الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كما رواه شاهد عيان: الباب الأول

دلور ميقري

2021 / 2 / 13
الادب والفن


1
" درّةُ المَشرق، ونورُهُ المُشرق المُونق "
هذا ما رددته في نفسي، آنَ ألقيتُ نظرة شاملة على منظر المدينة. ولكنها كانت كلمات " ابن بطوطة "، الرحّالة المغربيّ من القرن الرابع عشر الميلاديّ. لقد انبهر بمشهد دمشق، مثلي سواءً بسواء، لما تأمّله من علو إحدى صخور جبل قاسيون.
لكنني كنتُ أشرف على الندينة، وأنا أقفُ على سطح الخان العظيم، المُعَّرف باسم بانيه، " أسعد باشا "؛ وهوَ أشهر الولاة من آل " العظم "، الذين حكموا الشام منذ منتصف هذا القرن. لقد استأجرتُ حجرةً حَسَنة في الخان، بمبلغ غرش عثمانيّ واحد، بما في ذلك وجبات الطعام. توصّلتُ لمعرفة الخان، بفضل موظف خطير الشأن في القسطنطينية، التي كانت أولى محطاتي في المشرق. هذا الموظف، الدمشقيّ المنشأ، المنتسب لديوان الباب العالي، أمدّني أيضاً برسالة توصية، على أن أبرزها لو وقعتُ في مأزقٍ ما مع السلطات في الولاية السورية. كوني لم أحتج بعدُ للرسالة، فإنني سأعمد لوصف الخان؛ ولو بأكثر العبارات إيجازاً.
قبل كل شيء، عليّ التنويه بفترة إقامتي في إمارة البندقية، الذاخرة بعمارةٍ تعود إلى عصر النهضة الإيطاليّ. لذلك انتبهت إلى عمارة الخان الدمشقيّ، وأنها شبيهة، إلى حدّ ما، بما عاينته من عمارة في بلد المنفى الأول ذاك. ملاحظاتي الأخرى، سيدينُ بعضها لقراءاتي التالية في تاريخ دمشق، وأيضاً بمعلوماتٍ حصلتُ عليها من قبل أصدقاء من ساكني المدينة. بيد أنّ الخان، في المقابل، لم يكن بعظمة أقرانه من العمائر الإيطالية. على أنه يشبهها لناحية الارتفاع المتوسط في البناء، بمقابل العرض الوافر. كذلك فإن واجهة الخان من طراز عمارة القرون الوسطى، الإسلامية؛ أيْ الأيوبية ـ المملوكية. والواجهة مندمجة في مستوى البناء ككل، تتوسطها بوابة مهيبة، بينما تنفتح من الجدران على الخارج محلاتٌ تجارية متنوعة. البوابة، المنحوتة من خشب الجوز، مصفّحة بألواح معدنية، ومثقوبة بمسامير، لتغدو على شكل خلايا النحل. بينما جبينُ الواجهة من الرخام، زيّنَ ببذخ بالمنحوتات والزخارف الهندسية، وتوّجَ بلوحة مكتوب فيها بالعربية اسم الخان وتاريخ الانتهاء من تشييده. من خلال البوابة، يَلِجُ رجلٌ غريب، مثلي، إلى الأقسام الداخلية وقد امتلأ، سلفاً، بعظمة المكان.
أدخلُ إذاً من خلال دهليزٍ مزدوج، متصل مع الرواق بسقف ذي نقوشٍ متنوعة. أعبرُ الدهليزَ، لأجد نفسي أمام درجٍ يصل إلى الدور الثاني، أين قباب الرواق. من الأعلى، يُمكن الاطلالة على باحة الخان، المرخّمة الأرضية، والمربعة الشكل، المنفتحُ أيضاً من جدرانها عددٌ من المتاجر، واجهاتها مزخرفة على طريقة الأرابيسك. الفناء، تتوسطه بركة مرمرية، مثمّنة الشكل، تبدو من علٍ كأنها عينٌ سيكلوبية. لعل الأصالة الدمشقية تبرز أكثر في الجدران، المكسوة بالمداميك الحجرية؛ وهيَ من فوق لتحت بالحجر البازاتيّ ثم الحجر الكلسيّ، الضارب للصفرة. صُرْحُ الخان، عبارة عن قبة عظيمة، يحيطها ثماني قباب صغيرة ذات عقود على هيئة متوالية بين الشكل المربع والدائريّ. ذلك الصرح، المحمول على أربع أعمدة ضخمة، ذكّرني هذه المرة بقبة بولس وبطرس في الفاتيكان، المشادة من لدُن الفنان العبقريّ " مايكل آنج ". مما له مغزاه في تلك المقارنات، أن كاتب سطور هذه التذكرة، الذي تجري في عروقه الدماء الإيطالية، كان آنذاك يموّه نفسه بملابس أهل البلد؛ وذلك أيضاً بنصيحة من أحد الأصدقاء: شكلي ومظهري الخارجيّ، لم يكونا في حقيقة الحال ليميزاني عن الشوام، المتّسمين عموماً بلونهم الأبيض وشعرهم الفاتح وقسماتهم الدقيقة إلى رشاقة في البدن ورقة في الطبيعة.

ذلك الصديق، صاحب النصيحة، تعرّفتُ عليه في اليوم التالي لوصولي إلى دمشق. لقد دفعتُ إليه فوراً رسالة التوصية، التي تزوّدتُ بها في القسطنطينية، بما أنّ كاتبها على معرفة وثيقة به. توصّلتُ للإهتداء إلى عنوانه، بينما كنتُ أستغل الوقتَ في تسجيل مشاهداتي لما حولي من عمائر وأوابد. إذ فكّرتُ منذئذٍ بتأليف كتاب عن مدينة دمشق، يدخل في إطار أدب الرحلات. بالطبع سبقني عديدٌ من الأوروبيين في الكتابة عن المدينة، ولعلني كنتُ آخرهم في هذا القرن العاصف.
" جان "، رجلٌ أربعينيّ، ما تني ملامحه على وسامتها، فضلاً عن متانة جسمه وطوله الفارع. أول ما يلفت نظرُ المرء، هما عيناه الوديعتان، الضاربتان للخضرة. لكنهما الذكاء والهمّة، بلا شك، مَن جعلاه يحصل على وظيفة وكيل أعمال قنصل الدولة الفرنسية. القنصل، كان ما فتأ على ولائه للملك؛ وربما لم يجد الثوار في باريس وقتاً لتغييره مع أقرانه، الموزعين في أنحاء السلطنة العثمانية. سأتعرّف لاحقاً على القنصل، وبالطبع عن طريق وكيله. هذا الأخير، كان يقيم في الحي المسيحيّ بالمدينة، الممتد بين بابين من سورها الروماني؛ هما باب شرقي وباب توما. السور تداعى في أكثر المواضع، ما جعل المدينة القديمة تندمج في بعض الأماكن مع الضواحي؛ كحي سوق ساروجة، المسكون غالباً من لدُن عائلات الأعيان الغرباء وآمري الجند الإنكشاريّ. وكان هذا الحي متصلاً من قبل ببساتين ضاحية الصالحية، التي يقطنها أحفاد السلطان العظيم " صلاح الدين "، المعروف لدينا جيداً في أوروبا. دفعة أحدث من أولئك الأحفاد [ يقصد الكاتبُ ملّة الكُرد ]، أقاموا في ضاحية الميدان، المجاورة للحي المسيحيّ.

2
" آفتا المدينة، هما الإنكشارية والمرتزقة؛ أو الأورطات والوجاقات، بحَسَب تسميتهما الشعبية، المنحولة عن التركية. الفئة الأولى، يضمها نوعان من الجند، القابيقول واليرلية، وغالبية عناصرهما من الأتراك والتركمان والبشناق والأرناؤوط. المرتزقة، يدخلون في أصناف عسكرية من قبيل اللاوند والدالاتية والسكمان؛ وهم بمعظمهم من الأكراد. إلى أصناف أخرى من المغاربة والمواصلة والبغّادة. لذلك لا يكاد يهدأ صراعٌ بين الوالي والإنكشارية، إلا وتشتعل المدينة بصراع آخر بين مختلف فرق الأصناف "، أعطاني صديقي جان المعلوماتِ الأولية عن الأحوال السياسية في دمشق. وسأقدّر قيمة معلوماته، عندما وجدتني فيما بعد داخل أتون الصراعات. بيد أنني كنتُ الآنَ رخيَّ البال، فكري خالٍ إلا من مسألة تشغله: كيفية تدبير مسكنٍ دائم، عوضاً عن الإقامة في الخان؟
" في وسعي تأمين منزل لك هنا، في حيّنا المسيحي، فتكون بين أفراد طائفتك "، قال لي الصديقُ الدمشقيّ رداً على تساؤلي. عدتُ إلى إشغال ذهني، وهذه المرة بفكرةٍ أكثر مرارة: " لعله لا يعلم بعدُ، أنّ الفرنسيين بمعظمهم خرجوا من جلدهم الكاثوليكيّ ليكتسوا بجلد الإلحاد ". لما لاحَ أنه استبطأ جوابي، بادرتُ إلى تذكيره بأنني أرغبُ بتقمّص شخصية الرجل المسلم كي أتمكن من دخول أملكن ممنوعة على " الكفار "؛ بحَسَب تسمية الأوروبيين على اللسان العثمانيّ. ثم أضفتُ، مشتملاً هيئة المضيف بنظرة سريعة: " لقد علمتُ من قبل، أنّ البابَ العالي أمرَ بتمييز النصارى باللون الأزرق واليهود باللون الأحمر. الغريب، أنني لحظتُ هذا التمييز غير معمول به في القسطنطينية ولا في بيروت "
" بل ولا يسمح أهالي دمشق للقناصل الأجانب بالاقامة فيها، وكم مرة أحدثوا القلاقل في هذا الشأن. ذلك بسبب إعتبار العثمانيين لدمشق كمدينة مقدّسة، حتى أنهم أطلقوا عليها نعتَ ‘ الشام الشريف ‘، وخصّوها بتكيّة كبرى لا يوجد ما يضاهيها إلا في عاصمتهم "، أوضحَ المضيف. ثم قال مستدركاً وهو يبتسم: " وأنبهك بعدم استعمال اسم القسطنطينية عندما تتحدث مع المسلمين، كونها معروفة على لسانهم باسم ‘ الأستانة ‘ وذلك منذ وقوعها بيد محمد الفاتح قبل نحو ثلاثة قرون "
قلتُ وأنا أبادله الايتسام: " جيّد أنك ذكّرتني بهذا الأمر، وإلا فإن شخصيتي الحقيقية ستنكشف لهم. والله وحده يعلمُ، عندئذٍ، ما تكونه ردّة فعلهم ". لزمنا الصمتَ على الأثر، لحين أن استأذنَ أحدهم بالدخول. كان فتىً جميل المحيا، وملامحه على شبهٍ بالمضيف. عقبَ وضع الفتى لعدة القهوة على المائدة وانسحابه، قلت لجان: " هل لديك أولاد غير ذلك الشاب؟ "
" بلى، لدينا ابنة تصغره قليلاً "
" لقد تزوجتَ متأخراً، أليسَ صحيحاً؟ "
" وهذا صحيحٌ أيضاً "
" لاحظتُ أنّ نصارى هذه البلاد كالأوروبيين، لناحية قلّة أفراد الأسرة "
" بلى، ولذلك يتناقص عددنا على مر الزمن في مقابل إزدياد عدد المسلمين، بالأخص لأنهم يقترنون بأكثر من امرأة "، قالها المضيف. ثم بدأ يصب القهوة في فنجانين صغيرين، ليقدم لي أحدهما. ما لبثَ أن أضافَ، متنهداً بصوتٍ مسموع: " وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فإننا هدفٌ لهجمات الرعاع المسلمين في كل سانحة؛ كأن يدخل الباب العالي في حرب مع دولة أوروبية أو عندما يحدث فراغ بالولاية على أثر عزل الباشا أو أي نزاع بين القوى العسكرية المختلفة "
" إذاً، من الحكمة ألا أقيم بين ظهرانيكم؟ "، تساءلت بنبرةٍ مُداعِبة وأنا أقرّب الفنجان من شفتيّ. تلقاء نظرة الصديق الحزينة، عدتُ أقول بلهجة جدّية: " الحقيقة أنني أرغب لو يتاح لي السكنى في إحدى ضواحي المدينة، كوني أعتدتُ على الحياة الريفية مذ فتحت عينيّ على نور الحياة "
" لا يخلو السكنى في الضواحي من الخطر، بسبب نزاعات العسكر؛ اللهم إلا ضاحية الصالحية، البعيدة نوعاً ما عن أسوار المدينة. على أيّ حال، سأبدأ منذ الغد بسؤال معارفي عن منزل مناسب، إن كان في الضواحي القريبة أو في أحد حارات المدينة القديمة "
" وأنا ممتنن لك سلفاً، كما أنني أشكرك على الضيافة الكريمة "، قلت ذلك ثم تزحزحت عن مكاني مُظهراً رغبتي بالذهاب. كان الوقتُ على شفا الأصيل، وشئتُ العودة إلى الخان قبل حلول العتمة. بادر المضيف للقول، فيما ينهض بدَوره: " كان بودي استبقائك على العشاء، لكن لنؤجل ذلك إلى الغد. وآمل أن يحضر العشاء أصدقاءٌ مقربون، بعضهم يعمل معي "
" بكل سرور، يا صديقي "، أجبتُ بينما أنهضُ من مكاني. عاد الصديق إلى القول، مبدياً رغبته في مرافقتي إلى الخان. استحسنتُ الفكرة، برغم أن مظهري، ككل، يوحي بأنني من سكان المدينة المسلمين. بقيَ أن أذكر، بأنّ الضيف " المسلم " كان يتبادل الحديث مع مضيفه المسيحيّ باللغة الفرنسية!

3
في اليوم التالي، ولحين إقتراب موعد تلبية دعوة العشاء، تابعتُ جولتي في المدينة القديمة. الآبدة الكبرى، ولا شك، هي المسجد الأمويّ، المشاد على الهيكل الرئيس لكاتدرائية يوحنا المعمدان. لكنني أجّلتُ زيارة المسجد ليوم آخر، طالما أنّ عينيّ وقعتا أولاً على أثر لا يقل عراقة وعظمة. إنها القلعة، المنسوبة للعهد البطوليّ الأيوبيّ، وكانت دمشق قد عادت زمنئذٍ لتضحي عاصمة عالمية شأنها في زمن الأسلاف الأمويين. مع أن هذا الصرح الشامخ كان يرى بوضوح من موقفي أمام الخان، كان عليّ أن أصل إليه من خلال متاهة دروب ودورات ومنعرجات. أخيراً، تنفستُ الصعداء مع وصولي القلعة، المتبدية مع مدخلها وأسوارها وأبراجها كما لو أنها مدينة داخل مدينة.
في حقيقة الحال، أنني رأيتُ فيما مضى قلاعاً أكبر وأقوى تحصيناً، سواءً في فرنسا أو إيطاليا. لكن القلعة الدمشقية تُشعر المرء بالرهبة، بشكلها الشبيه بحيوان خرافيّ؛ رأسه في المدخل، وجسده في البناء المضلّع المتطاول، وقوائمه في الأبراج وعددها اثنتا عشر برجاً. لكي يُضفى المزيد من الرهبة على عمارتها، جُعلت الحجارة من البازلت وكانت منحوتة باتقان ليبدو كلّ منها على هيئة الماسة. ولو سئلتُ عن ماهيّة ذلك الحيوان المجازيّ، لقلتُ أنها الهولة؛ مثلما صوّرها الشاعر الإغريقيّ، وهيَ تحرس مدينة " طيبة ". لكن هذا المجاز فيه شيءٌ من الواقع، ما لو علمنا أنّ دمشق انفتحت على الثقافة اليونانية منذ أن أجتازها الإسكندر الأكبر في طريقه إلى مصر.
أعود إلى الواقع، لأضيف أن القلعة منتصبة ووجهها إلى ناحية الشرق، فيما خندق عريض يحيطها من جوانبها. لكن جانباً من الخندق رُدمَ في الناحية الشمالية، لينهض في مكانه سوقٌ عظيم، استمدّ اسمه من اسم السلطان العثمانيّ الحاليّ، الذي أمرَ بتوسعته وسقفه. مدخل القلعة، أين قبعت حامية صغيرة للحراسة، زين بسلسلتين زخرفيتين من الحجارة المنحوتة بشكل بديع. ولقد تجاوزتُ أولئك الحراس الإنكشاريين بفضل ملابسي المموّهة شخصيتي، لأجد نفسي داخل الحصن. ثلاثة مدافع كبيرة، كانت أول ما استقبلني هنالك وفوهاتها باتجاه القسم العلوي من باب القلعة. ثم تابعت المشي نحو بناء منيف، علمت أنه يدعى " القصبة "، حيث يجري فيه سك النقود. قيل لي ثمة، أنها مهمة يتولاها عدد من الخبراء اليهود. المبنى، يرتفع فوقه قبة عظيمة قائمة على أربع عضائد هائلة الحجم، أجزم أن في وسعها حمل قبة " سان بطرس " في روما.غير أن أعاجيب الفن وجدتها هناك، في آخر الفناء، حيث القبة المزخرفة بآيات النقوش الذهبية، المشكلة سقف مجلس الديوان، والتي لا أعتقد وجود ما يضاهيها سوى في " قصر اللوفر "، الباريسيّ. كونها قلعة حريية، ما عتمت مساكن الحامية أن بانت لي على جانبيّ الفناء الأرضيّ، وكانت الحجرات أنيقة ومعتنى بنظافتها. بعضُ العساكر، وكانوا مجتمعين عند مدخل إحدى الحجرات لتبادل الحديث، راحوا يتطلعون إليّ بفضول. كانوا يتكلمون العثمانية، لكنني هجستُ بكون أصولهم تعود إلى شبه الجزيرة الإيطالية. " الدمُ يحنُّ "، كما يقول الشوام. إلا أنني فضّلتُ اختصارَ جولتي، والعودة بسرعة إلى مدخل القلعة، مجتازاً الفناءَ فيما الظلال تتكاثف على جانبيه.

وإذاً، أوقفت جولتي في الوقت المناسب قبل أن يتفطّن عناصرُ الحامية إلى حقيقة شخصي. لكن الذوق السليم أوحى لي التوجه إلى منزل جان، قبل موعد العشاء بساعة على الأقل. أردتُ أن نكمل حديثَ الأمس، أملاً في الحصول على معلومات جديدة عن الولاية السورية بشكل عام. الذوق أيضاً، حملني أن أجلب معي هدية للمضيف، وكانت خنجراً دمشقياً جميلاً، لُبّسَت قبضته بالعاج وزيّن غمده بلمسات فضية. فتحَ لي الباب الابنُ، وكانت طريقة استقباله لي تشي بخصلة الخجل والحياء في طبعه. وهوَ ذا والده يظهر من خلف ظهره، ليدعوني إلى الدخول. سبقني المضيف إلى حجرة الاستقبال ذاتها، التي جلسنا فيها يوم أمس. عبقُ الطعام، وكان يلوح شهياً، كان يملأ الفناء لما أجتزته في طريقي إلى الحجرة. المضيف، لاحَ أيضاً أنه قرأ في ملامحي ما يدل على قيامي بجولة طويلة في المدينة.
قال لي مبتسماً: " أظنك آتٍ من جولة مُجهدة على الأقدام، أليسَ صحيحاً؟ ". لعلني سلوتُ حتى الآنَ الإشارة إلى أننا كنا في منتصف شهر أيار/ مايو، حيث ترتفع درجات الحرارة في المشرق. علمتُ أيضاً أنه اقتربَ، شهرُ رمضان، الذي يصوم فيه المسلمون. كنتُ إذاً متعرّقاً، وما لبثَ المضيف أن ناولني قدح ماء. بعدما شربتُ، ناولته بدَوري الهدية. أخذ يتأمل الخنجر بإعجاب، فيما لسانه يعبّر عن الشكر. قلتُ له على الأثر، مجيباً تساؤله: " اكتفيتُ برؤية القلعة ". قاطعني الرجلُ متسائلاً، وقد جحظت عيناه قليلاً بفعل الدهشة: " أتعني، أنك رأيتَ القلعة من الداخل؟ "
" نعم، هذا ما فعلته "، أجبتُ ضاحكاً، ثم أضفتُ: " لكنني انسحبتُ في الوقت المناسب، بعدما لحظتُ أن بعضَ الجند هناك يتطلعون إليّ بطريقة توحي كأنهم غير مقتنعين بأنني من ملّة الإسلام برغم تموّهي بالملابس المناسبة "
" لقد جازفتَ بنفسك، يا صديقي، لأن أولئك الإنكشاريين في غاية الشراسة ولا يسألون على الوالي نفسه. في المرات المقبلة، حاول زيارة أمكنة خالية من الجند؛ كالمسجد الأمويّ، مثلاً "
" كنتُ سأزوره بالطبع، لكنّ منظر القلعة اغراني بالدخول إليها أولاً "، قلتها دونَ أن تزايلني نبرة المرح. ثم سألته عن أماكن أخرى في المدينة القديمة، يُمكن التعريج عليها. فرد بالقول: " ثمة قصر العظم، وأعتقدُ أنني أستطيع تدبير دخولك إليه، كوني أعرفُ هناك أحد الموظفين المرموقين ".
اهتممتُ بقوله، دونَ أن يخطر لذهني، بالطبع، أنه في ذلك القصر ولدت قبل نحو ثلاثين عاماً مَن ستضحي حبيبتي ومعذّبة قؤادي.

4
ما عتمَ أن حضرَ أولُ الأصدقاء، وكان شخصاً قصير القامة، حركاته وملامحه توحي بالنشاط والحيوية بحيث لاحَ أصغر من المضيف بنحو عشرة أعوام. قدّمه لي هذا الأخير، بالقول: " غابي؛ وهوَ أيضاً من الوكلاء التجاريين للقنصلية الفرنسية ". صافحني الرجلُ، فيما يشمل هيئتي الغريبة بنظرة باسمة. كذلك فعل الصديقان الآخران، اللذان قدما معاً على الأثر. لكن أحدهما، المدعو " خليل "، كان مسلماً، وقد عبّرَ عن دهشته بلغتي العربية مع علمه مسبقاً بكوني نبيلاً فرنسياً. كذلك كان في الحلقة الثالثة من عمره، وعلى قدر من الوسامة شأن الكثير من الشبّان الدمشقيين. غبَّ اكتمال عدد المدعوين، بدأت أصنافُ الطعام تنتقل تباعاً إلى حجرة الاستقبال، لتفرش أمامنا على الطاولة الواطئة.
المطبخ الشرقيّ، لم يكن غريباً على ذائقتي؛ أنا مَن تنقلتُ بين القسطنطينية وبيروت وصولاً إلى دمشق. عليّ كان أن أُدهش بدَوري، لما وُضِعَ في متناول أيدينا دورقٌ كبير من النبيذ مع خمسة أقداح بلورية: " على ما يبدو، فإنني والشاب المسلم نتقمّصُ شخصيةَ بعضنا البعض. اللهم إلا لو استعمل قدحَهُ لشرب الماء "، خاطبتُ نفسي. لكنه الاحتمال الأول، مَن تحققتُ صحّته.
قال المضيفُ، رافعاً يده بالقدح المترع بالخمر: " سنشربُ بصحّة صديقنا، القادم من البلاد المشهورة بأجود أنواع النبيذ ". حينَ رفع البقية أقداحهم، بما فيهم الصديق المسلم، لم يكن مني سوى التعليق ضاحكاً: " والبلاد المشهورة، اليومَ، بثورة العوام على النظام الملكيّ ". لقد استعملتُ العربية الكلاسيكية، بينما تكلم الآخرون بالفرنسية على سبيل اللياقة. هذا دفع المضيف لإبداء ملاحظته، بالتوجّه إليّ متسائلاً بالفرنسية: " أراك تفضّل التحدث بالعربية، مع معرفتك بإجادتنا للغتك؟ "
" ويسرّني أكثر لو تكلمتم مع بعضكم البعض باللهجة الدمشقية، لكي يتسنّى لي تعلّمها مع مرور الأيام "
" سنفعل ذلك، يا صديقي، مع بالغ السرور "، قالها المضيف بالعربية ثم أضافَ بنبرة دعابة: " وأعدك أنك ستتعلمها بشكل سريع، بحيث لن تضطر للهرب حينَ يظهر أمامك بعضُ الإنكشاريين! ". ثم ما لبثَ أن قصّ عليهم ما وقع لي في القلعة، لينتهي إلى القول: " من حُسن حظ صديقنا، فوق ذلك، أنه قدم إلى المدينة وهيَ هادئة عقبَ حصول صراعٍ دمويّ بين الباشا والإنكشارية في العام المنصرم ".
قلتُ معقّباً على كلام المضيف: " أرغبُ لو تتفضّل بذكر ما جرى في ذلك العام، ولو بعباراتٍ مختصرة ". هزّ الرجلُ رأسَهُ، وانتظر كي ينتهي من مضغ وازدراد لقمته قبل أن يتكلم، مستخدماً الفرنسية مجدداً وربما من غير وعي: " نعم، سأفعل ذلك. لكن دعني أولاً أجهز على هذه البطة المشوية، عقاباً لها على ما جشّمته للصياد من تعب عند صيدها ". قالها وأطلق من جديد قهقهته الصاخبة. بادرت بالقول، بعدما هدأ ضحك الحضور: " يسعدني أن المطبخ الشرقيّ قريبٌ لمطبخنا الفرنسيّ، لناحية تعدد الأصناف "
" ألم تلحظ أيضاً، يا سيّدي، أنّ أهل البلاد يمتنعون عن الكلام أثناء الأكل؛ أي عكس عادتنا الآنَ في هذا المنزل الكريم؟ "، سألني السيّد خليل بطريقةٍ تعبّر عن الاحترام. لكنني ظننتُ أنها عبارة تنتقد مسلكي، لولا أن المضيف تولى الإجابة بنبرته المداعبة واللاذعة: " لا شكّ أننا تأثرنا بالفرنسيين، لطول معاشرتنا معهم من خلال العمل. مثلما أن الحي المسيحيّ مضروبٌ عليه شبه عزلة، بالأخص في أعوام الشدائد ". سكتَ الرجل، وما عتمَ أن التفت نحوي ليقول: " وسأتكلم الآنَ عن إحدى أعوام الشدائد تلك، نزولاً عند رغبتك ".

تهيأ المضيف للكلام، بأن مضمضَ فمه بجرعة من النبيذ على سبيل الإيحاء بفراغه من الأكل: " في الواقع، أن حالة القلاقل هنا كأنما كانت صدى للثورة الفرنسية والتي اتفق أن حدثت في نفس ذلك العام. بيد أن الأحداث بدأت في عام أسبق، وفي مدينة أخرى. إذ ثار أهالي حماة على متسلم المدينة وقتلوه مع جماعته، تأثراً بما عانوه من ظلم وسوء معيشة. لما وصل الخبرُ لباشا الشام، وكان هذا لا يقل ظلماً وقساوة، أعلن على الملأ سعيه لجمع الجيوش وتوجيهها إلى حماة كي يقتل سائر أهاليها انتقاماً لما فعلوه. في الحال، أجتمع سراً أعيانُ دمشق مع ممثلين عن العسكر والأصناف، فقرروا كتابة عريضة للباب العالي تعرض القضية مع التحذير بأنّ الغليان العام في المدينة شبيه بمثيله في حماة ويُنذر بالأسوأ. يبدو أن العريضة لاقت صدىً طيباً في ديوان الباب العالي، كما تجلى ذلك بسرعة إرسال قبجي إلى دمشق، يُبشّر بعزل الباشا وتعيين وال جديد بمكانه. لذا لم يغفر الباشا المعزولُ لأعيان المدينة، وحاول العودة لمنصبه عن طريق متسلّمها، المعيّن من لدُنه ريثما يحضر من يخلفه. الباشا الجديد ( ويلقب ب ‘ أوزون ‘ بالنظر لقامته الطويلة )، مرّ في طريقه إلى الشام بمدينة حماة، فقام هناك بحبس أكابرها كعقوبة على تجاسرهم بالوقوف مع العامّة أثناء الثورة، ولم يطلق سراحهم إلا عندما دفعوا له ألف وخمسمائة كيس. ثم ما لبث موكب أوزون باشا أن إتجه إلى طرابلس الشام، كون القائم عليها من أقاربه، فبقي هناك بعض الوقت لتسوية مشكلاتٍ بين الأمراء اللبنانيين في البقاع والجبل. كمألوف العادة في تلك البلاد، أن الأمور تعود غالباً لما كانت عليه عقبَ مغادرة باشا الشام، وينتهي كل شيء دون نتيجة سوى خسارة أموال الرشاوى. بوصول أوزون باشا للشام، سبقته أخبار إنهزام الدولة العثمانية في الحرب مع تحالف أوروبي من روسيا والنمسا واسبانيا. وللمصادفة، حصل كسوف الشمس وكان الوقت بداية شهر رمضان. فأشاع ذلك الخوف في المدينة، فقيل أنها من علامات قرب الساعة ".

5
أخذ المضيفُ جرعةً من قدحه، ثم واصلَ رواية الأحداث: " هكذا كان الوهم عند مسلمي المدينة في ذلك العام، لما قدم أوزون باشا. أما النصارى، وأعني طائفتنا الكاثوليكية، فإنهم نكبوا عامئذ بوفاة البطريرك بعد أن استقام في منصبه ستاً وعشرين سنة. فور وصول والي الشام، أمر بجلب أمير متاولة جبل لبنان، فطلب منه دفع خمسة عشر كيساً كانت قد انفقت لمساعدته على ابن عمه ومنافسه. هذا الأخير، استغل ذهاب الباشا الى الحج كي يرشي المتسلم ليأمر بخنق الأمير وهو في محبسه. كما وتلقى المتسلم رشوة أخرى، بموافقته على مجيء القنصل الفرنسي من بيروت الى دمشق لتفقد أحوال طائفة الملكيين. فلما رجع الباشا من الحج، فعلم بما جرى في غيابه، أمر بإحضار المتسلم. لكن المذكور، كان قد استبق الأمر وتآمر مع آغاوات القابيقول وأعيان المدينة. بالنتيجة، أُجبرَ الباشا على الهرب إلى مدينة حمص بعدما ثار عليه الأهالي وقتلوا ما يزيد عن ثلاثمائة من عسكره. علم الباب العالي بما حل بالباشا، فأرسل أوامر إلى ولاة جبل لبنان وطرابلس وعكا بأن يحشدوا الجيوش لاخضاع مدينة دمشق. فاتجهت تلك الجيوش برفقة عسكر الباشا، لتنفيذ فرمان السلطان. لكن آغاوات الانكشارية، من ناحيتهم، عمدوا الى تحصين المدينة وإغلاق أبوابها. تم تشديد الحصار على دمشق، ما سبب مع مرور الأيام نفاد المؤن والغلاء. مع حالة المجاعة العامة، تخلى الأهالي والأعيان عن المتسلم، فهرب إلى حمى الانكشارية في القلعة. عندئذ دخل اوزون باشا الى المدينة، وما أسرع أن فرض الحصار هذه المرة على القلعة وضَرَبها بالمدفعية. وقيل، أن والدة آمر القلعة واثنين من نسائه متن في القصف. إلى الأخير، أجبر الجوعُ آمرَ الانكشارية والمتسلمَ على الهرب من القلعة، وما لبث عساكرها أن خرجوا من بوابتها ليقتلوا الواحد بأثر الآخر. ثم علم الباشا أن المطلوبين الهاربين محتمون عند آغا الدالاتية، وهوَ طاغية أصله من الأكراد وكذلك معظم جماعته. فلما أُمر الرجلُ بتسليم المطلوبين، أجاب بالرفض بتعلّة كلمة الشرف. لكن الآغا، خشية غضب الباب العالي، ما عتمَ أن هرّبَ الرجلين إلى مضارب أمير عرب الموالي في البادية ".
طريقةُ قص الواقعة، كانت مفعمة بالسخرية والموضوعية؛ بحيث يعتقد المرءُ المستمع أنها جرت في بلاد بعيدة. هذا جعلني أفكّر، ما لو كان نصارى الولاية السورية يعدّون أنفسهم خارج تصنيف المواطنة. لكنني علّقتُ على الواقعة، بسؤال راويها: " هل عفا الباشا عن الدمشقيين، أم عرّضهم لانتقامه كما فعل بالانكشاريين؟ "
" نعم، لقد أكتفى الباشا بافراغ غلّه بأسرى القلعة وطويت الصفحة. على هذا المنوال، تجري الأمور في البلد "، ردّ المضيف. ثم استدرك القول، متفكّهاً: " بيد أنني لا أستطيع الجزمَ، ما لو نقلتُ الواقعة بشكل متسلسل ودقيق. إذ ليسَ من السهل على نصرانيّ مثلي الوصول إلى معين الأحداث، كون جماعتنا في أوان الصراع فُرضَ عليها حصارٌ مزدوج: حصارُ الباشا للمدينة، وحصار المتعصبين المسلمين لحيّنا ". قال جملته الأخيرة، رامقاً الضيفَ المسلم بنظرة سريعة.
فقال خليل، مؤيداً كلام المضيف: " في حقيقة الحال، لا يحتاج الزربُ لفتاوى مشايخ الفتنة، طالما أن ديدنهم هو فرض الخوات وأعمال النهب والسلب ".
عاد مضيفنا للقول: " في تلك المرة، كانت خواطرُ المسلمين مثارة بسبب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب. ولقد وجدها الأشرارُ سانحة مناسبة، لإثارة النقمة على نصارى البلد ككل. هذا، برغم أن طائفة الملكيين محسوبة على الفرنسيين، المتضامنين مع الباب العالي في صراعه مع روسيا والنمسا وإسبانيا. وأعني بالطبع المملكة الفرنسية؛ أي قبل نشوب الثورة في باريس ".
عند ذلك، أبديتُ هذه الملاحظة: " ربما يحافظ ثوارُ باريس على تقاليد الصداقة مع الباب العالي، بالنظر إلى أن خصمَهم مشتركٌ؛ وهم الأنظمة الملكية في أوروبا، التي قامت على قدم وساق لإعادة النظام السابق إلى عرش فرنسا "
" وأرى علامة على ما تقول، باختيارك المنفى في إحدى حواضر الدولة العثمانية "، عقّبَ المضيفُ على كلامي. وأضافَ، متوحّهاً بكلامه إلى صديقه المسلم: " وبالمناسبة، فإن المسيو ديبوربون يسعى لإمتلاك بيتٍ في المدينة وهو يطلبُ مساعدتنا ". بقيَ المخاطَبُ يفكر لحظات، فيما كان يمسح شاربيه الأنيقين من أثر الزفر، قبل أن يجيب: " أعرفُ رجلاً تاجراً، اشترى منزلاً في حي القيمرية ثم هجره لسببٍ في غاية الغرابة ".
بادرَ المضيفُ لمقاطعة المتحدث، متسائلاً: " آه، أنتَ تعني منزلَ ذلك النبيّ المزعوم؟ ". هزّ الآخرُ رأسه موافقاً، وقال: " بلى، وما زال المنزلُ مهجوراً ومعروضاً للبيع. لكن الناس أعرضوا عن شرائه، لما قيل عن لعنةٍ حلّت به. ومبتدأ الأمر، أن قبر المالك الأصليّ موجودٌ في حديقة المنزل، فلما أراد المالك الجديد إزالته فإنه سقط أرضاً وبقيَ مشلولاً فاقدَ النطق لعدة أسابيع ".
سألتُ المتكلّم وقد أثارت القصة فضولي: " هل كنتَ تعرفُ ذلك الرجل الراحل، الموصوف بقدرته على النبوءة؟ ".
فقال خليل مبتسماً: " لا، لقد رحلَ ‘ النبي كيكي‘ عن العالم عندما كنتُ بعدُ في القماط. لكن الناس ما زالوا يقسمون باسمه، ولو على سبيل التفكّه ". كنتُ في الأثناء أفكّرُ، أن المنزل سيكون زهيدَ الثمن بما أن أحداً لا يرغب بشرائه. عندما نقلتُ الفكرة على لساني، علّقَ خليل بالقول: " إذاً سأكلم صاحبَ المنزل غداً، ولو أردتَ ففي وسعك المجيء معي "
أجبتُ بنبرة رجاء وأمل: " سأفعلُ ذلك، وإني لك من الشاكرين ". ثم عرّجنا على حديث آخر، وما لبث جمعنا أن انفضّ في ساعة مبكرة من الليل.
في مساء اليوم التالي، شعرتُ بنفسي أنني أضحيتُ مواطناً دمشقياً، وذلك عقبَ امتلاكي لمنزل دَعيّ النبوّة.

* الكتاب الثالث من العمل الروائيّ، " الأولى والآخرة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهل هذا واقع أو خيال
عبد الله اغونان ( 2021 / 2 / 14 - 08:17 )
هل هي رواية متخيلة أم وقعت فعلا

اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة