الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 252) فوضى المعلومات

بشير الوندي

2021 / 2 / 14
الارهاب, الحرب والسلام



مدخل
-------------
ان حرب الاستخبارات حرب عقول , والعدو يلقي في كثير من الاحيان فخاخاً خادعة تربك تحليلات الاستخبارات وتوصلها لإستنتاجات غير صحيحة , فهو يخفي نواياه وخططه وفي ذات الوقت يتيح لاستخبارات العدو ان تتجسس عليه ويدير تجسسها لصالحه , ومن ضمن تلك الاساليب تكون من خلال اغراق استخبارات العدو بالمعلومات وتكثيفها وحشوها بمعلومات متضاربة واخرى تحتمل عدة اوجه من اجل شلِّها وتعطيل قدرة جهازها التحليلي عن الفرز بين الغث والسمين .
-------------------------------
الخطر النفسي للفوضى
-------------------------------
ان آفة فوضى المعلومات وخطورتها تكمن في ان الاستخبارات تتلقف اية معلومة مهما كانت تافهة وتدقق بها , وهو من ضمن طبيعة عملها , فهي لاتستطيع ان تترك اية معلومة ولا اية جزئية , وهنا لابد ان تنقذ نفسها من الغرق في فوضى المعلومات وان تركن الى خطط تمنع تلك المعلومات المتدفقة من ان تؤثر بها رغم اغراءآتها.
فعندما يكون حجم المعلومات التي تردنا عن العدو غير طبيعي لابد من دق جرس الانذار , فاحيانا يقوم العدو باغراق الاستخبارات بالمعلومات بأنواعها للتأثير في عقل رجال التحليل , فحجم المعلومات الكبير قد يكون مدعاة للاعتقاد بأنه ضمن خطة لفوضى المعلومات يبغي منها العدو التلاعب بعقول الاجهزة الاستخبارية التي يستهدفها لايجاد تضارب في فهم الواقع وإحداث ارباك في تحليلاتها , وفي إحداث حاجز نفسي بعدم التصديق وتكذيب الاخبار كقصة راعي الاغنام الكاذب الذي صرخ عدة مرات طالبا النجدة من اهل القرية بحجة هجوم الذئب على قطيعه , فنجاح الاستخبارات المعادية بضخ الانذارات الكاذبة يربك الاجهزة الاستخبارية , , فيكفي ان تقول لشخصية ما ان هنالك استهداف له بعملية اغتيال لعدة مرات , ثم لايحدث شيء , وبعدها سوف لا يصدق التحذيرات وتقع الكارثة , ففوضى المعلومات تشبه تحريك بركة ماء صافي حتى لايمكن ان تشاهد من خلالها شيء.
------------------
حرب العقول
------------------
ذكرنا في مبحث سابق ان العدو ينشر معلومات يريد منها ان تصل الينا وهي على اربعة انواع
1- معلومات ايهامية
2- معلومات استدراجية
3- معلومات مسيطر عليها
4- معلومات اختبارية
(انظر مبحث 67 المعلومات الموجهة , ومبحث الخداع والتضليل 96) وهي من اولويات اساليب خداعه .
ان من اساليب الخداع الفعالة التي تقوم بها الاستخبارات هي فوضى المعلومات , حيث ان حجم المعلومات المتدفقة والكثيرة بأكثر مما هو منطقي قد تصيب الاستخبارات بعدم الثقة بها , فالعامل النفسي لفوضى المعلومات واغراق الشارع بها , او تقصّد العدو في بث المعلومات وبكل انواعها , يجعل تصديقها غير معقول , فخارطة البيانات والمعلومات قد تكون مشوهة وغير منسجمة ولا يمكن ان تكون مصفوفة للوصول الى حل اللغز , (انظر مبحث 184 اسباب اخفاق التنبو ).
في المقابل فإن اي جهاز استخباري يعتبر اية معلومة ترده من مختلف المصادر بمثابة مادة خام تحتاج الى تحليل وتمحيص من خلال آليات تحليلية متسلسلة بمثابة فلاتر لكل مايرده , وكما يلي:
1- التقييم : ونعني به تقييم المعلومات المستلمة وفرزها والتأكد من قيمتها الاولية .
2- التركيب والانسجام : في هذه الخطوة يتم تركيب المعلومات القديمة والمستحدثة بعضها ببعض لكشف انسجامها او تناقضها , وتحديد الحاجة الى استكمالها من مركز جمع المعلومات ودراسة امكانية انسجامها مع الواقع والطلب احياناً لتأكيدها من اكثر من جهة.
3- التوصيف والتشريح: ونعني بها وصف الحالة وشرحها بشكل دقيق ووافي تمهيداً للبناء عليها.
4- التعليل : اي البحث عن الاسباب والمسببات التي ادت الى ورود تلك المعلومة .
5- الرؤية :اي استنتاج ماهو مستتر من المعلومة وما تعنيه , واستنتاج رؤية العدو للامور التي انتجت المعلومة .
6- الانذار : ويتم في هذه المرحلة تحديد الخطر الذي كشفته المعلومات بحسب التراتبية من الاشد خطورة الى الاقل خطورة وهي خطوة هامة تحدد بها الجدية التي ستتعامل بها الاستخبارات مع المعلومة من جهة ومع صانع القرار لاقناعه باهميتها من جهة اخرى.
7- الشواهد والمستجدات : تثبيت اجراءات العدو ومستجداته ضمن مستوعب يؤشر حركة العدو ويجعل المعلومة في مكانها الصحيح من قطع الاحجية الناقصة .
8- التقرير والتوضيح : بيان مايخبؤه المستقبل وتوضيح الخط البياني واهداف العدو , وهنا اساس التحليل.
فهذه هي ادوات تحليل المعلومات (انظر مبحث 84 اليات التحليل ) , التي تجمع المتفرق وتخلق انسجام بين المعلومات وتكشف الغايات والايحاءات الموجودة في المعلومات , فإن كانت المعلومات متنوعة وكثيرة وتعصف بشبكات جمع المعلومات , فهذا يعني ان هناك فوضى معلومات مقصودة وموجهة لا تؤدي الى هذا التسلسل الثُماني , وان الغرض من ذلك هو ارباك العقل التحليلي .
ومن هنا فإن حرب العقول تستنفر الى اعلى درجاتها حال حصول فوضى المعلومات , فالاستخبارات المحترفة لايصيبها الغرور من كثرة المعلومات التي تردها لاسيما المعلومات السهلة منها , فهي برغم عدائها مع استخبارات العدو الا انها لاتقع في فخ السخرية من امكاناته , فحين ترى ان التدفق المعلوماتي بات كالسيل , فإنها تشك وتعتبره جزء من خطط خداع العدو .
---------------------
خطط المواجهة
---------------------
عندما تحدث فوضى المعلومات , فإن على الاستخبارات تنفيذ اعمال وقائية لإحباطها ومنها :
1- التركيز : بالابتعاد عن الصيد بالشبكة وتكتفي بالصيد بالسنارة , اي تركز على ما تريد فقط , فالمعلومات المستحصلة عادة ما تكون عبر مصادر مفتوحة علنية او مصادر مغلقة سرّية , ان من المهم هنا انه في حال حدوث فوضى المعلومات فاننا نتوقف عن الخلط بين صيدنا عبر مصادرنا السرية , وبين ما يأتينا مجاناً (انظر مبحث 16 جمع المعلومات ).
2- فرز معلوماتي : تشكل لجنة من الجمع والتحليل خاصة ومؤقتة للنظر في حجم وفوضى المعلومات ودراسة الاسباب و الدوافع لتلك الفوضى وماالذي ورائها.
3- صمت معلوماتي : كما هو الصمت اللاسلكي في الجيوش , تخبر الاستخبارات شبكاتها الفنية والبشرية وجميع اذرعها الى الامتناع عن ارسال المعلومات المتتالية المكثفة الى جهات الجمع والتحليل , وانما الى اللجنة الخاصة لكي لا تختلط الامور.
4- الافادة : تحويل الفوضى الى فرص ضد العدو بالسيطرة عليها , فتضخِّم منها ما تريد وتصغر ما تريد لتجر الفوضى الى العدو ايضاً وتجعله كمن صاح في حديقة الحيوانات بأنَّ الاسد هرب من قفصه , فعندما رأى الناس كلها تهرب شك بأنَّ الموضوع حقيقي فهرب معهم.
5- العامل النفسي : محاولة منع تأثير فوضى المعلومات على العامل النفسي لعناصر الاستخبارات اولاً و القوات المسلحة ثانياً والمجتمع ثالثاً , ذلك ان من ابرز اهداف فوضى المعلومات هو تفعيل جهد الحرب النفسية بقوة من خلال شل عقل الخصم وتفكيره ونفسيته وتحطيم معنوياته وبث اليأس ، والتشجيع على الاستسلام والقضاء على كل أشكال المقاومة عنده ( فرداً أو جماعة أو مجتمعاً ) .
6- كشف منصات الفوضى , او مصادر الفوضى : فغالبا ما يتم نشر الفوضى المعلوماتية من خلال الاعلام , الفضاء المجازي , شبكات المتعاونين , المزدوجين , الطابور الخامس والسادس , وهنا فرصة لكشف مصادر هذه الفوضى داخل البلد , اي انها فرصة لكشف العملاء والخونة من خلال المراقبة بأنواعها ومن خلال أمن المعلومات
7- اولوية المعلومة الامنية : بأن تكون الاولوية في وقت الفوضى هو رصد الأمني منها , اما السياسي والاجتماعي والاعلامي فيأتي في الاوليات اللاحقة.
8- تنبيه المتعاونين الى احتمال كشفهم , فحين يركز العدو على ضخ معلومات من جهة معينة , فلابد من تنبيه المتعاون غير المكشوف في تلك الجهة الى احتمال انه يتم التلاعب به والضخ المتعمد من خلاله.
9- التظاهر بابتلاع الطعم : من المهم إشعار العدو بنجاح خططه بالاغراق , كي يبني خطواته القادمة على اساس ابتلاعنا للطعم , فخلق الاطمئنان لدى العدو كفيل بإلهاءه هو الآخر كي يتسنى لنا اغراقه بالمقابل بمعلومات مغلوطة عن ردود فعلنا تجاه معلوماته المزيفة , فالاستخبارات لايهمها ان يشعر عدوها بالنشوة والنصر , فالمهم ان تضربه وهو في قمة شعوره بالنجاح لانه يكون في اضعف حالاته حين يرى انه قد انتصر.
----------
خلاصة
----------
برغم ان الجهاز الاستخباري المحترف يسعى لأكبر قدر من المعلومات عن العدو , الا ان حصوله على المعلومات بكثافة وسهولة هو مدعاة للشك لا الى السعادة , لاسيما المعلومات المجانية التي تلقى في طريقه , من هنا يركز الجهاز الاستخباري على مصدر المعلومة ومدى مصداقيتها وانسجامها , فالعدو يسعى دوماً الى الحرب النفسية والشائعات , وتراه يضخ منها آلاف المعلومات المربكة , ومن هنا لابد ان يعي الجهاز الاستخباري المستهدف الى فوضى المعلومات التي تسعى لتضليله وتشتيت انتباهه والى شل جهازه العصبي المتمثل بالجهاز التحليلي , فتقوم الاجهزة الاستخبارية بفلترة اضافية عدا فلترتها التحليلية المعتادة , من اجل فرز الغث من السمين , والاهم من كل ذلك السعي لإبعاد المجتمع والاجهزة العسكرية من الآثار المدمرة لفوضى المعلومات الكاذبة , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب