الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
رواية (ماركس العراقي) ح 14
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2021 / 2 / 2
الادب والفن
تكررت اللقاءات الجميلة ولو على تفاوت مره في بيت طارق ومرات في بيت هاش المجاور ومرات في نادي نقابة المعلمين، لكن أكثر اللقاءات كانت تجري بعيدا عن ثالثنا وعراب علاقتنا طارق، كان هاشم أكثر ميلا للفلسفة وبحوثها وخاصة فلسفة الرفض الطارد كما يسميها من ميل أبن عمه الذي يركز كثيرا على الأخبار وينتقل من موضوع لموضوع دون أن يكون هناك رابط بينهما، يقول هاشم أنت لا تصلح للشعر وإن كانت كلماتك حتى في صحراء الثرثرة الفارغة مقطوعات من شعر المتصوفة، لكن هذا لا يجعل منك شاعرا بل يقدمك فيلسوفا مجنونا بهتك أستار الروح المعذبة، لذا فدع الشعر يطل براسه مستمعا لك وأنت تخوض في رفض الفلسفة لوجودها بفلسفة مجنونة مثلك، فلا ينبغي للحياة أن تسير هكذا كعربة يجرها حمار مغمض العينين جبرا وهو يتلقى الضربات بسبب أو بدون سبب حتى يقال أن العقل هو من يقودنا نحو الحقيقة، لا بد أن نستبدل العربة والحمار معا.
مر الفصل الأول من السنة الثانية لا شيء فيها سيد سوى أخبار الحرب وتجلي عذابات الناس منها، حتى أنتهى الفصل بدون أي جديد ملفت للنظر سوى ما يدور في قاعات الدرس الذي لم يعد يعنيني بقدر ما يشرد بي بعيدا عن مواجهة الواقع كجندي يأمره قائده بمهاجمة العدو من غير سلاح ويريده أن ينتصر، الأسبوعان لم يمضيا من عطلة النصف السنة وأنا على أتصال هاتفي كلما سنحت الفرصة لي لأهاتفه من بيت خالي، كان مقررا أن نلتقي مع هاشم هنا في كربلاء في هذه الأيام لنكمل الحديث عن ظاهرة الكتابة على الجدران بعد أن سقط الإعلام ووسائل الثقافة في أن تفتح أبوابها المقفلة بأمر السلطان، كانت أخر أخبار هاشم أنه مريض يكابد الألم وهو يسخر من ملك الموت أن يحضر دون أن يضحك على نكته يطلقها في وجهه، قال لأهله لو مت أكتبوا على قبري الشهيد الذي لم يمنح الحياة شهادة حسن سلوك فذهب مغاضبا.
هاشم الذي يكبرني بعشرة سنين لم يحلق لحيته منذ زمن، وكلما سألته متى تزيل هذه الغيمة السوداء عن وجهك، يقول سأحلقها يوما فلا يجوز أن أبقى كسماء ملبدة بالغيوم دون أن تنقشع في لحظة ما، ولكن أحتاج مناسبة حتى أزيحها بالتمام، صديقي متى تتزوج؟ سؤالي المعتاد الثاني... سأتزوج يا أخي ولكن قبل ذلك أحتاج لامرأة أصيلة تلد لي فتاة تقبل بمجنون مثلي ينتمي لعالم لا ينتمي له أحد، أنتظر أن تتاح لي الفرصة أن ألتقي بأمها أولا قبل أن تتزوج هي حتى تسمع شروطي ومواصفاتي الخاصة بتلك العروس التي ستكون بعد حين... سخريته من الحياة جعلته يغرد على شجرة يابسة عارية من ورقها في جوف صحراء لا يمر بها بشر، الصدفة وحدها من قادتني إليه لأستمع منه أغاني لا يجيد أدائها إلا ملاك موهوب أو شيطان يزعم أنه نبي المغنين.
أسبوعان فقط كل ما مر من الفصل الثاني حتى أفجع بهاشم رحل محملا بكل مأسي الزمن وسفالة الواقع وانحطاط قيمه الفوقية والتحتية، رحل دون أن يحلق لحيته ودون أن يلتقي بحلم عروسته التي كتب مواصفاتها في قصيدة سطرتها عن لسانه...
متوهم
حين زرعت شجرة ياسمين على ضفة نهر
نسي أنه نهر الخلود
فصار يطلب من شجرتي كل يوم
أن ترمي له زهرة
يظن النهر أنه عقيم بلا فائدة
وتظن شجرتي أن زهرتها البيضاء الجميلة بشعة
لأنها لا تحمل لونا مثيرا
متوهم النهر
وشجرتي أصابها الوهم
وأنا الثالث أصابني داء الوهم المقيت
فأتحدنا نحن الثلاثة لنكون أمة
أسمها
الواهمون الأبديون
في اليوم التالي ولد للنهر جدول صغير
وفتحت على غير عادتها شجرة الياسمين
على أزهار حمر قانية
أما أنا فقد أعلنت توبتي وندمي
وحملت تاريخ ولادتي
على صليب من نار
ورحلت بلا وداع...
وظلت أمنية خلفي لا أعلم سرها
هل ما زال النهر ينجب الجداول من بعدي؟
أم عادت زهرة الياسمين تزهر بوردها العجيبة؟..
رحل هاشم ورحل معه أخر المراكسه العراقيون الذين أحببتهم وكأن القدر لا يريد لهم البقاء في الأرض أراحهم من وجع وأنابنا نحن أن نتوجع بدلا عنهم، كم من القرافة والاحتقار يحمل هذا العالم الذي يفقد أجمل مخلوقاته دون أن يظهر علامة حزن واحدة، إنها فنتازيا الرب الذي لا يحب إلا ..... العبيد البلهاء.
عدت وحيدا لعالمي التائه لا يسعدني كل شيء... أعبث بكل شيء لا أحفل بالنتائج إلا قضية الحرب والأقتراب منها، فهي حدودي التي لا أسمح لأحد أن يقربني منها أبدا، رجعت مرة أخرى إلى مزيد من الصعلكة لكن هذه المرة صعلكة بلون أخر، لون مطرز بصوت سلمان المنكوب وعبادي العماري وووو أغاني الوجع، رميت كل أشرطة التسجيل القليلة التي كنت أحتفظ بها للسيدة أم كلثوم وشادية ونجاة الصغيرة وعفاف راضي فقط، ساحة الصعلكة هذه المرة حدود غرفتي في القسم الداخلي حين يخرج زملائي وهم غالبا لا يتواجدون كثيرا، أستمع للشجن السومري القديم الذي يبكي حتى الجدران معي، أوزع الأغاني بين هاشم وطالب والثالثة لي أسمعها نيابة عن وطن شح به الفرح وجاد بالموت على الكل، إلا على جنرالات الحرب المتخمة بطونهم كأنهم حبالى في شهر الولادة، وصدورهم تعمر بالنياشين الزائفة التي تعلق كل يوم ليشاهدها أبناء شعبي وليفخروا ببطولات لم يخضها أحد لأجلهم، كان عرش السلطان يوميا يفرخ تحته ألف نوط وألف وسام ليأتي أخر المساء فيوزعها مالك الملك بما يشاء لمن يشاء دون رقيب ولا حساب، ولتستمر النار تأكل البشر ويستمر العرش بتفريخ العظمة، كأنه أرنبة لا تشبع من هواية الحمل والمناكحة طالما هناك أرانب ذكور تحتمل المنافسة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح