الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائيون والشهرة

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2021 / 2 / 8
الادب والفن


قديماً قال هيرقليطس: " هناك شيء واحد يؤثره الأفضلون على كل ما عداه وهو الشهرة الخالدة على الأمور العابرة. ومعروفة أسطورة " جلجامش " وسعية من أجل المجد والشهرة، فهو كان يمكن ثلثي صفات الآلهة وثلث صفات البشر، ولكن بعد موت صديقه أنكيدو، واكتشافه أنه غير خالد، يسعى خلف نبتة الخلود حتى يكتسب كامل صفات الآلهة. ولكنه يفشل في الحصول على نبتة الخلود، تسرقها الأفعى منه وهو يستحم في نبع الشباب، ويكتشف في نفسه الظلم الذي كان يمارسه على شعب أوروك، وإنه كان ملكاً يبطش بشعبه، ويقرر أن يسلك طريقاً آخر، أن يخدم شعب أوروك ويمنح رعاياه حياة كريمة، بل أنه كان يفكر أن يزرع نبتة الخلود من أجل شبيبة أوروك، فهذا ما سوف يخلد اسمه ويمنحه الخلود.
وحديثاً يتساءل إريك فروم في كتابه " الهروب من الحرية ": لماذا تحدث بعض التغيرات المحدودة في طبع الإنسان من عهد إلى آخر؟ بحيث نجد، كما يقول: إنه منذ عصر النهضة حتى يومنا هذا، قد امتلأ الناس بطموح ناري في الشهرة، بينما تبدو هذه المجاهدة اليوم طبيعية جداً كانت ضئيلة الوجود عند إنسان المجتمع القروسطي. ويرى أن للشهرة قيمة إيجابية، وهكذا فإن اشتهاء الشهرة والنجاح والدافع إلى العمل قوتان لولاهما لما أمكن للرأسمالية الحديثة أن تنمو، ولو هاتان القوتان والعدد الآخر من القوى الإنسانية لأعوز الإنسان الحافز على العمل وفقاً للمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية في النظام التجاري والصناعي الحديث. ويتابع في مكان آخر من كتابه: أن الصفة المميزة للفرد في عصر النهضة، ولم تكن موجودة، على الأقل بالشدة نفسها، عند عضو البنية الاجتماعية الفروسطية: الاشتهاء الانفعالي الشديد للشهرة. وإذا صار معنى الحياة مشكوكاً فيه، وإذا لم توفر علاقة المرء بالآخرين وبنفسه الأمن له، فإن الشهرة هي إحدى الوسائل لإسكات شكوكه. فهي ترفع حياة المرء الفردية من محدودياتها وعدم استقرارها إلى مستوى عدم الفناء، وإذا كان اسم المرء معروفاً من معاصريه وإذا كان يأمل ان يدوم قروناً، كان عندئذ للحياة معنى وأهمية بهذا الانعكاس له في أحكام الآخرين. ومن المعروف أن شكسبير بعد أن حقق مكاسب مادية من المسرح عمد إلى شراء شعار النبالة لأسرته، وهكذا أصبح من السادة، رغم أن شهرته لم يحظ بها من النبالة بل من الأدب، مثل بلزاك.
ويقول بوركهات في كتابه " حضارة عصر النهضة في إيطاليا ": إن التطور الجواني للفرد قابله نوع جديد من التميز البراني، هو الشكل الحديث للمجد. ويقول عن دانتي إنه كان يطمح لاكتساب إكليل غار الشعر، بكل ما في روحه من قوة. ويسجل دانتي في " الكوميديا الإلهية " في " الجحيم " أن الضائعين المفقودين توسلوا إليه أن يحتفظ لهم بذكراهم وشهرتهم في الأرض حية. ويحكي أن مصرع الدوق أليساندرو الفلورنسي ينسبه مارتي إلى التعطش للشهرة الذي كان يعذب القاتل، وهو لورنزينو دي مديتشي. وبعد التشهير بلورنزينو أخذ يفكر في إيتان عمل ينسي الناس ما حاق به من مهانة، وينتهي به المطاف بقتل قريبه وأميره. ويذكر بوركهارت بحادثة معبد ديانا في إفيسوس في عهد فيليب المقدوني. ويقول التاريخ في حرق معبد ديانا أن هيروستراتوس هو الذي أشعل النار في معبد ديانا لكي يخلد اسمه. وذكر المؤرخ فاليريوس ماكسيموس " هنا الرغبة في المجد التي تنطوي على تدنيس المقدسات. وقد تم العثور على رجل في التخطيط لحرق معبد أفسس ديانا بحيث إنه من خلال تدمير هذا المبنى الأكثر جمالاً قد ينتشر اسمه في أنحاء العالم " وقد اعترف هيروستراتوس إنه أحرق المعبد من أجل الشهرة الشخصية. وفي الجهة الأخرى، يحكى عن الفيلسوف ديوجين أنه لم يكن يطلب المجد والشهرة، وعندما سعى الاسكندر الأعظم للقاء الفيلسوف، وجده يجلس تحت شجرة: ثيابه ممزقة، ولا يملك شيئاً من المال. وسأل القائد الفيلسوف: إذا كان بإمكانه أن يفعل أي شيء لمساعدته. أجاب الفيلسوف: أجل، يمكنك أن تبتعد قليلاً، فأنت تحجب الشمس عني.
ويمكن القول إن في كل الطغاة الذين تتالوا عبر التاريخ شيء من هيرستوراتوس، مثل نيرون الذي أحرق روما، وغيره كثير من الذين أحرقوا شعوبهم وبلادهم. ولكن، يمكن القول إن الإنسان يقوم في حياته بصراع بطولي، والبطولة فعل شخصي، من أجل أن يتجاوز العوائق الداخلية التي تعيق طموحاته، وهي من جهة تتعلق بشخصه ومن جهة أخرى العوائق الخارجية التي تتعلق بالمجتمع المدني والمجتمع السياسي، التي تعمل على قمع تحقيق ذاته الشخصية والاجتماعية. وهناك أشخاص يصنعون حياتهم بالقوة، إنهم لا يتركون لنهر الحياة أن يجرفهم في طريقه لأنهم لا يعرفون نهاية ذلك الطريق، إنهم يقاومون ويعملون لتحقيق ذاتهم بالقوة عبر تحقيقهم للشهرة لأسباب ذاتية _ النرجسية أو الموضوعية _ طموح اجتماعي يفرضه العصر، ولنتذكر ماذا فعل نابليون _ من ضابط عادي يصبح روح العالم، وكم من الشخصيات الشابة تأثرت به وعملت على تحقيق طموحاتها كما فعل نابليون، حتى أصبحت تلك الشخصية الطموحة هي محور أدب بلزاك وستندال وديستويفسكي وبيرون وكتاب آخرين. وهناك أشخاص يجرفهم نهر الحياة في طريقه بحيث يشغلهم في الركض في حياتهم لتحقيق ذاتهم بالفعل، ويحققون ذاتهم الإبداعية دون اهتمام بالشهرة، كل اهتمامهم يتمحور حول تحقيق الذات التي تغرق في دوامة الهموم الشخصية والهموم الاجتماعية المحبطة لتلك الشخصيات، والتي لا يتحقق الاعتراف بعبقريتها وجدارتها بالشهرة إلا بعد زمن متأخر.
وقضية الشهرة تحرك الكثير من الناس، لكني لن أتكلم إلا عن الشهرة التي سعت إلى بعض الكتاب عن جدارة أدبية، وبعض الكتاب الذين سعوا إلى الشهرة رغم جدارتهم الأدبية مع العلم أن كثيراً من الكتاب والفنانين جاءتهم الشهرة في زمن غير زمنهم رغم يأسهم من زمنهم. وعلى كل حال فإن الإنسان، على رأي تشي غيفارا حيث يقول: " إنك لست بحاجة إلى شخص يكمل نقصك، أنت بحاجة إلى طموح وشغف يدفعك للحياة، بحاجة لشيء لا تجده إلا في نفسك ". ولكن هذه النفس كثيراً ما تكون بعيدة عن الاعتدال، وكما يقول زفايج عن كلايست " فما يكاد يشرع في العمل الأول، وما يكاد يجرؤ على أن يحس بنفسه مصوراً وأديباً، حتى يريد على الفور أن يكون الأديب الأكبر والأروع والأكثر رسوخاً في كل العصور ".
من الكتاب الأجانب:
تولستوي:
يذكر برديائيف في مذكراته " ومهما يكن من أمر فإنني لم أسع قط للشهرة وذيوع الصيت، وهما أمران كانا يجذبان تولستوي وبطله الأمير أندريه فولكونسكي ". وتولستوي عاش حياتين، يقول عنهما زفايج " لقد عاش تولستوي ثلاثين عاماً، من العشرين حتى الخمسين وهو يبدع، طليقاً لا هم له، ثم يعيش ثلاثين عاماً، من الخمسين إلى النهاية، لا شيء سوى معنى الحياة ومعرفتها ". وتولستوي في المرحلة الأولى كان يحقق إرادته، وفي المرحلة الثانية كان يحقق إرادة الرب. والصراع بين الإرادتين كان يتفاعل كصراع عنيف داخل تولستوي، ويعبر عن ذلك الصراع من خلال قصة " الأب سيرجيوس " حيث يظهر فيها على لسان بطله مأساته الخاصة " كان يحس في أعماق نفسه، أن الشيطان كان قد استبدل بعمله من أجل الرب عملاً آخر، لا يقصد إلا الشهرة بين الناس.. وكان يشعر أن الزوار يثقلون عليه، ويكلفونه جهداً، ومع ذلك فقد كان في أعمق أعماق يستمع بهم، وتسره المدائح التي يغدقونها عليه.. ولكن ألم تكن توجد على الأقل نية مخلصة لخدمة الرب؟ أجل، لقد كانت موجودة، ولكن كل شيء ملوث تغشيه الشهرة المتنامية، ليس هناك رب لمن عاش مثلي على هذا النحو، من أجل الشهرة أمام الناس ". وعندما أراد تولستوي أن يهرب من المجتمع ويخلو إلى نفسه كانت الشهرة بانتظاره مثل القدر وحرمته من أن يكون ذاته تبعاً لإرادته الخاصة.
بلزاك:
أما بلزاك فقد كانت الشهرة هي التي تقوده في الحياة والأدب، لقد كان يريد أن يكون نابليون الأدب، ورغبته في الشهرة دفعته إلى إضافة " دي " لقب النبالة إلى اسمه، رغم أنه لم يكن من عائلة نبيلة، فقد كان والده من طبقة الفلاحين، لكنه طموح العظمة. وفي البداية حاول بلزاك أن يحقق الثروة عبر مشاريع زراعية وتجارية، كتب يقول " سوف أكون لنفسي ثروة عاجلاً أو آجلاً، بصفتي كاتباً، ومن السياسة، أم عن طريق الصحافة، أمعن طريق الزواج، أم أي ضربة كبيرة في مجال الأعمال التجارية " لكن كان الفشل يصيب كل أعماله التجارية: بالكتب والصور وبأسهم الخطوط الحديدية والأراضي، حتى أنه غرق في الديون. وهكذا أصبح بلزاك، مثل ديستويفسكي الذي كان غارقاً في الديون هو الآخر، يكتب بدافع الحاجة إلى المال. وفي النهاية قرر بلزاك أن يغزو باريس، وكتب " باريس عند قدمي، والتي أريد أن أغزوها " كما غزا نابليون باريس، فقد كان يضع الشهرة نصب عينيه، وأراد حتى أن يغزو العالم بموهبته الأدبية، وكتب " هناك رسالات يشعر المرء أنه مندوب لإدائها، ولا بد أن يستجيب لها، وهناك قوة لا تقاوم تدفع بي قدماً إلى الأمام، نحو المجد والسلطان ". وكما يقول زفايج: وهذا الغزو للعالم في الكوميديا الإنسانية، وهذا الإمساك بكل الحياة المكثفة بين يدين اثنين، عمل فريد في أدب العصر الحديث، كما كان نابليون فذ في التاريخ الحديث. ولكن غزو العالم كان حلم الطفولة عند بلزاك، وكتب زفايج " ولم يكن لدى الفتى بلزاك سوى إرادة الصعود والارتقاء، إرادة القوة "، وليس ثمة شيء أكثر جبروتاً من التصميم المبكر الذي يغدو واقعاً. وهناك من يقول إن بلزاك كان يسعى إلى الشهرة حتى يثبت لوالدته إنه أفضل من أخيه الصغير غير الشرعي الذي كانت تحبه أكثر من بلزاك، حتى أنها أهملت بلزاك من أجله وكتب عنها في رسالة " وهي تكرهني لأسباب كثيرة، تكرهني قبل أن أولد.. أمي علة كل الشرور في حياتي ". ولقد كان بلزاك في موكب من مواكب نابليون، وكان فتى، وانطبعت صورة فاتح العالم في قلبه، ولا بد أنه تمنى أن يكون هو الآخر فاتحاً للعالم مثل نابليون، وهكذا عمل بكل قوته في حياته الأدبية ليصبح " سكرتير التاريخ "، ولم يكن من قبيل العبث أنه كان قد كتب تحت تمثال نابليون " ما لم تستطع أن تحققه بالسيف سوف أحققه بالقلم ".
دويستويفسكي:
أعتقد أن دويستويفسكي، ككاتب لم يسع إلى الشهرة، فقد كان كما يقول زفايج: لم يعرف عن قصده قط بصورة أخرى غير صورة العمل الفني المكتمل، فهو كان يميل إلى الصمت ويتسم بالخجل والتحفظ طوال حياة بأسرها.. فمصير دويستويفسكي مصير مطبوع بطابع العهد القديم من الكتاب المقدس، إنه مصير بطولي وليس فيه شيء من العصر الحديث والحياة المدنية العادية. أما الأصدقاء فلم يكن له أحد منهم إلا حين كان فتى، أما دويستويفسكي الرجل فقد كان وحيداً، وبسبب محنة مالية، ومن أجل بضعة بضعة روبلات يذهب إلى الجيش وهناك أيضاً لا يجد صديقاً. وقد كان يكتب بدافع الحاجة إلى المال الذي كان يريده من أجل المقامرة والشراب. لقد كان يقامر بمصيره، ولم يكن سيد مصيره بل عبداً له، فقد كان ضيفاً دائماً في مكتب الرهون، وحطمت لعبة الروليت حياته، ولذلك عاش حياة الفقر والتشرد والسجن في روسيا وفي أوروبا المنفى: وإنه لمن الأمور الرهيبة أن يتصور المرء بفكره كيف كان أكبر أديب روسي، وعبقري جيله، ورسول اللانهاية، يهيمن على وجهه في أوروبا لا يملك شروى نقير، مشرداً لا وجهة له. وعندما يقول له بيلنسكي بعد قراءته رواية " الفقراء ": " ترى هل تدرك أنت نفسك ما أبدعت هنا "، يسيطر الخوف على دويستويفسكي، إنه رعدة حلوة أمام هذا المجد المفاجئ، ويشعر وكأنه في حلم، ولا يجرؤ على التصديق، وبدل أن تتغير حياته نحو الأفضل، يغرق أكثر في مأساة حياته بعد أن يلقى القبض عليه على خلفية مؤامرة بيتراشيفسكي، وتنزل بحقه أقصى العقوبات. لقد عاش دويستويفسكي الحياة كما عاشها أبطال رواياته _ حياة على حافة الهاوية، حياة الحد الأقصى من الحياة، ولكنه الحد المأساوي من الحياة، ولذلك استطاع أن يحيط بكل ما هو إنساني في تلك الحياة ومن هنا عظمته ككاتب، ومن هنا جاءته الشهرة.

من الكتاب العرب:
نجيب محفوظ:
أعتقد أن نجيب محفوظ لم يسع إلى الشهرة، وفي حوار معه يقول: لو جاء المال والشهرة فأهلاً بهما وسهلاً، ولكنهما لم يكونا قط هدفي "، وفي ذات الحوار يقول " لم أذهب في حياتي إلى مكة ولا أريد الذهاب لأنني أكره الزحام ". فهو يرى أن الحزن كالوباء يجلب العزلة، وحتى عندما أتت الشهرة إليه عبر جائزة نوبل رفض أن يذهب لاستلامها، ولم تجعله الجائزة يغير برنامجه اليومي، وهو الذي قال إنه كان يتوقع أشياء كثيرة في الحياة ليس بينها جائزة نوبل. ونجيب محفوظ لم يغادر مصر في حياته سوى مرة واحدة إلى اليمن، واعتذر عن دعوات السفر إلى الخارج والترويج لأعماله، وعاش حياة عادية من البيت إلى الوظيفة ما عدا جلسة المقهى اليومية وسهرة الحرافيش الأسبوعية. وبعد تعرضه لحادثة الاغتيال اضطر للعيش العزلة القسرية بعد أن كانت عزلته اختيارية، وصعبت علية الكتابة والقراءة، فكان بعض الأدباء، مثل جمال الغيطاني ويوسف القعيد وآخرين، يزورونه ويقرؤون له. ولكنه رغم تلك العزلة صنع عالمه الأدبي بجبروت بلزاك، وكما غزا بلزاك فرنسا والعالم عن طريق الأدب، فقد غزا نجيب محفوظ مصر والعالم العربي والعالم أدبياً هو الآخر.
حيدر حيدر:
كما أن الروائي حيدر حيدر هو الآخر من الكتاب الذين لم يركضوا خلف الشهرة، وهو الروائي الإشكالي الذي وجد نفسه دائماً يعيش تلك الأزمنة الموحشة التي كتب عنها، فقد وجد نفسه في معركة تكفير عاتية بعد نشر طبعة جديدة من روايته " وليمة لأعشاب البحر " في مصر رغم أنها نشرت بطبعة خاصة على نفقة المؤلف عام 1984، وقامت القيامة عليه. ورغم أنه عاش أيضاً في قلب العواصف السياسية وحتى الحروب الأهلية بعد هجرته من سوريا في بيروت والجزائر وقبرص. ولكنه، في النهاية، لم يجد نفسه بعيداً عن البحر، وعاد إلى قريته حصين البحر لا يملك غير بضعة نسخ من الطبعة الأولى لروايته " وليمة لأعشاب البحر "، وفضل العيش قرب البحر في عزلة في بيت صغير في وطى حصين البحر، يصطاد السمك والكتب، يقرأ ويؤلف، ولم يهجر عزلته بعد وجود دار النشر التي يملكها ابنه ويعمل بها كمستشار أدبي. ويقول حيدر حيدر في حوار مع سامر محمد إسماعيل _ موقع اندبندنت عربية: الإنسان الواحد لا يكون اثنين إلا إذا تحول إلى شخص انتهازي لا تعنيه إلا الامتيازات والرواتب.. لست من هؤلاء على الاطلاق. أعيش على راتبي التقاعدي من التعليم، وحقوق كتبي من دور النشر، وأزرع الأرض أمام البيت وأعيش منها أنا وعائلتي.. أنا صياد بطبيعتي.. فبعد عودتي من المنفى عشت عشرين عاماً أصيد سمكاً في جزيرة النمل قبالة شاطئ طرطوس.
يوسف ادريس:
وأما الكاتب العربي الذي كان يسعى إلى الشهرة فهو يوسف ادريس، وقد قال للكاتب سليمان فياض، حسب مقالته التي نشرت بعنوان " نرجس والصدى " في جريدة أخبار الأدب العدد 829 / 2009 " تصور، كل يوم، أقلب الجرائد كلها فإذا لم أجد بها خبراً عني أبكي، أبكي حقا ً". وقال أيضاً " إذا أردتم أن تنجح مجلة إبداع ويزيد عدد قرائها أصدروا عدداً خاصاً عني ككاتب كبير ". وهذا لا ينقص من قيمة يوسف ادريس الأدبية فهو من أهم مبدعي القصة العربية القصيرة المعاصرة.
ويصفه إيمان يحي في روايته " الزوجة المكسيكية ": كان يحي _ يوسف إدريس _ خارج نطاق التحكم، أي تحكم! يبدو مستأنساً في بعض الأحيان، لكنه سرعان ما يكسر قضبان القفص ليخرج منه في لحظات غير متوقعة بالمرة. يقترب من السلطة ويظهر في الصفوف الأولى كطاووس منفوش الريش، ثم نجده يبتعد عنها ونجده في مقدمة المعارضين كفارس مشاكس، يبحث دائماً عن الأضواء، ويطرب لسماع اعتراف الآخرين بعبقريته.
هؤلاء الكتاب الكبار عانوا العذاب حتى أبدعوا عوالمهم الأدبية التي خلدتهم، رغم أن كثيراً منهم لم ينل الشهرة في زمنه رغم إيمانه أن الشهرة سوف تأتي في المستقبل (حالة ستندال). لكن هناك كثيراً من الأدباء الشباب العرب من لا يكدحون من أجل بناء عوالم أدبية تبنى حجراً حجراً تصنع شهرتهم، بل يسعون إلى الشهرة السريعة عن طريق كتابة أعمال أدبية تتناول ما دعاه بو علي ياسين " الثالوث المقدس: الجنس، الصراع الطبقي _ السياسة، الدين ". ولأن الدين والسياسة فوق التناول في المجتمع العربي، فقد أخذ هؤلاء الكتاب الشباب يحفرون في جسد الثالوث الثالث، الجنس، حتى أصبح الجنس هو بطل الرواية العربية الجديدة، مثل روايات: برهان العسل، اسمه الغرام، وأصل الهوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا