الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرصة لمن يقتنصها … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 2 / 1
الادب والفن


ام خيري ... التي كلفتها بأن تجد لي إمرأة تدير لي المنزل وتهتم بشؤوني ، من تنظيف ، وغسل ملابس وكوي الى آخر الخدمات ، استعملتُ عبارة مديرة للمنزل ، كترطيب لكلمة خادمة الجارحة ، سألتني الحاجة ام خيري عن سبب تأخري في الزواج .. واعربتْ عن استعدادها لاختيار زوجة لي من اشرف العوائل ، واكثرها عراقة .. اصل وفصل ، ثم مدت يدها الى جيبها ، واخرجت حفنة من الصور .. وما علي الا ان اختار ، وكلهن جميلات وبنات عوائل ، ومن بيوت محترمة .. وما هذه الصور إلا انعكاس بارد … أما الواقع فهو دائماً أكثر اثارة .. أخبرتها بانها ستكون اول من يعلم عندما أُقرر الزواج ، أعادت الصور الى جيبها ، وخيبة الأمل بدت واضحة على تعابير وجهها الملئ بآثار الزمن … !
انتهيت من اولى المهام في جدول اعمالي اليومي ، وتهيأت للخروج لسهرتي اليومية مع صديقي حازم .. ارتديت ملابسي ، ونزلت على عجل .. بمجرد سماعي اشارة من منبه سيارته ، تنطلق بنا السيارة كأنها توشك على الطيران ، اهتف به بعصبية : لم العجلة ، هل نحن مطاردون .. تتلاشى المدينة تدريجياً كلما ابتعدنا عنها .. تهبط السيارة الى متاهة من الطرقات الضيقه والممرات الغريبة .. سألته عن وجهتنا ، قال بحماس : اترك الامر لي .. قضينا سهرة من سهرات الشباب الصاخبة ، ولم نعود الا مع الخيوط الاولى للفجر .. منهكين ، أترنح بخطوات ثقيلة ، ومتعثرة وأنا في طريقي الى الفراش ، القي بجثتي المتعبة ، وانام بملابسي … !
اسمع صوت جرس الباب يرن ، وكأنه يضرب في اوتار اعصابي ، ويدخل الى خلايا دماغي الملتهبة التي لم ترجع بعد الى حالتها الطبيعية .. اتركه يرن .. لم يتوقف عن ازعاجي ، اتحامل على نفسي ، واذهب لافتح الباب ، وانا في وضع مزري .. اجد امامي الحاجة ام خيري ، ومعها شابة لم أُميزها ، ولم انظر اليها اصلاً لاني كنت لا ازال تحت وطأة السكر ، ادعوهن للدخول .. تظل الفتاة واقفة مترددة في الدخول .. اذهب الى غرفتي لاغير ملابسي ، ثم ادخل الحمام ، اغتسل وانعش نفسي .. انزل .. أرى الفتاة خافضةً رأسها ، القيت عليها لمحة سريعة .. فتاة جميلة ، في نضارة الشباب ، جمال مختبئ تحت ملابس واسعة محتشمة ، وحجاب يكاد يغطي كل شئ الا استدارت الوجه .. ملامح دقيقة تتصدرها عيون سود واسعة .. تبدو شخصية قوية رغم بساطة مظهرها ، وان مهنة الخدمة في البيوت لم تترك بصماتها عليها بعد .. تلاقت نظراتنا أكثر من مرة ، كأن كل واحد منا يحاول اكتشاف الآخر .. قالت الحاجة بعد ان ذكرت اسم الفتاة الذي لم التقطه جيدا : انها ترتب البيت ، وتهئ كل شئ ، وتغادر بدون مبيت ، وافقت على الفور ، واتفقنا على الراتب ، اعطيت الفتاة نسخة من مفتاح البيت بعد ان انزويت بالحاجة ، واخذت منها ضمان …
وفي اليوم التالي .. عدت من الشركة بعد الظهر ، فوجدت البيت غير البيت الذي كنت اعرف .. نظيف ومرتب .. ملابسي مغسولة ، قمصاني مكوية حتى بجامتي ، ارتحت جداً ، وهنأة نفسي ، والحاجة على هذا الاختيار .. دققت في كل الاثاث ، وأشيائي التي اعتدت ان ابعثرها ، والقي بها هكذا دونما اهتمام ، وجدت كل شئ في مكانه لم يمس .. ذهبت الى المطبخ ، كدت اغادره بسرعة حسبته غير مطبخي ، مرتب ، نظيف ، والاكل معد ، وجاهز للأكل … !
كنت في حاجة ماسة الى اجازة للراحة بعد الاستهلاك المفرط لكل طاقاتي التي كنت اهدرها في السهر والعربدة دون حساب ، وبتبذير مبالغ فيه لامكانياتي .. قد يسبب لي مشاكل صحية في المستقبل .. واليوم .. اول يوم اجازة بقيت فيه نائماً لوقت متأخر من النهار كنوع من التعويض .. استيقظت على صرخات المكنسة الكهربائية .. انزعجت ، دفنت رأسي في احضان المخدة ، لم ينفع ، نهضت من فراشي مستسلماً ، نزلت الى الطابق الارضي ، ولا ادري من منا الذي تفاجأ بالآخر ، أطفأتْ المكنسة فوراً .. واعتذرتْ عن الازعاج فهي لم تكن تعلم بانني في البيت .. قلت : لا بأس ، حصل خير .. هل تريدين ان اترك لك البيت لتأخذي راحتك ؟ اجابت بانها على وشك ان تنتهي وكررتْ اعتذارها .. !
رجعت الى غرفتي ، تمددت على الفراش للمزيد من الراحة ، والتفكير .. احسست بشعور جديد يبعث فيَّ الدفء والطمأنينة التي كنت بأمس الحاجة لهما .. اغرق في احلام عذبة لذيذة شغلتني حياة الصخب والعربدة عن مثلها .. قطع جرس الباب عليَّ تسلسل افكاري … ! أهمله .. يتوقف بعد لحظات عن الرنين ، وبعد دقائق رأيت صديقي حازم واقفاً فوق رأسي ، نهضت متفاجئاً ، عاتبني على هذا التكاسل ثم اخذ يسأل ، ويستقصي عن الفتاة ، ولا ادري بماذا القبها : الخادمة ، ام مديرة المنزل ، اخبرته بكل شئ .. اليس هو صديقي ، ومن واجبي ان لا اخفي عنه شيئاً حتى لا يسئ الظن ، ولا يشطح في تفكيره بعيداً .. ؟!
تركني ونزل ، لم أهتم .. فهو معتاد على هكذا تصرف ، فالبيت بيته .. بعد دقائق عاد .. اعتذرت عن السهر في تلك الليلة .. همهم وهو يهز رأسه مفهوم مفهوم ، وغادر .. تكررت زياراته بمناسبة وبدون مناسبة ، اما انا فارسلت في طلب الحاجة ام خيري ، لاخبرها بنيتي الزواج ، وقد اخترت أخيراً المرأة التي أُريد .. واحتاج الى مساعدتها في الموضوع .. لم تلبي طلبي لانها كانت في زيارة لاحدى بناتها في محافظة اخرى ، انتظرت عودتها على احر من الجمر … !
في الايام التالية كنت انزل لاتعرف اكثر على الفتاة ، وأحاول ان أتجاذب معها اطراف الحديث ، لاني كنت بحاجة الى زوجة ، وليس لخادمة .. فعرفت بانها خريجة معهد فنون جميلة ، ولم تحصل على تعيين ، فاضطرت تحت الحاح الحاجة ان تعمل في ادارة المنازل ، وكانت ترفض صفة الخادمة .. يكتسب صوتها نبرة حارة وجادة ، وهي تواصل الحديث بدأت اتحسس مواطن قوة شخصيتها .. تمر الايام بين الحلم واليقظة .. انقطع فيها عن السهر ، واحاول ان استجمع نفسي التي كانت مشتتة قبل التعرف على هذه الفتاة .. كنت اشعر بالسعادة ، والاسترخاء بعد ان اتخذت قراري ، ولم يبقى الا التنفيذ …
انتهت الاجازة .. وفي يوم رجعت مبكرا كي اراها ، وافاتحها بعزمي على التقدم اليها ، ولدهشتي رأيت البيت خالياً ، وكل شئ على حاله منذ الامس لم تمر عليه لمستها اليومية اللطيفة ، تركت الامر حتى مجئ الحاجة ام خيري ! تمضي الايام مملة ، ولم تظهر سليمة كما عرفت اسمها بعد ذلك ، كأنها تبددت ، تبخرت ، وانقطع صديقي عن زيارتي ، اتصلت به اكثر من مرة اجد تلفونه خارج نطاق التغطية ، كنت اعرف مجونه فقلت في نفسي : ربما يكون في مكان ما من تلك الاماكن التي كنا معتادين على التردد عليها .. فاهملت الموضوع مؤقتاً …
وبعد مرور اسبوعين أو أكثر .. تلقيت اتصالاً منه يدعوني فيه الى زفافه .. فرحت ، واخبرته بانه السابق ، وانا اللاحق .. وعندما جاء ذلك اليوم لدهشتي رأيت ان زوجة صديقي هي نفسها سليمة التي كنت قد عزمت على ان تكون لي زوجة .. انخلع قلبي .. لم اصدق عينيي .. بدأت ارتعد رغماً عني ، حتى سمعت صوت رعدتي .. بقيت صامتاً معقود اللسان من هول المفاجأة .. كانت ترتدي ثوب العرس الابيض الذي يكشف عن ذراعيها ، وعنقها الطويل .. جسدها الرشيق الذي ينتصب مثل شجرة فارعة .. ينفرج فمها الجميل عن ابتسامة صغيرة ، كأني أمام وجهاً آخر ، وشخصاً آخر .. كل أشيائها التي كانت خافية عني ، مستعصية علي ، تبدو أمامي الان .. أواصل التحديق ببلاهة كأني أراها لاول مرة .. وكأن كل عذابات الانتظار قد ذهبت هكذا بدون ثمن .. تأملتُ ملامحها الدقيقه التي بدت اكثر وضوحاً ونبلاً .. تلك الملامح التي لم أنسها ولو للحظة واحدة من حياتي .. ! بقيت غارقا في احزاني .. أحسست أن كل شئ قد انطفأ ، وغاصت آمالي في فراغ .. ألم من المستحيل احتماله .. حدثتُ نفسي : لقد اختارها الوغد بعناية .. انها فرصة حياتي التي ضاعت مني .. كنت فارساً احمقاً بدون جواد .. ابتلعتُ هزيمتي واحتقاني ، هنأت الاثنين .. ثم عدت من حيث اتيت !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما