الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في علل التحرش: بين التجليات والتبرير.

بوذراع حمودة
(Boudra Hamouda)

2021 / 2 / 15
حقوق الانسان


الكاتب: بوذراع حمودة.
تمهيد: إن الحديث في موضوع "التحرش" لأمر جلل، ليس لما له من هالة اجتماعية متحفظ عليها فقط، وإنما كذلك لتشعب الموضوع وتشتته على أصعدة عديدة، وبناء على ذلك وجب علينا الإقرار بالزاوية التي يهدف هذا المقال إلى معالجتها وهي " التحرش الجنسي"، ولنكون أكثر دقة نخصص بالكلمتين المفتاحيتين الآتيتين: "التحرش الجنسي على النساء" و التحرش الجنسي على الأطفال من قبل الرجال.
ولعل أهم الشواهد التاريخية السحيقة التي استحالت نظاما عصبيا للاوعي لدى العديد من المجتمعات والثقافات، هي حادثة الانقلاب الأول على السلطة؛ بحيث كانت تسود مجتمعات أمومية "فيها السلطة للمرأة" ومن سمات ذلك الزمن سيادة المرأة على الأسرة والمجتمع، حيث تقرر للرجل الثورة على ذلك النظام القائم وأخذ زمام السيطرة.
وإذا نظرنا إلى الصراع على السلطة ما بين الرجل والمرأة توجب علينا حينها العودة إلى الجذور التي تشكلت عليها نفسية الجنس البشري، ونميز في ذلك غريزتين أساسيتين، فطرت/ اكتسبت لدى الإنسان ألا وهما:
- غريزة الملكية.
- غريزة الخوف.
وما يهمنا في هذا السياق من الحديث هي الأول ذكرا "غريزة الملكية" حيث طالما دئب الانسان على التملك، وأصبحت صفة لسيقة به دون سائر الكائنات الحية، وهنا نعود بالتاريخ إلى أول رجل وضع سياجا على الأرض وقال هذه ملكي، تعنيني ولا تعني أي أحد غيري، وترتب على ذلك من ملك الأرض إلى ملك الثروة، وهنا بفعل غريزة الخوف وهو ما ذكر ثانيا، تقرر للرجل لغايات الحفاظ على ما يملك، أن يمتلك حق النسب، ونظرا لصعوبات تحديد النسب في تلك الحقب من الزمان تقرر لدى الرجل إلحاق المرأة بملكية الرجل، بحيث يمتلك الرجل جسد المرأة وبذلك يمتلك النسب والأرض والسلطة له ولذريته.
ملكية جسد المرأة: وبناء على هذه النظرة حيث جسد المرأة ملك للرجل؛ فان هذا المفهوم سيكون المبرر لحرية الانتفاع والتصرف بجسد المرأة بالقدر والكيف الذي يتسنى للرجل، ومن هنا يتجلى لنا إحدى أسباب التحرش الأسري على المرأة في ضل مفاهيم العقد والقران والنكاح وما جورها من المفاهيم التي على أساسه تلحق المرأة بالملكية المطلقة للرجل.
ومن ذلك تسنى أن المرأة ملك للرجل، والتعرض للمرأة ليس مساسا بحرمة شخصها، وإنما مساس بحرمة المتصرف فيها، ومنه فإن التعدي يكون حاصلا إن كانت الزوجة ملحقة بسلطة رجل معين، ولعل هذا يبرر سبب التحرش على النساء العزل أو غير المتزوجات، بحيث أن المنطق الفكري السابق لا يمنع ذلك لأنه لا يجرم الاعتداء على جسد المرأة بقدر ما يجرم الاعتداء على ملكية وحرمة الرجل، ولعل في هذه العلة تجلت مفاهيم القوامة، والمحرم، وولي الأمر.
الوضعية الدونية للمرأة: وكتجليات لما سبق وأشرنا إليه من إلحاق جسد المرأة بالرجل وفي ذلك أبعاد لما تم بعد ذلك من إلحاق روح المرأة، وشرفها، وقيماها، وأخلاقها بالرجل، تولد عن ذلك "دونية" للمرأة حيث أصبحت مجرد جسد مملوك، تنصل من مفاهيم الإنسانية بحيث قراره ليس من يده، وأخلاقه ليس من قناعته وهكذا دوليك، أصبح لدى المجتمعات طبقتان واسعتين قائمتان على التميز على أساس الجنس، ذُكرت الأولى (ميزة جندريا) فصارت السيدة السادية التي بها يحكم ويسير ولها تسخر الثانية التي أنثت (المرأة)؛ وفي ذلك معاني الطبقية على أساس ذكر-أنثى وبناء على ذلك أصبح من تداعيات هذه العلة أن الميز الطبقي على أساس الجنس يخول للسامي أن يتنمر ويعتدي ويتحرش على الدوني، وفي ذلك شؤون ومشارب، ومنه أصبح التحرش بما ليس مملوكا ومن خرج عن صرب منطق الطبقية الجنسية شيء ليس بالجلل، ويمكن حتى اللوم على الدوني "المرأة" بمبررات؛ انتفاء العفة، الحرمة، التبرج....وغيرها، وهنا يصبح الجلاد ضحية مجلوده وينتفي العقل والمنطق ويطغى الفكر الذكوري القائم على السيادة والملكية والسمو.
الطبقية مبرر للتحرش: لعل سبق وأشرنا إلى ذلك في النقطة السابقة إلا أنه ولما لهذه النقطة من أهمية وجب علينا التوسع في عللها، حيث طالما كان يعامل العبد بدونية ويتحرش بالأمة تحت غطاء السمو فالعبد في خدمة سيده، وكذلك نشير إلى الطبقية التي سادت على أساس اللون حيث الأسود دوني، والدوني يملك، والملكية يتجلى منها الانتفاع وبذلك يبرر الانتفاع بجسد المرأة السوداء من قبل السيد الأبيض، وأن يستنفع بجسد الرجل الأسود في العمل والكد خارج البيت، وكذلك وفي الاتجاه المعاكس انتفاع المرأة البيضاء بجسد الرجل الأسود ففي ذلك ليس حرج لأن الأسود مملوك والمملوك بغير كرامة، وتستنفع المرأة البيضاء بجسد المرأة السوداء بكدها وعملها في البيت والتسيد عليها، قد تكون كل الأمثلة سابقة الذكر منتفات بسبب نضج مفاهيم الانسانية والمواطنة في عصرنا، إلا أنه بنفس المنطق وبنفس الكيف والممارسات لا زالت تمارس الطبقية الجنسية على جنس المرأة ولازال ينظر إليها كملكية يستنفع بها ما يبرر التحرش وفي العديد من بلدان وشعوب العالم ذلك قائم.
الجوع الجنسي كعلة ومن تجلياته التحرش بالمرأة والطفل القاصر: في الخوض في غمار التحرش، يتوجب كسابق ذكر الإشارة إلى الإحصائيات التي تحصيها المؤسسات والمنظمات ذات العلاقة، والغريب في الأمر ليس المؤشرات المرتفعة لعمليات التحرش الجنسي لدى كل من النساء والأطفال، بل المتأمل في تلك الأرقام وفي توزيعاتها الجغرافية يتفطن إلى أن أكير النسيب تتوزع في المناطق الجغرافية التي شعارها "مجتمعات متحفظة" و"مجتمعات متخلقة" ونذكر في ذلك أنموذجي الدول المغاربية والدول العربية التي تنتميان إلى نفس المحور النمطي في التفكير، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الإحصائيات في مثل هذه الدول غير دقيقة لنواحي عديدة نذكر منها على سبيل الاشارة لا الحصر؛ نقص مؤسسات الاحصاء في الشؤون الاجتماعية، طبيعة مثل هذه الظواهر لا يدلى بها إلى ما ظهر....
وبالنظر إلى طبيعة هذه المجتمعات نرصد التحول الذي طرأ عليها بعد ما يعرف "بالصحوة الاسلامية" حيث تنامت أحزاب الاسلام السياسي وما تجلى عن ذلك من رموز أسلمة الدولة والشارع، على غرار الحجاب والفصل بين الجنسين، وفي ذلك توجب أن نعالج موضوع الفصل بين الجنسين وما ترتب عن ذلك من كبت جنسي لدى الجميع وبحكم المرونة الأخلاقية التي يتمتع بها الرجل في هذه البلدان حيث لا يعاب على "الممارسة الجنسية" بل يقدر لما في ذلك من اثبات "للفحولة"، وهذا ما جعل من الرجل في هذه المناطق جائع جنسيا لما من سياسة الفصل من تأثير في ذلك، وكذلك الظروف الاقتصادية والسياسية ما يجعل من الأزمة تتفاقم ومع توريث ذلك لأجيال تكون لدى مثل هذه الشعوب ثقافات جنسية قائمة على المطاردة حيث الرجل بسعيه الحثيث لاستمالة المرأة وفي ذلك انحرافات، ليصبح الرجل بإرغام نفسه على جسد المرأة، وبالربط مع ما سردناه سابقا حول "دونية المرأة" ومسألة العيب اللصيق بها صار الدفاع والإفصاح عن التحرش ذنبا لها وليس بالمتحرش، ما أعطى ذلك دفعة لهذه الأزمة أن تتفاقم حيث أصبح التحرش "طابع اجتماعي" وفي ذلك درجات: فتحرش بالعين، وتحرش بالقول، وتحرش بالقول القبيح، وتحرش باللمس، وتحرش بالاغتصاب وتعدي حرمة الجسد.
وتجليات الجوع الجنس، وسياسة الفصل الذي يزيد في الاحتقان جرعة، أصبح هناك ظواهر بالتحرش على الأولاد الصغار القصر من جنس الذكر والأنثى، وأغلبها من دائرة ذوي القربة والاحصائيات تشهد على ذلك؛ وللباحث المتحقق في ذلك العودة لإحصائيات منظمة اليونيسكو، والعفو الدولية، هيومن رايس ووتش وغيرها العديد من المنظمات، وبالعودة إلى ما ستبق من تعدي على الأطفال من ذوي القربى قبل الغرباء من آثار الكبت الجنسي والفصل بين الجنسين، وكذلك نشير إلى ظاهرة في غاية الخطورة ولما لها من أهمية ندرجها سببا.
المعصية في المجاهرة تدان: كما أن المهتم في الشأن الاجتماعي لدول الشرق الأوسط ودول شمال افريقيا ومنظماتها القيمية والاجتماعية، يلاحظ أن مفهوم العيب والخطيئة ليس مرتبطا بالفعل نفسه، فهذه المنظومات لا تدين التحرش أو الزنا أو الاعتداء أو السرقة كأفعال تخل بالموازين القيمية، وإنما تجرمها فقط إن مورست في الأوساط العمومية أو تم الجهر بها أو تم كشفها للعلن بطريقة أو بأخرى، وفي السياق الموضوعي نستهدي إلى أن التحرش ظاهرة متفاقمة ومنتشرة في الأوساط العمومية أو الأسرية بشكل كبير، ولعلها تصل إلى كونها سلوكا اجتماعيا، نظرا إلى الازدواجية في معايير الحكم الأخلاقي فهو يختلف من حيث مكان الممارسة إن كان في فضاء عمومي أو في وكر منعزل، أو في وقت ممارسته، أو في ممارسه فليس العيب في تحرش المسؤولين أو ذوي السلطة بالقدر الذي يلتبس العامة.
الحقوق الافتراضية للرجل: إن الرجل يعيش في مجتمعاتنا بحقوق افتراضية لا تتواجد سوى في أذهانهم متفق عليه ولكن لا يصرح بها، وهذا ما ربطناه في السابق بالازدواجية الأخلاقية، حيث للرجل الحق في السيادة، التسلط، الاستنقاع بجسد المرأة، الحرية الجنسية فلا شيء يعيبه لأن شرف الرجل ليس في سلوكه أو جسده إنما في سلوك حرمه وأجسادهم، وإمتاع جسده حق لا ينازع فيه، سواء كان ذلك في عقد الزواج أو في المناكحة أو الاغتصاب، أو التحرش بالمرأة أو القاصر، وكل هذا لا تعدو كونها مجرد حقوق طبيعية أنعم عليها الله على الرجل، فالأمثال الشعبية تبرر له ذلك، كون الرجل لا يستطيع التحكم في شهوته، وأن المرأة المتبرجة هي بدورها تدعو للتحرش بطريقة مشفرة واللوم عليها، فما بالها تثير الرجل ثم ترفضه، ما بالها تتعطر أوليس لإثارة الرجل، وما بالها لا تلبس الحجاب أليس لدعوة الرجل للجنس، وما بالها تخرج من بيتها في الأساس أليس لإثارة الرجل.....وغيرها من المفاهيم قد ينكرها كل من تحاوره بشكل قطعي ويكفرها ويصفها بالا أخلاقية لكنها وفي العقل الجمعي اللا واعي هي ممارسة مبررة.
اللوم على الضحية: ما يفاقم ويأزم ظاهرة التحرش أكثر في مجتمعاتنا هو إلقاء اللوم على الضحية، حيث المتحرش به يهان ويلتصق به صفة الا أخلاق ويعنف لكونه السبب، فالرجل لا يعاب "وهذا ما أشرنا اليه سابقا"، وهذا علة ستجلى منها خنوع لدى المتحرش به يمنعه من الدفاع عن نفسه أو التصريح بما أصابه لأنه في نهاية المطاف سواء كان امرأة أو طفلا قاصرا سيكون اللوم عليه والمجتمع لن ينصفه بل سيحمله المسؤولية، ومنه يصبح ملاذ المتحرش به السكوت، وهذا لا يتجلى عنه تدمير نفسي للضحية فقط بل يزيد من انتشار ظاهرة التحرش، فالمفترس الذي لا يردع يفترس أكثر، والضحية التي لا تقاوم ولا تدافع عن نفسها إنما تفتح الطريق لنظرائها لأن تفترس...وكل هذا بمواطئه العائلة والأسرة، والعشيرة والمجتمع، ليس لشيء إلا لأن الجميع محكوم بنظام طبقي أبوي غاشم.
ختام: بغية محاربة ظاهرة التحرش لبد من التشخيص الدقيق للعلل والتجليات المقترنة بالظاهرة، وأن يتوقف الرأي العام على معالجة الظاهرة على أساس أنها ترف حقوقي أو الحديث عنها في سياق الطابوهات الاجتماعية والأهم من ذلك الكف على لوم الضحية، كما أنه لبد في السعي لمحاربة هذه الظاهرة التزامن في النضال على الصعيد الحقوقي والمنظومات القانونية وكذلك على الصعيد الاجتماعي، والأهم من ذلك هو السياق الاجتماعي، لأنه حجر الأساس فيه المفتاح للقضاء على الظهرة جذريا لأنه ما من قيمة لأجمل القوانين وأكثرها عصرية إن كانت الذهنيات الاجتماعية غير محدثة وغير ناضجة لمثل هذه القوانين، ولعل هذا ما يلام على الجمعيات النسوية وجمعيات حقوق الانسان والمرأة "مع تحفظ على المصطلح الأخير" كونها ركزة كل جهودها على الصعيد القانوني والسياسي وأهملت الشق الاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ


.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال




.. ماذا ستجني روندا من صفقة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في ب


.. سوري ينشئ منصة عربية لخدمة اللاجئين العرب




.. غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح