الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدينة في الرواية

حسن مدن

2021 / 2 / 6
الادب والفن


بعيداً عن مدى دقة كون « الرواية ابنة المدينة»، حسب القول المنسوب إلى أحد النقاد الأوروبيين، لعله على الأرجح المجري جورج لوكاش، علينا أن نفتش في الروايات، بما فيها الروايات العربية، عن المدينة في جمالها وقبحها، في تحولاتها وتناقضاتها، في عوالمها المختلفة، في مخملية حياة من يتربعون على قمة الهرم الاجتماعي، وفي انسحاق البشر الكادحين المسكونين بالاغتراب في مدينة غير آبهة بهم، حتى لو كانوا قد ولدوا فيها، وخبروا عوالمها.
يمكن للرواية أن تبحر مع المبحرين والصيادين إن هي اختارت أن تجعل من البحر فضاء لها، ويمكن لها أن تتوه بنا في عالم الصحراء الغامض، إن هي جعلت من الصحراء مكاناً لأحداثها، ويمكن لها أن تخترع أمكنة قد تصغر حد ألا تتجاوز زنزانة في سجن، أو غرفة في بيت، أو مقهى ناءٍ، ولكنها في المدينة بالذات تزج بنا وسط الصخب، الذي عليه المدن.
مرةً، اصطحب جمال الغيطاني أديبنا الكبير نجيب محفوظ في جولة في القاهرة، أراد من خلالها أن يطوف معه في الأحياء والمناطق التي كانت ملهمة له. كان العمر يومها قد تقدم كثيراً بمحفوظ، وطوال الرحلة كان الغيطاني يراقب انفعالاته وردود أفعاله على ما يراه، فأيقن أن محفوظ كان يرى مدينة أخرى أقيمت على أنقاض مدينته القديمة. تغيرت القاهرة كثيراً، التي لم يبق منها سوى بضعة شوارع ومساجد ومقاهٍ.
مرت الرحلة بزقاق المدق، وسوق الحمزاوي، وشارع المعز، وسبيل عبد الرحمن كتخدا، وميدان بيت القاضي حيث ولد الكاتب الكبير.
هناك بالذات قال محفوظ: «كنت أتفرج على الفتوات يجيئون بعد معاركهم في الخلاء إلى قسم الجمالية، ومن حجرة صغيرة في السطح، كنت أرى تظاهرات ثورة 1919، وتظاهرات النساء من بنات البلد فوق العربات الكارو، وضرب الرصاص، وكانت المشاكل تبدأ بيني وبين أمي، كانت تشدني بعيداً عن النافذة، وكنت أريد الفرجة، خاصة على ضرب الرصاص.. كثيراً ما رأيت التظاهرات والجنود الإنجليز يتصدون لها هنا. ما أكثر ما رأيت».
ما أكثر ما رأى بالفعل. كي نعرف القاهرة بعمق، وكي نحبها أكثر يجب أن نقرأ نجيب محفوظ.
لنضع أنفسنا أكثر في سحر المدن دعونا نقرأ هذا الشجن الوارد في حديثٍ عن سانت بطرسبورج ديستوفسكي، واحدة من أجمل المدن التي جال فيها الأدب: «هل حدث لك أن مشيت في يوم من أيام الخريف في وقت متأخر في بعض شوارع المدينة؟ هل تسنى لك أن شاهدت عندئذ كيف راحت المصابيح القليلة تلقي بضوئها الشاحب على الحوائط العليا للبيوت، وكيف ذابت قطع من المباني في السحب الرمادية مكونة كتلة واحدة، وكيف راح الضوء يهتز خافتاً في النوافذ، كل هذا والمطر ينهمر رتيباً فوق الأسطح والريح الباردة تصفر بشدة؟».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .


.. -إهتمي بالتمثيل أكتر من الشكل- .. رسالة مدحت العدل لياسمين ص




.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا