الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آرتور آداموڤ أحد رواد مسرح العبث

عطا درغام

2021 / 2 / 4
سيرة ذاتية


في مطلع خمسينيات القرن الماضي ، راح بعض الكتاب المعاصرين يرفضون الواقع بكل وسيلة، وبأي وسيلة كأنهم يريدون بحق هذا الواقع الذي فرضته ظروف التمدن البالغ، والظروف الاجتماعية والسياسية الناجمة عن حربين متتاليتين ،جعلتا الإنسان بمثابة الآلة أو الرقم وجردته من صفاته الإنسانية؛فأصبح مجرد شيء يُهلك ويثستهلك ، ويبعد كل الُبعد عن كل ما يميّزه بوصفه إنسانًا عن بقية المخلوقات.
وجاء موقف الرفض بالكلمة من مجموعة تحلم بتغيير الأوضاع السائدة، وتعمل جاهدة علي إيقاظ البشرية من سباتها ورضوخها واستسلامها للواقع الذي قبلته. وموقف الرفض بالكلمة، هو الذي يُميّز جيل كتاب ( أدب العبث)، أو(أدب اللامعقول) بعامة، الذي لعب فيه المسرح دور الريادة حتي إنه سُمي في البداية ( المسرح الطليعي) و( المسرح التجريبي) نسبة إلي التجربة الجديدة التي قامت لتعكس لنا في صدق كامل ما أحسّ به ، وعبّر الرعيل الأول من كُتاب الطليعة.
وتعني كلمة ( العبث) أو ( اللا معقول) كما وردت في معاجم اللغة هو غير المنطقي، والذي لا يتفق والمنطق السليم لعامة البشر،وهو مضاد لأي تصرف عقلاني أو عاقل علي الأقل.
ويُعرّف الناقد مارتن إسلن ( العبث):" كل ماهو عبث يكون بلا غاية، والشيء العابث هو الذي يُعد مبتورًا من جذوره العميقة؛ أي جذوره الدينية والميتافيزيقية، لذلك يبدو الرجل في عصر العبث تائهًا وضائعًا، وكل تحركاته في الحياة تبدو عابثة، وبلا جدوي، بل تبدو خانقة".
فلا عجب أن يترك هذا المسرح الحديث القوالب المألوفة والأساليب السائدة ، ويستخدم أساليب جديدة مستمدة من علم النفس ومن اكتشافات ( سيجموند فرويد) المتعلقة بغريزة العداء والدوافع الخفية التي يستند إليها سلوكنا الإنساني .
ظهر هذا اللون من المسرح علي يد مجموعة من النخبة المغمورة في ميدان الفكر الفرنسي بعاصمة النور؛جمعهم موقف واحد وهو الرفض ، ولغة واحدة هي الفرنسية.فهم لا ينتمون إلي الحضارة الفرنسية إلا اللغة فقط، فيما عدا (چان چينيه) فهو فرنسي، أما( صمويل بيكيت) فهو إيرلندي ، و( يوچين يونسكو) من أصل روماني، و(آرتور آداموڤ)من أصل أرمني روسي ، و(چورج شحادة) من لبنان.
جمع بين هؤلاء المفكرين موقف فلسفي واحد، وهو السخط علي الحياة بصورتها الحالية في المجتمع الأوربي المعاصر، والبعد عن الرفض بأسلوب طليعي ساخر في المسرح، ولم يعترف أصحاب هذا المسرح بالمسرح التقليدي الذي يُمتع ويُسلي الجمهور بطريقة مألوفة ومنطقية، وفي جو مُريح ومستقر ألفه المشاهد وتعرّف عليه، فليس في مسرحهم مغامرات عاطفية أو مشاكل اجتماعية ، تصل بالحبكة الدرامية إلي ذروتها ثم تنتهي نهاية سعيدة أو مأساوية.
لا يري أصحاب هذا المسرح الحياة كما يعيشها الإنسان جميلة، بحيث تفصّل وفقًا لرغبة الجمهور، كما أن حياة الإنسان المعاصر- في تقديرهم-هي نسج أو مزيج من الضحك والمأساة من الدموع والابتسام والكبرياء والمذلة ، ومن العظمة والوضاعة؛ فهي حقيقة أبدية تتأرجح من أقصي المأساة إلي أقصي الملهاة والعكس ، وتجعل النفس البشرية حقلًا يتصارع فيه القلق والتوتر من ناحية والضحك والهزل من ناحية أخري .
وكان أداموڤ واحدًا من الذين ظهروا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ووقف جنبًا إلي جنب مع بيكيت وچينيه ويونسكو وغيرهم، لإقامة المدرسة المعروفة في المسرح الحديث ب( مسرح الطليعة)، أو ( مسرح اللامعقول) ، وقد ساهم آداموڤ بسيل من المسرحيات في دعم تيار هذا المسرح اتصفت بالتجريد والعمومية ومواجهة مشكلة الإنسان باعتباره إنسانًا أعزل منفصلًا عن كل ما يُحيط به من تفاصيل الحياة اليومية وبإعطاء إجابة سوداوية متشائمة علي تساؤل الإنسان السرمدي: من أنا؟ من أين جئت؟ إلي أين أذهب؟
ولد آرتور آداموڤ ( أدامويان) في 23 أغسطس 1908 في (كيسلوڤتسيك) بروسيا، في عائلة أرمنية ثرية ( دلل علي أصله الأرمني كما ذكر في مذكراته "الرجل والطفل ")، تمتلك آبار بترول في( باكو)، ونتيجة للإفلاس الذي حل بالعائلة بسبب الثورة البلشفية (1917)، هاجرت عائلة آداموڤ إلي سويسرا ،وتلقي تعليمه في جنيف ثم هاجرت العائلة إلي رينان، ثم إلي باريس في عام (1924) ،وكان الأب لاعبًا مهووسا بالقمار، وخسرت الأسرة كل ما تبقي لها من أموال أدت إلي انتحار الأب عام (1933).
خالط آداموڤ الأوساط السريالية ، ونشر القصائد الشعرية، وعقد صداقة مع (أنتوان أرتو) ،وتأثربالكاتب السويدي (أوجست ستنبرج) والألماني (فرانز كافكا) ونهل من التعبيرية الألمانية، وظهرت مسرحيته الأولي ( الموت الساخن) عام 1926 .
وخلال الحرب العالمية الثانية ، لجأ إلى مرسيليا ، لكنه اُعتُقل ثم احتُجز لمدة ستة أشهر في معسكر اعتقال (أرجيل سور مير) بسبب ملاحظات معادية علي نظام فيشي . ومنذ إطلاق سراحه تفجرت لديه ملكة الكتابة، وانكب علي كتابة المسرح حاول فيها أن يقوم بعملية تجسيد كوابيسه الشخصية وكوابيس عصره في مسرحياته.
وكانت الكتابة وسيلة يتوسل بها حتي يتحرر من أحلامه المروعة، ومن وطأة هذا الكابوس الذي أقضي مضجعه، فكان في كل مساء يشاهد مفتونًا جميع عروض رواياته، كما لو كان يسهم في طقس من الطقوس السحرية التي تساعده علي أن يدرأ عن نفسه قوي الشر الرهيبة.
وفي عام 1946 ،أنشأ مجلة ( الساعة الجديدة ) وقدم فيها للقراء أسماء غير مرموقة، وإن ملأت الحياة الثقافية بعد ذلك بسنوات أسماء مثل رونيه شار وكافكا وچاك بريڤير.
وظهرت له مسرحية ( المحاكاة الساخرة) عام 1947،وحاول فيها أن يجعلنا نلمس لمس اليد عبث الوجود أو أن يعرض لهذا الإرهاب الغريب الجاثم كالقدر المروّع والذي استبد بروايات آداموڤ جميعًا. جعلنا نواجه مجموعة متنوعة من الشخصيات التي نجد فيها العبث ، والعطاء ، والبشع ، والساذج. لا توجد "قصة" - يلتقي هؤلاء الأشخاص أو يشاركون في أنشطة مختلفة أو يتحدثون مع بعضهم البعض بإيمان واضح أو معاناة أو يضحكون ؛ لا يوجد أي نظام أو تماسك في عالمهم أو حياتهم ، فقط العزلة والسخافة. هذه المسرحية هي ، بالطبع ، محاكاة ساخرة لحياة بشرية ذات معنى ؛ عندما ينتهي الأمر ، قد نشك في أننا أيضًا نعيش مثل هذه المحاكاة الساخرة
وتميزت شخصياته في المسرحية بنوع من الصلابة والميكانيكية الثابتة في الحركة والعمل والكلام ، والتي يتم الحفاظ عليها طوال الوقت والتي تظهر حرفيًا العبث المثير للشفقة بمصيرهم. يجتمعون دون أن يروا بعضهم بعضًا ، يتحدثون لكن لغتهم تظل غامضة ، حتى لأنفسهم. يتم تقديم كل شيء مباشرةً ، عن طريق استخدام "لغة" محددة غير لفظية للمسرح .
وفي سنة 1950 ،ظهر آداموڤ الكاتب المسرحي الحقيقي بعد أن صدرت له مسرحيتا ( الغزو) و ( التزوير)، قدم لهما عدد من الذين اقتنعوا مبكرا بآداموڤ وفن آداموڤ ، فقدم له كل من أندريه چيد ،ورونيه شار،وچاك بريڤير،وجاك لومارشيون وهنري توماس،وچان ڤيلار ،وروچيه پلان.
و في ( الغزو ) بيّن آداموڤ استحالة التفاهم بين الناس. ويُقر بأنه كان يسعى إِلى إِيجاد لون من الحوار غير المباشر بين شخوصه, وذلك باعتماده التلميح الذي تطفو من خلاله أحياناً على السطح حقيقة فاجعة لا تُجابه أبداً مجابهة مباشرة.
ويعرض في (المؤامرة الكبرى والصغري ) متعة تعذيب الذات ،ويكشف عن استحالة الحب، وفي هذه المسرحية يمزج الكاتب, متابعاً في ذلك النزعة التعبيرية الألمانية, الشواغل السياسية بتصوير عالمه الداخلي،ومثلما اتصفت شخوصه التي لم يُطلق عليها أسماء خاصة, بصفة النماذج العامة, كانت الوقائع السياسية مجردة أيضاً ،وطُبعت على نحو مقصود بطابع ميتافيزيقي. وللمشاهد ملء الحرية في تأويل النزعات الثورية التي تستحث ( المناضل) على نضاله ،وفي تعرف الجلادين الذين ساموه أنواع العذاب، والذين أشار المؤلف إليهم بالضمير المستتر (هم)، مما يرقي بهؤلاء الأشخاص ،وبتلك الأحداث إلي مستويات عامة مجردة ،وكأنها طُبعت بطابع ميتافيزئي.
ولما كانت الفكرة الأساسية عند آداموڤ هي عزلة الإنسان واستحالة التفاهم بين البشر، فقد عمد إلي لون من الحوار غير المباشر يعتمدعلي التلميح دون التصريح،وكان كل شخص من شخوصه يتحدث بينه وبين نفسه حديثًا جانبيًا. وهذا يُذّكرنا بأسلوب الكاتب الروسي(أنطوان تشيكوف)، لكن شخوص آداموڤ الخيالية الرهيبة التي تنأي عن الواقع هي أبعد ما تكون من عالم تشيكوف الحافل بالحنان الإنساني العميق.
وفي عام 1951 ،كتب المسرحية الإذاعية (اضطراب أو فساد)، ومسرحية (كما كنا) ،و (شعور المشي )، و في 1952 ظهرت مسرحية ( الكل ضد الكل ).
وتُمثل مسرحية (الأستاذ تاران) التي كُتبت عام 1953 حالة خاصة بين مسرحيات أداموف, إذ تمتاز بجو غريب من الأحلام يراوح بين العالم المرئي والعالم غير المرئي، وفيها شخوص جديدة تبدو في مواقف متناقضة من غير أن تفقد شيئاً من معالم شخصيتها الأصيلة. وقد استخدم المؤلف في هذه المسرحية أول مرة الأشياء التي تبدو عادة في الأحلام, وبدا العبث فيها شبيهًا جداً بعبث الأحلام.
وعبّر فيها آداموڤ عن الخوف، ليس الخوف من الموت ولا الفشل،ولكنه الخوف من الحياة والخوف من النجاح ، وذلك ما صوّره في هذه المسرحية، فهي دراسة حية لما يمكن تسميته ب( سيكولوجية الخوف) خوف(چوكاستا) من أن يري (أوديب) الحقيقة ، الخوف الذي يطبق شفتيها ويعقد لسانها ؛ خوف أوديب من السعادة خشية أن تكون زائفة ، خوفه من ألا يري في الوقت الذي يجب عليه فيه أن يري حتي ولو كان الهلاك، ولكنه يخاف السعادة.
ولعل هذا التفسير الجديد للرغبة الختامية في (مأساة أوديب) والذي جاء به آداموڤ قد جعل من ( الأستاذ تاران) نموذجًا لمسرح الخوف أو ( الخوف من المسرح)،وفي نفس العام ، أتبعها بمسرحية ( عودة وطن ).
وفي عام 1955كتب (كرة الطاولة أو بنج بونج ) ،وبيّن فيها أسباب الإِخفاق الإِنساني ودوافعه؛ إِذ يكون القارئ حيال إِخفاق من نوع خاص يُمنى به شابان كان كل منهما ضحية أوهامه الخاصة, أو كان فريسة الإِغراء الذي يلوح لهما في بيئة اجتماعية غايتها الإِثراء السريع، وأيضًا من نفس العام كتب مسرحية ( العودة للوطن ) .
ومنذ عام 1956، راح أداموف يكتب في المسرح التاريخي والاجتماعي، واندفع وراء الأهداف الماركسية التي سعي إليها الكاتب المسرحي الألماني ( برتولد بريخت) مقتفيًا أسلوبه في العرض والكتابة،ورغم ذلك كان علي آداموڤ أن يُحدد تحديدًا واضحًا هويته الفنية وأسلوبه الذي انفرد به ، ونبرته الشخصية التي لا تُعدلها نبرة أخري.
فكان همه ألا يُضيّع الفائدة التي يُجنيها من عصابه، فهو يري أن مقوماته التي ميّزته عن الرجل السليم والسوي تميّزًا عميقًا إنما انحدرت من هذا العصاب الذي جعله أشد إدراكًا وأرهف إحساسًا. لكنه في الوقت نفسه يُريد أن يُعرب عما يثّيره إثارة بالغة ، ويدفعه إلي أن يطبع مسرحه بطابع سياسي.
لقد حاول أن يوّفق بين هواجسه الخاصة وبين المسرح السياسي، ولا يزال يدأب علي البحث والاستقصاء مما يجعل آثاره تتسم بالفكر الصادق الفذ الذي يتأثر بالآراء المتباينة شريطة أن تؤيّد مبادئه الإنسانية.
فوضع في عام 1957 مسرحية أسماها ( باولو باولي) يُذّكرنا بمسرحية بريخت ( جاليليو جاليلي) ، وكتب ( في سيارة الأجرة )عام 1959 ، و ( النفوس الميتة )عام 1960 ، و( سياسة البغايا) عام 1962.
كره آداموڤ الحروب ،و لقد أدت الحرب الجزائرية في النصف الثاني من الخمسينيات إلى تطرفه الذي جعله يلتزم بالشيوعية في الستينيات من القرن العشرين ، ثم بعد ذلك - بعد عام 1968 - لمختلف التيارات اليسارية المتطرفة في عام 1960 ، وقّع على البيان رقم 121 ، وهو إعلان بشأن "الحق في التمرد" في سياق الحرب الجزائرية. في عام 1964 ، خلال سلسلة من المحاضرات التي ألقيت في الولايات المتحدة حول الأدب الفرنسي والمسرح الحديث ، شارك في المظاهرات ضد حرب فيتنام.
وقد عبّر عن أفكاره حيال الحروب من خلال مسرحية ( ربيع 71) التي كتبها عام 1963 ،فقد استغرقت كتابتها ثلاثة أعوام ،واقتضت دراسة عدد من الوثائق التاريخية.
وفيها يعرض الأحداث التاريخية الصغيرة ويشدها إِلى الأحداث الخطيرة بفضل الفواصل الترفيهية ،ويُظهر أدموف في هذه المسرحية عامة الثوار وعمال باريس على مقدار غير يسير من المرح والنشاط والشغب والبطولة ، وفي جانب الأعداء يبدو العملاء كالمهرجين.
ويُمكن أن نُطلق علي هذه المسرحية تسمية (مسرحية حرب)، وكما فعل ( چان چينيه) في مسرحية (الحواجز) التي هاجم فيها الحرب الفرنسية في الجزائر هجومًا عنيفًا، يفعل آداموڤ لكن طريقة أكثر منطقًا وأكثر تهذيبًا ،غيرأن آداموڤ قد مات ولا زالت الحرب الفيتنامية دائرة.
وتتوالي أعمال آداموڤ المسرحية، ففي عام 1963 ، كتب المسرحية الإذاعية (وقت المعيشة ) ، و( ڤينيتا الكوميديا)عام 1964 ، و(أوروبا المقدسة) عام 1965 ، و(السيد المراقب) عام 1967، و(خارج الحدود) عام 1968 و (لوعاد الصيف)عام 1970 .واهتمت هذه المسرحيات بالنظم الاجتماعية للمجتمع الحديث المنفصل،وانحرافات هذه النظم وتدهورها وعدم صحتها.
إلي جانب هذه المسرحيات كتب ( الرجل والطفل) وهو عبارة عن مذكرات كتبها عام 1968 ، وكتاب عن (أوچست سترندبرج) ، فضلًا عن الإعداد المسرحي الذي عالج فيه أعمالًا ل ( چوچول ،وتشيكوف، وبشنر، وكليست ،ومارلوي).
و يمكن تقسيم مسرح آداموڤ إلي اتجاهين ، الأول:من ( التزوير) إلي (كرة المضرب أوالبنج بونج)، وهو ينتمي إلي اتجاه (اللامعقول الميتافيزيقي الطليعي) ، والثاني:من ( باولو بالي) إلي ( سياسة البغايا)،وهوينتمي إلي الفن الملتزم بالواقعية الاشتراكية والثورة.
وإن كانت بذور الاتجاه الثاني بذرت في مسرحيات الاتجاه الأول، فلم يكن يعالج قضايا فردية،ولكنه كان يهتم دائمًا بالمجموع، سواء كان أسرة صغيرة أو عائلة كبيرة أومدينة بأسرها، وشعبًا بأكمله.
وهكذا لم يحدث ذلك التغيير أو الانتقال فجأة ، ولكنه كان استمرارًا وتعميقًا في طريق هدف واضح وواحد هو ( الإنسان في كل مكان).
وكما كان آداموڤ يهتم بالفرد، كما يهتم بالمجموع أو يهتم بالفرد وهو وسط المجموع، فقد كان يجمع بين الواقع والخيال في إطار مسرحي خاص به بعيدًا عن كل التيارات المسرحية المعاصرة، وإن أُدرجت في النهاية تحت لافتة ( المسرح الطليعي) أو ( مسرح العبث)، وعلي الرغم من أن المخرجين الذين أخرجوا مسرحياته ،فقد تناولوها برؤية (سترندبرج) و( بريخت)، إلا أن مفتاح مسرح آداموڤ الحقيقي في ( تشيكوف).
كان سابقًا لكُتاب ( اللامعقول)؛ أسبق من بيكيت ويونسكو ، فمسرحياته قد كُتبت ومُثلت قبل مسرحياتهما ، ولكن النقاد تنبهوا لبيكت ويونسكو قبل أداموف.
حاول باستمرار أن يعبّر عن رأيه في شدة العزلة البشرية وفقدان التواصل الإنساني الكبير،ولقد فعل ذلك من خلال تطوير مؤامرات طفيفة فقط ،وعرض شخصيات غير واقعية غالباً ما كانت تتصرف مثل الآلات وتتحدث بلغة ميكانيكية محمّلة بالكليشيهات، يتم تصوير هذه الشخصيات كضحايا لقوات خارجة عن إرادتهم ، مدفوعة إلى الانسحاب وفي النهاية ، إلى الانتحار.
تميز آداموڤ عن كّتاب ( اللامعقول) بفكر (چان بول سارتر) عندما لا يتفلسف وأيديولوچية ( برتولد بريخت)، فعبقريتة كانت عبقرية مضطربة نتيجة لظروف حياته وصحته المضطربة، ولكنهت عبقرية أرمنية روسية في المقام الأول وفرنسية إلي أبعد وأعمق الحدود. ظل آداموڤ يُعاني المرض عامين كاملين ، ولكنه لم يكف عن الكتابة، فيقول:" لا بد ان أمارس الكتابة كما أمارس الحياة أو حتي المرض"، وهكذا بدا واضحًا للجميع أن الرجل هو إنتاجه، فعن طريق الكتابة وحدها يستطيع أن يُجيب عن كل الأسئلة التي تُطرح من حوله ، وتلك التي تغوص في أعماقه وتدغدغ أحاسيسه.
ولقد كان حساسًا إلي أبعد الحدود، وكان المسرح عنده هو " أن نجد أنفسنا في الواقع ليس بطريقة مطلقة، ولكن من خلال مسافة فاصلة ، وهذه هي القاعدة الأساسية في كل مسرحياته.
وفي السادس عشر من مارس عام 1970، يرحل آداموڤ عن عالمنا ، ويتم دفنه في مقبرة (إيڤري) بباريس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة