الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصل التفاوت بين الناس

ندى أسامة ملكاني

2021 / 2 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في معرض حديثه عن أصل التفاوت بين الناس، يعد روسو المجتمع أمرا لا مفر منه على الرغم من فساده، معللا هذا الفساد بالتفاوت بين أفراد المجتمع في المعاملات والحقوق، فيتغنى بالإنسان الطبيعي الطاهر ويقول بتلك الحال المتوسطة حيث تسود المساواة.
يرى روسو أن معرفة الإنسان هي أنفع جميع المعارف البشرية وأقلها تقدما ، إذ كيف يمكن معرفة مصدر التفاوت بين الناس إذا لم يتم البدء بمعرفتهم؟ فلا بد من البحث عن الأصل الأول للفروق بين الناس المتساوين فيما بينهم بحكم الطبيعة. بما أن بعضهم قد كمل أو فسد، وبما أن بعضهم قد اكتسب صفات حسنة أو سيئة لم تكن ملازمة لطبيعتهم قط، فإن الآخرين قد ظلوا على حالهم الأصلية زمنا أطول، وقد كان هذا مصدر التفاوت الأول بين الناس.
ووجد روسو أن هناك نوعين للتفاوت بين البشر، فالنوع الأول "الطبيعي" لأنه من صنع الطبيعة ويقوم على اختلاف الأعمار وقوى البدن والصحة وصفات النفس. النوع الثاني هو التفاوت الأدبي أو السياسي بتراضي الناس، ويتألف من مختلف الامتيازات التي يتمتع بها بعضهم إجحافا بالآخرين، كأن يكون أحدهم أكثر ثراء أو إكراما أو قوة أو في وضع ينتزع فيه الطاعة.
إن ما يسعى روسو لدراسته في هذا الكتاب وكما يذكر هو وضع افتراضات مستنبطة من طبيعة الإنسان والموجودات المحيطة به، حول ما يمكن أن يكونه الإنسان لو بقي متروكا لنفسه. إن الدين يأمرنا بأن نعتقد أن الله ذاته أخرج الناس من حالة الطبيعة فور الخلقة فإنهم يكونون متفاوتين لأنه أراد أن يكونوا كذلك ، ولكنه أي الدين لا يمنعنا من وضع تلك الافتراضات.
لقد كان الإنسان في حالة الطبيعة لا يعرف سوى الغذاء والأنثى والنوم ، وكل ما كان يخافه من الشرور هو الألم والجوع، ويقول روسو الألم وليس الموت، لأن الحيوان لا يعرف مطلقا ما هو الموت، فمعرفة الموت هي أول ما اكتسبه الإنسان بابتعاده عن الحالة الحيوانية.
يقول روسو: "....وإذا كانت الطبيعة قد أعدتنا لنكون أصحاء، فإنني أجرؤ على القول بأن حال التفكير مناقضة للطبيعة وأن الإنسان الذي يفكر حيوان فاسد"
الإنسان في حالة الطبيعة ليس شريرا بل إن الرأفة هي التي تقوم في الحال الطبيعية مقام القوانين والفضيلة والعادات، بمعنى أن الرأفة توحي إلى جميع الناس بمبدأ الصلاح الطبيعي القائل : "اصنع خيرا نحو نفسك بأقل شر ممكن نحو الآخرين"، وذلك بدلا من المبدأ العالي للعدل العقلي القائل: " عامل الآخرين بما تريد أن يعاملوك به".
كان مؤسس المجتمع المدني الحقيقي كما يقول روسو هو الإنسان الأول الذي سور أرضا فرأى أن يقول "هي لي"، وقد وجد من البسطاء من يصدقونه. ولكن فكرة التملك لم تتكون دفعة واحدة في الإنسان فوجب أن يقع الكثير من التقدم في الصناعة والمعارف.
إن الإنسان منذ احتياجه إلى معونة إنسان آخر ، زالت المساواة عنده وانتحل التملك وصار العمل ضروريا، فلم تلبث الحقول أن رئي فيها نشوء العبودية والبؤس ونموها مع الغلات. وكان التعدين والزراعة ذينك الفنين اللذين أدى اكتشافهما إلى هذا الانقلاب الكبير.
إن القوانين هي وليدة عقد اجتماعي وجد فيه الأفراد ضرورة وجود سلطة عليا تحكم بموجب قوانين رشيدة وبذلك يكون المجتمع والقانون قد ربطا الضعيف بقيود جديدة ومنحا الغني قوى جديدة فقضيا على الحرية الطبيعية من غير رجوع، وثبتا قانون التملك والتفاوت إلى الأبد.
إن التفاوت لم يكن موجودا في حالة الطبيعة بل ينال قوته من تقدم ملكاتنا وترقي الروح البشرية ثم يصبح ثابتا شرعيا بموجب القوانين.
يتغنى روسو بالإنسان الوحشي فيرى أنه يستنشق الراحة والحرية في حين أن الإنسان المتمدن يضطرب بلا انقطاع بحثا عن أشاغيل أشد عسرا، وهو يعمل حتى الموت. يتودد إلى العظماء الذين يمقتهم وإلى الأغنياء الذين يحتقرهم ولا يدخر وسعا لينال شرف خدمتهم ويفاخر بعبوديته . فالهمجي يعيش في نفسه في حين أن المتمدن يعيش خارج نفسه فلا يعرف إلا أن يعيش في نفوس الآخرين.
إن روسو إذ أراد أن يدرس حالة الطبيعة ثم الانتقال إلى المجتمع المدني بوضع افتراضات مستنبطة من طبيعة الإنسان، فهو يجاري كتاب التنوير بالاهتداء بنور العقل بمعزل عن العقائد المقدسة التي تمنح السلطة ذات السيادة تأييد الحقوق الإلهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة