الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إميل دوركايم (1858 - 1917)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 2 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




" فيلسوف اجتماعي فرنسي ومن كبار مؤسسي علم الاجتماع في فرنسا، ولد من أسرة يهودية، ضمت كثيراً من الأحبار الربانيين، درس الفلسفة والنظرية السياسية في باريس، وعلم أصول التعليم والعلم الاجتماعي في جامعة بوردو، وصار، في ما بعد، أستاذاً في جامعة السوربون([1])، وقد اعتبر أن مهمته تتمثل في إطلاق علم جديد للمجتمع هو السوسيولوجيا.

نظرية دوركايم الاجتماعية ومنهجه([2]) :
تقوم نظرية دوركايم الاجتماعية على رفض فكرة أن "الفرد" هو الوحدة الأولية للمجتمع، وتؤكد بأن المجتمع سابق في وجوده على الفرد (أي ان وعى الأفراد بوجودهم وخصائصهم نابع من الجماعة وخصائصها) وعلى ذلك فقد رفض دوركايم فكرة أن العوامل الاجتماعية الجماعية يمكن أن تكون – أو أن تفسرها- عوامل نفسية (أي فردية).

"كانت فكرة دوركهايم الأساسية تفيد أن المجتمع يقوم على القوى التي تربط الناس ببعضهم، فعندما يضعف التماسك الاجتماعي يمرض المجتمع، لذا علينا ان نجد العلاج الصحيح لاستعادة ذلك التماسك الاجتماعي الحيوي، فالسوسيولوجيا عند دوركهايم هي علم ذلك التماسك، أي: أساسه، وكيف يضعف، وكيف يمكن تقويته، وقد اعتقد دوركهايم أن فرنسا في زمنه كانت مجتمعاً ضعيف التماسك، أي إنها كانت مجتمعاً مريضاً"([3]).

في كتابه الهام: الأشكال الأولية للحياة الدينية (1912) ميز دوركايم بين ما هو "مقدس" وما هو دنيوى وقال أن "الضمير الجماعي" ينتج أساساً من امتزاج ما هو مقدس بما هو دنيوي لأداء الوظيفة الاجتماعية المحددة لكل منهما.

"هاجم دوركايم فكرة مونتسيكو عن أن المجتمع يتكون نتيجة "تعاقد" أو : "عقد اجتماعي افتراضي "بين الأفراد، وقال إن شروط هذا العقد كامنة في نسيج سياق أوسع بكثير يتشكل من: "المفاهيم والتصورات الأخلاقية" تؤدي إلى : "التضامن الاجتماعي"([4]).

رأى (دوركايم) أن النظام الاجتماعي، في المجتمعات الأوروبية، وقد قَلَبَته التغييرات الاقتصادية رأساً على عقب، لا يستطيع بعد أن يقوم بدور تنظيمي، مما أدى إلى ما نراه من فوضى في هذه المجتمعات، وهذه الفوضى أو عدم وجود قانون يحكم المجتمع هي السبب في أنواع النزاع الدائم المتجدد ومختلف أنواع الاضطرابات الناجمة عن التغيرات الاقتصادية، وفكرة انعدام القانون هذه هي مفتاح الأبحاث الأولى التي قام بها دوركايم"([5]).

وعند دوركايم "أن كل مجتمع يقوم على الأفكار الجماعية المتفق عليها إتفاقاً مشتركاً، ويعني العلم بالوقائع الاجتماعية والأفكار الجماعية (القانون والأخلاقيات، والدين والعاطفة، والعادة، إلخ) التي تفرضها البيئة الاجتماعية على الوعي الإنساني.

كان دوركايم يعزو التطور الاجتماعي إلى ثلاثة عوامل: "كثافة السكان، وتطور وسائل المواصلات، والوعي الاجتماعي، كما كان يعتبر الدين عاملاً هاماً في حياة المجتمع، وأن الدين – إذ يغير أشكاله طبقاً لمرحلة التطور التي بلغها المجتمع – سيبقى ما بقي الإنسان، لأن المجتمع قد أله في الدين ذاته، لكن دوركهايم تبنى وجهة نظر لا أدرية (Agnostic) في المسائل الدينية. اما في سياق تحديده للمنهج الذي ينبغي اتباعه، فإن دوركايم في تحديده أو تعريفه لماهية الواقعة الاجتماعية يقول: "تتعرف الواقعة الاجتماعية في قدرتها على ممارسة ضغط خارجي، أو إمكان قيامها بهذا الضغط على الأفراد" وبعد هذا التعريف يقرر ما يلي: "الواقعة الاجتماعية لا يمكن أن تفسّر إلا بواقعة اجتماعية أخرى"، وهذا معناه أنه لا يجوز ردّ الظواهر الاجتماعية إلى وقائع اقتصادية والى أسباب أخرى جزئية، بل يجب تفسيرها على مستوى نسيج الحياة الجماعية"([6]).

قواعد منهج (دوركايم) في علم الاجتماع:

القاعدة الأولى: استبعاد كل الأفكار السابقة بطريقة تنظيمية، والتخلص من كل البيانات الزائفة التي تسيطر على عقول العامة، وإزاحة نير المقولات التجريبية التي تصير طاغية مستبدة على العقل من طول الألفة والاعتياد.

والقاعدة الثانية: الوقائع الاجتماعية تكون أكثر قابلية للامتثال موضوعياً بقدر ما تكون خالصة تماماً من الوقائع الفردية التي تكشف عنها.

والقاعدة الثالثة: حين يقوم الباحث في علم الاجتماع باستكشاف مجموع معين من الوقائع الاجتماعية فيجب عليه أن ينظر فيها من الجانب الذي تتمثل فيه منعزلة عن تجلياتها الفردية.

ولذلك أكد دوركايم على أهمية تقسيم العمل بما يُمكن المجتمع من أن يصير منسجماً من جديد، فمثل هذا التزايد في تقسيم العمل يؤدي إلى الاختصاص وإلى ظاهرة التفرد.

رأى دوركهايم"أن تقوية معايير الحياة الاقتصادية – الاجتماعية الضرورية للتغلب على ظاهرة انعدام القوانين والمعايير، لا تحدث بالأخلاق، أو بسلطة الدولة، هكذا وببساطة. فلا بد من وجود مؤسسات داخل الدولة تنظم الاقتصاد بطريقة متناغمة. وهنا تدخل مسألة الشركات في الصورة. لقد أراد دوركهايم دولة نقابية واسعة، أي دولة تنظم فيها المنظمات النقابية الاقتصادية بكفاءة وبثقة"([7]).

ومثله مثل هيجل، وضع دوركهايم نوعاً من الجواب "الديمقراطي الاجتماعي"، أي إنه عارض التوسع غير المقيد للمذهب الليبرالي المحض والنظرية الماركسية المتعلقة بالتغيرات الجذرية الثورية. وكانت مناقشة دوركهايم موجهة، بمقدار كبير، ضد ما هو مشترك في الليبرالية والاشتراكية والماركسية، أي ضد إرثها السياسي المشترك الذي جاءها من عصر التنوير، أي: أفكار التطور والتحرر والتقدم.

هذه "الأفكار، التي أكدها بقوة منظرون آخرون، حسبها دوركهايم ميولاً خطرة نحو الانحلال. يجب أن يكون المجتمع مستقراً لا ساكناً أو ثابتاً لا يتغير، وشكك دوركهايم بتصورات مثل التطور والتقدم، أي: عندما يطبق مثل هذه المصطلحات على جميع أنواع التغير فإنها تصف، وتحديداً تصف، الانعدام القانوني المدمر بطريقة غير مؤذية. وبرأي دوركهايم علينا أن لا نعمل على "تحرير" أنفسنا من كل شيء، وإنما علينا أن نحاول تحقيق التماسك الاجتماعي الذي هو الشرط الأول لاستقرارنا الاجتماعي وسعادتنا، ومما لا شك فيه أن دوركهايم كان من منظري الانسجام، بينما كان ماركس من منظري الصراع (أي في التاريخ الذي يسبق نشوء المجتمع اللاطبقي الشيوعي)، وبالتالي فمن الوجهة التاريخية ترجع أفكار دوركهايم إلى النظرية السياسية السابقة لعصر النهضة، مثلاً، إلى النظريات السياسية عند أفلاطون وأرسطو اللذين أكدا التوحيد والاستقرار"([8]) .

مؤلفاته الرئيسية([9]):

- حول تقسيم العمل الاجتماعي (1893).

- قواعد المنهج في علم الاجتماع (1895).

- الأشكال الأولية للحياة الدينية (1912).

- البرجماتية وعلم الاجتماع، التربيه وعلم الاجتماع.




([1]) أشرف على رسالة الدكتوراه التي أعدها عميد الأدب العربي طه حسين.

([2]) عبد الرحمن بدوي - موسوعة الفلسفة: الجزء الأول - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - الطبعة الأولى 1984 صفحة 481 وما بعدها.

([3]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – تاريخ الفكر الغربي .. من اليونان القديمة إلى القرن العشرين – ترجمة: د.حيدر حاج إسماعيل – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى ، بيروت، نيسان (ابريل) 2012- ص 820 - 821

([4]) سامى خشبة – مفكرون من عصرنا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 2008 - ص 386 - 387

([5])د.عبد الرحمن بدوي- موسوعة الفلسفة: الجزء الأول- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- الطبعة الأولى 1984 - صفحة 481 وما بعدها.

([6])م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية –دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 201

([7])غنارسكيربك و نلز غيلجي– مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 823

([8]) المرجع نفسه - ص 823

([9])م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية – دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 201








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في