الوسائل العسكرية ضد الصين لمنع هذا الامر مستحيل بسبب انفلات أي ضوابط باستخدام السلاح الذري إذا ضرب أحد الطرفين الآخر ضربة كسرت هيبته، كما أن الاقتصاد الأميركي لن يستطيع الصمود أمام حرب مخيفة باهظة الثمن مع الصين، فهو يسير بقوة الدفع الذاتي وبريق الولايات المتحدة كمديون صاحب الكلمة العُليا في السياسات الدولية.
دونالد ترامب كان واضحا في إعلان ومواجهة هذه الاخطار فماذا حدث داخليا طوال فترة رئاسته ؟
ووجه ترامب بتخريب محاولاته على مدار أربع سنوات، وكانت مواجهته ظاهرياً سببها شخصيته المُستفِزة، لكنها واقعياً بسبب عدم عضويته في إيديولوجية "التغيير".
في الانتخابات الأخيرة، انتقلت خمس ولايات من المعسكر الجمهوري إلى الديمقراطي وكان "التغيير" بطيئاً صامتاً في كوادر ومؤسسات هذه الولايات، فالتصويت لبايدن يستحيل حدوثه يوم الانتخابات فجأة، كما انتقلت السيطرة على مجلس الشيوخ إلى أيدي الحزب الديمقراطي، ومن المرجح أن تستمر التغييرات الديموغرافية في نقل المزيد من الولايات من الحزب الجمهوري إلى المعسكر الديمقراطي، وسيفقد الجمهوريون مجلس الشيوخ بنسبة تقترب من 100% في سنة 2030، وإذا وصل الكونغرس إلى نقطة اللاعودة وأدان ترامب الجمهوري، فلن يكون هناك أي مصالحة للوضع المنقسم الراهن، بل سيكون تصعيد الصراع أمرا لا مفر منه، وسيؤدي إلى انتقال الصراع لمستوى الولايات، وانقسام البلاد بين مناطق لسيطرة الجمهوريين وأخرى للديمقراطيين، التي قد تشهد ظهور شكل جديد للولايات المتحدة الحالية نتيجة لما سيحدث من صراعات إيديولوجية داخلية.
بنت الولايات المتحدة التقليدية قوى ناعمة خاصة بها، وبدأ تآكل هذه القوى الناعمة نتيجة إيديولوجية "التغيير"، فالولايات المتحدة الاميركية المحافظة شرّعت الزواج المثلي ومنحت المثليين حقوق الاسرة العادية في فترتي حكم حسين أوباما، الذي أيد أيضا علانية حق الانسان في تغيير جنسه وقال أن ذلك شجاعة، ووصل أمر "التغيير" إلى تنفيذ إزالة رمز جنس الفرد من على دورات المياه في الولايات الطامحة للتغيير، فلم تعد هذه للنساء وتلك للرجال.
كانت الولايات المتحدة فخر التعليم، والطلبة الاجانب المتخرجون من جامعاتها يجدون أفضل الوظائف عند العودة لوطنهم حتى لو كان في أوروبا. أصبح هدف المؤسسات التعليمة اليوم هو المصاريف التي يدفعها الطالب الذي يستحيل أن يرسب حسب قواعد أي جامعة، وحشو رأسه حتى لو يدرس الرياضيات بأيديولوجية "التغيير"، ومنها على سبيل المثال تعريفه بعنف الشرطة الاميركية ضد السود.. احترام اباحة الاجهاض.. احترام حقوق المثليين.. تقبّل توجيه الميديا للأبناء بدلا من الأباء.. زرع فكرة استقلالية طالب عمره 18 سنة عن أهله وهو لا يفهم شيئا في الحياة.. احترام حرية اختيار الجنس الذي يريده المواطن بغض النظر عن ولادته كذكر أو انثى.
تطور مفهوم الحرية في الولايات المتحدة من التعليم الابتدائي حتى العمل إلى حرية very interesting التي وصلت حدوداً تؤيد صراحة نشر اللامبالاة والترهل باسم الحرية، ومن لامعقوليات ترهل الحرية الجديدة اجازة قاض أميركي لحرق العلم الاميركي لعدم تعارضه مع حرية التعبير عن الرأي.
حرية very interesting بدأ مروجوها توزيع شعارات على لافتات توضع أمام البيوت تقول نحن نؤمن بأن "اميركا ليست أولاً"، وإذا سألت من سيكون أولاً ينظرون إليك بغضب المؤمنين بالجهل المقدس، وشعار يقول "الحب هو الحب"، والرد عليك كشخص لا يفهم مغزى الشعار هو: حب الرجل للرجل وحب المرأة للمرأة وحب الرجل للمرأة.. الحب (يقصدون المعاشرة أو الزواج) هو الحب في جميع الحالات، وشعار يقول "البشر ليسوا غير شرعيين" “humans aren’t illegal”، وتفسير هذا الشعار هو أن البشر ليسوا لاجئين غير شرعيين ويجب معاملتهم كمواطنين، وإذا سألت: وماذا عن الحدود والدول وتأشيرات الدخول والمواطنة؟ يأتيك الجواب: هذا من عمل الانسان وسيلغيه الانسان، وشعار يقول "حياة السود مهمة"، وإذا قلت أن حياة سكان أميركا الأصليين مهمة وحياتي كمواطن من أصول شرق أوسطية مهمة وكل حياة البشر مهمة، تُتهم بعداوة السود والعنصرية وتمجيد سيطرة الجنس الأبيض.
أصبحت الحرية شيئا يختلف تماما عن مفهومها الدستوري وهو حرية التعبير والمعتقد الديني. أصبحت الحرية بذور لامبالات لهدم كل قيم "الأباء المؤسسون"، التي لم تكن بهذا السوء لأنها أنتجت هذه الدولة العظيمة.
كانت السينما الاميركية من القوى الناعمة الاميركية، وطالما ألهمت أفلامها شعوب العالم وجعلتهم يقلدون نجومها، وكانت مصدر دخل قومي، ووصل تأثيرها إلى حد طلب نيكيتا خوروشوف أثناء زيارة لأميركا حضور مشهد تصوير فيلم، وأرشيف صناعة فيلم “can…can” الذي عُرض عام 1960 يوثق حضور خوروشوف الاستعراض الراقص الذي قدمته شيرلي ماكلين مع مجموعة كبيرة، ومصافحته بعد التصوير لأبطال الفيلم وعلى رأسهم فرانك سيناترا وموريس شفالييه.
صناعة السينما الاميركية أصبحت خاضعة لإيديولوجية "التغيير"، فأبطالها روجوا وحثوا معجبيهم على إنتخاب بايدن، بعدما روجوا لانتخاب حسين أوباما الذي خص نجوم هوليوود بزيارات وهدايا قبل اعادة انتخابه لفترة ثانية، ووحّد "التغيير" أبطال هوليوود وسكان كاليفورنيا الذين تتزايد نسبة سكان أميركا الجنوبية "الهسبانيك" فيهم.
كان "التغيير" بالنسبة لأبطال هوليوود very interesting، وبالنسبة للهسبانيك طريق وصول إلى البيت الأبيض "سيكون واحد منّا بعد أوباما". هكذا طارت كاليفورنيا من الجمهوريين.
هوليوود اليوم لا تنتج أي فيلم لا يحتوي على الأجناس التي تعيش في الولايات المتحدة، وهي فكرة شبه مستحيلة فما هو الموضوع الذي سيجمعهم؟ ولا تنتج فيلما موضوعه بعيدا عن التمييز العنصري؟ ولا تنتج فيلما بدون مثليين أو متحولين جنسياً فيه؟ وتفضّل انتاج أفلام تدين "أميركا القديمة البيضاء"، بل يفكرون في وسم أفلام قديمة يظهر فيها السود كخدم بأنها عنصرية، وهي فكرة لم يقلها حتى الناشط الحقوقي الأسوّد مارتن لوثر كينغ!
النتيجة هي ما نشاهده من أفلام هوليوودية تافهة لأن المواضيع المطلوبة يستحيل أن تكون في كل فيلم، وأصبحت فضائح نجوم هوليوود وحكاياتهم التافهة في تلفزيونات الواقع وزيجاتهم الملفقة وطلاقهم الذي يكلّف أحيانا 200 مليون دولار للترويج لهم، هي الصناعة السينمائية البديلة ومواضيع المجلات الفنية والاجتماعية وحديث المجتمعات ومادة المقابلات التلفزيونية.
ترويج فكرة جلد الذات وطلب اعتذار الشعوب الأوروبية الحالية عما حدث في ماضيها ولم تفعله، هي نفس إيديولوجية "التغيير" الأميركية. إيديولوجيتان خبيثتان سلبيتان هدّامتان. من المستفيد منهما وإلى أين يتجه أحفاد مؤسسي النهضة وما هو البديل لحضارتهم لو انهارت؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دونالد ترمب كائن قميء مناصر للعبوديه عنصري حت
حكيم حبيب ( 2021 / 2 / 2 - 04:12 )
دونالد ترمب كائن قميء مناصر للعبوديه عنصري حتي النخاع و مهلوس مدمن للكذب هكذا عرفه العالم علي مدار خمسين عاما منذ شبابه
هذا المهلوس اللذي يعجز عن معرفة ما هو اخلاقي من عدمه قال جهارا نهارا ان القضاه اللذين رشحهم لمناصبهم عليهم ان يحكمو لصالحه!!!!!!!!
عشرات القضاه رفضوا حتي النظر في الآدعآأت البلهاء اللتي ادعاها في المحاكم و اكثرهم سخر من المحامين لبلاهة الادعاأت وانعدام الادله و اغلب هؤلاء القضاه رشحهم بنفسه ووافق عليهم الكونجرس الجمهوري
و اتركك الان مع احد لاعقي حذاءه علي مدار اربع سنوات و هو يعترف بانعدام الادله علي التزوير

https://www.youtube.com/watch?v=eB59LFoNto8

اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف