الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صخرةُ محمود أمين العالم

فاطمة ناعوت

2021 / 2 / 7
حقوق الانسان



حين ألتقيه في خيالي؛ كعادتي كلما اشتقتُ إليه وضربتني الحيرةُ في أمر ما، سوف أسألُه السؤالَ الذي أعيدُه عليه كلما التقيته: (كيف تتلقّى سياطَ سجّانك على ظهرك في النهار، ثم تجالسُه في المساء، لتعلّمه الأبجديةَ، وتمحو أميته؟! كيف تعفو عن جلادك ثم تُحسن إليه؟! "والكاظمين الغيظَ، والعافين عن الناس، والُله يحبُّ المحسنين"، هل أنت نبيّ؟!) وسوف يبتسم كعادته ويجيبُ الإجابةَ المدهشة ذاتَها: (الأمرُ بسيط! كلٌّ منّا كان يؤدي عمَله. وظيفةُ السجّان تعذيبي؛ لأن الظلاميين أفهموه أنني عدوُّ الله! ووظيفتي تعليمه لكي أقشِّرَ عنه حُجُبَ الجهل والتضليل، فيدخله النورُ، ويدرك الحقيقة.) وصدق الأستاذُ العظيم. لأن تجّارَ الدين وظيفتهم تضليل البسطاء ليصنعوا منهم جلادين يضربون بهم رؤوسَ التنويريين. فالرأسُ المستنير، هو العدوُّ الأول للأدعياء مرتزقة الأديان. التنويريُّ يحملُ مِشعلَ التنوير لينيرَ الدربَ لشعوب، يُراد لها أن ترعى في الظلام حتى تنهارَ الأوطانُ وتتقوّضَ الحضارات.
يوم 18 فبراير القادم، سيكون عيد ميلاد المفكر المصريّ الكبير "محمود أمين العالم". سوف يكملُ الأستاذُ عامَه التاسع والتسعين في السماء. فقد وُلِد الأستاذُ في فبراير 1922، ورحل عن عالمنا يوم 10 يناير 2009. كلّ سنة وهو طيب في فردوس الله العظيم. كلُّ عام وابتسامتُه الشهيرة مشرقةٌ كما عوّدنا، وكما خلدتها الصورُ، لكي نتعلمَ من تلك الابتسامة معنى التفاؤلَ وقيمة الثقة في غدٍ أجمل. وليته معنا اليومَ حتى يشهدَ بعينيه كيف بدأ ذلك الغدُ المشرق في التحقق.
ربما لم ألتقِ إنسانًا أحبَّ مصرَ، وآمن بقوتها وقدرتها على عبور المحن، مثله. لو كان بيننا اليومَ لسمعتُه يقول لي: (ألمْ أقل لكِ إن مصرَ سوف تنهضُ وتعلو وتنتصرُ للفقراء، ويتحقق حلمُنا العصيُّ الذي كافحنا من أجله عقودًا وعقودًا؟ ألم أقل لكِ إن السياطَ التي مزقتْ جسدي وأحنتْ ظهري وظهور شرفاء مصر في معتقلات 59 لن تذهب سُدًى، بل سوف تتشابكُ وتتجادلُ وتصنعُ نسيجًا أنيقًا قويًا يرسم لوحة مجتمع "الكفاية والعدل"، الذي أفنينا أعمارنا قربانًا له؟ ألا تعلمين أن القصائدَ التي حفرتُها بأظافري على جدران "سجن القلعة" لا تزال شاخصةً لم تُغمض عيونَها لأكثر من ستين عامًا، حتى تشهد بعيون الشِّعر لحظةَ التحوّل المفصليّ في مصر؟ غدًا تطيرُ قصائدُك أيضًا من نوافذ الظلام حتى يشرقَ التنوير الكامل الذي تحلمين به.)
(يا مسجون كَسَّرِ الصخرة! للصخرةِ سبعةُ أبواب، شوف فين الباب واضربْ!)، هكذا كان يزعقُ السَّجّانُ الخشنُ في وجه المفكر المصريّ الكبير "محمود أمين العالم"، في معتقلات 1959، وهو يلوّحُ بالسَّوط في يده، والشررُ يتطايرُ من عينيه المتوعدتين. هو السَّوطُ الذي نالَ من ظهر السجين "العالِم" العالم. هذا أثناء النهار، أما في المساء، فكان السجيُن الكريم يدعو إلى زنزانته السجّانَ الخشنَ لكي يعلّمَه القراءةَ والكتابة! تصوّروا! أندهشُ وأهتفُ في عجبٍ: (يا أستاذ محمود، يجلدُك السجانُ بالنهار، وتمحو أميّتَه بالليل! ) فيقول الأستاذُ، وابتسامته الرائقةُ الشهيرةُ تُشرِقُ وجهَه: (طبعًا يا فاطمة، كلٌّ منّا يؤدي واجبَه. هو يظنُّ أن جلْدَه لي واجبٌ ديني ووطني يؤديه بإتقان. وأما واجبي أنا، وحقُّه عليّ، فكان تعليمَه وتثقيفَه هو وغيره ممَن جعلهم الظلاميون أُميّين غلاظًا لكي يبطشوا بهم أعداءهم من مثقفين يكافحون من أجل تحقيق الخيرَ والعدالة لمثله من الأميين والفقراء.) أسألُه: (يعني لم تكره سجّانَك أبدًا يا أستاذ محمود؟!) فيجيبُ الأستاذُ ضاحكًا: (مطلقًا! كيف أكرهه وهو ضحيةُ التغييب والجهل؟ بالعكس كنتُ أحبّه وأشفقُ عليه. وأصغي إليه في النهار إصغاءَ التلميذِ لأستاذه وهو ينظرُ إلى الصخرة، ثم يشيرُ بإصبعه على مكامن ضعفها لكي أهبطَ بمِعولي عليها فتتحطم. ذاك كان عملي في عقوبة الأشغال الشاقة. السجانُ يعلمني بالنهار كيف أفتتُ الصخور. وأنا أعلمه بالليل كيف يفتتُ أسوارَ العتمة من حوله.) ثم يقضي الأستاذُ الجميل بقية ليله الطويل بالزنزانة في كتابة القصائدِ على الحائط. ولم تزل تلك القصائدُ موجودةً في "سجن القلعة"، ترفضُ الحيطانُ أن تمحوها!
يا أستاذي الجميل "محمود أمين العالم"، في عيد ميلادك التاسع والتسعين، نعتذرُ لك عن تلك السياط التي تحملتها بصبر القديسين من أجل وطنك وأبناء وطنك حتى يستنيروا. وتعتذرُ لك مصرُ عن سياط قاسيات عبرت معك السنين ورافقت آثارُها ظهرَك حتى القبر. سلامُ الله عليك، وقبلةٌ على يدك! وأناشدُ الرئيسَ المستنير عبد الفتاح السيسي أن يتمَّ تكريم هذا الراحل النبيل، وأن يُمنح اسمُه الخالدُ "قلادة النيل"، لقاء ما قدّم لوطنه من فكر وتنوير وشقاء.
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يضيءُ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يبدو هذا القول مضحكا
عبد الله اغونان ( 2021 / 2 / 7 - 13:38 )
لو كان بيننا اليوم لسمعته يقول لي
ألم اقل لك إن مصر سوف تنهض وتعلو وتنتصر للفقراء ويتحقق حلمنا العصي الذي كافحنا من(×( أجله عقودا وعقودا ؟ ألم أقل لك إن السياط التي مزقت جسدي وأحنت ظهري وظهور شرفاء مصر في معتقلات 59لن تذهب سدى بل سوف تتشابك وتتجادل وتصنع نسيجاأنيقا قويا يرسم لوحة --- الكفاية والعدل- - - هههه الخ
لوكان محمود أمين العالم حيا لسخر من هذا المدح الكاذب فمثل معتقلات 59 راهنا تفوق ماكان


2 - شكراً .. و لكن
محمد بن زكري ( 2021 / 2 / 7 - 16:43 )
تقديرا للباعث العاطفي / الوطني ، كما وصلتني إشاراته في نسيج المقالة ، و تعاطفا مع المنحى العام للتناول ذي الصيغة الصحفية الادبية في هذه اللفتة الطيبة ، تجاه الراحل الكبير محمود أمين العالم . و بانفعال عاطفي ، اعطيت المقالة أعلى درجة تقييم . على أن الوفاء لذكرى هذا المناضل و المفكر اليساريّ العظيم ، يستوجب إبداء التحفظ الشديد على ما يبدو أنه توظيف لتاريخ و سمعة محمود أمين العالم و تراثه النضالي ، في تلميع دكتاتور ترمب المفضل و النفخ في بالونه النيوليبرالي المملوء بأنفاس صندوق النقد الدولي و البترودلار الخليجي ؛ إذ أنه ما كان - أبدا و بالمطلق - لقائد و مفكر و مناضل يساري ، بحجم محمود العالم و قامته الشامخة ، أن يضل الاتجاه و يفقد التمييز ، كي يقول ما تعمدت الكاتبة أن تضعه على لسانه ، هكذا : - ألمْ أقل لكِ إن مصرَ سوف تنهضُ وتعلو وتنتصرُ للفقراء، ويتحقق حلمُنا العصيُّ الذي كافحنا من أجله عقودًا وعقودًا؟ - . و لستُ بحاجة إلى التعليل ، فكل العالم يعرف الحجم القزمي للسيسي ، و نظامه الاستبدادي الجندرمي الكومبرادري اليمينيّ و المنحاز - نيوليبراليّاً - ضد مصالح الشعب المصري المفقَر و المجوّع .


3 - من هو الكاذب؟
يوسف ابو نخله ( 2021 / 2 / 7 - 18:34 )
إلى عبدالله اغونان
من يكذب يا عبدالله أنت أم فاطمة
أتحداك إن كنت صادقاً أن تقول كم خطأ لغوي فاضح في قرآنك !!


4 - واقع مصر الراهن يكذب هذه الدعاءات
عبد الله اغونان ( 2021 / 2 / 7 - 20:45 )
أما عن الأخطاء اللغوية في القرآن فلست لغويا ولانحويا لتحكم عليه
راجع على النت ردود متخصصين في الرد على ما يقال لك إنه أخطاء في القرآن المقدس
راجع هذين الرابطين
ا
مكافح الشبهات
لرد على الأخطاء اللغوية المزعومة في القرآن

اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل