الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا : كارثة فبراير المجيدة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 2 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


هل هناك أمل في مجتمع ليبي تقدمي ؟

المجتمع الليبي يعيش منذ عشر سنوات أصعب المراحل وأكثرها سوادا من تاريخه السياسي والإجتماعي والإقتصادي. بعد غيبوبة استمرت أكثر من أربعين عاما، استيقظ المجتمع الليبي لعدة لحظات، ليسقط في هذا الكابوس الذي ما يزال مستمرا حتى الساعة. والأدهى والأمر في هذا الواقع المزري، أن هذا الشعب الفاقد للذاكرة سيحتفل قريبا بالذكرى العاشرة أو العيد العاشر لما يسميه الإعلام الرسمي بـ "ثورة فبراير"، هذه الثورة - النكبة والكابوس الذي لم ير منه الشعب سوى القتل والدماء والخراب والإستغلال والرشوة والتسلق والكذب والنفاق، وتدمير المصالح العامة وكل البنية التحتية أو ما تبقى منها. ولم نر من الثورة سوى نهب خيرات البلاد وتخريب الإقتصاد الوطني وإستغلاله من قبل قطيع من الذئاب والضباع والتماسيح الجائعة. ومنذ إغتيال القذافي، وتحول الإنتفاضة الشعبية العفوية، والتي كان بالإمكان أن تتحول إلى ثورة حقيقية، ولكنها لم تستمر سوى عدة أيام قبل أن تتحول إلى ثورة مضادة وإنقلاب عسكري بقيادة الجناح اليميني لنظام القذافي، بمساعدة فرنسا ثم قوات الحلف الأطلسي، منذ ذلك الوقت والشعب الليبي يتخبط في ظلام دامس ليس فيه ولو بريق باهت من الضياء، متردد بين الله والدولار والكلاشنيكوف، بين قوى الظلام الملتحية ونجوم العقيد حفتر الذي أصبح قائدا عاما، بين الإختيار لأسلحة السعودية والإمارات وفرنسا ومصر ومرتزقة فاغنر أو الإكتفاء بأسلحة قطر وتركيا والمساندة السماوية.
بإختصار شديد، وبعد هزيمة العقيد حفتر ومرتزقته، وبعد المشاورات واللقاءات والمؤتمرات والجولات المتعددة في عواصم العالم التي قام بها من يمثلون السلطة الحاكمة في ليبيا، في هذا الوقت وبعد عشر سنوات من الهم والغم والقتل والتدمير، المجتمع الليبي ما يزال في نقطة الصفر. الشعب الليبي ما يزال أمام صفحة بيضاء لم يخط فيها حرف واحد، يجب البداية في كل شيء من جديد. وربما يكون ذلك لحسن الحظ، رغم مرارة الهزيمة والثمن الباهض الذي دفعه الشباب الليبي لهذا الفشل، أقول لحسن الحظ، لأن معنى الصفحة البيضاء أن كل شيء ما زال ممكنا والأمور لم تحسم بعد والجرح ما زال قابلا للعلاج، والأمل ما زال مسموحا ..
رغم أن الطبقة الطفيلية التي تمكنت من الإستيلاء على جهاز الدولة المهلهل والمتهالك والإستحواذ على ثروة البلاد ورصيدها من الدولارات والذهب تبدو كمجموعة من الإنتهازيين المتسلقين لا رابط بينهم، لكنهم في حقيقة الأمر لديهم برنامج واضح ومحدد، برنامج سياسي وإقتصادي وإجتماعي تم بناءه بمساعدة مهندسي الإقتصاد التابعين للمؤسسات الرأسمالية الدولية من ناحية، ومن قبل أيديولوجيين ومفكرين ومثقفين تابعين لقطر والإمارات ومصر والسعودية وتركيا.. فبعد أن تم دفن الجثت الأولى للثوار، بدأت على الفور فرنسا وأمريكا ودول الناتو ومنظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهم من الذين يتحكمون في الأمور الإقتصادية في تنفيذ البرنامج المتفق عليه مسبقا، سواء ضمنيا أو شفويا بين هذه القوى الإستعمارية وبين البرجوازية الليبية التي أقصاها حكم القذافي من المشاركة في سرقة أموال الشعب الليبي، مسخرين في تنفيذ هذا البرنامج الإقتصادي جملة من التغييرات الأيديولوجية والفكرية التي قام بها ممصطفى عبد الجليل وزمرته من الإسلاميين والمرتزقة.
في تونس وكذلك في مصر، بعد إنتفاضة الشعبين لم يحصل أي تغيير جذري في هيكل النظامين، مجرد تغيير الأسماء وتنظيف الهياكل الإدارية والبيروقراطية من الطبقة الحاكمة السابقة والسماح بالمشاركة لعناصر جديدة من البرجوازية في سرقة أموال الشعب بطريقة قانونية، أما في ليبيا فقد حدثت فعلا تغييرات في هيكل النظام ذاته، مما يمكننا من إطلاق إسم "ثورة" على الأحداث، ولكن يجب التأكيد على أنها ثورة مضادة، لأنها من داخل النظام نفسه، كما أنها أرجعت ليبيا إلى ما قبل القذافي، أي أربعين عاما إلى الوراء، وبذلك مسحت التجربة السياسية لليبيين التي دامت أربعين عاما في عدة أسابيع.
ذلك أنه في يوم الأربعاء 10/11/2011 أصدر المجلس الوطني الانتقالي ما سمي بالاعلان الدستوري الذي احتوى على مقدمة و37 مادة تعالج جوانب متنوعة من المبادئ العامة للمجتمع الليبي وأسس الدولة الليبية وعلمها ونشيدها الوطني والحقوق الاساسية للمواطن وعلى كيفية إدارة المرحلة الانتقالية المقبلة والمؤسسات التي ستدير هذه المرحلة. هذا الإعلان الدستوري لم يفاجأنا في محتواه الأيديولوجي ، فقد كنا نتوقع ذلك منذ الأسابيع الأولى لإنشاء هذا المجلس وحاولنا التحذير بهذا الخطر ولم يصدقنا أحد. فالشعب الليبي، حسب نص هذا الإعلان يتطلع ويعمـل على " تنشئة الأجيـال الصَّـاعدة على الرُّوح الإسلامية وحُب الخير والوطن "، كما هو وارد في مقدمة الإعلان الدستوري، والإعلان لم يحدد ماهية هذه الروح الإسلامية وكذلك لم يحدد من خوله الحق لإتخاذ هذا التوجه الإيديولوجي المصيري بدون إستشارة أحد وبدون حوار أو نقاش .. أما الأشد وضوحا فهي بعض مواد الدستور :
مادة ( 1 )
ليبيا دولة ديمقراطية مستقلة، الشعب فيها مصدر السلطات، عاصمتها طرابلس، ودينها الإسلام، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، وتكفل الدولة لغير المسلمين حرية القيام بشعائرهم الدينية، واللغة الرسمية هي اللغة العربية مع ضمان الحقوق اللغوية و الثقافية للأمازيغ والتبو والطوارق وكل مكونات المجتمع الليبي.
مادة ( 5 )
الأسـرة هي الركـن الأسـاسي للمُجتمع، وهي في حمى الدولـة، وتحمـي الدولة الزواج وتُشجع عليه، وتكفل حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
مادة ( 16 )
الملكية الخاصة مصونة، ولا يُمنع المالك من التصرف في ملكه، إلا في حدود القانون.
ليبيا إذا لم تعد ملكية خاصة للقذافي وعائلته وإنما أصبحت مملكة ربانية يحكمها القانون الإلهي المقدس وبذلك تصبح دولة من أشد الدول رجعية في العالم تنافس السعودية وإيران وأفغانستان وغيرها من ممالك الله.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024