الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السُّودان وعبث وتضليل الحُكَّام ..!

فيصل عوض حسن

2021 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


للمَرَّة الثالثة منذ اختياره رئيساً لوُزراءِ السُّودان، أعلن الدكتور عبد الله حمدوك تشكيلةً وزاريَّةً مُكوَّنةً من (26) وزيراً، مُوضحاً بأنَّ هذه التشكيلة تمَّت بـ(تَوافُق) سياسي، ونقاشات مع قُوَّى الحُرِّية والتغيير (قحت) والعَسْكَر وشُركاء السلام. وراهن حمدوك على نجاح هذا النموذج في الحفاظ على السُّودان من الانهيار والمُهدِّدات الإقليميَّة، ونادى بتشكيل المجلس التشريعي (في 25 فبراير الحالي)، وإعلان الوُلاة وتشكيل المفوضيات.
اختلفت آراء السُّودانيين ما بين التأييدٍ والاعتراض، فالمؤيِّدون يرون أنَّ التشكيل الوزاري المُسْتَحْدَث أفضل من حكومة (التكنوقراط)، لاحتوائه على جميع الأطراف والكيانات السُّودانِيَّة (المدنِيَّة/المُسلَّحة). في ما يعتقد المُعارضون أنَّ التشكيلة الوزاريَّة الجديدة عبارة عن مُحاصصة وتقسيم للمنافع السُلْطِوِيَّة والمالِيَّة، وأنَّ الاختيارات أبعدت (الكفاءات) القادرة على مُعالجة وتحجيم (تَمَدُّد/تَكاثُر) الأزمات المُتلاحقة. وبعيداً عن هذه الآراء، سيتناول هذا المقال التشكيل الوزاري الجديد، استناداً لمبادئ/مضامين الإدارة العلميَّة الرصينة (البحتة)، بجانب ما أُشيع عن بَرَاعة/خبرات و(إنجازات) الدكتور حمدوك، في إدارة الموارد وإصلاح القطاع العام، والتَكيُّف الهيكلي والحوكمة، والتزاماته التي أطلقها (بكامل إرادته) فور إعلانه رئيساً للوُزراء، كتَعَهُّده بمُعالجةِ (التَرَهُّلِ الإداري) واعتماد (الكفاءة) معياراً للاسْتِوْزَار، وتحقيق التَوَازُن (الاسْتِوْزَاري) بين مناطق/أقاليم السُّودان، والشفافيَّة والعدالة وإصلاح/تحسين الخدمة المَدَنِيَّة، وغيرها من التصريحات المُوثَّقة (صوت وصورة).
الحقيقة الأولى العِلميَّة، هي أنَّ اختيارات الدكتور حمدوك السابقة لا تندرج ضمن (التكنوقراط)، ولا يستقيم إطلاقاً وصفها بهذه المُفردة، لأنَّ مُفردة تكنوقراط تعني حُكم الخُبراء/الأكاديميين اللامعين غير المُنتخبين، الذين يُراعون مصلحة الدولة بالدرجة الأولى دون غيرها من الكيانات السياسيَّة أو العِرقِيَّة أو العقائديَّة أو الجِهَوِيَّة/القَبَلِيَّة. وبعبارةٍ أخرى، يتم اختيارهم تبعاً لخلفياتهم الأكاديميَّة وخبراتهم العمليَّة/الفعلِيَّة، وهذا ما لم تستوفيه اختيارات حمدوك حتَّى الآن، وسبق وأوضحت هذا الأمر في عددٍ من المقالات كمقالة (إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك؟!) بتاريخ 24 سبتمبر 2019، و(المُتلاعبون) بتاريخ 23 أكتوبر 2019، و(اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة) بتاريخ 2 فبراير 2020 وغيرها. والواضح أنَّ حمدوك وقحتيُّوه تَعمَّدوا تلك الاختيارات (المُتواضعة/الانتهازِيَّة)، لخلق صورة ذهنِيَّة (مُشَوَّهة/مُختلَّة) عن التكنوقراط وعجزهم عن إدارة وتسيير البلاد، رغم أنَّ السُّودان بحاجة ماسَّة للإدارة العلميَّة (البحتة)، لكنهم فعلوا ذلك ليُمهِّدوا الطريق لاسْتِوْزَارِ الانتهازيين وتُجَّار الحرب على نحو ما حدث الآن!
الحقيقة العِلميَّة الثانية، هي عدم وجود (معايير/أُسُس) واضحة ورصينة للإحلال والاستبدال والتقييم، وهذه (كارثة) إداريَّة ومُخالفة صَّارخة للقواعد العلميَّة/العمليَّة (الرصينة)، خاصَّة لبلدٍ مثل السُّودان، بظروفه المُعقَّدة/الاستثنائيَّة الماثلة، التي تتطلَّب الالتزام الصارم والدقيق بقواعد الإدارة ومبادئها، لكن هذا لم يحدث وبإقرار حمدوك والعَسْكَر والقحتيين وتُجَّار الحرب، الذين صَرَّحوا بوضوح أنَّها (مُحاصصات) سُلطَوِيَّة، وهذا يعني أنَّهم بعيدون تماماً عن مشاكل وهموم السُّودان وأهله! ولنتأمَّل مهزلة إعلان/اختيار أحد الوُزراء، ثُمَّ اعتراض كيانه عليه، ثُمَّ اعتذاره واكتفاء حمدوك بـ(الفُرْجَة) على هذا الهَرَج والمَرَج! وهناك أيضاً (إرجاء) تعيين أحد المُسْتَوْزرين لأنَّ كيانه (الطُفيلي) والمرفوض أساساً من أهالي المَسَار الذي يتحدَّثون باسمه لم يَتَّفقوا على تسميته، وهذه المهازل وغيرها تثبت تماماً عدم تقييم الوُزراء السَّابقين، و(غياب) معايير/أُسُس اختيار الجُدُد، وابتعاد الجميع عن مبادئ ومضامين الإدارة العلميَّة الرصينة، وقواعد المِهَنِيَّة المُحترمة! ومن جهةٍ ثانية، فإنَّ غياب (التقييم) ومعايير الاختيار والتعيين، يعني أنَّ حمدوك (ابتلع) جميع وعوده/التزاماته المُتعلِّقة بالعدالة والشفافِيَّة واعتماد (الكفاءة) كمعيار لاختيار الوُزراء، حيث تمَّ اختيار (عديمي) الكفاءة خصماً على (الكفوئين)، بخلاف فشل حمدوك في تحقيق التَوَازُن (الاسْتِوْزَاري) بين مناطق/أقاليم السُّودان، وهذه كلها وقائع مُعاشة ولا تحتاج لاستدلال!
غياب (التقييم) يعني غياب (الاستراتيجيَّة/الرُؤية) وخطط عملها التنفيذيَّة، لأنَّ الاستراتيجيات تتكوَّن وفقاً لـ(نتائج التقييم) وكمُوجِّهات/محاور لـ(التقويم/العلاج)، استناداً لقدراتنا المُتاحة فعلاً (الواقعيَّة)، ويتم نشر كل هذه الخطوات والإجراءات مُسبقاً. كما تُحدِّد الاستراتيجيَّة شكل/حدود الهيكل التنظيمي ومُكوِّناته/وظائفه، سواء للدولة أو المُنشأة! وفي حالتنا الماثلة، يتحتَّم وجود استراتيجيَّة رصينة وخطط عمل تنفيذيَّة دقيقة بفتراتٍ زمنيَّةٍ مُحدَّدة، وهيكل تنظيمي/إداري مُتكامل ومَرِنْ وقادر على بلورة محاور الاستراتيجيَّة إلى واقعٍ ملموس، عن طريق الموارد البشريَّة (المُؤهَّلة/المُتخصِّصة) وهذا ما لم يحدث. فحمدوك وقحتيُّوه لا يملكون استراتيجيَّة، ولو ادَّعوا غير هذا فلماذا لم ينشروها؟ ومتى تمَّ إعدادها من أساسه؟ وما هي مُؤشرات إعدادها وتقييمها وتقويمها؟! كذلك غابت (التخصُّصِيَّة) تماماً، في اختيار وتعيين الوُزراء حتَّى داخل الكيان الواحد، بما يُؤكِّد أنَّ التركيز على المنافع الذاتِيَّة، سواء للشخص المعني أو كيانه، وليس السُّودان الذي يتلاشى وأضحى خواء من فرط (النكبات) المُتلاحقة!
عدد الوزارات البالغ 26 وزارة يتقاطع تماماً مع (اختناقاتنا) الاقتصادِيَّة، التي تتطلَّب (تحجيم/ضغط) الوزارات (تقليلاً) للنفقات العامَّة. كما يتقاطع عدد الوزارات مع مُوجِّهات وسياسات صندوق النقد والبنك الدَوْلِيَيْنِ، الدَّاعية للإصلاح الإداري/الاقتصادي في السُّودان كـ(شروط) حتميَّة، لتلقِّي الدعم/التمويل وفق ما أعلنت هاتين المُؤسَّستين، وتبعاً لتأكيدات حمدوك ومُرافقيه، الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بالمُساعدات الخارجِيَّة (الخُرافِيَّة) وشروطها، ثُمَّ ابتلعوها باختياراتهم الوزاريَّة وعبثهم المُتزايد! والأهم من ذلك، فإنَّ هذا العدد (الضخم) للوزارات (يفضح) الدكتور حمدوك نفسه، ويضعنا أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإمَّا أنَّه (مُخرِّب) يعمل لتدمير البلاد لأنَّه يتجاهل هذه المُتطلَّبات الحتميَّة عن عمد، أو أنَّه (يجهلها) من أساسه، وبالتالي (تكذيب) الأساطير المُشاعة (إسفيرياً) عن بَراعته/خبراته و(إنجازاته) المزعومة، في إدارة الموارد وإصلاح القطاع العام، والتَكيُّف الهيكلي والحوكمة، وغيرها من (الخُرافات)!
إنَّ الفترة الانتقالِيَّة تُعدُّ مرحلةً (حتميَّةً) للتحوُّل الديمقراطي، واتَّخاذ التدابير اللازمة لتحقيق أهداف/غايات التغيير، وهذا يتطلَّب عدداً من الإجراءات أهمَّها إعداد (استراتيجيَّة) واضحة المعالم وخطط عمل تنفيذيَّة دقيقة، واستشراف/استقراء الاحتمالات والتَوقُّعات (داخلياً وخارجياً)، والاستعداد المُسبق لكل احتمال والتعاطي معه بحسمٍ وسرعةٍ وموضوعيَّة. ووجود الاستراتيجيَّة يُساعد في تحقيق المَطلَب (الحتمي) الثاني للمرحلة الانتقالِيَّة، وهو تحديد (شكل) الحكم أو (كيفيَّة) إدارة وتسيير الدولة، وهذا المَطلَب لا يتحدَّد بـ(الرغبات) وإنَّما بـ(القدرات). فالاستراتيجيَّة الرصينة تستند للموارد/القدرات المُتاحة فعلاً، أي الواقعِيَّة، بما في ذلك أسلوب إدارة الدولة أو شكل الحكم (مركزي، لا مركزي، فيدرالي، كونفيدرالي)، لأنَّ هناك (مُقوِّمات/شروط) نجاح لكلٍ من هذه الأشكال/الأنظمة يجب تَوفُّرها، وإلا ستفشل الجهود في الانتقال السليم. أمَّا المطلب الثالث (الحتمي) لنجاح المرحلة الانتقالِيَّة فيتمثَّل في (تحجيم) التَدَخُّلات الخارجِيَّة، لأنَّ لكلٍ منهم أجندته ومصالحه (البعيدة) تماماً عن مصالح الشعب المعني (أصحاب الوَجْعَة)، وما من دولةٍ نجحت في انتقالها وبلوغ غاياتها دون حسم التَدَخُّلات الأجنبِيَّة، والأمثلة كثيرة ولا تحتاج لاستدلال. ومن المُتطلَّبات الحتمِيَّة للمرحلة الانتقالِيَّة أيضاً، قبول الآخر المُختلف فكرياً أو سياسياً/عقائدياً، وتعزيز التماسك الاجتماعي والإنساني، وعدم الإقصاء والتنافُر، وسد الثغرات أمام القُوَّى (المُضادة/المُعارضة) للتغيير، الذي يجتهدون في (تمزيق) تَلَاحُم وتَعَاضُد الشعوب التي تحيا مراحل الانتقال.
للأسف الشديد، فإنَّ جميع المُتطلَّبات أعلاه لا تتوفَّر في من يحكمون السُّودان الآن، سواء العَسْكَر أو حمدوك وقحتيُّوه أو تُجَّار الحرب، فهم لا يملكون استراتيجيَّة ولا خطط عمل ولا برامج واضحة المعالم ومُستندة لمُؤشِّراتٍ واقعيَّةٍ وموضوعِيَّة، تنتشل السُّودان من البُؤس الذي يحياه وتنقذه من الأخطار المُحيقة به. وأنظمة الحكم التي يُنادون بها عبارة عن (دَغْدَغَة) لمشاعر البُسطاء، وبعيدة تماماً عن (العلميَّة/المِهنِيَّة)، وفق ما أوضحنا باختصارٍ أعلاه. وهم جميعاً (بلا استثناء) مُرتهنون للخارج ولا يملكون من أمرهم شيئاً، وعبارة عن (أدوات) تنفيذيَّة للنَيْلِ من السُّودان ومُقدَّراته، ويفتقدون الإنسجام ويكيدون لبعضهم بعضاً، حتَّى على مُستوى الكيان/الشُلَّة الواحدة، ويتجاهلون (التخصُّصيَّة) بما يؤثِّر في (كفاءة/فعالِيَّة) التسيير والإدارة، بخلاف إشعالهم وتغذيتهم للاصطفاف القَبَلي/الجِهَوي تحقيقاً لمصالحهم السُلطَوِيَّة وخصماً على المصلحة العامَّة، والأخطر من ذلك ابتعادهم الكامل عن المخاطر (السيادِيَّة/الاستراتيجيَّة) التي تُهدد وجود السُّودان من أساسه، وهي في المُحصلة مُؤشِّرات تُثبت (عبث) و(تضليل) حُكَّام السُّودان، وتقود لنتائجٍ كارثِيَّةٍ لا محالة لو سارت الأمور بهذا النحو!
إنَّ الرَّقابةَ الرَّصينة (تتلافى) الأخطاء، ولا تنتظرها لتتعاظم وتستفحل، والمُعادلاتُ الرياضيَّةُ (تُحَلْ) بخطواتٍ معلومةٍ ومُتسلسلة، ولن نصل للحل الصحيح لو أغفلنا أياً منها، والواضح لكل ذي بصيرة، أنَّ العَسْكَرْ وحمدوك وتُجَّار الحرب (يعبثون) و(يضَلِّلون)، ويعملون ضد مصلحة البلاد والعباد، والسُّودان وأهله وحدهم سيدفعون ثمن ذلك، وهذا ما يجب إدراكه والتعامل معه بعقولنا، وليس عواطفنا أو تبعاً لـ(أقاويل) الآخرين.
نحن قادرون تماماً على تحقيق التغيير المنشود، وإنقاذ بلادنا لو تركنا المفاهيم/المُمارسات الصَفَوِيَّة والتعويل على (الأشخاص) في العمل العام، فالديمقراطِيَّة تتَحَقَّق بالوعي وإعمال العقل والعمل الجماعي، دون مُتابعة النُخَب الأنانيَّة أو المَساس بحقوق الآخرين.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل