الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدال والمدلول وما بينهما

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 2 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
١٦ - الدال والمدلول وما بينهما
تسائل سبينوزا أو آنتيستن يطرح بالتأكيد جملة من القضايا الفكرية واللغوية والتي ما تزال قائمة حتى اليوم على الساحة الفكرية في عالم الفلسفة والفلسفة اللغوية والإبستيمولوجيا. ورغم التقدم الكبير الذي أنتجته الفينومينولوجيا في هذا المجال، إلا أن تبعثر المعارف الفكرية وتشتتها، وكارثة فكر ما يسمى "ما بعد الحداثة" أدى إلى تعثر الفلسفة وتقهقرها إلى عصور مظلمة. ما هي إذا هذه العلاقة السحرية القائمة بين الكلب الحقيقي الذي ينبح هناك في الشارع، وبين كلمة "كلب" المكتوبة بالإشارات والحروف أو المنطوقة بالأصوات ؟ ما هي ميكانيكية الإنتفال من الشيء - الكلب الحيوان الحي المتحرك إلى فكرة أو مقولة أو كلمة "كلب" المخزونة في هذه الحروف القليلة الملقاة على الورقة ؟ القضية تتعلق بما يسمى بـ" الدلالة" Signification. الكلمات تدل على أشياء حقيقية، مادية أو غير مادية، الكرسي والطاولة والسرير هي أشياء نستعملها في حياتنا اليومية للجلوس والكتابة والنوم. الدلالة هي العلاقة التي نتجاوز فيها أحد الحدين - الدال - إلى ما يدل عليه. فكلمة كلب مثلا، توجه إنتباهنا إلى الكلب الحقيقي الذي ينبح ويعض و ويحرك ذيله فرحا ويتبع سيده، وتجعلنا نتجاوز هذه الحروف أو الأصوات المكونة للكلمة. وهذه الحروف والأصوات ما هي إلا عملية إتفاقية بين أعضاء مجموعات إجتماعية وثقافية محددة. فاللغة الإنجليزية تستعمل كلمة Dog والفرنسية كلمة Chien واليونانية كلمة σκύλος والأمازيغية ayeddi للدلالة على الكلب. فكل هذه العلامات المختلفة تشير إلى نفس الحيوان الأليف صديق الإنسان كما يقال. فالدلالة إذا هي علاقة متفق عليها تجعل شيئا ما حاضرا يحل محل شيء آخرغائبا كان أم حاضرا. فاللغة إذا هي مملكة الدلالات بلا منازع، حيث تعلم الإنسان منذ العصور البدائية أن يشير إلى الأشياء التي تملأ العالم بواسطة علامات صوتية في البداية ثم بواسطة حروف منقوشة تمثل هذه الأصوات.
الفكر الإنساني منذ الإرهاصات الأولى، استعمل "اللغة" لترويض العالم والغوص في ثناياه ومساماته الداخلية والخارجية، واعتبر اللغة إحدى دعائم النظام الكوني الذي بدأ في تشييده طابقا بعد طابق، وأحد أركان أو أضلاع المربع السحري الذي أقام عليه قلعته الفكرية والفنية والفلسفية والدينيه، من ألتاميرا Altamira ولاسكو Lascaux وشوفي La grotte de Chauvet وتاسيلي، إلى جلجامش وعشتار وإنكيدو، من ألواح ما بين النهرين إلى كتاب الموتى الفرعوني إلى الأوديسه والإلياذة .. من سور الصين إلى الأهرام إلى برج بابل، اللغة كانت دائما وسيلة للبناء وهدف للبناء. إن ما يمكن تسميته بالمربع العقلي الذي بنيت عليه كل الأنظمة الفلسفية والدينية والفنية والذي تتكون أضلاعه من الإنسان (الوعي)، الله (المتعالي)، الطبيعة (النومينون أو الشيء في ذاته) ثم اللغة (الفكر والمفاهيم المجردة). هذا المربع السحري هو أساس الأساطير التأسيسية للفكر الإنساني منذ البداية حتى اليوم. وقد تطور كل ضلع من هذه الإضلاع، حسب الزمان والمكان والتضاريس الحضارية مكونا مربعات أخرى. الفلسفة اليونانية أهتمت بالطبيعة وشيدت على هذا الضلع مربعا آخر يتكون من العناصر الأربعة الماء والهواء والتراب والنار، وبعضهم الآخر أهتم بفكرة الله العلة الأولى اللامتناهي والمتعالي الأزلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد