الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل كلمة -كلب- تنبح ؟
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
2021 / 2 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم
١٤ - هل كلمة "كلب" تنبح ؟
في بعض لحظات التعب والإرهاق اليومي من العمل ومن العلاقات البشرية الروتينية، قد يتسائل عقل أو وعي لإنسان لم يتراخى عقله ولم يترك عادة التفكير مثلما تساءل سبينوزا "هل كلمة كلب تنبح ؟" بطبيعة الحال السؤال يبدو غريبا لأول وهلة ثم مضحكا ولا نستطيع إلا أن نجيب بالنفي بدون تردد. ذلك أن "النباح" هو فعل حقيقي ينتج صوتا حقيقيا تمارسه الكلاب والحيوانات من نفس الفصيلة، وأحيانا يطلق مجازا على بعض الفصائل من البشر كالصحفي والشاعر والكاتب والسياسي والمثقف وغيرهم، الذين أطلق عليهم بول نيزان Paul Nizan إسم كلاب الحراسة Chiens de garde، والذين يمارسون النباح في كل هذه المهن أو الوظائف من أجل قول شيء ما أو إخفاءه. الكلمة لا تستطيع أن تنبح، لأن "كلمة" كلب ليست كلبا، كما أن "كلمة" خبز لا تشبع الجائع لأنها غير قابلة للأكل، و"كلمة" دولار لن تشتري لك ولو عود كبريت. وهذه الإستحالة المنطقية الأولية تنطبق بطبيعة الحال على كل ما نسميه بالفن والأعمال الفنية أو المجال الجمالي عموما، وبالذات المجال التصويري والفنون البصرية بصفة أكثر تحديدا. فـ "صورة" الكلب لا تنبح، كما أن "صورة" الخروف المشوي لن تشبع الجائع ولن تعطيه حتى رائحة الشواء. العمل الفني لغويا كان أو بلاستيكيا لا يستطيع أن يأثر ماديا أو يغير واقعية الأشياء، لأن المجال الفني يتعلق بـ "الخيال والمخيلة" وليس بالواقع أو الإدراك. العمل الفني لا يستطيع سوى أن يثير الخيال، أو يوجه الفكر نحو زوايا معينة من الواقع، ولكن فعاليته تتركز في إثارة الأحاسيس والعواطف ويجعلنا "نعيش" - بطريقة إفتراضية - مواقف إصطناعية لفترة محدودة ثم نستيقظ ونعود إلى وعينا العادي - أي الإدراك الحسي - والإهتمام بالأمور العادية الأكثر إلحاحا والأكثر نباحا، فننظر إلى الساعة ونقيم وضعنا بالنسبة للجدول والبرنامج اليومي العام. غير أن هذا لا يعني أن الكلمات والصور والأصوات لا أهمية لها في حياتنا الواقعية، أو أنها غير قادرة على "الإيحاء" وخلق حالات وأجواء نفسية لها أهميتها في حياتنا الفكرية والعملية، غير أن هذا التأثير غالبا ما يكون ناتجا عن "التفكير" لاحقا في التجربة الجمالية المعاشة في تأمل العمل الفني، لوحة أم مسرحية أو فيلم سينيمائي أو قصيدة شعرية. فنحن لا نستطيع أن نشاهد فيلما أو مسرحية ونحللها فكريا في نفس الوقت. "كلمة" كلب لا يمكن أن تنبح، بمعنى أنها لا يمكن أن تصدر الصوت الذي نسميه نباحا لأن الكلمة ليست كلبا. ولكن عندما نقول "هناك أمام باب البيت كلب ينبح"، فإن الجملة تفيد بأن كلمة "كلب" أصبحت تشير إلى كلب حقيقي أمام الباب يمارس عادته في النباح كلما مر أحد لا يعرفه أمام البيت الذي يحرسه. يبدو أن المشكلة تتعقد تدريجيا، ففي البداية وضعنا كلمة "كلمة" أمام كلمة "كلب" لنجعل الكلب مجرد كلمة نخطها على الورق أو ننطقها في الفراغ، وفي الجملة الثانية تحولت "كلمة" كلب إلى كلب حقيقي ينبح.. فبأي معجزة تم هذا التحول؟
وفي بعض الحالات الأخرى حيث يمكن للصورة إصدار هذا الصوت في حالة مشهد سينمائي مثلا، فإن الإستحالة مع ذلك تبقى قائمة، رغم أن صورة الكلب يمكن أن تصدر صوت النباح، غير أن الموقف كلية غير حقيقي، فالكلب ليس كلبا حقيقيا، إنه مجرد صورة مسطحة بدون أبعاد، ملونة أو بالأبيض والأسود، وكذلك النباح مجرد تسجيل صوتي يمكن إيقافه وإعادته ورفع الصوت وخفضه حسب ما نشاء.
ونرى هنا بأن الإجابة على التساؤل الذي ورد سابقا والمنسوب إلى سبينوزا ليس بالسهولة المفترضة في البداية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأدميرال ميغويز: قدراتنا الدفاعية تسمح بالتصدي للأسلحة التي
.. صدامات بين الشرطة وإسرائيليين عند معبر كرم أبو سالم
.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية ليلية تستهدف مناطق في مدينة ر
.. احتجاجات حرب غزة تقاطع حفل تبرعات للرئيس بايدن
.. ضربات إسرائيلية على مدينة حلب تسفر عن مقتل 38 شخصا من بينهم