الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي: (3-6)

عقيل الناصري

2021 / 2 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بصدد الجانب الأول أن القاعدة الاجتماعية لثورة 14 تموز قد بدأت بالتكوين في رحم المجتمع الملكي الذي كانت سمته الأرأسية شبه اقطاعية/كومبرادورية يعتمد على الناتج الريعي بالأساس. وقد أقترن هذا التشكل بالصراعات الحادة مع السلطة آنذاك، وعلى كافة المستويات الاجتماعية والجغرافية.. وأخذت مكونات هذه القاعدة بالتطور والنمو التدريجي وفي خضم مطالباتها بإقرار ذاتها وتحقيق رؤيتها لواقع مستقبل العراق.. وتنوعت هذه المطالبة من حيث الشكل والمضمون، من حيث النوعية والجذرية، ومن حيث العلنية والسرية.. نظراً لتعدد الرؤى الفلسفية لهذه القاعدة.
أما الجانب الثاني فيفترض موضوعيا أن ترتبط عناصر هذه القاعدة الاجتماعية بتحالف استراتيجي تاريخي ضمن الحدود الزمنية لمرحلة التحرر الوطني. طالما يتعذر واقعياً وموضوعياً وجود طبقة اجتماعية قادرة لوحدها على إدارة الدولة والصراع الاجتماعي وتطويرهما ضمن السياق الديمقراطي وتحقيق المهام التي تطرحها ظروف المرحلة. أما العوامل الذاتية فكانت متخلفة، بحيث رفع كل حزب سياسي رؤيته الاجتصادية والسياسية وغالباً ذات المنزع الإستعجالي. ولهذا تعبر الكتلة التاريخية عن ذاتها وتوجهها ومصالحها الاجتماعية من خلال إئتلافها السياسي ضمن جبهة سياسية موحدة تتجاوز واقع التشرذم والتشظي الاجتماعي/السياسي.
أعتقد، وهذا افتراض مستنبط من دراستي لواقع العراق آنذاك، أن جبهة الاتحاد الوطني، المتشكلة في آذار1957 كقوى طبقية ورؤى سياسية مختلفة، كانت المٌعبر عن هذا الإئتلاف العريض لتلك المرحلة، من خلال صياغة سياسة ذات تشخيص مشترك (نسبياً) يتوائم ومهام تلك المرحلة وطبيعتها.
- رغم التفاوت النسبي في القوة التأثيرية على الواقع الاجتماعي بين هذه الأحزاب ؛
- واستبعادها نتيجة مواقف متشنجة لبعض أطرافها (حزبي الاستقلال والبعث) لشريحة اجتماعية واسعة والمتمثلة بالأحزاب الكردية ؛
- وأنها مختلفة في رؤيتها الفلسفية للواقع ومستقبله الإستراتيجي ؛
- وينتاب بعضها المنزع الاستعجالي لبسط رؤيتها وتعمميها على بقية الأحزاب وسبل تحققها.
- إن هذا الخلل كان أحد العوامل التي فتت هذه الجبهة بعد انتصار ثورة 14 تموز.
لقد مثل هذا التحالف المعبر عن نضج العامل الذاتي للتغيير المرتقب، أهمية بالغة نظراً لكون أن العلاقات بين هذه الأحزاب الممثلة لقوى اجتماعية متعددة، كانت في حالات من المد (الود والتعاون) والجزر (صراع سياسي وإعلامي) حاد وصراع فكري، بعضها كان عنفياً إلى حدٍ كبيرا جدا، كما حدث في وثبة كانون 1948.
لقد ضمت جبهة الإتحاد الوطني أحزاب كل من: الوطني الديمقراطي ؛ الشيوعي العراقي ؛ البعث العربي الاشتراكي ؛ الاستقلال ؛ مجموعة من السياسيين المستقلين وبعض من المنظمات المهنية كالمحامين ونقابات العمال وأنصار السلام ورابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية.
في الوقت نفسه عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني تحالفاً ثنائياً مع الحزب الشيوعي بعد أن وضع فيتو على قبوله ضمن قوام الجبهة، من قبل حزبي الاستقلال والبعث. ويعقب د. عزيز الحاج أن حزب البعث عارض دخول الديمقراطي الكردستاني، لأنه : " ... كان يعاني من فقر دم حقيقي في المشكل الكردي ويعتبر القيادة الكردية عميلة ومشبوهة... ".
ومع هذا كانت الجبهة، تعبيراً عن نضج الظرف الذاتي للتغيير الجذري المقبل سواءً تحقق بصيغته السلمية، وهذا صعب جداً في تلك الظروف، أو بصيغته الانقلابية العسكرية. وقد كشف تاريخ الحركة الوطنية المعارضة المكونة [ للكتلة التاريخية] من أنها عبرت عن تطلعات سياسية ورؤى فلسفية ومصالح فئات اجتماعية واسعة ولها دور مهم في عملية الانتاج الاجتماعي، وبالتالي حق لها أن تكون النواة المركزية للجبهة. إن دراسة عناصر هذه الكتلة آنذاك وما يناظرها من تكوينات، توصلنا إلى أنها كانت:
- تمثل الشرائح الاجتماعية الأكبر من الناحية الكمية والنوعية ؛
- تحتل القاعدة الاجتماعية لهذه [الكتلة] موقعا عضوياً في عملية الانتاج الاجتماعي وجزء مركزيا فيه ؛
- " ... نجحت الجبهة لا في توحيد سسلوك الأحزاب فحسب، بل أيضاً في الإيحاء بعملية مماثلة ضمن صفوف عناصر الجيش المتعارضة وفي إقامة رابط بينهما وبين نواها المدبرة لها... " ؛
- "... وعملت (اللجنة الوطنية العليا) على أساس مبدأ الموافقة الجماعية، ونفذت قراراتها من خلال (اللجنة التنظيمية المركزية ) وشبكة من اللجان الأدنى في المحافظات والفروع، وحتى النهاية لم تزد الجبهة عن كونها تجمعاً لفصائل مختلفة... ".
- عبرت برامج الكتلة التاريخية عن مطالب كتلة بشرية تضم فئات اجتماعية مختلفة وواسعة لها مصلحة حقيقة في تبني أهداف اجتصادية/ سياسية/ حقوقية جديدة تتواءم مع تطلعاتها ومصالحها من جهة ومع درجة التطور في القوى المنتجة من جهة أخرى.
- أنها تمثل أغلب أطياف التكوين الاجتماعي العراقي سواء أكانت أثنية أم دينية، اجتماعية أم لغوية ؛
- كانت رؤية هذه القوى المطروحة آنذاك، ذات صيغة واقعية منبثقة من ذات الوضع العراقي وتشابكه، إذ لم تكن مثالية الأبعاد ولا تطمح إلى تغيير أسس النظام السياسي قدر كونها كانت تصب في إصلاحه ؛
- نقلت الجبهة رؤيتها الفلسفية/الفكرية/ السياسية إلى قوة مادية دافعة للتغيير المرتقب بالتعاون مع قيادة حركة الضباط الأحرار؛
- التقت أغلب قواها على ضرورة تغيير الأسس التي قامت عليها الدولة العراقية من خلال تبني عقد اجتماعي جديد يعكس واقع هذه التعددية وبالتالي إفساح المجال لمشاركتها في رسم القرار المركزي للدولة، بعد أن أُبعدت قسرياً عنها ؛
- عكس مطلب تبني الديمقراطية السياسية والاجتماعية والتداول السلمي للسلطة بين مختلف المكونات، هذا الموقف، الذي لم تستوعبه النخبة الحاكمة في العهد الملكي، ركز في الوقت ذاته على تبني فكرة دولة القانون ؛
- شكلت جبهة الاتحاد الوطني تغييراً نوعياً في الوضع السياسي من خلال استقطابها للنخب الوطنية المعارضة و(الحالمة) بالتغيير الجذري، مما أهلها أن تمثل تهديداً مباشراً وواقعياً للنظام.
لكن هذه الرؤية النظرية المجردة للقوى الاجتماعية للنظام الجمهوري، قد اصطدمت فيما بينها في الممارسة العملية بعد نجاح الثورة، لا بل تحاربت وتخندقت في أسوار حزبيتها الضيقة وتمثيلها الطبقي،عندما أخذ كل عنصر منها(حزب) يمنح الأولوية لرؤيته التي هي بالضرورة، مهما كانت، تبقى ضيقة اتجاه سعة الحياة الاجتماعية والسياسية التي كانت موضوعيا تستوعبهم جمعيا. وكان من اسباب ذلك عدم اتفاقهم على أجندة مشتركة، تمثل الضمانة العملية والشرط الأساسي لتحقيق مهامها التاريخية التي أوجبتها ظروف العراق وظروفها بالذات. لأن فعل الثورة تجاوز بمسافة كبيرة ما اتفق عليه قبل الثورة. والأكثر من ذلك أن أغلب هذه المكونات تناست مطلبها الأساسي الذي كان يتمثل بتبني الممارسة الديمقراطية الحقيقية وليس الشكلية.. بل تناست هذه العملية برمتها.. حتى أن بعضها تبنى فعل العنف المادي، الفردي والانقلابية العسكرية، ضد حلفاء الأمس، بالتعاون مع المراكز الأمبريالية والدول الجوار.
وقد اشتركت هذه { الكتلة التاريخية } بأحزابها في الوزارة الأولى لحكومة الثورة ( 14تموز 1958- 7 شباط 1959)، بحيث أشترك (الوطني الديمقراطي وزيران، البعث وزير واحد، حزب الاستقلال وزير واحد ممثل الأكراد وزير واحد، الجبهة الشعبية وزير واحد، لم يدخل ضمن قوام جبهة الإتحاد الوطني ولا الأحزاب التركمانية الذي لديهم وزير واحد ، بإستثناء الحزب الشيوعي.. الذي أثر أن لا يشترك في الوزارة الأولى خوفاً من دول حلف بغداد، كريعة لمهاجمة العراق الجمهوري، حيث عممت وزارة الخارجية البريطانية برقية إلى
سفارتها في منطقة الشرق الأوسط، تسأل فيه إن كان وزير شيوعي في حكومة الثورة ، وهذا ما افاده لنا عامر عبد الله/ عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي آنذاك، في مقابلة في ستوكهولم. وعلى أثر نجاح الثورة في 14 تموز، رفع الحزب الشيوعي إلى عبد الكريم قاسم مذكرة تطالبه في ايلول من عام 1958، لمساهمة الحزب الشيوعي في السلطة الوطنية، وكررت ذلك ما نشرته جريدة إتحاد الشعب في 28 نيسان/ ابريل 1959، وأيضاً تكرر بعنوان أفتتاحي جريدة إتحاد الشعب المطالبة في 29 نيسان 1959.. وايضاً تكرر الطلب في الجريدة بـ 7 مايس/ ماي من ذات السنة.

الهوامش:
23 -د. عزبز الحاج، القضية الكردية في العراق، التاريخ والآفاق، ص.40، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 1994.
24- بطاطو، ج. 3، ص. 72، مصدر سابق.
25 - تكونت اللجنة كل من: محمد حديد، نائب رئيس حزب الوطني الديمقراطي، فؤاد الركابي الامين القطري لحزب البعث، ومحمد مهدي كبة زعيم الاستقلالين، وعزيز الشيخ العضو المرشح للجنة المركزية للحزب الشيوعي، وحل محله بعد إعتقاله، كمال عمر نظمي وهو محام وأبن وزير الداخلية الآسبق
26 - المصدر السابق، ذات الصفحة.ملاحظة مهمة يسوقها بطاطو، وتصرف كل حزب على هواه.
27 - للمزيد راجع : خليل إبراهيم الزوبعي، العراق في الوثائق البريطانية 1958-1959 مصدر سابق.
ومن الجدير بالذكر بأن "... اتفاقاً عاما قد تم التوصل إليه في اجتماع حلف بغداد في 28 تموز وهو الاعتراف المبكر لحكومة العراق الجديدة يعد أمراً مرغوباً فيه، ومن المحتمل أن يكون قبيل نهاية هذا الأسبوع... كما طلبت الخارجية البريطانية في برقيتها من السفير أن يشرح لوزير الخارجية السويدية، الموقف البريطاني ويلفت الانتباه إلى النقاط التالية :
أ- أن المتعارف عليه في سياستنا أن يتم الاعتراف بحكومة حالماً نكون مقتنعين من أن لديها سيطرة ممؤثرة وامكانيات للبقاء.
ب- لقد كان من وجهة نظر حلفائنا أعضاء حلف بغداد ونشاركهم نحن في هذا وحلف شمال الأطلسي أن المحاججة السياسية في الموازنة تدعم وتساند الاعتراف
ج- نحن لن نغفر أو نصفح أو نتغضى عن الأحداث المروعة التي حدثت في 14 تموز، ولكن الأعضاء في الحكومة الجديدة يفصلون أنفسهم عنها، وقد عبروا عن رغبتهم في إستمرار العلاقات السياسية والتجارية وغيرها وعلى الأسس السابقة.
د- أن معلوماتنا الضئيلة توحي بأن هؤلاء الرجال هم قوميون وليسوا شيوعيين، وعلى الرغم من أن لهم علاقات ودية مع ناصر، فإنهم سوف لن يخضعوا مصالح العراق لمصر.
ه- وعلى الرغم من الموقف الظاهري لحكومة العراق والذي ربما يكون فقط نتيجة الخوف من غزو من قبل الغرب، نحن نعتقد أنه وفقاً لمصالحهم، فأنهم يرغبون الابقاء على علاقات جيدة مع الغرب وخاصةً فيما يتعلق ببنائهم العسكري والاقتصادي وبصورة أساسية النفط.
و- ان الأمور إذا ما سارت على مايرام ، فإن النظام الحالي ربما يثبت كونه مشكلة أكبر لناصر من النظام السابق. ونحن ربما نكون قادرين على العمل معهم، ولكن إذا ما سقط نظامهم فسيخلفهم بالتأكيد متطرفون يعتمدون على ناصر وعلى الشيوعيين..." د.علاء موسى نورس، ثورة 14 تموز ص. 84، مصدر سابق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي