الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كما رواه شاهد عيان: تقديم

دلور ميقري

2021 / 2 / 8
الادب والفن


في نحو العام، المختتم به العقد الثاني من نهاية الألفية المنصرمة، اقتنيتُ كتاباً بعنوان " عشرة أعوام في المشرق "، لرحالة فرنسيّ يُدعى الماركيز إلياس ديبوربون، قام بترجمته أستاذٌ في الجامعة الأمريكية ببيروت من أصل دمشقيّ. في ذلك الوقت، كنتُ مهووساً ليسَ بقراءة كتب تاريخية عن الشام، حَسْب، بل وأيضاً بنقل معلوماتٍ مكثفة منها إلى دفترٍ ما لبثَ أن امتلأ؛ لأفتح من ثمّ دفتراً آخر. الدفتران كلاهما، حملتهما معي في حقيبة صغيرة ضمّت كتباً أثيرة على قلبي، وذلك عندما سافرتُ إلى السويد في نفس الفترة الزمنية، المذكورة آنفاً، مروراً بأثينا وأمستردام.
ولكن، ماذا كان وراء اهتمامي بالمصادر، المتعلقة بمدينتي ومسقط رأسي؟ هل كان في نيّتي الاعتماد عليها، لتأليف كتابٍ ما؛ تاريخيّ أو أدبيّ؟ في حقيقة الحال، أنني نفسي لم أكن وقتئذٍ على دراية محددة بهدف جمع تلك الأبحاث، أو كنتُ مشوشاً وحائراً في طريقةٍ أستخدمها بها. إلى أن وقعت عيني في جامعة مدينة أوبسالا السويدية ( أينَ استقر بي المقام )، على مخطوطٍ حملَ عنوان " حاشيَة العامّية "، يعود لأواسط القرن التاسع عشر ومن تأليف مدوّن دمشقيّ. بلغ فيّ الافتتان بالمخطوط، أنني صورته بدلاً عن نقل معلومات منه ـ كما كان دأبي في السابق. عقبَ قيامي بتحقيق الكتاب وتهذيب لغته، توصلتُ إلى نشره، وكنا قد أضحينا في الألفية الجديدة. مصادفة سعيدة، أوصلتني فيما بعد لاقتناء مخطوط جديد، لاحَ كأنما أحداثه كانت مقدّمة لأحداث المخطوط الأول، وبالطبع من تأليف مدوّن آخر. هذا الكتاب الأخير، وصل أيضاً ليد القارئ بعدما قمتُ بتحقيقه ونشره تحت عنوان " مدخل إلى عصر الرعب ".
كتاب " عشرة أعوام في المشرق "، كان في جملة تلك الكتب، التي حملتها معي من دمشق عندما كنتُ في طريق الهجرة إلى السويد، وذلك في ربيع عام 1988. مؤخراً، عدتُ لقراءة الكتاب، مدفوعاً هذه المرة بمواصلة مشروعي في نشر المخطوطات، المتعلقة بتاريخ الشام. عندئذٍ، انتبهتُ إلى أنّ ذلك الكتاب الذي يتحدث عن فترة زمنية معيّنة، يتضمّنُ إشارةً من المحقق عن إحتمال وجود مخطوط آخر للمؤلف، آثرَ كتابته باللغة العربية؛ وكان يُجيدها قبل حضوره إلى الولاية السورية في العقد الأخير من القرن الثامن عشر. كون مكتبة جامعة أوبسالا، تحتوي على كنز كبير من المخطوطات العربية، لم يكن مني إلا التدقيق من جديد في أرشيفها علّني أوفق بالاهتداء إلى المدوّنة المذكورة. عقبَ بحثٍ وتدقيق، تيقنتُ من أن المخطوطة غير موجودة. بنصيحة من أستاذ جامعيّ سوريّ، ربطتني به صداقة، عمدتُ إلى وضع اسم المخطوط المطلوب في كمبيوتر المكتبة، لكي يكشف ما لو كان مقتنىً في مكتبة ما حول العالم. وليتصوّر القارئ مدى خيبتي، وفرحتي في آنٍ معاً، لما حصلتُ على معلومةٍ تفيد بوجود المخطوط في مكتبة الأرشيف العثماني بأسطنبول، وكان تحت عنوان " شاهد عيان على أحداث دمشق ولبنان ". كون كلا الجامعتين، السويدية والتركية، على صلة وثيقة، فلم أعدم وسيلةً لحصولي على نسخة ميكروفيلم من المخطوط دونَ أن أتجشّم عناءَ السفر إلى عاصمة سلاطين بني عثمان.
مثلما كان المأمولُ، فإنّ مخطوط الماركيز إلياس ديبوربون يُغطّي فترة إقامته في دمشق، وذلك في العقد الأخير من القرن الثامن عشر ـ كما سبقت إليه الإشارة. لكنه سجلٌّ دُوّنَ بشكل تفصيليّ لم يفعله الرجلُ في كتابه الآخر، الذي كان بمثابة مؤلَّفٍ في أدب الرحلات أكثر منه مؤلَّفاً تاريخياً. لحُسن الحظ، فوق ذلك، أن المخطوطَ كُتبَ بخط كبير وواضح دونَ أن يتأثّر بملاحظات وحواشٍ، مسجّلة باليد من قبل دارسٍ ما في زمنٍ أحدث ولا شك. كون المؤلّف أجنبياً، لم يخلُ عمله من أخطاء إملائية ونحوية، عمدتُ إلى تصحيحها علاوة على إسباغ أسلوبي على لغة الكتاب بشكل عام. كذلك أعطيتُ لنفسي الحق في تغيير اسم الكتاب؛ وكما يُلاحظ، كان الاسم الأصليّ على طريقة كتابة العناوين بطريقة السَّجع، المألوفة حتى مستهل القرن العشرين.
أخيراً، أضعُ مخطوطَ الماركيز الفرنسيّ بين أيدي قراء لغة الضاد، والتي شغفَ بها الرجلُ حدّ تفضيلها عندما أراد كتابة ما شهده من أحداث في نهاية القرن الثامن عشر. إلى ذلك، عرّفَ المدوّنُ بنفسه القارئَ على سيرته الشخصية صمن مخطوطه؛ هوَ من توفيَ في منفاه بالبندقية في إيطاليا، عام 1824، وكان قد أضحى شيخاً مسنّاً.

* الكتاب الثالث من العمل الروائيّ، " الأولى والآخرة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن