الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبت في رواية عندما بكى نيتشه

آرام كربيت

2021 / 2 / 8
الادب والفن


الإنسان المكبوت لا يستطيع أن يصرخ أو يبكي، إنه يداري خجله، لا يعلن عن نفسه، يخنق الصوت القادم إلى فمه. إنه مخنث نفسيًا، مهزوم إراديًا.
دخل نيتشه وجوزيف بريوير في غواية مفتوحة، في سبر أعماق النفس الإنسانية، كلاهما، يستبطنان الغور العميق دون أن يعلناه، يدخلانه ويدوران حوله، يلتفان على الغواية النفسية، يتناطحان أدبيًا، فلسفيًا نفسيًا، وكل واحد على مسار دون أن يخلا بها:
ـ لم أقل عنها لنيتشه، ولم أتحدث أيضًا عن أنني أصبحت مريضًا حقيقيًا، مع أنه يخيل إلي أنه يحس بهذه الأشياء.
من أسباب فشلنا، أننا نساير هذا الكبت الطويل القابض على أعناقنا، ليس على الصعيد الجسدي والنفسي فقط، وإنما في كل مجالات الحياة، في الأدب وأغلب أنواع الفنون والبحث والفكر. وإذا تعمقنا أكثر، سنرى أن هناك بتراً في شخصيتنا، هذا البتر الصغير، الشرخ، الشق، لا تراه العين المجردة، يحتاج إلى عين خبيرة تتغلغل إلى الأعماق لتخرج ذلك المعدن الصدى، المهترئ.
المكبوت يسلك الطرق المتعرجة، الطويلة، بنفس قصير، يحاول أن يقطع الغابة دون فأس أو يتصدى لوحوش الغابات دون سيف أو رمح.
المكبوت كائن مهزوم قبل أن يهزم، ويتوقف عن العطاء قبل أن يعمل.
قتل الكبت مهمة الثقافة، مهمة معرفة الذات قبل الإعلان عن البدء.
الكبت نتاج الخوف من المجهول”:
ـ هناك فجوة، فجوة ضخمة، تكمن بين معرفة الشيء فكريًا وبين معرفته عاطفيًا. يكمل جوزيف بريوير:
ـ عندما أبقى صاحيًا في الليل خوفًا من الموت، أردد حكمة لوكريتيوس:” حيث أكون، لا يكون الموت، وحيث يكون الموت، لا أكون أنا”. هذا ال جوزيف، طبيب بارز توصل إلى اكتشافات أساسية في الفيزيولوجيا العصبية، وواضع أساسات التحليل النفسي، ويتابع قوله لنيتشه:
إنها حكمة عقلانية هذا الرأي لهذا الفيلسوف لوكريتيوس، ولكن عندما أكون خائفًا لا تنفع الفلسفة. إن تعليم الفلسفة شيء وتطبيقها في الحياة أمران مختلفان تمامًا، يرد عليه نيتشه:
ـ إن المشكلة عندما نتخلى عن العقلانية ونستخدم ملكاتنا العقلية الدنيا للتأثير على الناس.
إن القساوسة ورجال الدين يتلاعبون بعقول الناس، تبجيل الضعف، ويعظون بأشياء غيبية، كراهية الجسد، تعليم الأجيال على الخنوع على أنه وداعة وعزة نفس وإباء، لمن نقدم هذه الفضائل المجانية على صينية براقة ملمعة، سيتناول من أطباقها ضيوف مخنثون؟ من الذي رسم حدود وأبعاد الفضائل على أنها من شيم الكرام، ونحول أبناءنا إلى مجرد كائنات لطيفة، تساير وتسامح وتمنح بالمجان، ونغلف هذه الفضائل بالخجل والعيب؟
من المستفيد من هذه الفضائل، من الرابح من هذه الأخلاق المريضة، والإنسان، في الظاهر شيء وفي أعماق الذات شيء آخر؟ ما الفرق بين الوقاحة والوداعة، ما دام الواقع يستوعب كلا المفهومين المتناقضين، يرفع الأول إلى المجد، ويحط الثاني إلى الأسفل، الأول يملك المال والسلطة والقبضة الحديدية، والثاني مجرد كائن هامشي لا مكان له على باب الفرن؟
يجب إعادة قراءة المفاهيم والحدود والمصطلحات، وأبعاد صناعة اللغة وأين حط ويحط رحالها.
لا توجد براءة مع قراءة اللغة والتاريخ، ومن صنعهما يدرك أنه صنع شرخًا عميقًا في باطن الحياة، قسم الإنسان الواحد إلى قسمين منفصلين لا رابط بينهما. لنتعلم قراءة المفاهيم بدقة، أن كل الرؤى نسبية وكذلك المعرفة. يذكر نيتشه:
ـ أن الله مات، وأن عدم الإيمان به مناسبة للابتهاج، استمتاع بالحرية. وعدم وجوده أو وجوده ماذا سيضفي علينا أكثر مما هو عليه؟
يرد عليه بريوير:
ـ إذًا ما فائدة هذه الفلسفة؟ فمع أننا نخترع الحقيقة، فإن عقولنا مصممة بطريقة تخفي عنّا ذلك.
الصراع بين الكبت والحرية، مساران متناقضان وسيستمران، بين الحياة المقيدة والجري وراء الانفتاح، من الاستقرار الشكلاني، وتكسير القيود، بين الجمال والبشاعة، بين الشعور بالأمان وتكسير الاضطراب.
إن هذه الرواية ذكورية بامتياز، لغة الاستحواذ على المصائر، يتجلى هذا في الحوار الطويل عن المرأة، تجابهه لغة الكبت العميق في أعماق كلا الفيلسوفين، نيشته وبريوير، شغفهما بها، بجمالها، النفس البرجوزاية لأرستقراطية القرن التاسع عشر، حياة الرتابة الجافة والاستقرار، والرغبة في الانعتاق من هذا القيد، العمل المكرر، القواعد الصارمة في المواعيد والعلاقات، يقابله الرغبة في الهجر، الهروب من الحياة المملوءة بالأمان المزيف.
يدمدم جوزيف بروير:
ـ إن العيش بأمان خطر؟ هل بيرثا، المرأة العالقة في ذهني، هي أمنية حريتي، هروبي من فخ الزمن؟ هل هناك علاقة بين الحرية والزمن والمرأة في عقل الرجل؟ يجيب نيتشه بصيغة استفهامية خجولة، بيد أنها صادمة:
ـ”ربما من فخ زمنك، لحظتك التاريخية. لا تخطئ بالتفكير أنها ستقودك إلى خارج الزمن. فلا يمكن كسر الزمن. هذا هو العبء الأعظم. وأعظم تحد لنا هو أن نعيش بالرغم من هذا العبء. إن الانعتاق من الكبت مسألة في غاية التعقيد، مساره طويل، وإن كسره يحتاج إلى كسر أغلب المفاهيم في اللغة والممارسة. إن الوصول إلى مفاهيم الحرية لم يحن أوانه في زمننا المعاصر.
إن عقدة الخصاء لديهما، هي المرأة، النظرة الجمالية الارستقراطية لها، الرغبة في امتلاكها والنفور الشكلاني منها، الرغبة الدفينة الكامنة فيهما، أن يكونا في صحبة امرأة جميلة، خارج، تناسقها، حضور الجمال الطاغي.
إنهما يريدان من المرأة أن تملأ غرورهما، الكائن المشتهى، سطوة الجمال عليهما، إرضاء شغفهما في الوصول إلى ما بعد المثل.
أن يكونا في القمة، مغروران مثقلان بالغرور من نفسيهما، يحاولان أن يلبيا رغبة هذا المرض، الكبت، والخضوع له”:
ـ هذا الجمال يأسرني يا فريدريك. الجمال لغز. لكن امرأة تمتلك هذه التوليفة من اللحم، والثديين والأذنين والعينين الكبيرتين الداكنتين والأنف والشفتين. في حضور المرأة، بيرثا، أشعر أنني في جوف الأرض، في مركز الوجود. أكون حيث يجب أن أكون. في المكان الذي لا توجد فيه أسئلة عن حياة أو هدف، مركز، مكان الأمان. إن جمالها يقدم شعورًا لا نهائيًا بالأمان.
هل حقيقة أن الجمال يعطي المرء شعورا بالأمان، أم يدفعه نحو الاضطراب. الجمال سلطة، هذه حقيقة، سطوة الطبيعة على الكائن البسيط والعاجز. الجمال حالة استعلاء، فوقية لهذا يتناغم العقل والقلب في محاولة الاستيلاء على الجمال لتفريغ الكبت من داخله ليصل إلى أعماقه.
رواية، عندما بكى نيشته غنية جدًا في الحوار، في قراءة البعد الإنساني والفلسفي والوجودي للإنسان، في الحب والجمال، في محاولة ترميم بقايا ما تبقى من العقلانية.
الإنسان المكبوت لا يستطيع أن يصرخ أو يبكي، إنه يداري خجله، لا يعلن عن نفسه، يخنق الصوت القادم إلى فمه. إنه مخنث نفسيًا، مهزوم إراديًا.
دخل نيتشه وجوزيف بريوير في غواية مفتوحة، في سبر أعماق النفس الإنسانية، كلاهما، يستبطنان الغور العميق دون أن يعلناه، يدخلانه ويدوران حوله، يلتفان على الغواية النفسية، يتناطحان أدبيًا، فلسفيًا نفسيًا، وكل واحد على مسار دون أن يخلا بها:
ـ لم أقل عنها لنيتشه، ولم أتحدث أيضًا عن أنني أصبحت مريضًا حقيقيًا، مع أنه يخيل إلي أنه يحس بهذه الأشياء.
من أسباب فشلنا، أننا نساير هذا الكبت الطويل القابض على أعناقنا، ليس على الصعيد الجسدي والنفسي فقط، وإنما في كل مجالات الحياة، في الأدب وأغلب أنواع الفنون والبحث والفكر. وإذا تعمقنا أكثر، سنرى أن هناك بتراً في شخصيتنا، هذا البتر الصغير، الشرخ، الشق، لا تراه العين المجردة، يحتاج إلى عين خبيرة تتغلغل إلى الأعماق لتخرج ذلك المعدن الصدى، المهترئ.
المكبوت يسلك الطرق المتعرجة، الطويلة، بنفس قصير، يحاول أن يقطع الغابة دون فأس أو يتصدى لوحوش الغابات دون سيف أو رمح.
المكبوت كائن مهزوم قبل أن يهزم، ويتوقف عن العطاء قبل أن يعمل.
قتل الكبت مهمة الثقافة، مهمة معرفة الذات قبل الإعلان عن البدء.
الكبت نتاج الخوف من المجهول”:
ـ هناك فجوة، فجوة ضخمة، تكمن بين معرفة الشيء فكريًا وبين معرفته عاطفيًا. يكمل جوزيف بريوير:
ـ عندما أبقى صاحيًا في الليل خوفًا من الموت، أردد حكمة لوكريتيوس:” حيث أكون، لا يكون الموت، وحيث يكون الموت، لا أكون أنا”. هذا ال جوزيف، طبيب بارز توصل إلى اكتشافات أساسية في الفيزيولوجيا العصبية، وواضع أساسات التحليل النفسي، ويتابع قوله لنيتشه:
إنها حكمة عقلانية هذا الرأي لهذا الفيلسوف لوكريتيوس، ولكن عندما أكون خائفًا لا تنفع الفلسفة. إن تعليم الفلسفة شيء وتطبيقها في الحياة أمران مختلفان تمامًا، يرد عليه نيتشه:
ـ إن المشكلة عندما نتخلى عن العقلانية ونستخدم ملكاتنا العقلية الدنيا للتأثير على الناس.
إن القساوسة ورجال الدين يتلاعبون بعقول الناس، تبجيل الضعف، ويعظون بأشياء غيبية، كراهية الجسد، تعليم الأجيال على الخنوع على أنه وداعة وعزة نفس وإباء، لمن نقدم هذه الفضائل المجانية على صينية براقة ملمعة، سيتناول من أطباقها ضيوف مخنثون؟ من الذي رسم حدود وأبعاد الفضائل على أنها من شيم الكرام، ونحول أبناءنا إلى مجرد كائنات لطيفة، تساير وتسامح وتمنح بالمجان، ونغلف هذه الفضائل بالخجل والعيب؟
من المستفيد من هذه الفضائل، من الرابح من هذه الأخلاق المريضة، والإنسان، في الظاهر شيء وفي أعماق الذات شيء آخر؟ ما الفرق بين الوقاحة والوداعة، ما دام الواقع يستوعب كلا المفهومين المتناقضين، يرفع الأول إلى المجد، ويحط الثاني إلى الأسفل، الأول يملك المال والسلطة والقبضة الحديدية، والثاني مجرد كائن هامشي لا مكان له على باب الفرن؟
يجب إعادة قراءة المفاهيم والحدود والمصطلحات، وأبعاد صناعة اللغة وأين حط ويحط رحالها.
لا توجد براءة مع قراءة اللغة والتاريخ، ومن صنعهما يدرك أنه صنع شرخًا عميقًا في باطن الحياة، قسم الإنسان الواحد إلى قسمين منفصلين لا رابط بينهما. لنتعلم قراءة المفاهيم بدقة، أن كل الرؤى نسبية وكذلك المعرفة. يذكر نيتشه:
ـ أن الله مات، وأن عدم الإيمان به مناسبة للابتهاج، استمتاع بالحرية. وعدم وجوده أو وجوده ماذا سيضفي علينا أكثر مما هو عليه؟
يرد عليه بريوير:
ـ إذًا ما فائدة هذه الفلسفة؟ فمع أننا نخترع الحقيقة، فإن عقولنا مصممة بطريقة تخفي عنّا ذلك.
الصراع بين الكبت والحرية، مساران متناقضان وسيستمران، بين الحياة المقيدة والجري وراء الانفتاح، من الاستقرار الشكلاني، وتكسير القيود، بين الجمال والبشاعة، بين الشعور بالأمان وتكسير الاضطراب.
إن هذه الرواية ذكورية بامتياز، لغة الاستحواذ على المصائر، يتجلى هذا في الحوار الطويل عن المرأة، تجابهه لغة الكبت العميق في أعماق كلا الفيلسوفين، نيشته وبريوير، شغفهما بها، بجمالها، النفس البرجوزاية لأرستقراطية القرن التاسع عشر، حياة الرتابة الجافة والاستقرار، والرغبة في الانعتاق من هذا القيد، العمل المكرر، القواعد الصارمة في المواعيد والعلاقات، يقابله الرغبة في الهجر، الهروب من الحياة المملوءة بالأمان المزيف.
يدمدم جوزيف بروير:
ـ إن العيش بأمان خطر؟ هل بيرثا، المرأة العالقة في ذهني، هي أمنية حريتي، هروبي من فخ الزمن؟ هل هناك علاقة بين الحرية والزمن والمرأة في عقل الرجل؟ يجيب نيتشه بصيغة استفهامية خجولة، بيد أنها صادمة:
ـ”ربما من فخ زمنك، لحظتك التاريخية. لا تخطئ بالتفكير أنها ستقودك إلى خارج الزمن. فلا يمكن كسر الزمن. هذا هو العبء الأعظم. وأعظم تحد لنا هو أن نعيش بالرغم من هذا العبء. إن الانعتاق من الكبت مسألة في غاية التعقيد، مساره طويل، وإن كسره يحتاج إلى كسر أغلب المفاهيم في اللغة والممارسة. إن الوصول إلى مفاهيم الحرية لم يحن أوانه في زمننا المعاصر.
إن عقدة الخصاء لديهما، هي المرأة، النظرة الجمالية الارستقراطية لها، الرغبة في امتلاكها والنفور الشكلاني منها، الرغبة الدفينة الكامنة فيهما، أن يكونا في صحبة امرأة جميلة، خارج، تناسقها، حضور الجمال الطاغي.
إنهما يريدان من المرأة أن تملأ غرورهما، الكائن المشتهى، سطوة الجمال عليهما، إرضاء شغفهما في الوصول إلى ما بعد المثل.
أن يكونا في القمة، مغروران مثقلان بالغرور من نفسيهما، يحاولان أن يلبيا رغبة هذا المرض، الكبت، والخضوع له”:
ـ هذا الجمال يأسرني يا فريدريك. الجمال لغز. لكن امرأة تمتلك هذه التوليفة من اللحم، والثديين والأذنين والعينين الكبيرتين الداكنتين والأنف والشفتين. في حضور المرأة، بيرثا، أشعر أنني في جوف الأرض، في مركز الوجود. أكون حيث يجب أن أكون. في المكان الذي لا توجد فيه أسئلة عن حياة أو هدف، مركز، مكان الأمان. إن جمالها يقدم شعورًا لا نهائيًا بالأمان.
هل حقيقة أن الجمال يعطي المرء شعورا بالأمان، أم يدفعه نحو الاضطراب. الجمال سلطة، هذه حقيقة، سطوة الطبيعة على الكائن البسيط والعاجز. الجمال حالة استعلاء، فوقية لهذا يتناغم العقل والقلب في محاولة الاستيلاء على الجمال لتفريغ الكبت من داخله ليصل إلى أعماقه.
رواية، عندما بكى نيشته غنية جدًا في الحوار، في قراءة البعد الإنساني والفلسفي والوجودي للإنسان، في الحب والجمال، في محاولة ترميم بقايا ما تبقى من العقلانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله