الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هنري برجسون   (1859 - 1941)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 2 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



13/2/2021

فيلسوف مثالي لا عقلاني فرنسي، يعتبر أحد أبرز فلاسفة "الوعي الحديث" في مرحلته الانتقالية بين القرن الـ19 والقرن الـ20، كان نفوذه واسعاً وعميقاً، فقد أذاع لوناً من التفكير، وأسلوباً من التعبير، تركا بصماتهما على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينيات (القرن العشرين) ولقد حاول أن ينقذ القيم التي أطاحها المذهب المادي، ويؤكد إيمانا لا يتزعزع بالروح"([1]).
فالزمن والعالم –الحقيقيين- عند برجسون –كما يقول سامي خشبة- "هما "التيار المتدفق المتواصل غير المقسم ولا المجزأ"، وبذلك فإن العالم الحقيقي، ليس إلا صيرورة مستمرة، او تقدما – أو تحولاً بلا نهاية- وهو ليس تحولاً حتمياً ولا هو محكوم بقوانين داخلية صارمة – بعكس ما قاله ماركس- وإنما هو مدفوع بالطاقة الحيوية الكامنة"([2]).
في عام 1888 كتب أول مؤلف له "الزمن والإرادة الحرة" وأعقبه بكتاب آخر بعد ثمانية أعوام وهو "المادة – والذاكرة" وهو أشد كتبه صعوبة، "وفي كتابه: "مقدمة للميتافيزيقا" (1902) أوضح التناقض بين الحقيقة الديناميكية المتغيرة أبداً وبين المظهر الثابت، الاستاتيكي، وطبقة على عمل العقل، باعبتار أن "الحدس" محور عملية الادراك، هو مكتشف الحقيقة، بينما لا يقوم الذهن – الذي يلجأ إلى التحليل – ألا بدور خادم الارادة، وذاع صيته في العالم عام 1907 –كما يقول ديورانت- "بعد أن أخرج إلى العالم أروع كتبه "التطور المبدع" وأصبح في يوم وليلة أكثر الشخصيات شعبية في عالم الفلسفة، على الرغم من موقفه الفلسفي النقيض للفلسفة المادية"([3]).
"يتساءل برجسون: إذا كان الوجود بكل ما يحوي في لحظة معينة نتيجة آلية للِحَّظَة التي سبقتها، دون أن تكون هنالك قوة مُدرِكة تُنشِيء وتَخلق وتختار، واذا كانت تلك اللحظة السابقة اثرا آلياً للتي سبقتها، وهكذا دواليك، فنحن سنرجع في هذا التسلسل إلى أن نصل إلى السديم الأول، ونتخذ منه سبباً لكل ما طرأ على الكون من أحداث، وأن نعتقد بأن السديم هو السبب في كل سطر كتبه شكسبير وانه العلة في فصاحة "هملت" و"عطيل" و"مكبث" و"ولير" في كل جملة وعبارة قالوها"([4]).
العقل والمخ:
يقول برجسون"إننا بطبيعتنا نميل إلى النزعة المادية، لأننا نميل إلى التفكير في صيغة المكان، ولكن الزمان أمر جوهري كالمكان، ولا شك أن الزمان هو جوهر الحياة، وقد يكون جوهر الحياة كلها، وما ينبغي علينا فهمه هو أن الزمان تراكم ونمو ودوام، والدوام هو استمرار تقدم الماضي الذي تتزايد أحداثه قليلاً إلى أن يتضخم ويكون المستقبل، فليس الإنسان –كما يقول برجسون- آلة ميكانيكية كما صوره الماديون لا حول لها ولا قوة، بل مركز قوة منبهة، وقوة خالقة متطورة، وينتج عن الإدراك حرية الإرادة، وكوننا احراراً يعني اننا نعرف ما نفعل، وبالتالي يخطئ اذن من يحسب الإنسان آلة صماء في يد القوانين المادية، انما هو كائن مدرك، حر الإرادة قادر على اختيار سلوك معين، والاختيار خلق وانشاء، فليس الإنسان رتيباً في حياته كالحيوان المحدود بغرائزه، إذن ليس العقل والمخ شيئاً واحداً، صحيح ان الإدراك العقلي يعتمد على المخ وينحط معه، ولكن كما تعتمد الملابس على علاقة الملابس تهوي معها اذا ما سقطت من مكانها"([5]).
"يستنتج من هذا –كما يضيف ديورانت- "أن العقل –عند برجسون- ليس هو الاداة الصالحة لادراك الحياة لان هذا مطلب فوق مقدوره، واكثر مما يستطيع، اذ ان العقل كما بينا يميل إلى استعمال الوجود لصالحه، وهذا يتطلب منه وقف تيار الحياة الذي يدب في الكون وتجزئة الوجود ليتمكن من دراسته جزءاً جزءاً، فالعقل والحواس آلات للتجزئة، والغاية منهما تيسير الحياة لا تصوير الوجود، أي أنها تتناول الوجود في ظاهره، ولكنها لا تنفذ إلى باطنه.
ولما كانت المعرفة الحقيقية هي التي تتمشى مع الوجود في تحوله، وتتغلغل في بواطن الأشياء، وتحسها احساساً مباشراً كما يحس الحمل الوديع وجوب الفرار من غائلة الذئاب، فالبصيرة وحدها هي الاداة الصالحة لذلك النوع من المعرفة المباشرة لأنها حاسة الحياة التي تنقل الينا الوحدة الحيوية التي تربط أجزاء الوجود"([6]).
يعتبر الفيلسوف المثالي الفرنسي هنري برجسون من كبار ممثلي اللاعقلانية المعاصر، كان بارعاً في مزجه بين الأفكار، التي استعارها من اللاعقلانية الألمانية (شيلنغ في أواخر أيامه، وشوبنهاور)، وبين الأفكار الروحانية واللاعقلانية، التي أخذها من المثاليين الفرنسيين.
إن فلسفة برجسون لاعقلانية، كفلسفة نيتشه، لكنها تتميز عنها بأن النزعة اللاعقلانية فيها جاءت أقل جلاءً وأخف وطأة. يرى برجسون أن "المهمة الأساسية للفلسفة هي "التخلص من وجهة نظر العقل"، ذلك أن الحياة، وهي جوهر العالم، لاعقلانية، تماماً كمحاولاتنا العقيمة لإدراك كنهها، إن برجسون ينطلق من الحدس باتجاه أعماق الوعي الذاتي، ثم إلى الوعي المجرد غير المرتبط بذات معينة، إلى الروح، التي هي عنده جوهر الحياة والكون بأسره؛ وبعدها ينتقل من الذهن والفعل إلى الخارج، إلى الاجسام، التي يمتلئ بها المكان، إلى المادة، ذلك إن نفاذ الحدس إلى أعماق حياة الوعي يكشف عن ماهيتها الباطنية، عن ديمومتها، التي هي، عند برجسون، شعور الذات بالزمن، إن الديمومة "أساس وجودنا، وجوهر الأشياء جميعاً.
يركز برجسون اهتمامه على حياة الوعي، التي تتفتح في الديمومة، ليعارض بها عالم المادة، وهو ينظر إلى المادة نظرة ميكانيكية بحتة، فهي، في رأيه، جوهر عاطل، خامل، ميت؛ هي الأشياء التي ليس لها سوى أن تمتد في المكان؛ إنها دائرة من التكرار الدائم والرتيب""([7]).
إن "التعارض بين الديمومة وعالم الحياة النفسية، من جهة، وبين عالم المادة والأجسام الصلبة، من جهة ثانية، يشكل، عند برجسون، الركيزة الأولى لنقد العقل، والموضوع الأساسي لفلسفته، أما الركيزة الثانية في نقد العقل فهي الفصل بين النظر والعمل، بين المعرفة والفعل، ومعارضة أحدهما بالآخر، لكن برجسون يعترف أن الإنسان، بوصفه جسماً فيزيائياً أو كائناً حياً، مضطر للعيش وسط الاشياء المادية، الضرورية لحياته، وهو يرى أن أفعال الجسم الإنساني تصدر عن الدماغ، العاجز عن توليد التصورات، والذي لا يمت بصلة إلى النشاط الواعي، وأن العمليات النفسية لا ترد إلى العمليات، التي تتم في الجسم، وهكذا فان الفصل بين المادة والروح يتخذ، عند برجسون، شكل التوازي النفسي – الفيزيولوجي المتطرف"([8]).
يتفق برجسون مع الماديين في أن "الذهن والتفكير مرتبطان بالدماغ – مركز الفعل، لكن هذا الارتباط لا يتعدى، في نظره، كون الدماغ يدل العقل على ما هو ضروري للفعل، تاركا له حرية اختيار السبل العملية لذلك، وكذلك طرق السيطرة على الاشياء والتحكم بها، في هذا تكمن الوظيفة الوحيدة للعقل، وللعلوم التي أوجدها، فهو لا ينفي، بصورة قاطعة، دور العقل واهميته في معرفة ماهية الاجسام الصلبة الساكنة، لكنه يزعم أن العقل بعيد عن الإحاطة بالحركة، و"عاجز، بطبيعته، عن فهم سر الحياة"، "لا يستوعب بوضوح إلا الاشياء الساكنة وحدها"([9]).
ويتجلى قصور العقل في أنه يحاول استيعاب الواقع، الحي والمتغير، في أنه يوقف الحركة، يقسمها إلى لحظات سكون، ويجزئ المعقد والمتغير بارجاعه إلى البسيط الساكن.
"في نقده للمعرفة العقلية يرتكب برجسون خطاين منطقيين فاحشين، أولاً، حين يطابق بين التفكير، بأشكاله المختلفة، وبين التفكير الميتافيزيقي، الذي يتعامل مع مقولات ساكنة لاتتبدل، وعاجز، بالتالي، عن الإحاطة بالحركة، عن فهم ماهية التطور.
ان عيب الفكر الميتافيزيقي هذا لا يدفع ببرجسون إلى تبني الفكر الديالكتيكي، وإنما يؤدي به إلى التخلي النهائي عن الفكر المنطقي، كأداة للوصول إلى الحقيقة.
ثانياً، حين يحاول البرهنة على عجز العقل عن إدراك الحركة والحياة، فيستعيض عن الحركة والعمليات، القائمة موضوعيا، بالديمومة، أي بمعاناة الذات لتيار الوعي، وبما أن الحياة – كما تنص الموضوعة الأساسية في فلسفة برجسون، وفي "فلسفة الحياة" عموما – لاعقلانية، لا يعبر عنها بالمفاهيم المنطقية، فان برجسون يرفض جميع السبل العقلية لمعرفة ماهيتها.
وفي الوقت ذاته نراه يحاول البرهنة على إمكانية الوقوف على هذه الماهية، وذلك من خلال مذهبه الفلسفي، وهكذا تصبح الحياة متاحة للمعرفة، لكن بواسطة الحدس المتعالي Transedental "([10]).
يقول برجسون: "الحدس نوع من الميل الذهني، يتم بواسطته النفاذ إلى أعماق الأشياء، حيث يتحد مع المضمون الوحيد، الذي تنطوي عليه، والذي لا يمكن، بالتالي، التعبير عنه".
للحدس شرطان، أولهما – التخلي القاطع عن كل مصلحة، عن كل ماله علاقة بالمنفعة، هنا يميز برجسون بين نوعين من الحدس: حدس فلسفي، يرصد الخط العام للحياة، وحدس فني، يتناول الظواهر الفردية.
أما الشرط الثاني للحدس فهو التوتر الشديد للإرادة إن الحدس يتناقض مع النشاط العادي لفكرنا، الذي يحاول إدراك العالم الخارجي إدراكاً ذهنياً، في حين يتطلب الإدراك الحدسي "اللجوء إلى العنف، وان تدفع الإرادة بالعقل خارجاً، خارج ذاته نفسها"، فالحدس يهتم، بشكل أساسي، بالأنا الذاتية، وبما أن المجهود الإرادي يستمر بلا انقطاع "فاننا نتجاوز، بذلك، حدود ذاتنا"، وتتسع ديمومة الأنا لتشمل الكون كله، بما فيها الحياة، من حيث هي عملية كونية.
إن "برجسون، الذي يحصر بحثه في دائرة الحالات النفسية، لا يرى في الحدس، الذي هو سعي الارادة للنفاذ إلى أعماق الديمومة، إلا هذا السعي ذاته.
إن الحدس ليس إلا الإرادة، التي تتامل ذاتها بذاتها، لكن هذا الحدس لم يعد، الآن، توتراً لإرادة فردية، وإنما يغدو مجهوداً كونياً سامياً، وعلة أولى للحياة، مصدر حركتها؛ إنه "نفحة الحياة"، كما يسميه برجسون، أما الحياة فهي نتاج لنفاذ العلة الروحية، الحياتية والنشيطة، إلى المادة الميتة والخاملة، في محاولة لوقف انحطاطها، إنها "الواقع، الذي يحضر في واقع يسير إلى الدمار"([11]).
إن ينبوع الحياة هو "ما فوق الوعي"، الذي يشكل المركز، الذي "تتفتح منه جميع العوالم كما تتفتح من الباقة الكبيرة"، هو الله، "والله، على هذا التعريف، ليس حاصلاً بشكل نهائي، بل هو حياة غير منقطعة، وفعل، وحرية"، هنا تتكشف فلسفة برجسون عن نزعة دينية صارخة، حيث أن "نفحة الحياة"، و"العلة الارادية الخلاقة"، تقود، في نهاية المطاف، إلى الله.
لقد "برهن العلم، بما لا جدل فيه، أن الحياة على كوكبنا جاءت نتيجة تطور جيولوجي طويل، وأن الوعي ظهر في مرحلة متأخرة جداً من تطور الكائنات الحية، لكن برجسون يحاول أن يقسم خط التطور، الذي يمر بالطبيعة الجامدة والحية، إلى جزأين، ويلقي جانباً بذلك الجزء، الذي سبق ظهور الحياة، إن الوعي، عنده هو علة التطور، هو القوة المحركة، ونفحة الحياة، وبالتالي يقف برجسون ضد نظرية داروين في التطور، ويقترب من النزعة الحيوية Vitalism، حين يعلن أن نفحة الحياة تنتقل من جنين إلى آخر، وتدفع بالكائنات الحية في طريق التطور"([12]).
آراؤه الاجتماعية:
تكتمل لاعقلانية برجسون في آرائه الاجتماعية، التي تتميز بنزعة بيولوجية صارخة، تشوبها الصوفية والروحانية، ذلك إن العلاقة الموضوعية القائمة بين الناس تعود، في رأي برجسون، إلى عوامل بيولوجية محضة؛ فليس ثمة اختلاف بين المجتمع البشري وقرية النمل، ففي كليهما تقف الغريزة أساساً للحياة المشتركة وتنظيمها.
"يطلق برجسون على الاجتماع البيولوجي للناس اسم المجتمع المغلق، الذي يضم الناس ضمن حدود القبيلة، أو المدينة والدولة، لكن الإنسان، في نظره، ليس حيواناً فحسب، وإنما هو كائن روحي أيضاً.
إن الطبيعة الإنسانية تنطوي على بدايات روحية، وهي توجد في تماسٍ دائم مع الطاقة والإرادة الإلهية، المتغلغلة في كافة أشياء العالم؛ وليس هناك من حدود لاقتراب الإنسان روحياً من القدرة الإلهية.
وبالنظر إلى طبيعة الإنسان المزدوجة هذه، هناك نوعان من العلاقات الاجتماعية، ونمطان من الاخلاق والدين، ففي المجتمع المغلق تسيطر الأخلاق المغلقة، التي ترمي إلى تدعيم وصيانة كيان الجماعة.
"هذا النوع من الأخلاق ذو طابع إلزامي، يسخر مصلحة الفرد لمصلحة المجتمع المغلق، ويفقد سيطرته حالما نتجاوز حدود هذا المجتمع، والدين الساكن، كالأخلاق المغلقة، يهدف إلى الحفاظ على المجتمع المغلق، وهو يحقق هدفه هذا بأن يفرض على الإنسان احترام الاخلاق المغلقة، ويبعث في اعماقه إيماناً اسطورياً بالخلود، والأمل في ان تمده الآلهة بالعون اللازم، ذلك إن المجتمعات المغلقة وجدت، كلها، من أجل الحرب: الطبيعة" تريد الحرب، أوعلى الأقل، أوجدت الإنسان في ظروف معاشية، تجعل من الحرب أمراً لا مفر منه". إن غريزة الحرب، المتأصلة في النفس، هي أساس كل حضارة"([13]).
يَسخَر برجسون، أحياناً، من تقسيم نيتشه للناس إلى عرق السادة وعرق العبيد، ويؤكد أنه ليس من حدود مطلقة بين هاتين الفئتين، لكن التركيب العشوائي للمجتمع، وانقسامه إلى طبقة عليا، تضم فئة قليلة من الافراد، بيدهم السلطة المطلقة، وإلى طبقة خاضعة، تضم غالية الشعب، يشكل، في رأيه، شرطاً لابد منه لكل تنظيم اجتماعي.
إن أخلاق النوع الآخر، اخلاق المجتمع المفتوح، تتجاوز حدود الجماعة، لتنادي بمبادئ، غريبة تماماً عن أخلاق المجتمع المغلق: قدسية الفرد، والحرية الفردية، ومساواة الناس جميعاً.هذه المبادئ من وضع العباقرة والشخصيات الفذة، ليس لها طابع الإلزام، بل هي دعوة، يتبناها الإنسان بملء الإرادة.
الأخلاق المفتوحة تقترن بالدين المتحرك dynamique، الذي وضعه الأنبياء والقديسون والزعماء الروحيون، إنه دين يدعو إلى الحب الصوفي لكل الناس، وهو يتغلغل بجذوره إلى أعماق الروح الإنسانية، التي تدخل في تماس حدسي مع نفحة الحياة، مع القدرة الالهية الخلاقة، هذا الدين يتبلور في المسيحية.
في المجتمع المغلق والمفتوح، كليهما، تشكل إرادة العظماء القوة المحركة للتطور، كما أن التطور الاجتماعي لا يخضع لأية قانونية، وليس هناك من عقل، مهما أوتي من حكمة، بقادر على التنبؤ بالاتجاه، الذي سيتطور فيه المجتمع، فالمجتمع يسير إلى حيث يقوده العظماء.
يقول برجسون: "نحن لا نؤمن بحتمية التاريخ؛ فليس هناك من عائق إلا وتستطيع الإرادة أن تحطمه، إذا رَغِبَتْ في ذلك، وتَحَرَّكَت في الوقت المناسب، ولا توجد، بالتالي، أية قوانين تاريخية حتمية، هذه الكلمات، التي تشكل زبدة آراء برجسون الاجتماعية والسياسية، تشير بجلاء إلى "ينبوعي" آرائه الاجتماعية: الذعر من قوانين التاريخ الموضوعية، والامل في ان تستطيع الجهود الارادية إيقاف مسيرة التاريخ الصاعدة"([14]).
في موضوع الأخلاق: قَسَّمَ برجسون الأخلاق إلى: أخلاق منغلقة، وشبهها بخلية النحل، أو النمل، وهي هنا إشارة إلى أن نواحي السلوك عند الحيوان تُرد إلى الغريزة، في حين أنها عند البشر تُرد إلى العقل. فبالمجتمع المنغلق، يتم طرد من هو يخرج على قواعده، ويذهب إلى أكثر من ذلك، فكما أن هناك مجتمعا منغلق تحكمه قواعد صارمة كالعادات والتقاليد والتعليمات القاسية في الجيش والعصابات وغيرها، فإن هناك نفس مغلقة ونفس مفتوحة. 
الأفكار السياسية:
يتناول برجسون بعض الأفكار السياسية الرئيسية، فهو "يشيد بالديمقراطية لأنها من بين كل النظم السياسية هي التي تعلو - في مقاصدها على الاقل- على ظروف المجتمع المغلق. ويرى ان السلام محاولة لتجاوز حالة الطبيعة الموجودة في المجتمع المغلق، إذ الاصل في الحروب هو الملكية سواء أكانت فردية أم جماعية، ويشيد  بقيام عصبة الأمم، لكنه يرى أن منظمة دولية تهدف إلى القضاء على الحروب يجب أن تعمل للقضاء على الأسباب المؤدية للحروب، تلك الأسباب هي تضخم السكان وعدم توزيع الثروة توزيعاً عادلاً"([15]).
"أصبح بيرجسون في بداية القرن العشرين أستاذاً في الكوليج دوفرانس، وهي أعلى مؤسسة علمية في فرنسا، أعلى من السوربون.
وفي عام 1914 انتخبوه عضواً في الأكاديمية الفرنسية. ثم سافر عام 1917 عدة مرات إلى الولايات المتحدة لإقناع الرئيس ويلسون بدخول الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا، ثم استقال بيرغسون من التعليم العالي عام 1921 لكي يكرس نفسه كليا للشؤون الدولية والسياسية. وفي عام 1927 تلقى جائزة نوبل للآداب، وخلال السنوات العشرين الأخيرة من حياته لم يؤلف إلا كتاباً واحداً هو: "المصدران الأساسيان للأخلاق والدين" (1932). وفيه يعمق المنظور الديني لفلسفته. ثم مات منغصا عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت فرنسا محتلة من قبل الألمان"([16]).
من كتبه: (ينبوعا الأخلاق والدين) و(التطور الخالق) و(الطاقة الروحية) و(المادة والذاكرة)"([17]).
"حظي إبان حياته بشهرة واسعة الانتشار في فرنسا تؤثر في دوائر مختلفة: فلسفية ودينية وأدبية، لكن حدث له العكس تماما بعد وفاته إذ حدث انصراف تام أو شبه تام عن فلسفته حتى صارت تقبع في ظلال النسيان ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم خصوصاً وقد اكتسحتها الوجودية تماماً"([18]).
 
 


([1]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
([2]) سامى خشبة – مفكرون من عصرنا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة - 2008 – ص 162+163
([3]) المرجع نفسه-  ص163
([4]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م - ص556-557
([5])المرجع نفسه – ص558 / 559
([6])المرجع نفسه - ص560 - 561
([7])جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 947
([8]) المرجع نفسه - ص 948
([9]) المرجع نفسه - ص 949
([10]) المرجع نفسه - ص 949
([11]) المرجع نفسه - ص 950
([12]) المرجع نفسه - ص 951
([13]) المرجع نفسه -ص 952
([14]) المرجع نفسه - ص 953
([15]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
([16]) هاشم صالح – بصمات الفلسفة الفرنسية على القرن العشرين – الانترنت – 8 ديسمبر 2013.
([17]) د. عبد الرحمن بدوي- موسوعة الفلسفة: الجزء الأول– المؤسسة العربية للدراسات والنشر-  الطبعة الأولى 1984 - ص321 وما بعدها.
([18]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزمن لدى بيرجسون وآينشتاين والعلاج النفسي
طلال الربيعي ( 2021 / 2 / 14 - 17:47 )
كل الشكر على مقالتك. ولكنك للأسف لم تتطرق الى المناظرة الشهيرة بين بيرجسون وآينشتاين بخصوص مفهوم الزمن. ونحن في العلاج النفسي نميل الى استخدام مفهوم بيرجسون للزمن كبديل لمفهومه الفيزياوي لدى نيوتن او آينشتاين, كما يتجسد
في
While Einstein searched for consistency and simplicity, Bergson focused on inconsistencies and complexities.
The Physicist and the Philosopher: Einstein, Bergson, and the Debate That Changed Our Understanding of Time
https://www.brainpickings.org/2015/12/09/the-physicist-and-the-philosopher-einstein-bergson-jimena-canales/
مع وافر المودة


2 - تقدير واحترام
غازي الصوراني ( 2021 / 2 / 16 - 11:46 )
تحياتي وتقديري الصديق طلال الربيعي...شاكرا لك تنبيهي للمناظرة بين بيرجسون واينشتاين

اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب