الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدينة العريانة

هيثم بن محمد شطورو

2021 / 2 / 11
الادب والفن


يبدو بوضوح أن مصممي هذا النوع من السراويل الضيقة التي تـرتـدنها الفتيات، كانوا قد صاغوا عبارة الإغراء بدرجات كبيرة بحيث تبدو المؤخرة أجمل مما لو كانت عارية، وأكثر إغراء من خلال ذاك المفرق على مستوى مفرق المؤخرة، ففيه قد تم تصميمه ليكون أكثر انشدادا إلى الداخل. كانت بسروال أزرق ضيق جدا، فكانت ساقيها الجميلتان ومؤخرتها الهلالية البارزة قليلا مع خصرها ذو الانحناءتين على الجانبين ومن ثم الانفراج المتصاعد لجذعها بتـناسق جميل رائع. كما أن شعرها اسود رقيق يتهادى بإغراء على الوجود، أما وجهها ففائق الجمال. كانت تمشي بخطوات سريعة غير عابئة بأحد، كما أنها لم تعدم إنعام أحدهم بتلك النظرة الساحرة من عينيها السوداوين. مبتهجة مزهوة ومتسرعة تريد اللحاق بشيء ما. وفجأة، تبدأ في حك يديها، ثم صدرها بحركات بدأت بطيئة فكانت كأنها تداعب جسدها الفاتن في قلب المدينة. الغريب أن لمسات أصابعها الرقيقة امتـدت فجأة إلى فخذيها ثم مؤخـرتها. ثم كان وجهها قد كسا بياضه حمرة قانية، وملئت سواد عينيها نظرة ضيق شديد. تحك مواضع جسمها وتـنحني تارة فتـشكل مؤخرتها شكلا مغريا وتستـقيم وتـتمايل بسرعة إلى الجانبين، ثم كأنها ترفع طرف قميصها القطني الأسود اللون. وبحركات متـشنجة تـتمكن من إيقاف سيارة أجرة لتـقذف نفسها في صندوقها بسرعة. ومن خلال بلور السيارة انـتبهت في الشارع إلى وجود أخريات تـقمن بحك أجسادهن، فقلل ذلك من روعها، بل إن رجلا أربعينيا رأته يحك نفسه بتـشنج وهو يغادر مقهى بسرعة. كانت قد طارت إلى البيت، وما أن دخلت حتى نزعت ادباشها من لحظة إغلاق الباب الخارجي للحديقة. حينها زال الحك إلا في منطقة الثديين والجزء الذي يغطيه الكلسون فنزعت الصوتيان والكلسون وهي لازالت في حديقة المنزل. زال كل حكاك حين تعرت، وزال كل توتر بل انقـلب الوجوم إلى زهو كبير وهي عارية تماما في حديقة المنـزل أي في الفضاء العمومي، ولم تـنظر إلى خارج الأسوار ولكنها افترضت أن بعض الأشخاص رأوها عارية خاصة في تلك العمارة التي لا تبعد كثيرا. تلك الفكرة أشعلتها بزهو لم تـتحسسه من قبل. دخلت إلى البيت فكان استـقبال أمها مفزعا..
ـ شبيك هبلت؟ شنوه هذا؟ هذا عقلك شقالك؟ تشبيك تجننت؟ سكرانة وإلا مزطلة؟ اوووه..
لم تهدأ الأم بسرعة. جلست فاطمة عارية على كرسي المطبخ بكل هدوء وهي تـتـلذذ بانـقـشاع الحك الرهيب الذي لم يزل إلا بتعريها التام، كما كانت تـتـلـذذ بعـريها. كانت شخصية تـثـق بنفـسها وتعرف كيف تـفرض نفسها، وأمها الأربعينية الجميلة بدورها تعرف اعتداد ابنتها بنفسها، وحين رأت هدوء ابنـتها تملكتها شعلة غضب لكن سرعان ما انطفأت، حين فكرت قليلا في تعري ابنتها. قالت:" أكيد أن بها شيء. لا يمكن أن تكون قد قررت هكذا أن تسلك هذا السلوك بعقلها الراجح". هدأت الأم، بل كان هدوءا مثلجا، ناتج عن العاصفة التي ألمت بها عند رؤية ابنتها عارية والجسم يطلب الهدوء بعد الثورة. لكن الهدوء نتج كذلك عن متعة رؤية ذاك الجسد العاري الجالس بهدوء على كرسي المطبخ. ذاك الهدوء هو الذي جعلها تـفكر بعـقلها. ذاك العقل الذي قال لها كذلك أن التعري التام شيء جميل. حينها استمعت إلى رواية ابنتها وصدقـتها. أحضرت جبة حريرية وأمرتها أن ترتديها. ارتدتها وبعد نحو ربع ساعة بدأ الحك يعاودها وتـتسارع وتيرته برغم نعومة القماش وفضفضته، واحتملت حتى كسا بياض وجهها حمرة قانية، فنفضت عنها الجبة. دخل الأب إلى البيت ففزع لرؤية ابنته عارية فطارت إلى غرفتها، وبعد حين دخل شقيقها إلى الغرفة فتملكه الذهول لرؤيتها عارية وهي جالسة على كرسي المكتب تـتصفح هاتـفها، وفي آخر المساء تملك الحك جميع أفراد الأسرة فنزعوا جميعا أدباشهم..
الأب والأم، اعتـزلا باكرا في غرفة النوم دون التـفرج على مسلسل السهرة كالعادة، ودون تصفح الانترنت، أما فاطمة وشقيقها، فقد كسر العري الحاجز النفسي بينهما أخيرا بعد سهرة من محاولة التحدث في أشياء مختلفة، وهي تمحورت حول ظاهرة الحك هذه. اغتـسل كل منهما بالماء الفاتر رغم حرارة الطقس، وارتدى ثوبا ناعما إلا أن الحك عاود بعد نحو ربع ساعة، فنفض عنه ملابسه. تـذكرت ما رأته وهي في التاكسي. قالت:
ـ يبدو انه ليس مرضا وإنما وباء..
رأى أحمد أن يدهن جسمه بزيت الزيتون فهو علاج فعال لكثير من الأمراض. فقامت بدهن ظهره بالزيت، واللمسات الرقيقة لأصابعها وعريه أمامها وعريها أمامه، جعلت اليد تـنـزلق إلى ذكره، ثم فمها يبتلعه، والهروب من تهيج الحك قاد إلى تهيج الشبق.
وفي الصباح، ارتدى الجميع ثيابه، وخرجوا من البيت إلى أعمالهم، ولكن حركة الشارع خفيفة جدا على غير المعتاد، وبعد نحو ساعتين من جحيمية الحك، تهافتوا جميعا إلى البيت كالملسوعين بالنار، ليطفئوها بنزع الثياب..
زال الحاجز بين الأخوين منذ الليلة الأولى، أما بين أفراد الأسرة فقد تطلب الأمر بضع يومين أو أكثر. قامت الأم والأب بطلب إجازة بواسطة الهاتف لمدة أسبوع، وانـقطع الشقيقان عن الذهاب إلى الكلية، وانحصار أفراد الأسرة في البيت جعلهم يرفعون الحاجز النفسي بينهم شيئا فشيئا. تفاجئت فاطمة بوجود أمها عارية في المطبخ تقوم بتحضير الغداء. بعدها أصبحتا تتبادلان الحديث وهما عاريتان بكل أريحية، بل أريحية لم تعرفاها من قبل. قالت فاطمة لأمها:
ـ يبدو أن التعري يجعل الإنسان أكثر صدقا وأكثر انـفتاحا ويجعله لا يهوى إلا الأحاديث الجميلة. أحس بنفسي متـفائلة وأحس بالحياة جميلة هكذا.
بل إن الأم أصبحت لا تـتحرج من ملامسة مؤخرة ابنتها بين الحين والآخر أو التـشبع برؤية ساقيها الجميلتين وملامستهما ومغازلة ابنتها. كذلك كانت فاطمة تهفو إلى تـقبـيل أمها أكثر من العادة، ولا تكبح رغبتها في ملامسة ثديي أمها بين الحين والآخر، وكثير من الحركات الجسدية التي تحولت إلى روحانية شفافة تمثلت في مكاشفة احدهما الأخرى بأشياء كانت تعتبر أسرارا. عرفت فاطمة مغامرات أمها السابقة، كما عرفت الأم مغامرات ابنـتها. فانقـشاع الملابس كان انـقـشاع الخداع والتواري خلف قـناع.
أما الأب فإنه كان يتحمل حزام السروال القصير ذو القماش الناعم، ويحك ولكن يسارع إلى غرفة النوم كلما ضغط عليه الحك. اعتـنى بالحديقة، واقـترب إلى ابنه الذي كان هو كذلك يرتدي سروالا قصيرا ويسارع إلى غرفته كلما ضغط عليه الحك..
قرر الأب في اليوم الثالث الذهاب إلى طبيب الجلدية لجميع أفراد الأسرة. في نشرة الأخبار المسائية، قال رئيس الحكومة الذي ارتدى قميصا بنفسجي اللون ملتمعا وهو يبدو من الحرير. قال بوجه ممتـقع تكسوه حمرة قانية، أن البلاد أصابها وباء غريب، هو وباء الحك. أعلن العزلة العامة لمدة أسبوعين، لأن الحل الحالي في نزع الملابس، إلى أن يتوصل العلماء إلى إيجاد دواء. بعد كلام رئيس الحكومة نزع الأب السروال القصير، فنزع الإبن سرواله. وهكذا أصبحت الأسرة في اليوم الرابع من وباء الحك يكاشف بعضهم بعضا عاريا بالتمام والكمال. تضاعفت حميميتهم تجاه بعضهم وكثر حديثهم مع بعضهم وانسابت اعترافاتهم بعضهم لبعض، وزال في الأسرة التصنيف وأصبح كل ينادي الآخر باسمه، فلم تعد الأخت أختا أو بنتا بمثل ما لم تعد الأم أما أو زوجة، كما الابن و الأب..غدوا أناسا أقرب إلى بعضهم وعاطفة لذيذة تسري بينهم، بل جعلت كل منهم يرى في نفسه الآخر، لأن الجسد العاري يمحو كل تصنيف. أرواح متهافتة بعاطفة حب كبيرة وأجساد متهافتة لبعضها بعضا، وكأنها تـلبي شوق التوحد مع النفس الواحدة. ألم يقل ربك أنه خلقنا من نفس واحدة؟
***
صباح اليوم الخامس من أسبوع العزل الاجتماعي، خرجت فاطمة إلى حديقة المنزل، قادتها خطاها إلى باب الحديقة ومن ثمة فتحت الباب. الشارع خال تماما من الناس. هدوء رائع. هواء نظيف. لا سيارات ولا ضجيج. خرجت إلى الشارع وهي عارية حافية القدمين. تحسست إسفلت الطريق برجليها فأخذتها نشوة. الطقس حار جدا. قالت "ما أروع الحرية. ما أروع التجول هكذا عارية في الشارع". وتمايلت وهي تلامس مؤخرتها الهلالية التكوين بدقة هندسية بارعة، وهما على شكل يشابه التفاحة الناضجة. اتبعت هواها فكانت تجري بسرعة منخفضة وبحركات راقصة أحيانا. نشوة منسابة وشعرها الأسود الرقيق يتهادى على الوجود كموج متراقص في الهواء.
اعترضها رجل يرتدي جبة بيضاء فضفاضة ووجهه ممتـقع أحمر. كأنها لم تره، إلا أنه قال بصوت متـشنج مرتـفع:
ـ ألم تسمعي بحضر الجولان يا عاهرة؟
قالت وهي تضحك:
ـ لا معنى لكلمة عاهرة هذه الأيام. لا معنى لأي تصنيفات.
وضحكت وواصلت سيرها المتمايل الراقص. كل الحوانيت مغلقة، "كلهم خائفون من عريهم"، تملكتها سعادة غامرة. "أنا أشجع إنسان في هذه المدينة لأني جميلة. انظروا إلى بياضي الناصع أيها القبيحون. انظروا إلى مبتغى وجودي في لذة ستبقى مروية إلى الأبد في شوارع هذه المدينة الجوفاء التي ستتحول إلى حديقة غناء...". وكانت تضحك بقوة وتداعب ثدييها أحيانا وتمرر أصابعها الرقيقة على إستها البديع أحيانا، وتقارن الأمس القريب باليوم، فهذا مكان تجمع سيارات الأجرة التي تحمل الركاب في اتجاه مركز المدينة. هنا اكتضاض رهيب وادباش مختلفة بعضها جميل وبعضها منفر. اكتضاض أجساد مختلفة. بعضها نحيف رشيق مستـقيم وبعضها مترهل سمين وبطون مقززة بارزة وغيرها من مظاهر العهر الحقيقي لأرواح نتنة في أجساد نتنة.. وسيارة مرت بسرعة إلا أنها لمحت عجوزا عاريا يقودها والى جانبه فتاة عارية. استعر هياج ضحكها. عمارة البنك الإفريقي هناك التي كانت تصطف أمامها سيارات فخمة خالية الآن، ولكن من خلال الشرفات لمحت بعض العراة وبعضهم لوح لها بيديه ملقيا تحية مبتسمة، وآخرون وجهوا لها إصبعهم الوسطى فضحكت وكذلك آخرون وجهوا لها إبهاما مستحسنا فضحكت كذلك.
من تلك العمارة المرتفعة، نزلت فتياة عاريات ليلتحقن بها، وهن تضحكن. قالت إحداهن:
ـ يا زعيمة إننا في مظاهرة للعاريات.
وضحكن، وفعلا كانت مظاهرة للعاريات ثم التحق بهن فتيان عُراة، وتزايدت الأعداد شيئا فشيئا، فالمكوث في المنازل شيء لا يُطاق.
ـ أنا عاري والشارع عاري.. شارع العريانين هو شارع الملائكة يا فساد..
وهكذا ابتدعت المظاهرة شعارات جديدة. مفهوم جديد كان يختلج في الأنفس وجاء وباء الحك فأخرجها إلى الفضاء العام. وانتـظمت حلقات منـتـشرة من العريانين في وسط المدينة وتـناقـشوا في المسألة. كلهم شباب يافع وكلهم كان يُعتبر عند النخبة من المثـقـفين والسياسيين من اليمين واليسار شباب تافه جاهل لأنه لا يبالي بأفكارهم. توضح أن هذا الشباب كان يفكر ولم يكن جاهلا أو تافها وإنما غير مؤمن بالأفكار التي اعتبرها تـقـليدية ومدخنة لأجساد مدخنة وتعبيرات مختلفة عن النفاق والتصنع سواء من اليمين أو اليسار أو الاعتدال الذي هو في نفس شاكلتهم بل ربما أكثر تعاسة لأنه اعتدال بين نفاق ونفاق وتصنع وتصنع وليس رمي في المحرقة للأفكار الصنمية الجاهزة المحاكة بتـقنية الاغتراب عن الذات..
ها هو الإنسان العاري يتكلم ويصرخ. ها هو يهاجم مدينة النفاق..
وتم فعلا كسر العزلة الاجتماعية التي فرضتها الحكومة.. الكلمات التي كانت تدور في حلقات النقاش لهؤلاء الشباب العاري الزاهي السعيد المبتهج تـتماوج بين السخرية وبين عمق الأفكار...
ـ من بين الأشياء التي لا أفهمها. ما هذا الذعر من التعري؟ حكومة وشعبا بائسا. غير عادي.
ـ هه. يخافون أنفسهم..هه.. لا يريدون القول أنهم يتعرون في بيوت الحمام أو في غرف النوم..
ـ لا. لا.. يتـقززون من أنفسهم. يشوف بدنه بالشحومات والشعر كأنه تضاريس على شكل شبه منحرف او مستطيل او مربع. لا دوائر فيهم.
ـ حاشا خليقة ربي ولكن يلزم الواحد ما يستعار من خلقته..
ـ ربي قال خلقناكم في أحسن تـقويم. هل خلقنا بالأدباش؟ ثم، ربي عطاك بدن باش تعتـني به وتصقله بالرياضة والاعتدال في الأكل وبالصدق في التعامل مع روحك ومع الناس.. ياخي الجسد ليس لحم وعظم فقط. هو روح. الأرواح الوسخة أجسادها وسخة. يفسدون أبدانهم التي خلقها الله في أحسن تقويم و أرواحهم اللي هي من عند ربي..
ـ عائشون في جحيم في الأرض وينتظرهم جحيم الآخرة..
ـ ياخي هو في يوم القيامة موش نكون عريانين قدام ربي سبحانه؟ لا نخجل من الله ونخجل من عباده؟ تو هذا منطق؟..
ورفعت فاطمة شعار "عريانين عريانين، ما احناش مسلمين"، فدوى الشعار في أركان المدينة كلها، وانتـشرت المظاهرة عبر الفيديوهات في الفيسبوك، وخلافا لذلك قسم الشباب نفسه لمجموعات من ثلاث ليتصلوا بالناس في بيوتهم ويحثوهم على الخروج للشارع، فقد كونوا جملة من الأفكار من خلال نقاشاتهم تلك، ومن هناك انطلقوا ليخرجوا الناس من بيوتهم عرايا. أما الشرطة فلم تكن موجودة ولا الجيش باعتبار عريهم هم كذلك، ولا يتمكنون من مواجهة المظاهرة، فالسلطة في النهاية هي زي، والعري يفقدها كل هيبة بل يفقد صاحبها أي رغبة في التسلط على الناس..وفي المساء كانت المظاهرة بالآلاف، وكسروا حاجز العزلة، ورأى الآلاف حميمية التواصل مع الناس الآخرين وهم عرايا، وقال كثيرون أنهم يحسون بأنفسهم خفافا وأنهم بدؤوا يحبون أنفسهم ويحبون الناس الآخرين. فحبي لنفسي لا يكون إلا بحبي للآخرين..
وفي الغد بدأت بعض المقاهي تـفـتح أبوابها والحوانيت المختلفة وسيارات الأجرة وبعض السيارات المختلفة، والمطاعم بل بعض المصانع عادت إلى عملها وبعد أيام عادت المدينة إلى نشاطها، ولكن بدون شرطة. كانوا عراة جميعا. مدينة العراة في نشاطها برغم انه لم يكن ذاك النشاط السابق، فكثيرون لم يبرحوا بيوتهم.. تترشف قهوتك عاريا والنادل أو النادلة عاريا أو عارية، وكذلك في المطاعم، والمصانع فيها العمال يشتغلون عراة، وهكذا فالمدينة كلها عارية..
لكن، هناك اختلاف جوهري. العراة دائمي الابتسام. يتكلمون مع بعضهم بحب. نشاطهم تستحثه الرغبة فكان نشاطا أكثر بكثير من السابق..
أصحاب المؤسسات التي عاودت نشاطها هم كذلك دائمو الابتسام، وحقـقوا في يومين مطالب عمالهم، وغدت المؤسسة ملكية جماعية للناشطين فيها، وقرر أغلبهم تقاسم الأرباح مع العمال بنسب مختلفة يحافظون فيها لأنفسهم على النسبة الأرفع، وذلك طبعا مع تـنمية رأس المال الأصلي للشركة، ولكن عبر الشفافية مع جميع العاملين، بل حتى حارسي المؤسسة شاركوا في تلك الاجتماعات ليعرفوا بكل وضوح وضعية المؤسسة المالية، فغدت تلك المؤسسة مؤسسة الجميع، وعوض أن يخسر أصحابها فإنهم ربحوا أكثر من السابق وتنامت إنتاجية مؤسساتهم أكثر من السابق وسط ذهولهم. العمال يشتغلون مزهوين، بل توفرت لهم جميع أدوات النظافة، فقد أسست كل المؤسسات حمامات للعمال، وتلك الحمامات مختلطة.. لقد زال الكبت الجنسي، وأصبح التـفكير بحب في تحقيق رغبة العمل للعمل في ذاته، ومادام الجنس متوفرا ومباحا فسيكون عبثيا الشره والطمع والكذب..
وانتـشر العراة يهرولون في كل مكان ممارسين الرياضة لتعود الاجسام الى أحسن تقويم، وانتـشروا في الأماكن العامة يتـناقشون في الأفكار وفي كل شيء.
وبرغم انتحار السلطة في وباء الحك، إلا أن الجرائم تـناقصت شيئا فشيئا حتى انعدمت. تـنظمت عمليات الترفيه الجماعي بالخروج إلى الطبيعة. أصبح الناس يتـقاسمون كل شيء. كل يفكر في العطاء للآخر، وكل يفكر في الآخر. فالجسد العاري يجعلك ترى نفسك في الآخر، فالتعري يزيل كل تمايز مصطنع بين البشر..
إلا أن هناك مهنا قد كسدت، فلا جرائم إذن لا بوليس ولا محامين ولا قضاة ولا سجون.
الأطباء كذلك بدئوا يستـشعرون شيئا فشيئا تناقص عائداتهم، فالعراة بإقبالهم على ممارسة الرياضة مع تـنامي الأفكار بالنقاشات والمطالعة وانقشاع الشراهة في الاكل بمثل انـقـشاعها في كل شيء، وموت عاطفة الحسد والحقد، جعلت صحتهم البدنية تتحسن بمثل صحتهم النفسية، إضافة إلى عامل مهم وهو ممارسة الجنس بشكل دائم. وكم تـفرعن هؤلاء الأطباء وكم استـنـزفوا الجيوب وكم مارسوا حقارة الاستغلال للمرض؟.. هاهو التعري يعريهم..
وخيمت على المدينة أجواء السعادة. ليست السعادة في امتلاك الأشياء الا بما يسهل العيش، بل في امتلاك الذات بواسطة الشفافية مع الآخر فمع النفس.. السعادة دوما وأبدا في الحب وبالحب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه