الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من انتخابات المجلس التأسيسي :

سعد سوسه

2021 / 2 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نصت المادة الثامنة عشرة من المعاهدة العراقية - البريطانية ، على أن المعاهدة تصبح نافذة العمل حالما يصادق عليها الطرفان المتعاقدان بعد قبولها من المجلس التأسيسي، وبعد توقيع المعاهدة في مجلس الوزراء العراقي في العاشر من تشرين الأول عام 1922 أصرت الوزارة النقيبية الثالثة على أن تجري الانتخابات للمجلس التأسيسي ، وفعلاً فقد أصدرت في التاسع عشر من تشرين الأول ، ارادة ملكية بتأليف المجلس التأسيسي بناء على قرار مجلس الوزراء ، وحدد للمجلس التأسيسي أن يقرر للبت في امور ثلاثة ، هي دستور للبلاد ، وسن قانون انتخاب مجلس النواب . فضلاً عن ، المصادقة على المعاهدة العراقية ـ البريطانية وحدد موعد بدء الانتخابات في بداية الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 1922 ، وعهد إلى وزير الداخلية تنفيذ هذه الإرادة (26) .
وبالفعل ، فقد بدأ وزير الداخلية عبد المحسن السعدون ، بعد يومين من صدور الإرادة الملكية ، بالقيام بواجبه في إجراء الانتخابات ، فأصدر في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1922 ، تعليماته إلى متصرفي الألوية دعاهم إلى الاهتمام بإجراء الانتخابات وتطبيق احكام قانون الانتخاب ، وطلب منهم دعوة منوري الأمة ومفكريها وأبناء الوطن جميعاً إلى التضامن والتعاضد والتزام السكينة في اتباع احكام قانون الانتخابات، وان لا يعطوا مجالاً إلى من يشوش الأذهان من الأباطيل والتكاتف لانتخاب من تعتمدهم الأمة من اللائقين لتمثيلها ، وألفت نظرهم إلى التزام خطة الحياد وعدم المحاباة إلى أي حزب كان ، وفسح المجال لأفراد الشعب للقيام بالانتخابات بكامل الحرية، وحـذر بأن أي تدخل سوف يستوجب التوجه الشديد . وفي الرابع والعشرين من تشرين الأول ظهر بلاغ رسمي من وزارة الداخلية تبلغ فيه كل الدوائر الحكومية بالالتزام بجانب الحيادية في أثناء إجراء الانتخابات . ودعا وزير الداخلية في بلاغه الشعب العراقي ان لا يهتموا بالتمويهات والأباطيل التي ربما ينشرها بعض من لا تهمهم مصلحة الشعب ، وان يوحدوا آراءهم ويضعوا ثقتهم بمن يتوقعون منه السعي لتحقيق رغائبهم(27).
وفي ضوء ذلك ، اعتقدت كل من بريطانيا والملك بأن المعارضة قد انتهت ضدها وضد المعاهدة ، وأن الانتخابات ستجري على وفق ما كانوا قد خططوا له . مع العلم، أن البريطانيين قد عطلوا عمل الأحزاب السياسية وفي مقدمتها الحزب الوطني العراقي وحزب النهضة العراقية . وبقي الحزب الحر العراقي أجيز في السادس عشر من اب عام 1922 ،أنتخب محمود النقيب رئيساً للحزب ، وقد أسس الحزب بمباركة الدوائر البريطانية ، أصدر الحزب جريدة ناطقة بأسمه " العاصمة" استمر الحزب 11 شهراً و26 يوماً وهو اقصر الاحزاب عمراً في تاريخ العراق المعاصر(28) الذي يرأسه محمود النقيب نجل رئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب هو الحزب الوحيد المجاز رسمياً في البلاد والذي كانت الحكومة تسانده بقوة .
لم تثنِ إجراءات بريطانيا القاسية تجاه الأحزاب السياسية ، العناصر الوطنية بشتى اتجاهاتها وشرائحها من أن توحد جهودها من أجل مقاطعة الانتخابات والانتقال من التهديد بالمقاطعة إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لها ، فقاموا بحملة دعائية واسعة في سبيل ذلك ، واتصلوا بالمؤسسة الدينية ، وتدارس الجميع النتائج التي ستؤدي إليها الانتخابات إذا ما جرت وتمكنت من تصديق المعاهدة ، ومن ثم وضع دستور دائم للبلاد ، وما ستتبع ذلك من تكبيل البلاد بالقيود الاستعمارية ، غير أن المعارضة بقيادة المؤسسة الدينية وعلمائها ، أعلنت مقاطعة الانتخابات ما لم تحقق للشعب المطالب التالية(29)):
1ـ الغاء الإدارة العرفية.
2ـ اطلاق حرية المطبوعات والاجتماعات.
3ـ سحب المستشارين من الألوية.
4ـ إعادة المنفيين السياسيين.
5ـ السماح بتأليف الجمعيات السياسية .
كان امراً طبيعياً ، ان يتأزم الوضع كثيراً لعدم استجابة الحكومة لمطالب الشعب، وعندها استفتى المواطنون المؤسسة الدينية الشيعية في مناطق الكاظمية والنجف وكربلاء في الخامس من تشرين الثاني 1922 في أمر المقاطعة ، بعدهم المراجع الدينية ، وطلبوا إفتاءهم في امر التدخل في الانتخابات ، فأصدرت فتاوى شرعية بتحريم الانتخابات ، وتحريم الاشتراك فيها تحريماً قطعياً ، بتكفير المساهمين فيه عملاً بقوله تعإلى: (ومن يتولهم فإنه منهم ) لأن الاشتراك في الانتخابات يعني المساعدة على تولي الكفار على المسلمين ، اذ أفتى الشيخ مهدي الخالصي بتحريم الانتخابات على العراقيين كافة ، والتدخل فيها والمساعدة عليها، وتبعه السيد ابو الحسن الأصفهاني في فتوى هذا نصها: " نعم قد صدر منا تحريم الانتخاب في الوقت الحاضر لما هو غير مخفي على كل باد وحاضر فمن دخل فيه او ساعد عليه فهو كمن حارب الله ورسوله وأولياءه صلوات الله عليهم اجمعين" .
وفي السياق ذاته ، أفتى علماء المؤسسة الدينية في النجف ولاسيما الميرزا حسين النائيني بتحريم الانتخابات والاشتراك فيها ، مع العلم أن الحكومة قد منعت نشر هذه الفتاوى في الصحف ، ممّا دفع علماء المؤسسة في النجف إلى أن يكتبوا الفتوى بآلاف النسخ ويلصقوها على جدران المساجد .
فضلاً عن هذه الفتاوى ، فقد اتخذ الشيخ الخالصي موقفاً حازماً تجاه الملك فيصل عندما نقض بيعته له ، وذلك من أجل تأكيده الموقف الإسلامي الشرعي من الانتخابات ، وعدم المراهنة على الملك في العمل من أجل الاستقلال . وقال الخالصي بهذا الشأن: " لقد بايعنا فيصلاً ليكون ملكاً على العراق بشروط ، وقد اخل بتلك الشروط ، فلم يعد له في اعناقنا واعناق الشعب العراقي اية بيعة . وقد اعقب الخالصي موقفه هذا ، بالإفتاء بحرمة الدخول في اجهزة الدولة وإدارتها ، معتبراً ذلك بمثابة تعاون مع الكفار" .
بالمقابل ، حاول عبد المحسن السعدون وزير الداخلية ، الذي كان متحمساً للاستمرار في الانتخابات ، باستعمال القوة والضرب على ايدي القائلين بمقاطعتها ، ولكن زملاءه الوزراء ورئيس الوزراء لم يوافقوه على خطته ، فاضطر إلى الاستقالة من منصبه في السادس من تشرين الثاني عام 1922 ، فاسند منصب وزارة الداخلية وكــــــالة إلى كينهان كورنواليس(Kinahan Cornwallis) )( كينهان كورنواليس (1883-1959) : ولد في ولاية نيويورك الامريكية ، وتلقى تعليمه في كلية هليبري بجامعة اكسفورد حيث درس القانون واللغة العربية ، وعمل في المقر العام للمخابرات البريطانية في مصر بعد الحرب العالمية الأولى ، ونال رتبة عقيد عام 1919 ، وبعد تشكيل الحكومة العراقية ، عين كورنواليس مستشاراً للملك فيصل عام 1921 ، وعين مستشاراً لوزارة الداخلية في العام نفسه ، وفي عام 1941 عين سفيراً لبريطانيا في العراق ، غادر العراق في آذار 1945(30) مستشار الوزارة .
مما سبق يبدو واضحاً ، أن صدور الفتاوى ، ونقض البيعة ، كان لها تأثير على المستويين الرسمي والشعبي ، فعلى المستوى الرسمي قدم عبد الرحمن النقيب رئيس الوزراء استقالته في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1922 ، أي بعد صدور الفتاوى بأسبوع واحد ، لأنه شعر أنه غير قادر على مواجهة ازمة الانتخابات على أثر صدور هذه الفتاوى التي تدعو إلى مقاطعتها ، وقد ضاق النقيب ذرعاً من هذه المعارضة الشديدة التي تزعمتها المؤسسة الدينية الشيعية ، ولم تكتفِ هذه المعارضة بالفتاوى ، وإنما كانت بعض منشوراتهم تمس شخص النقيب وتهاجمه حتى أنها وصفته بأنه "مرتد عن الاسلام" وفي هذا الصدد انشد الشاعر عبود الكرخي قصيدة في ذم النقيب تداولتها الأفواه التي جاء في مطلعها :
يا نقيب ويا نقيب
من عفت جدك محمد
عجب ما عندك صحيب
صار لك كوكس حبيب

كلف الملك وزير الداخلية المستقيل عبد المحسن السعدون بتأليف الوزارة بعد يومين من استقالة النقيب(31) . ورحبت دار الاعتماد البريطانية بالحكومة الجديدة ، ولا سيما شخص رئيسها الذي وجدت فيه الرجل المناسب لتنفيذ السياسة البريطانية ، الذي عرف عنه ايضاً ، باتجاهه السياسي الداعي إلى التعاون مع البريطانيين ، واتباع سياسة الشدة ضد المعارضة ليحملها على الاستجابة لمواقف الحكومة والانصياع لأوامرها .
أما على المستوى الشعبي ، فقد أيد رؤساء العشائر وأبناؤها فتاوى المؤسسة الدينية الشيعية من منطلقات عدة ، يأتي في مقدمتها ، أن طبيعة التكوين الديني والاجتماعي لهم في تلك الفترة يدفعهم إلى الالتزام بهذه الفتاوى وتنفيذها(32) ، فقد استقالت الهيئات الانتخابية التي شكلت في النجف وكربلاء والحلة والكوفة ، وأعلن الموظفون في مدينة الكاظمية عن اخفاقهم في تأليف اللجان المذكورة أشار تقرير بريطاني إلى ، ان المخاوف وتهديدات المتطرفين في هذه المدن والاقضية التابعة للمدن المقدسة جعلت اعضاء اللجان يصابون بالذعر ، فلهذا قاموا بالاستقالة او اعلنوا مخاوفهم من التسجيل .) ، وقد جاء في التقارير العمومية نصف الشهرية لمتصرف لواء كربلاء في تشرين الثاني عام 1923 ، بأن الانتخابات قد توقفت بعد أن علقت الدفاتر الأساسية في كربلاء وشفاته(عين تمر) ، وأنه كلما حاول تشكيل هيئة تفتيشية جديدة ، تعذر عليه ذلك، وكانت تقاريره للأشهر التالية تشير إلى توقف الانتخابات في اللواء تماماً . واعلنت الهيئة الانتخابية في بعقوبة بأن الانتخابات المحلية تنوي تقديم استقالتها وان السكان الشيعة يبدو انهم مصرين على اتباع هيئتهم الدينية .
ينبغي أن نشير هنا إلى ، أن الفتاوى الدينية لم يكن تأثيرها على الشيعة فحسب، بل امتد على عموم المسلمين ، فعلى سبيل المثال ، الصقت الطائفة السنية في الموصل الإعلانات التي كانت تدعو إلى مقاطعة الانتخابات ، ووجهت الشتائم من الجمهور إلى القائمين بشؤون الانتخابات . ننقل نصاً ما جاء في كتاب متصرف لواء الموصل بهذا الشأن: " بان الهيئة التفتيشية في الموصل لم تعد راغبة في مواصلة العمل ، وبدأت تخشى من عاقبة الفتاوى ، وان حركة المقاطعة ليست منبثقة من داخل اللواء بل اتية من العاصمة . وان بطء حركة الانتخابات في الألوية وما يرد منها من الأخبار من اكبر الدواعي لتشويش الأذهان في الموصل .
فضلاً عن ذلك ، فقد شارك بعض المسيحيين في هذه المقاطعة ، إذ ظهر إعلان ملصق على باب دار بلدية الموصل مفاده ان علماء المؤسسة الدينية المسيحية قرروا مقاطعة الانتخابات ومؤازرة المسلمين فيها تماسكاً بالجامعة الوطنية وحفظاً للمصالح المشتركة والتآلف القديم ، فكان لذلك الأثر الحاسم في مقاطعة الانتخابات مقاطعة عامة شاملة ، مما اضطر الحكومة العراقية والمندوب السامي إلى تأجيلها لحين تهيئة مستلزمات إنجاحها .
وعلى الرغم من الإجراءات الشديدة المتخذة للحد من تأثير فتاوى العلماء الداعية بحرمة الانتخابات ، إلا إن ذلك لم يمنع من الاستمرار في مقاطعة الانتخابات، فحاولت السلطة البريطانية بالتعاون مع الحكومة العراقية ، من التقليل من أهمية هذه الفتاوى ، فأشاعت في البلاد بأن العلماء تراجعوا عن فتاواهم ولكنها لم تنجح ، فقد سأل بعض العراقيين المراجع هذا السؤال :
" بسمه تعإلى
حضرات علمائنا الاعلام وحجج الاسلام متعنا الله بطول بقائهم مدى الايام.
بلغنا انكم بمقتضى وظيفتكم الدينية ورئاستكم الروحانية حرمتم على كافة الامة العراقية المداخلة في هذا الانتخاب المضر بالامة ، وحرمتم المساعدة فيه بكل وجه ، وجعلتم المساعدة عليه محاربة لله ولرسوله . فنسترحم منكم ان تبينوا لنا صحة ذلك ، حتى نمتثل اوامركم الشريفة التي امر الله بامتثالها ، ادام الله ظلكم " .
وفي ضوء هذا السؤال اصدر السيد أبو الحسن الأصفهاني فتوى اخرى نسخت منها الآلاف والصقت على أبواب الجوامع وكان نصها: " إلى إخواننا المسلمين ان هذا الانتخاب يميت الأمة الإسلامية، فمن انتخب بعد علمَ بحرمة الانتخاب ، حرمت عليه زوجته وزيارته ولا يجوز رد السلام عليه ولا يدخل حمام المسلمين " .
عندما رأت الحكومة البريطانية إصرار الرأي العام العراقي والمؤسسة الدينية على معارضة العملية الانتخابية ، طرحت قضية الموصل لتوجيه الرأي العام والمؤسسة الدينية نحوها ، ولكن العلماء لم يهملوا القضية أو يتراجعوا عن فتاواهم ، بل أصبحت المعارضة اكثر اشتداداً من معارضة الانتخابات ، الأمر الذي يؤكد بدون الشك ، ان غالبية الشيعة " لا يستطيعون مخالفة علمائهم " طبقاً لما جاء في تقرير رسمي صادر من متصرفية لواء كربلاء(33) .
ثمة حقيقة تاريخية ، ان البريطانيين كانوا مصرين على إجراء انتخابات المجلس التأسيسي ، وذلك من أجل الاطمئنان على مصالحهم وترسيخها في العراق . فقد أرسل المندوب السامي البريطاني مذكرة إلى الملك فيصل الأول ، طلب فيها تطبيق قانون الانتخاب، واتخاذ التدابير ضد الأشخاص الذين يقفون ضد الانتخابات، واقترح إذاعة بلاغ بمثابة انذار لكل شخص يميل إلى منع الأشخاص من حرية ممارسة حقوقهم وواجباتهم الانتخابية ، وقد أحيلت هذه المذكرة إلى وزارة الداخلية للنظر فيها واتخاذ ما تراه مناسباً . مع العلم ، أن عبد المحسن السعدون وزير الداخلية قد رحب بالمذكرة عندما اصدر بياناً وزارياً لفت نظر من ينشرون فتاوى العلماء إلى تعرضهم للعقاب على وفق مواد قانون الانتخاب ، الامر الذي يؤكد أن السعدون كان بيدقاً بيد البريطانيين .
ينبغي أن نشير إلى ، ان الملك فيصل قد رحب باجراءات وزير الداخلية عندما كتب كتاباً إلى برسي كوكس هذا نصه : " انا مقتنع وبشدة اذا نجحنا بالفوز بهؤلاء الشيوخ وفصلهم عن العلماء الذين يعتقدون بان الناس تطيعهم طاعة عمياء فأننا سننجح بالانتخابات والمصادقة على المعاهدة وبدون أي مشكلة فيما يخص الضرائب المتأخرة لشيوخ الفرات حيث لم يدفعوا ، فان الحكومة تبدو انها توصلت بان الوسيلة الوحيدة ، هي فصل الشيوخ عن العلماء ، ويجب ان تضغط على مسالة تحصيل عائدات الضرائب .
مما سبق يبدو واضحاً أن هدف السياسة الجديدة التي وضعتها إدارة الانتداب والحكومة العراقية ، هو احتواء المعارضة وتغيير الوضع غير المستقر الذي أشاعته المرحلة السابقة ، وتقوم هذه السياسة على ايجاد الفرقة في صفوف المعارضة والعمل على تفكيك تياراتها وتفتيتها ، وذلك عن طريق عزل القيادة الدينية، وتيار المعارضة السياسية في بغداد عن رؤساء عشائر الفرات الأوسط ، فضلاً عن ، تأثيرها في الرأي العام الشيعي ، وقد تجلى تطبيق هذه السياسة في عدد من الخطوات ، مثل ابداء المرونة تجاه مطالب المؤسسة الدينية، اذ اطلق سراح بعض المنفيين وإعادتهم من جزيرة هنجام (34) وإصدار قرارٍ للتفتيش الإداري تضمنت مادته الرابعة على أن يكون مقر الفنيين الإداريين في بغداد ، ويرسلون للتفتيش بحسبما تقتضيه الضرورة وتراه وزارة الداخلية . ووُقع برتوكول ملحق بمعاهدة 1922 قلص مدة المعاهدة من (20) عاماً إلى (4) أعوام لأجل تهدئة المعارضة ، وخطط لتأجيل الانتخابات مؤقتاً وذلك من أجل امتصاص الاحتقان في الشارع العراقي وإعداد الظرف المناسب لتنفيذ الانتخابات .
بالمقابل ، أدرك علماء المؤسسة الدينية ان إجراءات الحكومة قد تضعف الموقف المعارض . فقرروا تأكيد معارضتهم للانتخابات من جديد وتصعيد معارضتهم ضد التدابير الحكومية . فأصدر كل من السيد أبي الحسن الأصفهاني والميرزا حسين النائيني والشيخ مهدي الخالصي في الثاني عشر من نيسان عام 1923 ، فتوى ألصقت على جدران جوامع الكاظمية ، حرمت قتال العراق ضد الأتراك . في الوقت الذي كانت فيه قضية الموصل تتفاعل بحدة بين العراق وتركيا . وقد كان نية الحكومة ابعاد المجتهدين الموقعين على هذه الفتوى إلى إيران . لكنها تراجعت عن هذا الإجراء خوفاً من تفاقم الأوضاع ، وسعت إلى محاولة إرضائهم ، فأرسلت بعض الوزراء إلى الشيخ مهدي الخالصي ، وعرضوا عليه ارجاع ابنه الشيخ محمد من إيران الذي نفي عام 1922 ، لكنه رفض هذا العرض .
واستأنف علماء المؤسسة الدينية نشاطهم ، فقد أرسل علماء الدين في النجف كتاباً إلى الشيخ مهدي الخالصي والسيد حسن الصدر والسيد محمد مهدي الصدر ، أشاروا فيه إلى أن الملك فيصل والحكومة العراقية قد وقعوا على ملحق المعاهدة رغبة في تعجيل اجراء الانتخابات ، ويستشيروهم في مسألة إصدار فتوى ثانية ضد الانتخابات. وبعد أن تفاوضوا فيما بينهم ، وافقوا على قرار علماء المؤسسة الدينية بتحريم الانتخابات ، وكتبوا فتوى ثانية ، هددوا الحكومة فيها ، إذا أصرت على اجراء الانتخابات ، فأن الفتوى المنوى إصدارها تتوسع لتشمل الحكومة ايضاً (35) .
كان من المؤمل أن تصدر الفتوى في يومي 17و18 مايس عام 1923 ، الا إنها لم تصدر ، بـــل القيت منشورات صدرت مــن الحزب الوطني العراقي في مدينة الكاظمية ، بنسخة مترجمة ، وابقت الناس تحت تأثير فتوى مقاطعة الانتخابات ، ويشير التقرير نفسه إلى أن الملك فيصل توجه إلى الموصل والعمارة والكوت لغرض الترويج للانتخابات ، وارسل عبد اللطيف المنديل وسالم الخيون إلى البصرة وعشائر الفرات بالتتابع من أجل الهدف نفسه .
من جهة أخرى ، حاولت السلطات البريطانية التأثير على أفكار الناس باسم وزارة الداخلية ، فأشاعت أن العلماء اباحوا للناس الاشتراك في الانتخابات ، وعملت الحكومة على عرقلة عملية السفر ولاسيما إلى العتبات المقدسة حتى لا يكذب العلماء تلك الإشاعة ، ولكن الأهالي استطاعوا الوصول إلى العلماء وعرضوا عليهم مسألة قرارهم السابق بشأن تحريم الانتخابات عن بقاء حكمهم السابق في تحريم الانتخابات، فأفتى كل من ابي الحسن الأصفهاني والميرزا حسين النائيني والشيخ مهدي الخالصي ببقاء حكمهم السابق من دون تغير . مع العلم ، ان شرطة الكاظمية قد عثرت في التاسع عشر من مايس 1923على إعلان ملصق على جدران صحن الكاظمية الشريف يحرم الاشتراك في الانتخابات ويفضح سياسة الحكومة وتضمن الملصق القول : " ها هي اليوم تحاول أن تخدع الشعب العراقي النجيب بملحق المعاهدة بدعوى انها خطت خطوة واسعة في سبيل الاستقلال ... فلا تنخدعوا بزخارف القول ... وابتعدوا يا قوم عن الانتخاب ولا تنخدعوا ، وليس فيه والحالة هذه سوى القضاء على حياتنا المادية والأدبية فعوا وأبصروا يا اولى الألباب " .
كان امراً طبيعياً ، أن تبذل السلطة الحاكمة آنذاك كل ما بوسعها من أجل منع هذه الفتاوى وعدم انتشارها ، إذ أرسلت وزارة الداخلية برقيات إلى الألوية كافة تطلب فيها البحث عن الفتاوى وإلقاء القبض على حامليها ، فوردت برقيات إلى وزارة الداخلية من الألوية تذكر فيها انباء الفتاوى ، فقد أرسل متصرف كربلاء برقية إلى وزارة الداخلية يذكر فيها ان الفتاوى ارسلت من النجف إلى كربلاء وبغداد والكاظمية . وبعث متصرف الموصل برقية إلى بغداد ، يطلب فيها إبلاغه عن أسماء الأشخاص ، وعلى اثر هذه البرقية ارسل وزير الداخلية برقية إلى مدير الشرطة العام يطلب فيها التحقيق عن اسماء الذين كلفوا بنشر وتوزيع الفتاوى وبيان أسمائهم وعناوينهم وجهة ذهابهم والطرق التي اختاروها لهم .
وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية المشددة ، إلا إن ذلك لم يمنع من وصول الفتاوى إلى المدن ومن الاستمرار في مقاطعة الانتخابات ، فارتأت السلطات البريطانية في العراق معالجة الموقف ، وذلك باتخاذ الإجراءات الشديدة ضد المؤسسة الدينية ، ورؤساء العشائر وعزلهم عن العلماء ، وبذلك يتحقق ما يريده من النجاح في الانتخابات ، فأخذ الملك فيصل يدعو عدداً من مشايخ الفرات الأوسط إلى البلاط الملكي للتباحث معهم حول الفتاوى والانتخابات ، فأظهر البعض استعدادهم للذهاب مجتمعين إلى علماء المؤسسة الدينية والطلب منهم العدول عن تلك الفتاوى وفي حالة إصرار المؤسسة الدينية على موقفهم ، فإنهم سيشاركون بالانتخابات عملاً بإرادة الحكومة وقد اعطوه عهوداً ومواثيق على ذلك ، والتمس المشايخ من الملك فيصل أن يتوسط لدى المندوب السامي البريطاني في أن يعفو عنهم ، وان يظهر لهم التلطف ، والنظر إليهم بعين المساواة مع بقية المشايخ في الحقوق والمعاملات كافة. وقد كتب الملك فيصل الأول مذكرة إلى برسي كوكس في الثلاثين من كانون الأول عام 1922 ، نقتبس منها هذه الفقرات : " اني على يقين تام بأننا اذا تمكنا من استمالة المشايخ وفصلهم عن العلماء الذين يظنونهم مطعين لهم طاعة عمياء نبلغ ما نريده من النجاح في الانتخابات وتصديق المعاهدة بدون قلق ، والمعتقد ان ذلك سهل المنال ، وانه بإتباع سياسة التلطف والنصيحة مع كافة المشايخ على السواء من قبل المأمورين والمشاورين لا يستطيع احد الوقوف في سبيل الانتخابات ضد الأكثرية الساحقة من العشائر واهل البلاد .
من جانب آخر ، وتمهيداً للانتخابات ، قام كل من الملك فيصل وهنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق بزيارات عديدة إلى الألوية لاستمالة الأهالي، بعدها التقى الملك فيصل بدوبس في الثلاثين من ايار عام 1923 وطمأنه بما قام به لكسب الناس ، واعتقاده بعدم وجود صعوبة في استئناف الانتخابات ، ولفت نظر دوبس إلى تصريحات رئيس الوزراء البريطاني اندرو برنارلو (A. Bonarlaw) في مجلس العموم البريطاني بشأن صعوبة إجراء الانتخابات قبل حل قضية الموصل . وقد رد دوبس بأن تصريحات الملك فيصل قد استندت إلى تقارير سابقة أفادت صعوبة إقناع أهالي الموصل بالاشتراك في الانتخابات قبل إعطائهم تأكيدات بعدم اعادتهم إلى تركيا ، لكن ما دام الأمر ، قد تغير فليس هناك اعتراض على استئناف الانتخابات . بيد ان دوبس أظهر مخاوفه من احتمال رفض سكان كركوك والسليمانية الاشتراك في الانتخابات ، بحجة عدم قبولهم شكل الحكومة الحالي ، واحتمال استغلال تركيا الأمر عند بحث قضية الموصل مع عصبة الأمم (36) .
وعلى إثر تأييد بعض رؤساء العشائر سياسة الحكومة في الانتخابات ، ارسل السيد ابو الحسن الأصفهاني كتاباً إلى السيد هادي والحاج حمود من وجهاء الشامية ليبلغوا سادات الشامية ورؤساءها باستمرار تحريم الانتخابات والتمسك بعرى الشريعة المطهرة ننقل نصاً ما جاء في كتاب الاصفهاني : " بلغوا كما امرتكم سادات الشامية ورؤساؤها اني قد بينت غير مرة تحريم الانتخابات في الوقت الحاضر ويقيناً بلغكم ذلك فالمأمول فيكم ما هو المعهود فيكم من التمسك بعرى الشريعة المطهرة وان تركتوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ولا ترتدوا على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين ولا شك ان من دخل هذا الانتخاب او ساعد عليه ادى مساعدة فهو كمن حارب الله ورسوله" (37) .
أدرك الملك فيصل أن علماء المؤسسة الدينية ليست لديهم مصالح ذاتية في تحركهم السياسي ، انما كانوا يخضعون في ذلك إلى القوى الوطنية التي كانت تستنجد بهم لدعمها ضد البريطانيين وأعوانهم ، وليس العكس ، لذلك فالسبيل الذي سلكه الملك فيصل هو كسب رضا تلك القوى والقبائل كي لا تلجأ إلى علماء المؤسسة الدينية لنيل مطاليبها بل تلجأ إليه (اي الملك) ، فالأمر ليس الهدف منه تحجيم المرجعيات وإنما منع الحاجة إلى اللجوء إليها .
المصادر
1 . محمد يوسف ابراهيم القريشي ، ونستون تشرشل ودوره في السياسة البريطانية حتى عام 1945 ، اطروحة دكتوراه منشورة ، جامعة بغداد ، كلية الآداب ، 2005 . .
2 . ستيفن لونكريك ، العراق في ظل الانتداب البريطاني ، "افاق عربية" (مجلة) ، بغداد ، العدد 32 ، السنة السادسة عشرة ، تشرين الاول 1991 ، ص36 .
3 . "افاق عربية" (مجلة)، بغداد ، العدد الرابع ، نيسان 1986 ، ص45؛ رجاء حسين الخطاب ، مؤتمر القاهرة وتأثيره على الوضع السياسي في العراق، بغداد ، 2001
4 . عبد الرزاق الحسني ، تاريخ العراق السياسي الحديث ، الجزء الأول ، الطبعة السابعة ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1989 ، ص219.
5 . "دجلة" (جريدة) ، بغداد ، العدد14 ، 10 تموز 1921 . .
6 . مصطفى عبد القادر النجار ، التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897-1925 ، دار المعارف بمصر ، القاهرة ، 1971 ، ص321.
7 . رجاء حسين حسني الخطاب ، العراق بين 1921-1927 دراسة فـــــي تطور العلاقات العراقية - البريطانية واثرها في تطور العراق السياسي مع دراسة في الرأي العام العراقي ، مطبعة النعمان ، النجف الاشرف ، 1976، ص263.
8 . "العراق" ، العدد 17 ، 11 تموز 1921.
9 . محمد مهدي كبة ، مذكراتي في صميم الاحداث 1918-1958 ، الطبعة الاولى ، منشورات دار الطليعة، بيروت ، 1965 ، ص24.
10 . "دجلة" ، العدد32 ، 31 تموز 1921.
11 . عبد الله توفيق الفكيكي ، البدايات الخاطئة قراءة جديدة في تاريخ العراق السياسي الحديث ، الطبعة الأولى ، دار المحجبة البيضاء ، بيروت ، 2011 ، ص254.
12 . محمد باقر احمد البهادلي ، السيد هبة الدين الشهرستاني آثاره الفكرية ومواقفه السياسية ، الطبعة الأولى ، شركة الحسام للطباعة ، بغداد ، 2001، ص 146-147.
13 . كاظم نعمة ، الملك فيصل الاول والانكليز والاستقلال ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1988 ، ص91-92 .
14 . فاروق صالح العمر ، المعاهدات العراقية – البريطانية واثرها في السياسة الداخلية 1922-1948، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1977 ، ص31.
15 . محمد مظفر الادهمي ، العراق تاسيس النظام الملكي وتجربته البرلمانية تحت الانتداب البريطاني 1920-1932 ، مكتبة الذاكرة ، بغداد ، 2009 ، ص69-70.
16 . " المفيد" ، العدد 44 ، 6 حزيران 1922.نود ان نشير ان جريدة "المفيد" هي جريدة يومية سياسية عامة ، مدير سياستها ابراهيم حلمي العمر ، تقع ادارتها في المطبعة الوطنية في باب الاغا . تتكون من اربع صفحات ، الاشتراك السنوي فيها 30 روبية ، وصندوق بريدها يحمل الرقم 21 .
17 . عبد الرزاق الحسني ، تاريخ الوزارات العراقية ، الجزء الاول ، ص73.
18 . عبد الامير هادي العكام ، الحركة الوطنية في العراق 1921-1933 ، مطبعة الاداب ، النجف الأشرف، 1975 ، ص80.
19 . غانم محمد الحفو ، الحركة الوطنية في الموصل منذ عام 1921 حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية ، _"موسوعة الموصل الحضارية" ، الجزء الخامس ، الموصل ، 1992 ، ص66.
20 . احمد رفيق البرقاوي ، العلاقات السياسية بين العراق وبريطانيا 1922-1932 ، دار الرشيد للنشر، 1980 ، ص66-67.
21 . فاروق صالح العمر، الاحــــزاب السياسيــة فـــي العراق 1921-1932 ، مطبعة الرشاد ، بغداد ، 1978، ص66-71 و91-109.
22 . فلاح حسن كزار ، حزب النهضة العراقية 1922 – 1930 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية – ابن رشد ، جامعة بغداد ، 2010 . الرسالة تمت باشراف الأستاذ الدكتور صباح مهدي رميض .
23 .عبد الرزاق الحسني ، العراق في ظل المعاهدات ، الطبعة السادسة ، مطبعة دار الكتب ، بيروت ، 1983 ، ص228.
24 . أ.م. منتشاشيفلي ، العراق في سنوات الانتداب البريطاني ، ترجمة : هاشم صالح التكريتي ، مديرية مطبعة جامعة بغداد ، 1978 ، ص291.
25 .حسين عبد الواحد بدر ، موقف المؤسسة الدينية في النجف من مشروع الدولة الوطنية في العراق 1918-1941 ، اطروحـة دكتوراه غير منشورة ، كليـــة الآداب ، جـــــــــــــامعــــــــــــة بغـــداد ، 2010 ، ص186-187. .
26 . عبد الرزاق الحسني ، العراق في دوري الاحتلال والانتداب ، ج2 ، ص27؛
27 . عبد الرزاق الحسني ، العراق في دوري الاحتلال والانتداب ، الجزء الثاني ، ص27 .
28 . سعدي يونس زاير السوداني ، الحزب الحر العراقي 1922 – 1923 دراسة تاريخية، مؤسسة مصر مرتضى ، بغداد ، 2009 .
29 .عبد الرزاق الحسني ، العراق في دوري الاحتلال والانتداب ، الجزء الثاني ، ص28 .
30 . عدي محسن غافل الهاشمي ، كينهان كورنواليس ودوره السياسي في العراق حتى عام 1945 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية(ابن رشد) ، جامعة بغداد ، 2000 .
31. محمد مظفر الادهمي ، المجلس التاسيسي العراقي دراسة تاريخية سياسية ، مطبعة السعدون ، بغداد، 1976 ، ص275.
32 . جلال كاظم محسن الكناني ، الدور السياسي للعشائر العراقية 1918-1924 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية ، الجامعة المستنصرية ، 2003 ، ص164 .
33 . د.ك.و ، ملفات وزارة الداخلية ، ملفة رقم 32050/2618 ، المـــــــــوضوع : الانتخابات والعشائر ، و 6 ، ص8.
34 . سمح المندوب السامي برسي كوكس لبعض المنفيين بالعودة منهم امين الجرجفجي ، وحبيب الخيزران، وعبد الرسول كبة ، وسامي خونده ، بينما لم يوافق على عودة جعفر ابو التمن وحمدي الباجة جي ينظر: لطفي جعفر فرج عبدالله ، عبد المحسن السعدون دوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر، مكتبة اليقظة العربية ، بغداد ، 1988 ، ص80 .
35 . د.ك.و ، ملفات وزارة الداخلية ، الملفة رقم 32050/2619 ،الموضوع : فتاوى علماء النجف بتحريم الانتخابات ، و5 ، ص9 .
36 . د.ك.و ، البلاط الملكي ، ملفة رقم 311/1108 ، الموضوع : سير الانتخابات ، و13 ، ص23-24، كتاب من دوبس إلى الملك فيصل ، 9 حزيران 1923 .
37 . د.ك.و ، ملفات وزارة الداخلية ، الملفة رقم 32050/2619 ، الموضوع : فتاوى علماء النجف بتحريم الانتخابات ، و3 ، ص31 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي