الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستمالة والمستميلون.. كيف أضحى الكونغرس الأمريكي عبداً للشركات الخاصة

لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)

2021 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تطَّلع على التعديل الأول في وثيقة الحقوق في القانون الأمريكي فإنك ستقرأُ نصاً دَمِثاً ومطَمئناً، فهو ينص على الحمايةِ الدستوريةِ لحرية الرأي والمعتقدِ والصِّحافة، بما في ذلك المظاهرات السلمية ومعارضة قرارات الدولة. يبدو قانوناً مثالياً لوهلة، ولكنْ ضعف الرقابة قد يسمح في بعض الأحايين باستغلال هذا الحقِ ضدَّ عامة الشعب ولصالح المؤسساتِ الرأسمالية.

اخترتُ كلمة اسْتِمالة كترجمة لمصطلح lobbing عوضاً عن مصطلح جماعة الضغط، فالمسألة في الغالب لا تعتمد على الضغط بقدر اعتمادها على استرضاءِ الحكومةِ عن طريق المفاوضات لدفعِها من أجل تشريع قوانين معينة. تتعلقُ هذه التشريعات في الغالب بمنح القروض للقطاعات الخاصة وتجنيبها دفعَ الضرائب، أو بالأحرى مساعدتها على التهرب منها، وهذا يجيبُ على التساؤل المحير: لماذا تُلزم الحكومةُ المواطنَ الأمريكي الكادح بدفع الضرائبِ بواسطة قوانين مشددة في حين تستسهلُها مع الشركات الكبرى؟ لأن الكونغرس أحياناً ليس هو بتلكَ الهيئةِ الممثلةِ للشعب كما يبدو ظاهرياً، بل إن كل الصفقاتِ التي تتم تحتَ الطاولة هي إغراءاتٌ ماديةٌ ورشاويٍ يتم دفعها من قبل الشركات الخاصة لأعضاء الكونغرس.

لذلك في المرة القادمة وقبلَ أن يتسارع أحدكم بالتهليلِ لأحدِ أعضاءِ الكونغرس بسبب إحياءه مناسبةً خيرية، فليتحرى أولاً عن الأسبابِ الخفيةِ لها. جلُّ إن لم يكن كلُّ هذه المناسبات غرضُها جمعُ التبرعاتِ بمبالغَ كبرى من أصحاب الشركات الخاصة كرشاوي خفية، والبعضُ منهمْ قد يستقبلُ في مكتبِهِ جماعات الاستمالة لعقد صفقاتٍ صريحةٍ من غير الحاجة إلى التبرعِ والتطرُّقِ لأساليبَ غير مباشرة.

دعني أمنحك مثالاً -حديثَ العهد- على الاستمالة.. فإنه نظراً للأضرار الاقتصادية التي تسببتْ فيها جائحة كورونا، قامتِ الحكومةُ الأمريكيةُ بتوزيعِ حزمِ التحفيز stimulus packages على المواطنينَ والشركات، كما قامتْ بعمل برنامج حماية الرواتب (ppp) للشركات الصغيرة وذلك بغرض تحفيزِ الاقتصادِ المتضرر. جميل! ولكن من هو المستفيد الحقيقي من هذه الحزم؟

إذا تفحصتَ المسألةَ عن كَثَبٍ ستلحظُ أن أكثر الجهاتِ التي كان لها النصيبُ الأكبرُ من حزم التحفيز هي الشركاتُ الكبرى عامة التداول رغمَ عدم حاجتها للدعمِ الحكومي، وبالطبع تم ذلك بمساعدة الكونغرس. فمثلاً شركة تسلا حصلت على قرضٍ فيدراليٍ بقيمة 456-$- مليون دولار ليصبح إجمالي مبلغ المعونات التي حصلت عليها الشركةُ من الحكومة هو 4,9 مليار دولار، في حين أن العديدَ من الشركاتِ الصغرى -التي هي على وشك إعلانِ إفلاسِها كونها المتضرر الأكبر من الأزمة على الصعيد الاقتصادي- لم يتم منحها تلك القروض إلا بصعوبة وبعد تأجيل متكرر وبعضها لم يستلمه حتى اللحظة.

إذا انتقلنا إلى دولٍ أخرى مثل بريطانيا، سنجدُ أن الوضعَ لا يختلفُ عن الولايات المتحدة، وأن المستميلون لا يستهدفون أعضاء الكونغرس حصراً بل الحكومة بأكملها. فمثلاً قد سبق وأنْ تمت مطالبة وزير الدفاع ليام فوكس بالاستقالة بعد الفضيحةِ التي شملتْ تقديمه لرجلٍ يدعى آدم فيريتي على أنه مستشاره الخاص رغم عدم امتلاك الرجلِ أي وثيقة تثبتُ أنه يعملُ لدى أي جهةٍ في الحكومةِ البريطانية. وبسبب تقديمه كمستشار تمكن فيريتي من إجراء العديد من المقابلاتِ الخاصةِ مع رجالِ الدولة والدبلوماسيين وكسب ثقتهم لمناقشة العديد من الشؤون الخاصة. وفي السنة التالية حدثت فضيحة أخرى مشابِهة وهي تصوير بيتر كرادس وهو يستلم رشوة على أساس أنها تبرع بقيمة 250,000 جنية استرليني في مقابل مساعدة المرتشي على مقابلة ديفيد كاميرون لمناقشته في بعض المسائل ومحاولة التأثير عليه.

إن وظيفة الاستمالة لا تقتصر على إيجاد الطرق لمقابلة المسؤولين، بل إن من يقومون بها لديهم العديد من الاستراتيجيات التي يستخدمونها في فن الإقناع، وقد لا يقتصرُ هذا الإقناع على تقديمِ الاغراءات المادية، بل قد يمتد إلى الحملاتِ الدعائيةِ وغيرها من الطرق التي في إمكانها التأثير على قرارات رجال الدولة. بل أحياناً قد لا يحتاج عضو اللوبي أو المستميل إلى مقابلة مسؤولٍ ما والتأثير فيه، فقد يتم الاستعاضة عن ذلك بالتحكُّم في العالَم الرقمي وإنشاء مواقع ويب ونشر أخبارٍ عليها شأنها التأثير على الرأي العام ومن ثَمَّ قرارات الدولة.

إنني لا أبتغي هنا أن أعرض وظيفة المستميل كوظيفة شيطانية في الأصل، فأنا أتفهم أنه من الضروري وجود وسيطٍ لتسهيل العمليات بين المستثمرينَ وأصحابِ الشركات وبين الدولةِ المُشرِّعة. لكن الخللَ الذي أعارضه يكمن في عدم تحقيقِ أعضاء الكونغرس لموازنةٍ بين المصالح العامة والخاصة. المعضلةُ تكمنُ في استغلالِ هذا الحقِ المكفولِ من قِبَل وثيقة الحقوق في القانون الأمريكي بشكلٍ خاطيء ومُستَفز، لذلك من الضروري أن يتم مستقبلاً ضبطُ وظيفة المستميلِ وتجريمِ الاستغلالِ الخاطيء لها، وتكثيف الرقابة على أنشطة أعضاء الكونغرس.

لا أعلمُ إن كان بوسعي أن ألومَ الشركات التي تقوم باستمالة الدولة لتحقيقِ مصالحها، بما أن هذا يعد جزءاً من استراتيجيات النجاح الاجبارية التي يفرضُها سوقُ العملِ على الشركات الكبرى، فإما أن تقوم هذه الشركات بمجاراة السوق أو تسقط، لكن اللوم يوجه إلى الدولة التي سنحت بابتداع هذه الثغرة في قوانينها. وبعد ما سبق ذكرهُ لكَ أن تجاوب على هذا التساؤل بنفسك: من هو المسؤول الحقيقي عن وضع التشريعات الاقتصادية في الولايات المتحدة، أهو الكونغرس الأمريكي أم القطاع الخاص؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا