الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية (ماركس العراقي) ح 18

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2021 / 2 / 11
الادب والفن


كلما أقتربنا من نهاية الفصل التدريسي الأول يزداد القلق من حتمية مواجهة الحرب في الأيام القادمة بالرغم مما كنت أتوقع أن يحدث في اللحظات الغير منتظرة، لكن وقائع الحرب وأيامها وأحداثها تؤكد لي بشكل قاطع ونهائي أننا بعيدا جدا عن تلك اللحظات خاصة بعد أن أقتربت المعارك من حدودنا ونجاح الإيرانيين في دفع قواتنا للخلف، البصرة الآن شبه ساقطة عسكريا وأغلب سكانها بين نازح وبين مبتعد عن مرمة المدفعية والصواريخ بالقدر الذي يحميهم، شهدت مدن أخرى منها بغداد بالتأكيد بعض محاولات الأستهداف المماثلة وبين فترة أخرى نشهد سقوط بعض الصواريخ على أماكن تبدو كأنها عشوائية أو نتيجة تدخل تقني يحرف القذائف عن وجهتها المرسومة، العراق اليوم تقريبا أشبه بمعسكر كبير وما زال البشر يساقون وجبة بعد وجبه إلى جبهات القتال ليمارس الموت هوايته معهم بشكل عشوائي وربما ليس له الوقت الكافي بالأختيار.
ليس فقط العراقيون معنيين في القتال فهناك اليوم أيضا قوات وإن كانت رمزية تقاتل مع الجيش العراقي تستبدل بين فترة وأخرى بقطعات أخرى، الجيش اليمني كان حاضرا والمتطوعون العرب أيضا وفلسطينيو الداخل لهم مشاركات في التدريب والقتال، أما على المستوى السياسي فالتحركات العربية والدعم المعنوي يتكرر في زيارة الرؤساء والملوك العرب، الملك الأردني تحديدا والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لهم زيارات متكررة تؤكد أن هناك معنى لهذه الحرب تتعدى حدود العراق السياسية والجغرافية، كما أن لجان الوساطات والمساعي الحميدة تنشط عقب كل جولة دامية بين الطرفين، رحلات مكوكية لمسئولين دوليين وأمميين في حراك لإقناع حكام البلدين أن الحرب لا بد أن تتوقف، سواء أكانوا جادين في ذلك أم لم يكن لهم سوى عذر إلقاء الحجة، يقول أحد أساتذتنا في لقاء خاص لو كانت الجهود الدولية حقيقية لكان المبعوثين والمفاوضين من الدول ذات التأثير السياسي الكبير في الساحة الدولية أو على حكام البلدين، الرئيس أحمد سكيتوري وغيره لا يمكنهم من ممارسة أي ضغط أو أظهار شدة في التعامل الحازم تلجئ الطرفين للجلوس على مائدة التفاوض، إنها لعبة الأمم كما يقول ... ما زالت هناك مصلحة دولية في أستمرارها أو أن الأهداف التي احرقت عود الكبريت الرئيس لم تتحقق بالكامل، عندما نصل إلى الغاية ستنتهي الحرب بدون موعد.
إذا ما كنت أفكر به منذ الآن هو أستسلام تام للواقع ولم هناك مجال للمناورة أو الهروب للأمام من مواجهة حتمية مع القدر، يقول صديقي طارق لربما هناك فرصة لا نراها الآن لأننا بعيدين عن الساحة أنتظر فقد يلعب الحظ لعبته معك في الوقت الضائع...
_ وهل هناك حقيقة وقت ضائع....؟.... فقد عشت ما يكفي من ضياع الوقت وأجزم أن صافرة النهاية قد تسمع بأي لحظة.
_ وقد لا تأت صافرة الإنذار دون أن يلعب القدر ببعض أوراقه المخبأة في جيبه.
_ ربما نعم ... وربنا لا... فأنا تعاملت معه وكان دائما يهرب من أن يكون كريما معي، حتى عندما جئت لهذه الدنيا لم يطيق أن يمنحني فرصة لأعرف الكثير مما هو طبيعي... سلب مني والدي مثلا وأنا ما زلت في لفافة الرضيع... هل هو مثلا يريد أن يريني شيئا جميلا بعد أن جعل من أيامي مسلسل طويل وممل من الخيبات؟... وأشك لكن لا أنفي أنه أحيانا يتغاضى عن فعل بعض الحركات الأقل خيبة.
_ يا صديقي أترك هذا الحديث الآن... هناك شيء أسمحه فسحة الأمل مفترضة التي تتخلل حتى أشد الأوضاع ظلامية وقد تكون موجودة فعلا لكن ليس ما يمنع أن تحدث، فنحن نتعامل مع كائن ننسب له أشياء ونعلق عليه أشياء أما متوهمين أو نحن نفترض أنها مسئوليته، كلما في الأمر أننا يجب أن نقرأ حركة المرور التي نشترك جميعا فيه، لا تنظر دوما للأمام وكأن كل الطريق مفتوح على الأفق، هناك أرض نسير عليها تحتاج أيضا أن نرى كيف هي كما هي فقد تكون خطواتنا عليها مصابة بالتشويش.
_ لننتظر..... الحق معك.
_ماذا ننتظر؟ ومع هذا أنا أوافقك في الأمر ولكن ليس أعتمادا على حسن النية به ولكن قد يخطأ ما أو يكون مشغولا بغيري....
في سياق لم يحدث من قبل ولا منتظر وربما كان من تلك الزوايا واللحظات التي لا نراه كما يقول طارق دعيت لألقي قصيدة في مهرجان شعري أقيم في كلية الإدارة والأقتصاد المجاورة، فلست معروفا أني شاعر ولا أدعي ذلك، مهرجان بحجم أن يحضره شعراء كبار من وزن شاعر العراق الأكبر عبد الرزاق عبد الواحد وأخرون كان ضربا من خيال أن أكون حاضرا فيه، في 23 تشرين الأول وهو ما كان يمثل مناسبة تأسيس الأتحاد الوطني لطلبة العراق صدح صوتي لأول مرة أمام جمهور عريض من الطلبة قد يفتح لي الطريق أن أكون شيئا ما في داخلي...
أيتها الشمس...
طال الأنتظار... فجليد أيامنا لا ترحل
سد الطريق أمام المارة
ينتظر هزيمة تلوح بها الأقدار
والهزيمة تأبي الحضور خائفة
تريد حراسا يحمون خطواتها المحفوفة بالتردد
وحدها الشمس
تقول هي...
من ...
تقارع الجليد بلا خوف...
تعالي أيتها الحنينة
أيتها البعيدة
لتزرعي في رحم الغد
جنين الأمل
أيتها البهية في ثوب عرس الرب
حتى النجوم ترمقك بنظرة
وتساؤل
لماذا كل هذا الإحجام عن الظهور؟
وقد جعلك الله في وسط السماء حرة
أيتها المتوهجة بالنور والنار
أقدمي...
هيت لك....
كل هذا الصقيع يلبس أحذية الوداع
خائف ووجل...
مهزوم من تحت
فتعالي
لنرحل صوب الحياة الأبدية
قدر القدر
أن تظهري مرة
ويهزم البرد السكن في مفاصل الوجود...
ونعلن الولادة.
لا أعرف تحديدا هل هذا هو الشعر الذي يكتبه الشعراء؟ أم أنه جزء من هلوسة الأمل الذي ينتظر لحظته التأريخية لأن ينتصر على الواقع، البعض لم يعلق ولم يتفاعل وكأن المشاعر بحاجة لترجمة ما، وأخرون ما عادت الكلمات تعنيهم بقدر ما تعني الأسماء من قيمة... نزلت من منصة الإلقاء بعد فتور شبه بارد واجهته في أول محاولة... أشتد التفاعل حين قام الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وأنا أمر بجانب الحضور في الصف الأول بالوقوف وتحيتي.... صفق البعض الآن وأزداد حين صافحني بحرارة.... هكذا ولدت شاعرا في نظر البعض بشهادة خبير لا بشهادة ولادة عبر الكلمات التي ألقيت توا.
أمتلكني الغرور وشعور بالزهو وأنا أمر بين مدرجات القاعة وبعض عيون الطلبة تتسأل عن هذا الشاعر الذي أقتحم بالصدفة ذاكرتهم، في أخر صف من الواقفين قرب بوابة القاعة ينتظر طارق وسعد وعلي وأخرون من زملائي مهنئين، أعرف لربما كان أنحياز لصديقهم وليس بالضرورة أحتفاء بما ألقيت، خرجنا من الكلية فاليوم أستثنائي لنا جميعا ولا بد من مناقشة وأحتفال وربما جلسة نقدية.... في نادي الكلية أعددنا طاولة كبيرة ضمت الكثير ممن حضر المهرجان، الغريب أن صديقتي التي هجرت جنات حبي وراحت تبحث عن حياض أجمل مع غيري عيونها تبرق ألقا تتابع كل حديث أو تعليق يدور، لم يكن مستغربا أن تحضر معنا على الطاولة فنحن بقينا زملاء ولم تنقطع هذه العلاقة بهذه الصفة، الغريب قالت أنها تحتفظ بالقصاصة التي كتبتها في أول لقاء تعارف أول السنة الأولى... لم تكن قصاصة عادية أبدا.... مقطوعة من موسيقى الروح فيها كلام يشبه صريح الغزل... يشبه صحن زهور من أصدق المشاعر الأولى قدمته لها....
تركت مقعدها وجاءت لتجلس جنبي لتجلب أنتباه الأصدقاء الذي أدركت من عيونهم أنهم يتساءلون...كيف؟ ومتى؟ كريم الذي كان يعرف بكل التفاصيل صغيرها وكبيرها يضحك بشماته ويتهامس مع سوسن في شبه كلام ملغز.... أنهينا الإحتفاء وأمامنا درس العملي كمجموعات لا بد من حضورها، من تناول سريعا سندويجا ومن أجل تناول وجبة الغداء بعد أنتهاء الدرس العملي.. أنا وهي وسوسن وطارق وكريم في مجموعة واحدة تتكون من عشرون طالبنا توجنا صوب القاعة المخصصة للدرس، جلس كل منا قرب زميل بأنتظار الأستاذ محمد معروف الذي سيلقي المحاضرة في علم التحقيق الجنائي، تأخر الأستاذ كثيرا عن الموعد وهنا بدأ الضجيج يعلوا خاصة وأن أستاذنا معروف لم يحضر أيضا في الدرس السابق، ما زالت صديقتي تجلس جنبي وأنا متحرج من تساؤلات العيون التي ترمقنا كل ثانية.
الأيام التالية ليوم الأحتفال لم تتغير الأحداث العامة والحرب تعلن زعيقها بوجه الشعب العراقي وموازين النصر والهزيمة تتبدل هنا وهناك مرة لصالح العراق ومرة لصالح إيران دون أن تحسم بشكل نهائي حالة اللا أستقرار أو ترفع يد الفائز، الضحايا لم تعد أرقامهم تخفى على أحد مع تقاطر جثث القتلى التي تفتح مدن العراق وقراه علة زوار أعزاء لم يعد لهم وجود بعد الآن، بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة ولا صور المعركة التي تعرضها شاشة التلفزيون الرسمي تقنع أحد إلا أولئك الذي يصدقون بإبليس أنه كان من الصادقين، أقتربنا من أداء أمتحانات الفصل الأول من المرحلة الرابعة وبقيت أيام قليلة عليها ويحتاج الطلبة إلى مراجعات مكثفة وأحيانا ينقطع البعض للتهيؤ والإعداد الجيد خاصة أولئك الذين عزموا على إكمال دراستهم العليا لاحقا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا