الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاومة مذهبية والمهمة وطنية؟

راتب شعبو

2021 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


اتساع دائرة الذين يتهمون حزب الله في جريمة اغتيال لقمان سليم تعادل إدانة، بصرف النظر عن التحقيق ونتائجه، لأنه يعكس مدى انحطاط تقييم الحزب في النظر العام. ما وصل إليه حزب الله، ولاسيما في نظر اللبنانيين والسوريين، كان كامناً في تكوين الحزب كما يكمن الموت في القنبلة.
على ضوء التراجع الحاد في اعتبار هذا الحزب، بعد أن تحول إلى قوة قمع وترهيب من خارج الدولة، سواء في داخل لبنان أو خارجه، يبرز السؤال: ماذا تصبح المقاومة عندما تكف عن المقاومة؟
العادة أن المقاومة التي تحرر بلدها من الاحتلال تستولي على الحكم في البلد مستثمرة رصيدها الوطني، وتتحول إلى استبداد يعتاش في الواقع على هذا الرصيد ويستهلكه، وهكذا ينشأ في المجتمع مقاومة جديدة ضد المقاومة القديمة التي صارت حكماً مستبداً. غير أن حزب الله في لبنان استهلك رصيده "الوطني" بطريقة أخرى أكثر تعقيداً.
المقاومة التي حررت جنوب لبنان لم تكن وطنية بل مذهبية، وهي بذلك فوتت على لبنان إمكانية جمع الطوائف في عقدة وطنية، على اعتبار أن مقاومة الاحتلال تشكل قاسماً مشتركاً لغالبية اللبنانيين. كما فوتت على لبنان فرصة الزهو الوطني الذي يعقب تحرير الأرض حين شعر اللبنانيون، ولاسيما غير الشيعة منهم، أن هذا التحرير نصر لفئة لبنانية أكثر مما هو نصر وطني عام. ولكن الأهم هو أن الحزب راح، بعد التحرير، يصرف رصيده "الوطني" في قمع الآخرين معنوياً (طهر فمك قبل أن تتكلم عن المقاومة!)، ويصرف سلاحه وقوته البشرية في سند ذاك القمع المعنوي بالقوة المادية عبر فرض سياساته وترهيب مخالفيه أو قتلهم، ولاسيما حين يكونون من الوسط الاجتماعي للحزب. هكذا نشأت في لبنان مقاومة للمقاومة تستمد قيمتها المعنوية من انحطاط القيمة المعنوية للمقاومة السابقة التي تحولت إلى قوة قمع وطغيان في الدولة ومن خارج الدولة.
انجز حزب الله تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي ببطولة لم ينكرها عليه أحد، وتحول الحزب وأمينه العام إلى أيقونة للمقاومة لدى الشعوب العربية التي حركها شعور قومي، دون أن يحضر في ذهنها الاختلاف المذهبي مع الحزب المقاوم الذي كان، في عز مقاومته، يبرز مذهبيته ويخلص لها ويجعل منها العصب الذي يشد مقاتليه. الديموقراطيون العلمانيون اللبنانيون والعرب، غضوا النظر أيضاً عن الطبيعة الدينية للحزب وكبسوا جراحهم بالملح، حين أقدم هذه الحزب الذي أبهرهم في أدائه وانضباطه ومقاومته، على قتل عدد من أبرز كوادرهم، ولكنهم وجدوا أنه ليس "مناسباً" نقده أو الشكوى منه، مع ذلك. بالفعل كان نقد حزب الله حينها سبيلاً إلى الانعزال السياسي أو حتى الدخول في دائرة الشك والخيانة.
الدعم المادي الإيراني الكبير، إضافة إلى العصبية المذهبية شكلا المزيج الذي أنتج قوة لحزب الله، والمفارقة أن مصدر القوة هذا كان نفسه مصدر الخراب القادم الذي سيعيشه الوطن المحرَّر. التحرير الوطني بعصبية مذهبية هو مصدر الخلل. القوة المذهبية التي تقدم خدمة وطنية ما، سوف ترتد، كما لو بقانون، على الوطنية نفسها وتحطمها.
من عصبية مذهبية مسنودة من دولة لها مصلحة جاءت قوة حزب الله، أما مقبوليته وقيمته الاعتبارية فقد نجمت عن تصديه البطولي وثباته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي قبل ربيع العام 2000. بكلام آخر، المهمة الوطنية غطت على الأداة غير الوطنية، رغم أن الحزب، كأي حزب يقوم على أساس ديني، لا يوجد في مفاهيمه محل للأوطان، بل للجماعات الدينية، ولا يستطيع بالتالي أن يتحسس معنى المواطنة أو الوطن.
الانبهار بالعمليات البطولية التي طالما تاق إليها العرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولاسيما بعد 1967، غطى على كل ما يضمره تكوين وتركيب حزب الله من احتمالات رعب قادمة. كما أن سياسة الحزب التالية للانسحاب الإسرائيلي من الجنوب (التسامح حيال جيش لبنان الجنوبي وإيكال أمرهم للدولة اللبنانية، عدم الطمع بالسلطة السياسية) عززت قيمته لدى العموم، إلى حد غذى الوهم، لدى كثيرين، بأنه حزب ديني "من طراز جديد".
شيء مشابه تكرر مع تنظيمات إسلامية في سورية أبدت استبسالاً في مواجهة نظام الأسد، فأبهرت أنصار الديموقراطية العلمانية السوريين وأسكتتهم عن الطبيعة الدينية والسياسية لهذه التنظيمات التي راحت تضيق عليهم وتعتقلهم وتغتالهم، دون أن يجدوا من المناسب نقدها والشكوى منها، إلا بعد أن استفحل الأمر كما استفحل في لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي، وبشكل أكثر وضوحاً بعد اغتيال رفيق الحريري. ظاهرة مؤلمة يتوهم فيها طرف أنه متحالف مع طرف آخر يكن له العداء أكثر مما يكنه للعدو المشترك.
طالما أن حزب الله يقاتل إسرائيل فيجب السكوت عنه، واعتبار تعدياته على مخالفيه ضريبة لا بد منها لقاء دوره الوطني. هذا المنطق اللبناني هو نفسه المنطق الذي تكرر في سورية حرفياً، علينا فقط أن نضع، في الجملة السابقة، التشكيلات الإسلامية في سورية محل حزب الله، ونظام الأسد محل إسرائيل.
في غمرة الصراع العنيف ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وضد نظام الأسد في سورية، لم يغفل حزب الله، ولا التنظيمات العسكرية الدينية في سورية، عن معاداة الديموقراطيين العلمانيين، وعن ممارسة هذا العداء ضدهم بكل صنوف الاستقواء والعنف الممكنة.
نضال حزب الله ضد إسرائيل التي تعتدي على الأرض اللبنانية، ونضال التنظيمات الإسلامية ضد نظام الأسد الذي يعتدي على عمومية الدولة السورية، قام على خلل أصيل هو الاستناد إلى تنظيمات دينية تعتدي، بدورها، على تماسك المجتمع من خلال توظيف العصبية المذهبية في إنجاز مهام وطنية. هذا النوع من النضال أو المقاومة، ولاسيما في مجتمعات متنوعة دينياً، تفتت المجتمع وتضر به بما لا يقل عن ضرر العدو الذي تناضل ضده. لم تتأخر هذه التنظيمات في إثبات أن الجانب المذهبي غير الوطني له السيطرة النهائية بما يمكنه أن يخرب أو يعكس كل الإنجازات الوطنية (ضد مستعمر أو ضد طاغية) التي يمكن أن تحققها هذه التنظيمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة