الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-النخب- العراقيه تخون تاريخها؟/6

عبدالامير الركابي

2021 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تنشا الظاهرة المجتمعية ونشات تدرجا بعد زمن الصيد واللقاط، ك ( تجمع + إنتاجية) بوجه العموم، فلم تكتمل تبلورا الا في الشرق المتوسطي، مع احتشاد الأنماط المجتمعية الثلاثة ضمن الرقعة الشرق متوسطية، بصيغ مجتمعية: مستقبلية دالة ومنطوية على الغائية المجتمعية، هي الرافدينيه وخاصيتها اللاتوافقية البيئية الإنتاجية القصوى، والنيليه نموذج التوافق الإنتاجي البيئي، ثم الجزيرية اللاانتاجية الاحترابية التحريرية وقت اللزوم، فضلا عن المجال غير القابل للتبلور في نمط كما حال ساحل الشام. وهنا تتمثل وتكمن ملامح الاليات الناظمة للعملية التصيرية المجتمعية على مستوى الكوكب، مابين ابتداء، ونهاية، تنتقل بموجبها المجتمعات من حالة التوافق البيئي المنتجي بمستوياتها المختلفة، وصولا الى الاختلال وسيادة نمط او حالة اللاتوافقية التحولي الرافديني معمما على الكرة الارضية، حين تبدأ وقتها نهاية الظاهرة المجتمعية، وطور اختفائها بعد تاديتها الغرض من وجودها، ومامودع فيها من غاية تتعداها.
خلال الزمن الفاصل بين اللاتوافقيتين الا نتاجويتن، الرافدينية والكوكبية، يغلب عقلا المفهوم المطابق للنموذجية التوافقية الأحادية، الدنيا والابتدائية، فيكون هو التعبير المتلائم مع البداهة المجتمعية، يقول باحث عراقي مجد، مقارنا كما التقليد المعتاد، بين "الحضارتين" النيلية والرافدينيه: ان "الحضارة المصرية نشات ناضجة، في حين ان الحضارة الرافدينيه نشات ديناميكيه"(1) وهو لايجد نفسه هنا ـ مثله مثل اخرين غيره ـ مضطرا لان يوضح لنا اذا ماكانت حالة الديناميه يمكن ان تكون "ناضجه"، او هي أنضج، او اقل نضجا، فما يذهب اليه واضح، والنموذج المعتمد المتوافق مع البداهه، هو ذلك الذي تنتجه حالة بعينها تتوافق فيها ألاسباب الإنتاجية/ البيئية مولدة النضج "الحضاروي".
وليست الظاهرة المنوه عنها عارضة، او من نوع المعطى الجانبي ضمن العملية الاجمالية الجاري التعرض لها، بالاخص اذا اخذنا بالاعتبار اهم عنصر من عناصر العملية المجتمعية ومقاصدها التي وجدت لاجلها، وهو "العقل"، الموجود هنا بصفته حالة "تصير ارتقائي" استكمالي ضمن عملية تكامله المستمر ابتداء من لحظة انبثاقه في الجسد الحيواني كمادة اوليه، لحين حلوله ضمن البوتقه الأخيرة من اشتراطات تطوره، مع حلوله داخل المجتمعية، حيث يبدا محكوما موضوعيا لحال من المفارقة مع الظاهرة التي صارت أرضية تشكله الاعلى، ويظل ادنى قدرة، واضعف طاقة على الإحاطة من ان يدرك مكنون ومنطوي ماهو ماخوذ بالتشكل ضمنه وداخل تفاعليته، الامر الذي يستمر مميزا علاقة العقل بالمجتمعية على مدى السيرورة التفاعليه التاريخيه الفاصلة، بين تبلور الصيغ المجتمعية الأول البدئي، وصولا في نهاية المطاف للحظة شيوع حالة الاختلال الانتاجوي البيئي بين المجتمعات كافة، والتحاقها على مستوى المعمورة بالصيغة التحولية الابتدائية الرافدينيه، الاختلالية البنيويه الاصل، الامر الذي لن يحدث الا بعد ان تنتقل المجتمعية الأحادية الانشطارية الطبقية الاوربية بالذات، الى الالة والمصنعية، مغادرة الطور الإنتاجي اليدوي.
ينطبق هذا الحكم على العقل الرافديني مع الاختلاف في، ومن حيث الكينونة المضمرة في الذاتيه، المتنامية، الممنوعه من الظهور والتجلي على مدى ثلاث دورات تاريخيه وانقطاعين بحسب ايقاعية التاريخ الازدواجي التحولي، يبقى العقل خلالها ناطقا ومعبرا عما هو دون ذاتيته الكليّة، للامتناع والتعذر الآني، مع استمرار قصوره، فتاتي التعبيرية وقتها وعلى مدى الدورتين، الأولى والثانيه، متفرقه مقسومه الى مستويين: الابراهيميه، مقابل الشرائعية الحامورابية، وحزمة التعبيرات التشيعية، الخوارجية، الإسماعيلية، الحلاجية، وصولا للقرمطية واخوان الصفا والمعتزلة، وأخيرا الى الانتظارية المهدوية، في المستوى الأدنى، وكل المنجز الامبراطوري الأعلى، الفقهي المتوافق مع اشتراطات الإسلام الجزيري، في وقت تظل فيه الازدواجية المجتمعية سارية وفاعلة، قبل ان يصير "فك الازدواج" ممكنا ضمن اشتراطات الدورة الثالثة، واخر اطوارها، الافنائي، مع تجدد عمل قانون "العيش على حافة الفناء" بصيغتة الجديدة الالية.
ولان الراسخ المعتاد عن اشكال التعبيرية عن الذاتية محصور عادة في الشكل، او الصيغة الأحادية، وتحديدا نموذجها الأعلى الغربي الحديث "الوطني/ القومي"، ومايتمخض عنه ويواكبه من نموذج "الدولة / الامة"يعد الأعلى والاكمل، لابد من تبيان الفارق بينه وبين نمط التجلي الازدواجي ( الوطن كوني)، بالإشارة أساسا الى فرادته ووحدانيته النمطية، فالمجتمعات على مستوى المعمورة، لم تعرف نمطا ازدواجيا اكتماله ووحدته في ازدواجه كما الحال في ارض الرافدين بما هو بؤرة تحولية بنيويه، والمجتمعات عموما، والاحادية منها بالذات، تظل تعبر عن ذواتها خلال تاريخها باشكال دنيا، ابتدائية، وواقعية عملية، مجسده في هياكل ونظم، واشكال تنظيم مجتمعي غير واعية، تعبيرا وشخصية، الى ان تصل طور الانتقال الالي البرجوازي، وهو ماحصل بالذات، وكحالة نموذجية، في اوربا العصر الحديث، حين ارتقت التعبيرية الذاتيه، والنموذجية الكيانية التنظيمه، لمستواها الأرفع المنوه عنه في أعلاه.
بالمقابل تظل النمطية الازدواجية المحكومة على مستوى الاليات التاريخيه، ل متوالية الدورات الإمبراطورية المنتهية بالانقطاعات، هي الأخرى لشكلين ومستويين من التعبيرية عن الذاتيه، الأولى تكون خاضعه للازدواج التعبيري الموضوعي المتفارق، الدال على ماقبل بلوغ طور " النضج" الاعلى، فالازدواج النمطي الديناميكي، له هو الاخر "نضجه" المودع والمدخر في نهاية دورات وتشكلات المجتمعية الازدواجيه، وفي الحالة المقصودة الجاري تناولها، أي حالة ارض الرافدين في الدورة الثالثة الأخيرة من أدوار التصيّر التاريخي، وقت يحصل الانفجار العقلي التصوري الوطن كوني الازدواجي التحولي، وهو ماصار واجبا وقريبا تخيم علائمه على الموضع الرافديني العراقي من هنا فصاعدا، ضمن تشابكات تفاعليه تحفظ دوره الأصل، ومكانه ضمن العملية المجتمعية التاريخيه الانتقالية السائرة الى، مابعد مجتمعية.
في الدورة الحالية الثالثة وبالتحديد ابان الطور الأخير الايديلوجي" الحداثي"، لم يعرف العراق حتى الشكل ماقبل الوطن كوني المفترض والمنتظر مع حلول زمنه واوان تجليه، واذا كانت قد بدت بعض ملامح تذكر بالازدواج، بين بغداد عاصمة الإمبراطورية المنهارة، وتجلياتها الحداثية الفاشلة: ( تجربة إقامة حزب شيوعي في بغداد وفشلها، وكذلك محاولة إقامة حزب البعث في العاصمه/ وهما الحزبان العقائديان الايديلوجيان الأكبر، والأكثر حضورا في تارح العراق، بعد أقامه الدولة من قبل الاحتلال الإنكليزي عام 1921، مقابل الناصرية عاصمة المنتفك، أي سومر الحديثة، وارض ابتداء التشكل الرافديني الحديث بما قد اوجد بالمقاييس الحداثية حالة دولة برانيه، ومايضادها، او بالأحرى الى حالة "دولتين"، احداهما مركبه من خارج النصاب المجتمعي ومقتضيات التشكل التاريخي، والثانيه ركيزتها الاليات التشكلية الحديثة من ارضها وانطلاقا من موضع انبثاقه قبل ثلاثة قرون، بغض النظر عن تطابقهما كصيغ وهياكل ومنطلقات تفكيرية على الواقع الذي نشاءا فيه)(2) فالجدير بعدم النسيان اخذ حالة الانسياق وراء، او التموضع وفقا للممكنات الدولية محليا، خارج الادراك الواعي، وبتناقض مع المحركات الفعليه، على المستويين، الأعلى والاسفل معا،بالاعتبار، ماقد اقتضى حكما، حالة من الفبركة المعممة، والاختلاق الكياني المفهومي، عدا عن الجهد العملي المرتكز لقوة حضور الغرب ونموذجه المباشر ،الاحتلالي، مع حزمة تفكراته ومامثله من قوة افناء وجودي تاريخي، ظلت تهدد البنية الأصل الازدواجيه، وتميز نوع المعركة الدائرة هنا في هذا الموضع مع الغرب وظاهرته، باعتبارها قمة التجلي النهائي الأحادي المجتمعي، السابق على شيوع الاختلالية المنتجية البيئية.
ولاتكتمل الصورة المراد تظهيرها، من دون التعرض لواحدة من اهم واكثر الظواهر الحديثة حضورا واثرا، تلك هي المتصلة بتكريس المنظور الاحادي الغربي تحديدا للالة كمنجز انقلابي نوعي، وبالذات من حيث اثره ودلالته التاريخيه المجتمعية، باعتباره محطة انتقال نحو طور اعلى من اطوار التاريخ البشري، مع ماينطوي عليه من ممكنات آنية ومستقبلية، وهو ماقد شاع وترسخ على مدى اكثر من قرنين مرا على العالم، انغمس خلالهما العقل والجهد البشريان ضمن مايتماشى، او يخضع لممكنات ومنطويات الاله والثورة الراسمالية، في حين لم يكن هنالك مايمكن، او ماقد يتيح لاي منظور مخالف، الفرصة كي يدلي بدلوه، او يعلن عن رايه ووجهة نظره بالاستناد الى ماهو، او مايراه مطابقا للحقيقة المجتمعية والتاريخيه التصيرية، بالذهاب الى الاعلان عن كون الالة بالأحرى، هي وسيلة وقوة التحول التي كانت منتظرة على مر التاريخ المجتمعي، وانها المطلوب كي تتحقق حالة الاختلال البيئي الإنتاجي وتعم المعمورة، فتصير احتمالية "العيش على حافة الفناء" من يومها حالة شمول غالبة على المجتمعات البشرية على مستوى الكوكب، مايحول الالة، من كونها قوة تقدم أحادية، منظور لها من الزاوية الأحادية، الى قوة اكثر "تقدميه" وانطباقا على الغائية المجتمعية، كونها اللحظة والوسيلة التي استنادا اليها تبدا المجتمعات بدخول زمن التحول والانقلاب المنتظر، الى مابعد مجتمعية، والى شكل من المجتمعية الانتقالية الممهدة لاستقلال العقل عن الجسد.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صاحب هذا الراي هو طه باقر اهم المنشغلين بتاريخ مايعرف ب "الحضارة العراقية القديمه" وله كتاب شهير مهم قريب من هذا العنوان هو كتاب "مقدمه في تاريخ الحضارات القديميه".
(2) ليس هذا الشكل الوحيد من اشكال تجلي الازدواجية الراهن الحديث، فمنذ القرن السادس عشر وظهور "اتحاد قبائل المنتفك"، عاد الازدواج واقعا بين شكلين ونمطين مجتمعيين، اعلى يذكر بانهيار الدورة الإمبراطورية الثانيه العباسية القرمطية واستمرار مفاعيله، واسفل يشمل ارض السواد، هو شكل التجلي الثالث المنبعث اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية