الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب شباط الاسود نقطة التحول نحو الموت

فارس عبد الوهاب امين

2021 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بغداد 8 شباط 2021

استذكر تلك الايام التي كنت شاهدا صغيرا على تفاصيلها في يوم 8 شباط الاسود العام 1963 وما رافقها من عمليات قتل وبطش واعتداء على المواطنين العزل من قبل الانقلابيين، واليوم وبعد مرور 58 عاماً على ذلك الانقلاب الاسود ما زال العراق يدفع ثمن تلك المغامرة التي أقدم عليها المتآمرون والخونة ،خدمة لمشروع استعماري أقلقه وطنية وعراقية الزعيم وثورة 14 تموز 1958 الخالدة، ومازال بعض من مخلفات تلك الحقبة للاسف الشديد تعتبر هذا العمل الاجرامي عمل بطولي للتخلص من ثورة تموز العظيمة ، وللاسف بعض الشباب ممن لم تسعفهم الظروف ان يقرأوا جيدا وبدقة تلك الحقبة ولماذا تم التامر على الزعيم وثورته؟.
ولا بد ان تتوضح بعض الامور التي تتعلق بهذا الحدث الاجرامي الذي وضع او قوانين الموت والقتل والطائفية في اسفين هذا الوطن، لان توضيح الحقيقة لا ينصف الزعيم ورفاقه الشهداء فحسب انما يمثل درسا مهما لفهم معطيات المستقبل ومعرفة الاهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها بلدهم ويجعله دائما وابدا تحت انظار الدول الطامعة والتي تخشى ان يكون قويا وله دور على الصعيدين الاقليمي والدولي.
ان عملية تصفية ثورة تموز وقادتها صورها الاستعمار على انها انقلابا عسكريا قاده الجيش ضد رئيس الحكومة لان هؤلاء الضباط كانوا ذات توجه قومي وعروبي، حالمون في تحقيق حلم الوحدة العربية وترسيخ القومية العربية، لكن بالحقيقة التي اثبتتها المعطيات في نفس بوم الانقلاب وما تلاه من سنين، أن هذا العمل الاجرامي الذي يحمل مما لا يقبل الشك اجندة استعمارية ما هو الا بداية لتحول العراق من طريق العمران والتنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي الى طريق الموت والقتل والسجون والتصفيات والعودة الى مفاهيم الطائفية والعرقية التي تجذرت في النظام الملكي وسحقتها ثورة تموز.
والسؤالين اللذان قد يدوران في ذهن اي باحث موضوعي هما لماذا اغتيال الثورة وكيف نجح الانقلاب بسهولة؟، بالتأكيد ان هذين التساؤلين هما من ثوابت تاريخ هذه المرحلة وضرورة الاجابة عنهما وفق معطيات حقيقية وموضوعية، فيما يتعلق بلماذا اغتيلت الثورة فالجواب واضح ولا يحتاج الى بحث او تفكير طويل، فالنجاحات التي حققتها الثورة في وقت قياسي في جميع المجالات واصرارها على النهوض بالعراق وشعبه وفق اسس جديدة لا يكون فيها طبقات اجتماعية وتفاوت معيشي، فضلا عن وضع خطط للانطلاق بنهضة عمرانية واسعة وتعزيز الموارد البشرية، اضف الى ذلك ان العراق ليس بلد نفطي فقط انما يمتلك موقعا جغرافيا يضعه في قلب العالم، وهذا الموقع يجعله مطمع لجميع الدول الاستعمارية، لذلك فان تلك الدول بدات بمعادات ثورة 14 تموز في اول يوم حدوثها، لانها جاءت بشكل مفاجئ وبعيدا عن خططهم وتوجهاتهم، كما ان تلك الدول ادركت جيدا ان الزعيم لن يخضع لاي اجندة وان ولائه المطلق للعراق، وأن هذا الرجل قادر على تحويل بلده الى قوة سياسية وعسكرية واقتصادية لا مثيل لها في المنطقة، لذلك هيأت جميع المقومات من اجل الانقضاض على الثورة بالاعتماد على عصابة حزبية تمتهن القتل والاقصاء.
اما الجواب على السؤال، كيف نجح الانقلاب بسهولة، هو أن الدول الاستعمارية ودول عربية واقليمية بدات بتوظيف وسائلها الاعلامية ضد الثورة من يومها الاول واخذت هذه الوسائل تؤلب الراي العام العربي والعراقي وتحول مفهوم (العراقي اولا) الذي رفعه الزعيم الى مفهوم (شعوبي) ضيق، اضف الى الى ذلك فان الطابور الخامس كان له دورا في افتعال الازمات والصراعات الحزبية الضيقة، وجميع ذلك لم يكن غافلا عن حكومة الثورة لكن الزعيم كان يرد على تلك الحملة برفع شعارات التسامح مع الخصوم محاولا تكريس هذا المفهوم في قلب كل عراقي.
الى جانب ذلك ان حزب البعث الذي قاد الانقلاب مع عبد السلام عارف كان يتمتع بنفوذ واسع لدى الضباط ذات التوجه القومي والذين بدورهم تربطهم علاقة قوية بعبد السلام عارف اضافة الى ذلك فان طعنات الغدر بالثورة جاءت من الحكومة نفسها، والمتامرون على الثورة انكشفوا بعد فترة قصيرة من نجاح الانقلاب امثال جاسم العزاوي السكرتير الشخصي للزعيم الذي تولى منصب وزير في حكومة البعث واسماعيل العارف وزير في حكومة الزعيم واصبح مقربا من حكومة البعث وهذا الرجل شارك في العديد من المخططات ضد الثورة ورجالاتها حتى قبل انطلاقها سواء بدوره في وشاية الكاظمية او دوره في تزويد الزعيم بمعلومات خاطئة عن انقلاب الشواف وادعائه ان لديه معلومات من رجل مخابرات اميركي بان المرحوم رفعت الحاج سري احد المخططين لانقلاب الشواف العام 1959 وهو امر غير صحيح وادين على اثر تلك المعلومات الكاذبة العقيد الركن رفعت الحاج سري واعدم بذريعة التخطيط للانقلاب على الثورة، كما ان هذا الشخص لم يتردد في اكثر من مناسبة بعد ان اصبح وزيرا في حكومة الثورة بالكشف عن نواياه بضرورة الاطاحة بالزعيم وهو كاشفه امر الانضباط العسكري في وقتها عبد الكريم الجدة.
واليوم مازال العراقيون يدفعون ثمن هذه المغامرة التي ادت الى بلاد لاربعين عاما من الحروب والخراب والدمار والتسلط والسجون، ويجب ان يكون انقلاب شباط الاسود درسا حتى لا نقع بهذا الفخ ثانية الا وهو فخ الاعلام الماجور وتظليل الرأي العام لان الوطن نزف كثيرا ومازال ينزف وحان الوقت لوقف هذا النزيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة